مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامشذور

مكانة المرأة بين السيرة النبوية والتقاليد.

اقتباس: ذة. وفاء رويجل

إن نظرة مقارنة بين العصر النبوي، وبين ما آل إليه واقع النساء بعد ذلك، يجعل الذهن مزدحما بمئات الأسئلة عن ذلك البون الشاسع بين الرؤية الإسلامية لمكانة المرأة، وتحققها في مراحل تاريخية لاحقة.
في هذا النص المقتبس من كتاب “قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة و الوافدة” حاول الأستاذ محمد الغزالي (1416ه) أن يبسط طرفا من الموضوع، وذلك في مقارنات بين مواقف من السيرة المشرفة، وما قابلها من الواقع ؛ يقول –رحمه الله–:
” كلما رجعت إلى السيرة النبوية ازددت معرفة بما كان للمرأة من مكانة، وبما كفله الإسلام لها من حقوق، لقد كانت لها شخصية مقدورة وأثر يحسب! يقول المحدثون: لما نزل قول الله لنبيه ” وأنذر عشيرتك الأقربين “، صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا و نادى: ” يا بني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله، يا صفية عمة رسول الله ويا فاطمة بنت رسول الله اشتريا أنفسكما من الله فإني لا أغنى عنكما من الله شيئاً، سلاني من مالي ما شئتما “.
إن نداء المرأة بهذا الصوت الجهير شيء مستنكر في عصرنا الأخير، كنا نعدها كشخصها عورة لا يجوز أن يعرف! ونقول: ما للمرأة وهذه الشؤون؟ يكفي أن يحضر رجل من أسرتها ليبلغها، أما أن تنادى على رؤوس الأشهاد فذلك عيب!.
لكن المرأة في صدر الإسلام عرفت قدرها، ولما سمعت مناديا يدعو إلى الإيمان سارعت إلى تلبيته، ويحكى المؤرخون أن أخت عمر ين الخطاب كانت أسبق منه إلى الإسلام، لقد أدمى وجهها عندما علم بإسلامها وهاجمها بقسوة فقالت له: يا عمر إن الحق في غير دينك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله..! ثم أسلم عمر بعد !!
ودخل الرجال والنساء فى دين الله، وأعطوا المواثيق على اعتناق الحق والعمل به والذود عنه،وانتظمت الصفوف في المسجد النبوي تستوعب الرجال والنساء على سواء. روى مسلم عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: “ما أخذت ” ق والقرآن المجيد ” إلا من لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يقرأ بها على المنبر في كل جمعة”.
أي إنها حفظت السورة كلها عن ظهر قلب من شدة انتباهها وهى تسمع الخطبة!
ومن الطرائف أن امرأة كريمة موسرة كانت تصنع وليمة بعد الجمعة يحضرها من شاء،روى البخاري عن سهل بن سعد قال: كانت منا امرأة تجعل في مزرعة لها “سلقا” فكانت إذا جاء يوم الجمعة تنتزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير بعد أن تطحنه، فتكون أصول السلق عرقه- مرقه- قال سهل: كنا ننصرف إليها من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا، فكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك، ولم يكن فى الطعام لحم ولا دهن..”.
هذه امرأة مؤمنة سمحة تدخل السرور على الناس بما آتاها الله من فضله! ولو فعلت ذلك في عصرنا لأنكر المتزمتون عليها! ولقال كل جرئ على الفتوى: كيف يُلقَى عليها السلام؟ وكيف تردّه؟ وكيف تلقى الضيوف؟ الخ، إن تقاليد المسلمين في معاملة النساء لا تستند إلى كتاب أو سنة..وقد نشأ عن ذلك أن المثقفات في العصر الحديث تجهّمن للتراث الديني كله يحسبنه السبب في تجهيل المرأة، وهضم مكانتها، وإنكار حقوقها المادية والأدبية التي قررتها الفطرة وأكدها الوحي وبرزت أيام حضارتنا، واستخفت مع انتشار القصور وغلبة الأهواء” .
قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة و الوافدة، محمد الغزالي، دار الشروق، ط7، 2002م، ص: 56-57.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق