مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في ضوء السيرة النبوية -عرض لبعض النماذج-

تمهيد

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

       فإن الشورى من المبادئ الأساسية في الإسلام، وقد أمر الله تعالى بها نبيه الكريم فقال:       ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين﴾([1])

كما بين سبحانه وتعالى أن الشورى من صفات المدح للمؤمنين في قوله تعال: ﴿والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون﴾([2])

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في تطبيقه لهذا المبدأ وفي ذلك يقول الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه: «ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم» ([3])

ولأهمية الموضوع ارتأيت أن أفرده بمقال أتحدث فيه عن بعض المواقف التي استشار فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على جهة الاختصار لا الحصر والاستقصا وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه  -عرض لبعض النماذج-

لقد كان النبي صلوات الله وسلامه عليه المثل الأعلى في كل شيء؛ ومن ذلك تطبيقه مبدأ الشورى في أسمى معانيها، والوقائع الكثيرة من سيرته الطاهرة لشاهدة على ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم كثير التشاور لأصحابه في مختلف جوانب الحياة، فكان يستشيرهم في السلم والحرب، بل وكان يستشيرهم في بعض الأمور الخاصة مثل حادثة الإفك.

ومن نماذج مشاوراته لهم أذكر:

1-مشاورته -صلى الله عليه وسلم- الأنصار في بدر قائلا: «أشيروا عليَّ أيها الناس» وإنما يريد الأنصار([4]). فشاورهم في اختيار المكان الذي نزل فيه المسلمون يوم بدر، وأخذ بمشورة الحباب بن المنذر([5]) ، وشاورهم بعد انتهاء المعركة في مصير أسرى بدر([6])

2-كما شاور النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه يوم أحد بين المقام والخروج؛ فرأو له الخروج، فلما لبس لأمته وعزم، قالوا: أقم، فلم يمل إليهم بعد العزم، وقال: لا ينبغي لنبي لبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله([7])

3-وشاور عليه الصلاة والسلام السعدين –سعد بن معاذ وسعد بن عبادة- رضي الله عنهما يوم الخندق، فأشارا عليه بترك مصالحة العدو على بعض ثمار المدينة مقابل انصرافهم عنها، فأخذ برأيهما([8])

4-وحينما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد عودته من صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة أن يرسل رسائل إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام، قيل له: يا رسول الله إن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوما، فاتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة، فصه منه، نقشه ثلاثة أسطر: محمد رسول الله وختم به الكتب([9])

5- كما شاور عليا وأسامة بن زيد فيما رمى به أهل الإفك عائشة، فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين، ولم يلتفت إلى تنازعهم، وإنما حكم بما أمره الله([10])

6-واستشار في عقوبة المنافقين الذين آذوه في أهله فقال: «ما تشيرون علي في قوم يسبون أهلي»([11])

الخاتمة:

      وختاما فهذه بعض استشارات النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في ضوء السيرة النبوية على وجه الإيجاز والاختصار وأترك القارئ الكريم الوقوف على غيرها وأسأل الله سبحانه أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

************************

هوامش المقال:

([1]) سورة آل عمران الآية: (159).

([2]) سورة الشورى الآية: (35).

([3]) أخرجه الترمذي في سننه (3 /330) أبواب  الجهاد، باب: ما جاء في المشورة .

([4]) سيرة ابن هشام: (ص: 293).

([5]) سيرة ابن هشام: (ص: 296).

([6]) ونص الحديث أخرجه أحمد في مسنده (6 /138) برقم: 3632 بلفظ: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقولون في هؤلاء الأسرى قال فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم قال وقال عمر يا رسول الله أخرجوك وكذبوك قربهم فاضرب أعناقهم قال وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم نارا….

([7]) صحيح البخاري (4 /376) كتاب: الإعتصام بالسنة، باب: قول الله تعالى: ﴿ وأمرهم شورى بينهم وشاورهم في الأمر﴾.

([8]) نص الحديث في مصنف عبد الرزاق (5 /367 وما بعدها) برقم: (9737).

([9]) الطبقات الكبرى: (1 /258).

([10]) صحيح البخاري (4 /376) كتاب: الإعتصام بالسنة، باب: قول الله تعالى: ﴿ وأمرهم شورى بينهم وشاورهم في الأمر﴾، وانظر: فتح الباري (13 /283).

([11]) صحيح البخاري (4 /377) كتاب: الإعتصام بالسنة، باب: قول الله تعالى: ﴿ وأمرهم شورى بينهم وشاورهم في الأمر﴾ برقم: (7370).

*****************

لائحة المراجع المعتمدة:

المصنف. عبد الرزاق بن همام الصنعاني. عني بتحقيق نصوصصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليها: حبيب الرحمن الأعظمي. منشورات المجلس العلمي الهند- توزيع: المكتب الإسلامي بيروت.ط 2 /1403-1983.

السيرة النبوية. ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري. دار ابن حزم بيروت لبنان. ط2/ 1430-2009.

المسند. أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة بيروت. ط2 /1420-1999.

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1 / 1400هـ.

الطبقات الكبرى. محمد بن سعد. دار صادر – بيروت (د-ت).

فتح الباري بشرح صحيح البخاري وبهامشه متن الجامع الصحيح للإمام البخاري. ابن حجر العسقلاني. المطبعة الكبرى الميرية بولاق مصر. 1300هـ

راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق