مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

حسن المقصد في عمل المولد”  لجلال الدين السيوطى (تـ: 911هـ) تعريف وتوصيف.

أما بعد،

فإن الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، له  مميزات خاصة، وذلك لما يمثله للمسلمين من قيمة ثابتة، ومكانة كبرى؛ إذ كان السبب في هداية البشرية، وإخراجها من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

وقد استحسن جماهير المسلمين الاحتفال بالمولد النبوي في مشارق الأرض ومغاربها؛ لأن هذه الولادة من أجلّ وأشرف الولادات على الإطلاق.

 وأنكره  بعض العلماء، وعدوه بدعة مذمومة؛ باعتباره موسما وشعارا دينيا، وعبادة غير مشروعة، وظن العوام أنها مشروعة، لما يقترن به من المنكرات الأخرى.

 وذهب البعض الآخر: إلى أنه بدعة حسنة؛ لأنه عبارة عن الشكر لله تعالى على وجود خاتم أنبيائه، وأفضل رسله بإظهار السرور في مثل اليوم الذي ولد فيه، وبما يكون فيه من الصدقات والأذكار.

 وفي هذا السياق ألف الإمام السيوطي رسالته المسماة: “حسن المقصد في عمل المولد وعد الاحتفال بالمولد بدعة حسنة.

ونظرا لأهمية هذه الرسالة في الجواب على هذه المسألة الخلافية، ارتأيت أن أكتب حولها مقالا للتعريف بها، وقسمته إلى قسمين:

أولا: ترجمة موجزة للحافظ السيوطي[1].

هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين جلال الدين الخضيري السيوطي، الشافعي القاهري المصري، إمام حافظ مؤرخ أديب. أخذ العلم عن البلقيني، والشرف المناوي، والشمس ابن الفالاتي، والجلال المحلي، وغيرهم كثير جدا،  وتتلمذ على يده حفاظ كبار منهم: شمس الدين الداوودي المالكي، وهو صاحب المؤلفات الحافلة الجامعة النافعة المتقنة التي تزيد على خمسمائة مصنف، وقد تداولها الناس وتلقوها بالقبول واشتهرت وعم النفع بها، ولد في (849هـ )، وتوفي بمصر سنة(911هـ).

 ثانيا: التعريف بحسن المقصد في عمل المولد.

رسالة “حسن المقصد في عمل المولد بين فيها الحافظ السيوطي مشروعية الاحتفال بالمولد، ردا على من يقول: ببدعية هذا الاحتفال.

وقد استهل رسالته بالسبب الذي دفعه إلى تأليفها بقوله: “وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول، ما حكمه من حيث الشرع ؟ وهل هو محمود أم مذموم ؟ وهل يثاب فاعله أم لا ؟”[2].

فأجاب رحمه الله بما نصه: “والجواب عندي: أن أصل عمل المولد ـ الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في بداية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماطا يأكلونه، وينصرفون من غير

زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها؛ لما فيها من تعظيم قدر النبي صلى الله علنه وآله وسلم، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف”[3].

ثم انتقل إلى الكلام على تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي، ومن أحدث فعل ذلك أولا بقوله: “وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر: أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي ابن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة ، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون”[4]. وعزز كلامه على هذه الأسبقية وما تم فعله في الاحتفال بالمولد الشريف بمجموعة من أقوال العلماء: كابن كثير في البداية والنهاية، وسبط ابن الجوزي في مرآة الزمان، وابن خلكان في ترجمة ابن دحية من كتاب وفيات الأعيان.

ثم انتقل إلى الرد على تاج الدين اللخمي الذي قال: “لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب الله تعالى، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون”، بقوله: “وقد ادعى الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني من متأخري المالكية أن عمل المولد بدعة مذمومة، وألف في ذلك كتاباً سماه: المورد في الكلام على عمل المولد”[5]. وساق كلام تاج الدين اللخمي برمته، وتكلم عليه حرفا حرفا.

ثم أتى بأقوال العلماء في الاحتفال بالمولد وما يعمل فيه  كابن الحاج، والحافظ ابن حجر، وشمس الدين الجزري، وشمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي، والكمال الأفودي.

ثم ختم كتابه بالحديث عن الحكمة من مولد النبي صلى الله عليه وسلم في الاثنين من شهر ربيع الأول، جالبا في ذلك كلام ابن الحاج.

والخلاصة أن الإمام السيوطي عد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة حسنة، وذلك باجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما وقع في مولده من الآيات، وزيادة الأعمال الزكيات، والصدقات، وتجنب المنكرات كاللهو واللعب بالدف وغير ذلك مما يعد منكرا شرعا.

ورسالة حسن المقصد في عمل المولد طبعت مفردة بتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، في دار الكتب العلمية، ط1، 1405هـ ـ 1985م، وأيضا طبعت ضمن كتاب الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والأصول والنحو والإعراب وسائر الفنون، لجلال الدين السيوطي، بدار الكتب العلمية ـ بيروت 1421هـ ـ 2000م.

**************

هوامش المقال:

[1]   من مصادر ترجمته: ترجم لنفسه في كتابه حسن المحاضرة (1 /335)شذارات الذهب (8 /51)، درة الحجال(3 /92)، فهرس الفهارس(2 /1011)، الأعلام(3 /301).

[2]   حسن المقصد (ص: 41).

[3]   حسن المقصد (ص: 41).

[4]   حسن المقصد (ص: 46).

[5]   حسن المقصد (ص: 45).

****************

جريدة المصادر والمراجع:

الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين) لخير الدين الزركلي الدمشقي. دار العلم للملايين ط15: 2002 م.

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1967م ـ 1387م.

حسن المقصد في عمل المولد، للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط1، 1405هـ ـ 1985م.

درّة الحجال فى أسماء الرّجال،لأبي العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى ابن القاضى، تحقيق: محمد الأحمدى أبو النور، دار التراث (القاهرة) ـ المكتبة العتيقة (تونس)، ط1، 1391 هـ ـ 1971م.

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط، دار بن كثير، سنة: 1406هـ.

فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي  ط2، 1982م.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

 

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق