مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة الحادية والعشرون)

اللام

[15] لَيُّ الرأس: ومن دلالات هذه الإشارة في القرآن الكريم:

1- الإعراض: قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [المنافقون: 5]؛ قال الطاهر ابن عاشور: «وَ(ليّ الرؤوس): إِمَالَتُهَا إِلَى جَانِبٍ غَيْرِ وُجَاهِ المُتَكَلِّمِ إِعْرَاضًا عَنْ كَلَامِهِ، أَيْ: أَبَوْا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا؛ لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى النِّفَاقِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ رَاجِعِينَ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ كَلَامٍ بَذِيءٍ فِي جَانِبِ المُسْلِمِينَ، أَوْ لِئَلَّا يُلْزَمُوا بِالِاعْتِرَافِ بِمَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ مِنَ النِّفَاقِ»(1). وغالبا ما يقابِلُ هذا الإيماءَ بلي الرأس شعورٌ داخلي كالاستكبار في هذه الآية.

الميم

[16] مد العين: ومن دلالات هذه الإشارة في القرآن الكريم:

1- استحسان المنظور إليه والتعجيب: قال الله تعالى: (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) [الحجر: 88]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَاسْتُعِيرَ المَدُّ هُنَا إِلَى التَّحْدِيقِ بِالنَّظَرِ وَالطُّمُوحِ بِهِ، تَشْبِيهًا لَهُ بِمَدِّ اليَدِ لِلْمُتَنَاوِلِ؛ لِأَنَّ المَنْهِيَّ عَنْهُ نَظَرُ الإِعْجَابِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ حُسْنِ الحَالِ فِي رَفَاهِيَةِ عَيْشِهِمْ مَعَ كُفْرِهِمْ»(2).

ومنه قوله تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [طه: 131]؛ قال الطاهر ابن عاشور: «وَ(مَدُّ العَيْنَيْنِ): مُسْتَعْمَلٌ فِي إِطَالَةِ النَّظَرِ لِلتَّعْجِيبِ لَا لِلْإِعْجَابِ»(3). وقد نهى الله تعالى عن هذا الفعل في الآيتين معا لحكمة يعلمها سبحانه؛ لأن الإعجاب بذلك قد يولد في الإنسان الرغبة في مثله، أو الوقوع فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.

النون

[17] نظر البعض إلى البعض: ومن دلالات هذه الإشارة في القرآن الكريم:

1- التعجب والاستفهام: قال الله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 127]، قال الطاهر ابن عاشور: «فَالنَّظَرُ هُنَا نَظَرٌ دَالٌّ عَلَى مَا فِي ضَمِيرِ النَّاظِرِ مِنَ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ […]؛ لِأَنَّ النَّظَرَ تَفَاهَمُوا بِهِ فِيمَا هُوَ سِرٌّ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ نَظَرَ تَفَاهُمٍ صَحَّ بَيَانُ جُمْلَتِهِ بِمَا يَدُلُّ على الِاسْتِفْهَام التعجيبي، فَفِي هَذَا النَّظْمِ إِيجَازُ حَذْفٍ بَدِيعٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ القَرِينَةُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فِيهَا فَضِيحَةُ أَمْرِهِمْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِخَائِنَةِ الأَعْيُنِ مُسْتَفْهِمِينَ مُتَعَجِّبِينَ مِنِ اطِّلَاعِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَسْرَارِهِمْ»(4). وتدخل هذه الإشارة في باب التواصل البصري غير المنطوق.

الهاء

[18] الهَمْز: ومن دلالات هذه الإشارة في القرآن الكريم:

1- إظهار العيب: قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة: 1]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَ(هُمَزَةٌ): وَصْفٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الهَمْزِ، وَهُوَ أَنْ يَعِيبَ أَحَدٌ أَحَدًا بِالإِشَارَةِ بِالعَيْنِ أَوْ بِالشِّدْقِ أَوْ بِالرَّأْسِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ عِنْدَ تَوَلِّيهِ»، وأضاف: «وَهَذَانِ الوَصْفَانِ مِنْ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ لِلمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ، وَمَنْ عَامَلَ مِنَ المُسْلِمِينَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الوَعِيدِ. فَمَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الخُلُقِ الذَّمِيمِ مِنَ المُسْلِمِينَ مَعَ أَهْلِ دِينِهِ فَإِنَّهَا خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَهِيَ ذَمِيمَةٌ تَدْخُلُ فِي أَذَى المُسْلِمِ، وَلَهُ مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ بِحَسَبِ قُوَّةِ الأَذَى وَتَكَرُّرِهِ»(5). وقانا الله من شر هذه الخصال، وذلك لما فيه من الأذى للمسلم الذي قد يؤدي به إلى الحزن والكآبة بحيث لا يرضى الله تعالى عن ذلك.

الواو

[19] الوحي: قال الطاهر بن عاشور: «وَ(الوَحْيُ) إِفَادَةُ المَقْصُودِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ الكَلَامِ، مِثْلَ الإِشَارَةِ»(6)، ومن دلالات الوحي في القرآن الكريم:

1- إفادة المقصود: قال الله تعالى: (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم: 11]، قال الطاهر بن عاشور: «وَ(الوَحْيُ): الإِشَارَةُ بِالعَيْنِ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَالإِيمَاءُ لِإِفَادَةِ مَعْنًى شَأْنُهُ أَنْ يُفَادَ بِالكَلَامِ»(7). أي: أشار إليهم من غير كلام، لكن مع إفادة المقصود، ورُب إشارة تكون أبلغ من عبارة.

[20] وضع اليد على الفم: ومن دلالاته في القرآن الكريم:

1- التعجب والاستهزاء: قال الله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [إبراهيم: 9]؛ قال الطاهر ابن عاشور: «وَمَعْنَى (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) يَحْتَمِلُ عِدَّةَ وُجُوهٍ أَنْهَاهَا فِي «الكَشَّافِ» إِلَى سَبْعَةٍ وَفِي بَعْضِهَا بُعْدٌ، وَأَوْلَاهَا بِالِاسْتِخْلَاصِ أَنْ يَكُونَ المَعْنَى: أَنَّهُمْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ إِخْفَاءً لِشِدَّةِ الضَّحِكِ مِنْ كَلَامِ الرُّسُلِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَظْهَرَ دَوَاخِلُ أَفْوَاهِهِمْ، وَذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِحَالَةِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالرُّسُلِ»(8).

وقال في موضع آخر: «فَمَعْنَى (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) جَعَلُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ. وَعَطْفُهُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّهُمْ بَادَرُوا بِرَدِّ أَيْدِيهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ بِفَوْرِ تَلَقِّيهِمْ دَعْوَةَ رُسُلِهِمْ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رَدُّ الْأَيْدِي فِي الْأَفْوَاهِ تَمْثِيلًا لِحَالِ المُتَعَجِّبِ المُسْتَهْزِئِ، فَالكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِلْحَالَةِ المُعْتَادَةِ وَلَيْسَ المُرَادُ حَقِيقَتَهُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ خَبَرًا عَنِ الأُمَمِ مَعَ اخْتِلَافِ عَوَائِدِهِمْ وَإِشَارَاتِهِمْ وَاخْتِلَافِ الأَفْرَادِ فِي حَرَكَاتِهِمْ عِنْدَ التَّعَجُّبِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ إِلَّا بَيَانٌ عَرَبِيٌّ»(9). والعرب تفعل ذلك في حال التعجب كثيرا.

أما الدكتور محمد الأمين أحمد موسى فيرى أن هذه الإيماءة تستخدم في مختلف المجتمعات لتفادي الضحك المسترسل المجلجل الذي قد يسبب إزعاجا، وتدخل ضمن قواعد آداب السلوك (الإتيكيت)، أما قوم نوح فكان ضحكهم ساخرا، وربما أرادوا بها أن يضعوا حدا للضحك الزائد الذي يتسبب في آلام للبطن والحنجرة(10). وفي كلتا الحالتين، فحالهم حال المتعجب المستهزئ، وضحكهم ضحكُ تعجب وسخرية، وحركاتهم كذلك، وهذه الإشارة وردت مصحوبة بإقرارهم بالكفر، وذلك أشد كراهة لهم.

[21] وضع اليد على اليد: ومن دلالاته في القرآن الكريم:

1- المبايعة: قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 10].

قال الطاهر ابن عاشور: «وَانْتَقَلَ مِنْ هَذَا الِادِّعَاءِ إِلَى تَخَيُّلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَايِعُهُ المُبَايِعُونَ، فَأُثْبِتَتْ لَهُ اليَدُ الَّتِي هِيَ مِنْ رَوَادِفِ المُبَايَعِ –بِالفَتْحِ- على وَجه التخييلية مِثْلَ إِثْبَاتِ الأَظْفَارِ لِلْمَنِيَّةِ. وَقَدْ هُيِّأَتْ صِيغَةُ المُبَايَعَةِ لِأَنْ تُذْكَرَ بَعْدَهَا الأَيْدِي؛ لِأَنَّ المُبَايَعَةَ يُقَارِنُهَا وَضْعُ المُبَايِعِ يَدَهُ فِي يَدِ المُبَايَعِ بِالفَتْحِ كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْر:

حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لَا أُنَازِعُهُ*** فِي كَفِّ ذِي يَسَرَاتٍ قِيلُهُ القِيلُ

وَمِمَّا زَادَ هَذَا التَّخْيِيلَ حُسْنًا مَا فِيهِ مِنَ المُشَاكَلَةِ بَيْنَ يَدِ اللَّهِ وَأَيْدِيهِمْ كَمَا قَالَ فِي «المِفْتَاحِ»: وَالمُشَاكَلَةُ مِنَ المُحَسِّنَاتِ البَدِيعِيَّةِ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ اليَدِ وَسِمَاتِ المُحْدَثَاتِ. فَجُمْلَةُ (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ) المُفِيدَةِ أَنَّ بيعتهم النبيء صلى الله عليه وسلم فِي الظَّاهِرِ، هِيَ بَيْعَةٌ مِنْهُمْ لِلَّهِ فِي الوَاقِعِ، فَقَرَّرَتْهُ جُمْلَةُ (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وَأَكَّدَتْهُ، وَلِذَلِكَ جُرِّدَتْ عَنْ حَرْفِ العَطْفِ. وَجُعِلَتِ اليَدُ المُتَخَيَّلَةُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ إِمَّا لِأَنَّ إِضَافَتَهَا إِلَى اللَّهِ تَقْتَضِي تَشْرِيفَهَا بِالرِّفْعَةِ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ كَمَا وُصِفَتْ فِي المُعْطِي بِالعُلْيَا فِي قَول النبيء صلى الله عليه وسلم: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَاليَدُ العُلْيَا هِيَ المُعْطِيَةُ وَاليَدُ السُّفْلَى هِيَ الآخِذَةُ»، وَإِمَّا لِأَنَّ المُبَايَعَةَ كَانَتْ بِأَنْ يَمُدَّ المُبَايِعُ كَفَّهُ أَمَامَ المُبَايَعِ –بِالفَتْحِ- وَيَضَعَ هَذَا المُبَايِعُ يَدَهُ عَلَى يَدِ المُبَايَعِ، فَالوَصْفُ بِالفَوْقِيَّةِ مِنْ تَمَامِ التَّخْيِيلِيَّةِ»(11).

وقد صارت هذه الإشارة مستعملة في التواصل اليومي عند العرب خاصة عند العزم على أمر يحتاج موافقة الجماعة والتعاون من كل فرد على حدة من أجل إتمامه، فهي بمثابة العهد.

الألف

[1] إلقاء الأقلام: ومن دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- التنازع والاقتراع: قال الله تعالى: (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران: 44].

 قال الطاهر ابن عاشور: «وقوله: (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ) وهي الأقلام التي يكتبون بها التوراة، كانوا يقترعون بها في المشكلات بأن يكتبوا عليها أسماء المقترعين أو أسماء الأشياء المقترع عليها، والناس يصيرون إلى القرعة عند انعدام ما يرجّح الحق، فكان أهل الجاهلية يستقسمون بالأزلام، وجعل اليهود الاقتراع بالأقلام التي يكتبون بها التوراة في المِدراس رجاء أن تكون بركتها مرشدة إلى ما هو الخيْر. وليس هذا من شعار الإسلام وليس لإعمال القرعة في الإسلام إلاّ مواضع تمييز الحقوق المتساوية من كل الجهات، وتفصيله في الفقه. وأشارت الآية إلى أنّهم تنازعوا في كفالة مريم حين ولدتها أمها حنّة إذ كانت يتيمة كما تقدم، فحصل من هذا الامتنان إعلام بأنّ كفالة زكرياء مريم كانت بعد الاستقسام، وفيه تنبيه على تنافسهم في كفالتها»(12). وفيه تنبيه أيضا على شرف زكرياء عليه السلام بكفالة مريم بحضور المتنازعين في الكفالة واختيار الله له من بينهم جميعا، وقد قيل: إنهم اختاروا الأقلام لأن عمران أبا مريم كان يعلمهم بالقلم، وهو معلمهم ومدرسهم، ولذلك تنازعوا في كفالة ابنته.

[2] إلقاء الألواح: ومن دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- إظهار الغضب: قال الله تعالى: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) [الأعراف: 150]، قال الطاهر بن عاشور: «وَإِلْقَاءُ الْأَلْوَاحِ رَمْيُهَا مِنْ يَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ […]، ثُمَّ إِنَّ إِلْقَاءَهُ إِيَّاهَا إِنَّمَا كَانَ إِظْهَارًا لِلْغَضَبِ، أَوْ أَثَرًا مِنْ آثَارِ فَوَرَانِ الْغَضَبِ لَمَّا شَاهَدَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَمَا ذَكَرَ الْقُرْآنُ ذَلِكَ الْإِلْقَاءَ إِلَّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، إِذْ لَيْسَ فِيهِ مِنْ فَوَائِدِ الْعِبْرَةِ فِي الْقِصَّةِ إِلَّا ذَلِكَ»(13). وكثير منا من يُظهر الغضب عن طريق إلقاء ما في يده في لحظة الغضب دون شعور حتى تمر لحظة الغضب، وقد تظهر آثار الغضب في صور أخرى كثيرة مثل إيلام الذي حولك كما فعل موسى عليه السلام حين أخذ برأس أخيه يجره إليه قصدا للتأنيب، وقد يكون بإلقاء أشياء أخرى غير الألواح.

وقد ورد في السنة النبوية مجموعة من التوجيهات الكفيلة بإطفاء نار الغضب، منها: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والسكوت، والجلوس إن كان الشخص قائما، وغيرها من التصرفات التي تحصن صاحبها من الوقوع فيما لا تحمد عقباه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- التحرير والتنوير 28/244.

2- التحرير والتنوير 14/82.

3- التحرير والتنوير 16/340.

4- التحرير والتنوير 11/69.

5- التحرير والتنوير 30/537.

6- التحرير والتنوير 6/31.

7- التحرير والتنوير 16/74.

8- التحرير والتنوير 13/196.

9- التحرير والتنوير 13/197.

10- الاتصال غير اللفظي في القرآن الكريم ص: 318.

11- التحرير والتنوير 26/158.

12- التحرير والتنوير 3/245.

13- التحرير والتنوير 9/115.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق