وحدة الإحياءقراءة في كتاب

مراجعة “المراجعات” قراءة تحليلية نقدية لكتاب “مراجعات في الفكر الإسلامي ” لعبد المجيد النجار

“احتلت قضايا المراجعات في تراثنا الإسلامي وتاريخنا الفكري أهمية كبيرة، ذلك لأن علماءنا  أدركوا في وقت مبكر أن من لا يراجع تراثه بنفسه ومن منطلق الالتزام به، فسوف يراجعه له خصومه وأعداؤه بعين سخط، وقد تنال منه فتزيف قضاياه وتشوه موضوعاته وتغير طبيعته[2]“؛ وهذا ما نلمسه في أغلب أعمال المستشرقين إلا النزر القليل منها، بالرغم من أن ذلك الاشتغال النقدي، وإن اختلفت أطره المرجعية عن فلسفة علومنا وتراثنا، فقد كانت له نتائج إيجابية في تحريك الآسن من فكر الجمود والتقليد؛ سواء بالرد على أخطائهم أو بتصحيح المسار العام لعلومنا.

إن فقه المراجعة فلسفة أصيلة في فكرنا الإسلامي، ولهذا “ظلت العلوم الإسلامية طيلة تاريخها تخضع للمراجعة من قبل المتخصصين فيها من العلماء، وهي تلك المراجعة التي ينظر فيها اللاحق فيما أنتجه السابق فيتناوله بالتمحيص؛ يلائم بينه وبين مقتضيات ما استجد من أوضاع المسلمين، لتنتهي إلى تعديل ما ينبغي تعديله، وإضافة ما ينبغي إضافته، وربما إسقاط ما ينبغي إسقاطه، وبسبب ذلك  نرى هذه العلوم تتطور باطراد في كمها وكيفها، ومهما يأتي عليها من زمن تخلد فيه إلى الركود، فإنها لا تلبث أن تنبعث فيها الحياة من جديد، وذلك بفعل هذه الفلسفة التي انبنت عليها الثقافة الإسلامية في تطور العلوم، وهي فلسفة المراجعة المستمرة من أجل التطوير والتنمية لمجابهة ابتلاءات  الواقع[3].”

في هذا السياق يأتي كتاب مراجعات في الفكر الإسلامي لمؤلفه الدكتور عبد المجيد النجار لينخرط في مسلسل المراجعات الاجتهادية التي تتوخى تحريك ديناميكية الفكر الإسلامي، ويجيب على أسئلته الإشكالية التي يفرضها منطق الواقع ومنطق التاريخ. والكتاب في الحقيقة لا يضعه كاتبه في مصاف تلك الرؤى التجديدية الهادفة إلى تحقيق طفرات نوعية في مشروع التجديد المنهجي والمعرفي لعلومنا الإسلامية، كما هو شأن عدد من الإصلاحيين والمجددين، بقدر ما يعتبره مساهمة في خلق ثقافة المراجعة التي من شأنها أن تدشن  تيارا تصحيحيا في أمة تدعو مرجعيتها في أكثر من موقع ومناسبة إلى الاجتهاد والتجديد.

 منهجية الكاتب

ـ لم يحدد الكاتب منهجيته في هذه المراجعة أو أطره المرجعية التي سيحتكم إليها أثناء المراجعة، كما لم يحدد مستوى المراجعة؛ هل تكتفي بالفروع الفقهية والفكرية أم تتعداها إلى الأصول المنتجة لهذا الفقه ولهذا الفكر. مع أن ذكر المنهج المتبع أو الأطر المرجعية الحاكمة أمر ضروري من أجل التقييم العلمي لهذه المحاولة؛ لهذا نجد عددا من المفكرين الذين يشتغلون بسؤال التجديد والاجتهاد يفرشون أرضية نظرية يمكن البناء عليها منهجيا بالشكل الذي يخول مراجعة موضوعية لعلومنا[4].

ـ تناول الكتاب قضايا متنوعة ومختلفة ومتباعدة أحيانا، لدرجة أن بحوثه صيغت، في بعض فصولها، بشكل منفصل عن السياق العام للأبواب، على اعتبار أنها كتبت في مواقع وأزمنة مختلفة كما يتبدى من خلال بعض العناوين، ولائحة المراجع، حيث ذيل بعضها بهذه اللائحة وغاب عن بعضها الآخر، لهذا فإن إدراك ورصد الناظم المنهجي الذي يجمع ثنايا هذه المواضيع أمر ضروري على المستوى المنهجي بالنظر لما ذهب إليه طه جابر العلواني من أن فقه المراجعة يتناول “النقد العلمي المنهجي لنظرية المعرفة المهيمنة على هذه العلوم تناولا نقديا علميا، بحيث يمكن اكتشاف الإطار المرجعي لهذه المعارف بكل تفاصيله ودقائقه، واكتشاف تأثيره المتنوع على تلك العلوم والمعارف[5]“؛ لأن هذا التناول هو المطلوب بالدرجة الأولى  لدى كل محاولة تروم مراجعة دقيقة منهجيا ومعرفيا للعلوم، وإلا أصبحنا أمام مجرد دراسات وبحوث متنوعة في مجال درس الفكر الإسلامي، وهذا لا ينفي أهميتها وفوائدها إلا أن لكل مقام مقال، ومقام المراجعات له ما يناسبه في عدد من المحطات التي استطاع الكاتب أن يقف عليها بنفس اجتهاده تجديدي في أكثر من مناسبة[6].

ـ حاول المؤلف أن يدير النقاش في القضايا العالية بحنكة عالية تتوجه بوصلتها الإستراتيجية العامة نحو التجريد والتعميم ما أمكن، دون الدخول في التفاصيل، وإن كان لابد من أمثلة لتعزيز هذا الموقف أو ذاك؛ فالكاتب لم يتعد الأمثلة التقليدية المبثوثة في كتب الفقه والأصول إلا نادرا، حتى إذا ما اضطر لمناقشة بعض القضايا المعاصرة اتخذ من الخطوات التمهيدية التي تؤطر الموضوع منهجيا ونظريا كضوابط وموجهات للبحث ونسبة المواقف الحادة لأهلها دون أن يضع نفسه في إحدى الخنادق التي من شأنها أن تصنف الكاتب في اتجاه معين، كما هو الحال عند محترفي “الجرح والتعديل” في عصرنا.

والواقع أن هذا المنهج لا يعفي الكثير من المشتغلين بالدراسات الشرعية من ضرورة الحسم في بعض القضايا الإشكالية، والتعمق في تفصيلاتها بنيويا، والرفع من مستوى النقاش العلمي إلى مستوى النقاش الإبستيمولوجي للأصول المرجعية المتحكمة في هذه القضايا.

    قد يكون عذر بعض الدارسين[7] في عدم الرفع من السقف المعرفي لهذه المراجعات عدم الرغبة في توظيف أدوات وآليات العدة المنهجية على مستوى العلوم الإنسانية التي تعنى بالتفكيك والتركيب اللازمة للخوض في مثل هذه الإشكاليات؛ فعدة الكثير من الباحثين المنهجية، كما يبدو من أمثال هذا  الكتاب وغيره، تنهل بشكل أساسي من العلوم الإسلامية التراثية؛ خاصة أصول الفقه ومقاصد الشريعة وعلم الكلام في طبعتها التاريخية. لكننا، بالمقابل، نسجل أن انفتاح الكاتب على الواقع الغربي بحكم الممارسة الميدانية في ظل المجتمع الأوروبي للإفتاء، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مكن الكاتب من توسيع نطاق التفكير في قضايا الفكر الإسلامي من مجرد التنظير التجريدي إلى التنظير العملي، وهذا ملموس في باب “مراجعات في شؤون الحريات” ولكن في حدود السقف المعرفي كما حدّده التاريخ والعقل الإسلامي الوسيط.. مع ذلك فالدكتور عبد المجيد يأخذنا في رحلة ممتعة في قضايا شائكة من شأنها أن تحفزنا على التفكير فيها من منظور مختلف ومتمم كما طرحه الكتاب..

ـ تناول الكاتب كذلك في مراجعاته خمس محاور أساسية يمكن عرضها ومناقشتها على الشكل التالي:

1.  باب مراجعات في الفكر العقدي

يعكس عنوان الفصل الأول: العقيدة الحقيقة والفاعلية من هذا الباب هاجس المؤلف المتعلق بثنائية النظرية والتطبيق/الفهم والتنزيل، وهي ثنائية لازمت المؤلف منذ بواكير أعماله، كما هو شأن غير يسير من المفكرين الذين قاربوا قضايا الدين ومفرداته التفصيلية باستحضار هذه الثنائية التي غذت معادلة معيارية في تقويم جدية ونوعية البحوث المعاصرة.

وفي موضوع العقيدة سيؤسس المؤلف على استحقاقات غياب هذا الأساس الأصيل في الدين عددا من “المراجعات” التي من شأنها ترشيد التصور العقدي وتنزيله وذلك على ثلاث مستويات:

أ. مدلول العقيدة؛ حيث أن ضيق أو سعة هذا المدلول له أثر بالغ على السلوك والممارسة؛ لهذا فالمطلوب توسيع سعة هذا المدلول ليشمل قضايا العمران البشري باعتبار هذا المعنى هو الأصل.

ب. مفردات العقيدة؛ التي يجب أن تتوسع وتتعدد وتدخل في الوعي العقدي للأمة، وتشمل المراجعة هنا مستويين: مراجعة على مستوى ذات المفردات التي يمكن أن تتجدد وتتنوع وفق أبعاد دالة كالبعد الاستخلافي العام، والبعد الاجتماعي، والبعد الكوني، والبعد التشريعي. ثم مراجعة على مستوى الترتيب وهي نوعان: ترتيب بحسب ذات المفردات، وتتقدم فيه الأصول على الفروع والكليات على الجزئيات، وترتيب دعوي تقتضيه متطلبات الدعوة.

ج. تفعيل العقيدة؛ عبر الانتقال بها من مستوى التصور النظري إلى المستوى العملي، ويتم ذلك بحسب الكاتب عبر طرق عدة من قبيل: التأطير العقدي الشامل على مستوى الفكر والعمل، التفعيل الإرادي للاعتقاد انطلاقا من الجزم الاعتقادي إلى الإحياء الروحي للاعتقاد مرورا باستنهاض الفطرة الكونية والنفعية. ومن المقترحات العملية في هذا المجال؛ أن يعمد الفكر الشرعي إلى كل محور من المحاور الأساسية للشريعة فيدرج بين يديه مبحثا عقديا يتعلق به، ويكون ذلك المبحث كالسند لكافة قضايا المحور، يوجه بناءها وترتيبها والاجتهاد فيها عن قرب.

أما الفصل الثاني من هذا الباب فقد خصه المؤلف للحديث عن الاستدلال على العقيدة متخذا من سعيد النورسي نموذجا منهجيا لهذا الاستدلال، خاصة عقيدة اليوم الآخر، باعتبار أنّ هذا النموذج يعدّ مثالا ربما للمراجعة العقدية المطلوبة على مستوى منهج الاستدلال العقدي. فبعد أن بين مدى ارتهان علم العقيدة لمنهجية الاستدلال التاريخية المرتبطة بطبيعة التحديات العقدية التي واجهها الفكر الإسلامي آنذاك، بدأ في إبراز اهتمام النورسي بعقيدة الآخرة، مفصلا في الأسس المنهجية التي اعتمدها النورسي على هذا الصعيد والمتمثلة في: السياق الدعوي، ومخاطبة مجموع الكيان الإنساني، والتكامل الاستدلالي، وأخيرا الاستدلال بالآفاق الكونية، وفي عده لمسالك الاستدلال على اليوم الآخر عند النورسي سرد مسالك: الأنفس والآفاق والإيمان بالله ومسلك المنفعة.

والواقع أنّنا لا ندري موقع البحث في منهج النورسي على مستوى الاستدلال العقدي من البناء العام الذي أراد المؤلف تدشينه في هذه المراجعة العقدية؟ ذلك أن محاولة النورسي رغم لحظاتها الإشراقية تندرج، من حيث أصولها النظرية، في السياق العام لمصنفاتنا العقدية التي تشتغل بنفس الأدوات المعرفية التاريخية التي فيها ما فيها؛ ولهذا أعتقد أن أي محاولة تجديدية لا تتجاوز إبستيمولوجيا الأدوات المعرفية التاريخية المتحيزة، لن تضيف جديدا يذكر إلا من حيث طريقة العرض والأسلوب، وهذا حال أغلب المصنفات العقدية المعاصرة التي نجدها في غالبها أقرب لمقررات دراسية للطلاب منها لأطروحات علمية رصينة تتوخى التجديد والمراجعة.

في الفصل الثالث من الباب الأول المتعلق بالبعد العقدي لمعالجة مشكلة الفقر نرى ملامح التفكير الجدي للمؤلف في محاولته تقديم تصور حول تفعيل العقيدة في الواقع الاجتماعي الذي يعرف انحطاطا واضحا في عالمنا الإسلامي، وقد أرجعها إلى عاملين أساسيين: الأول: ضعف الإنتاج الذي لا يفي الحاجات الأساسية. والثاني: سوء التوزيع للثروات بين أفراد المجتمع، وعلى هذا الأساس سيبني المؤلف مراجعته العقدية على هذا المستوى من خلال توظيف البعد العقدي في كل من الإنتاج والتوزيع ببيان القيمة العقدية لكليهما والعلاج العقدي لمشاكلهما، ولقد كان المؤلف وفيا لمقترحه بالتأطير العقدي لبحث العمران حيث مهد لقضايا الاقتصاد بمبحث عقدي موجه.

وكان هذا الفصل سيكون متكاملا لو أفرد المؤلف مبحثا عن البعد العقدي للاستهلاك ببيان قيمته العقدية، والإصلاح العقدي للانحراف الاستهلاكي للأمة خاصة في ظل العولمة واستحقاقات وإكراهات السوق الحرة[8].

في الفصل الرابع من هذا الباب المتعلق بدور العبادة في الأمن النفسي يورد المؤلف التفاتة في غاية الأهمية وتتمثل في أن السعادة التي يثمرها الإيمان ليست مقتصرة على السعادة الأخروية وإنما هي سعادة دنيوية أيضا. وعلى هذا الأساس راح المؤلف يجلي دور العبادة في الأمن النفسي وأثر ذلك على النفس من خلال الراحة وفسحة الأمل والثقة بالمستقبل والرضا بالقدر.

غير أننا في هذا الفصل لم نلحظ جوانب المراجعة العقدية المطلوبة على هذا المستوى؛ إذ الحديث عن أثر الإيمان في نفس الإنسان فاضت به أقلام الكثير من العلماء والوعاظ قديما وحديثا بما يشفي ويكفي، إلا إذا أردنا الحديث عن أحد جوانب تفعيل طاقة الإنسان الروحية والنفسية ليؤهل للاستخلاف الحضاري وهو ما فصل فيه الكاتب في غير هذا الكتاب[9].

2. مراجعات في الفكر الشرعي

عالج المؤلف في هذا الباب ثلاث إشكاليات أساسية في هذا المجال، بعض منها كان محط سجال منذ قرون، وبعضها الآخر هو وليد نقاشات معاصرة أملتها ظروف التدافع الفكري المعاصرة:

أما الأولى فمتعلقة بأحكام الدين بين الوحي والعقل. والواقع أن الكاتب له احتكاك بها منذ مدة في عدد من مؤلفاته[10]، وفي هذا الكتاب استهل هذا الموضوع بإطلالة تاريخية حول أسباب نشأة هذه الجدلية ومراحل تطورها، على اعتبار أن القضية نوقشت منذ القديم تحت مسميات عدة كـ”الوحي والعقل” و”السمع والعقل” و”النقل والعقل”… بل حتى في المرحلة المعاصرة تحت عناوين “العقل والنص” و”سلطة النص الديني” وغيرها مما لها آثار عملية بالغة الأهمية في التشريع الفقهي خاصة، وفي مجرى الحياة بصفة عامة، بل يذهب الكاتب، أكثر من ذلك، عندما يعتبرها أحد العوامل ذات الأثر الكبير في تطور المسار الحضاري للأمة الإسلامية في تعرجاته بين الصعود والهبوط.

هناك في الواقع أربع أسئلة تلخص حسب الكاتب هذه الإشكالية:

أ. هل أفعال الإنسان تحمل قيمة ذاتية ثابتة أم أنّ قيمتها تضفى عليها من قبل الشرع؟

ب. هل وسيلة التقييم (=كشف القيمة) لتلك الأفعال هي الشرع وحده أم العقل وحده، أم هما مشتركين، وبأي قدر يكون هذا الاشتراك؟

ج. ما هي جهة الإلزام بالفعل فعلا وتركا، هل هي الشرع وحده أم العقل وحده، أم هما مشتركين، وبأي قدر يكون هذا الاشتراك؟

د. ما هي الجهة التي تقدر الجزاء على الفعل ثوابا وعقابا، هل هي الشرع وحده أم العقل وحده، أم هما مشتركين، وبأي قدر يكون هذا الاشتراك؟

وفي الإجابة على هذه الأسئلة تباينت الآراء والمواقف بهذا الخصوص إلى حد الغموض؛ مما استدعى الكاتب إلى أن يخصصها بالمراجعة في هذا الكتاب، فبعد أن أرجع عوامل النشأة والتطور إلى دافع عقدي مقتضاه الدفاع عن عقيدة الأمة، ودافع شرعي عملي مقتضاه الإجابة على المستجدات؛ بسط الكاتب في عدد من العناوين مركزية الفعل الإنساني من حيث قيمته الذاتية من زاوية الوحي من جهة، ومن زاوية العقل من جهة أخرى، غير أن القضية الأساس التي ناقشها الكاتب والتي تمثل جوهر المراجعة تتمثل في مسألة إيجاب الأفعال بين الوحي والعقل بحيث تقتضي الثواب والعقاب.

لخص الكاتب آراء الفرق الإسلامية بهذا الخصوص إلى تيارين أساسيين: تيار عقلي يوجب الأفعال عقلا ولو على مستوى الكشف، وتيار نقلي لا يوجبها إلا للشرع مع أن بعض أطياف هذا التيار تثبت قيمة ذاتية للأفعال، لكنها لا توصلها إلى مستوى الاستقلال العقلي لإيجاب استحقاقاتها.

لقد كان الكاتب موفقا في إرجاع هذه الإشكالية إلى جذورها الأساسية المتعلقة بإشكالية الواقع وأحداثه غير المتناهية في مقابل المرجعية الدينية المتناهية نصوصا؛ أي أن جدلية العقل والنقل مرتبطة ونابعة أساسا من جدلية الوحي والواقع، وهذا ما يحيل إلى ضرورة إعمال بعض المقاربات التجديدية في حل هذا الإشكال كنظرية المقاصد التي سيقف عليها الكاتب بعض الشيء في فصل لاحق كما سيأتي.

وبخصوص إضافات الكاتب لهذه الآراء التي سردها سردا، فقد اجتهد في وضع رأي وسطي خلاصته كالتالي:

ـ الأفعال الإنسانية تنطوي على قيمة ذاتية..

ـ إن قيمة هذه الأفعال تندرج ضمن المشيئة الإلهية..

ـ الوحي هو المصدر الأول الذي يكشف عن قيمة الأفعال..

ـ العقل مناط التكليف، ولهذا فهو مهيأ لأن يكون قادرا على كشف قيمة الأفعال..

ـ قدرة العقل التقييمية هي قدرة نسبية.

عالج المؤلف في الفصل الثاني من هذا الباب موضوعا يمكن اعتباره من صميم القضايا التي ينبغي مراجعتها، ويتعلق بالمقاصد، هذه النظرية التي باتت محط اهتمام لدى الدارسين خاصة في قضايا الاجتهاد والتجديد وجدلية الوحي والواقع، والكاتب نفسه له احتكاك كبير بالموضوع في عدد من كتاباته، بل أفرد لها كتابا خاصا سماه: “مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة”، وقد فصل فيه ما أجمله في هذا الكتاب موضوع القراءة؛ لهذا كانت هذه المراجعة غير آتية بشيء جديد عن كتابه السابق أو حتى في الدرس المقاصدي في التداول المعاصر من وجهة نظر ابستيمولوجية.

في هذه الوقفة المقاصدية عالج الكاتب مسألتين أساسيتين:

الأولى: مسألة تصنيف المقاصد، والتي عرفت منذ مدة جدلا واسعا حول مدى صوابية توسيع لائحة الضروريات الخمس؛ فحيث يرى البعض أن التصنيف المعروف شاف وكاف وأي مقترح للائحة الضروريات يمكن أن يدمج بشكل من الأشكال في هذه اللائحة، يرى البعض الآخر أن اللائحة مفتوحة لعدد من المصالح الضرورية التي يفرضها منطق العصر تلك التي تندرج تحت عناوين حقوق الإنسان، بل إن هذا النقاش ليس بالأمر الجديد على الفكر الإسلامي؛ إذ سبق لعدد من الفقهاء أن وسعوا هذه اللائحة كالطوفي وغيره، لكن يبقى الإشكال في تقديري هو سؤال التأصيل والمنهج الكفيلين بترشيد مسار هذا النقاش وهو ما نفتقره صراحة في جل الكتابات المعاصرة التي تحاول أن تنحو منحى مراجعة التراث الإسلامي.

أما مقترحات عبد المجيد النجار بهذا الخصوص فيمكن إجمالها في النقاط التالية[11]:

ـ إبراز مقصد حفظ إنسانية الإنسان بعناصرها المختلفة..

ـ إضافة مقصد البيئة..

ـ إبراز المصلحة الجماعية..

ـ اعتبار الكليات الخمس مقاصد عليا تندرج تحتها الضروريات والحاجيات والتحسينيات كوسائل لحفظها..

ـ تصنيف المقاصد بناء على معالجتها لقضايا الإنسان في دوائر حياته.

المسألة الثانية: متعلقة بتفعيل المقاصد ويقترح الكاتب بهذا الخصوص ثلاث ضوابط يمكن اعتبارها “توجيهات” عامة للفقيه المشتغل بالقضايا اليومية وهي:

ـ التنسيب الصحيح للحكم الشرعي لمقصده..

ـ التحقيق في ذات المقاصد لبناء الأحكام عليها من خلال تحديد درجة المقصد من جهة، وتحديد أولويات المقاصد عند الالتزام من جهة أخرى..

ـ التحقيق في أيلولة المقاصد عند تنزيلها في الواقع.

الملاحظ أن هذه المقترحات لم تخرج عن السياق العام لمقترحات سابقة لعدد من الباحثين في هذا المجال كطه جابر علواني، وجمال الدين عطية، ومختار الدين الخادمي..

وجملة هذه المقترحات، على أهميتها، تقتضي تجاوز الرغبة في التجديد ومواجهة التحديات المعاصرة والانخراط المباشر في مشاريع علمية متكاملة بهذا الخصوص.

وكان بالود لو أن الكاتب توسع في هذا الموضوع بالذات؛ لأنه عمدة البحث في قضايا التجديد والاجتهاد بدل الاكتفاء بملاحظات ومقترحات عامة سبق للكاتب في غير هذا الموضع أن اقترحها وناقشها في كتبه السابقة خاصة كتاب مقاصد الشريعة؛ إذ كان من المنتظر من كتاب يحمل عنوان المراجعات أن نرى حجم ومدى المراجعات التي توصل إليها الكاتب بعد طول اشتغال بهذا الميدان؛ حيث كان للكاتب بصمات واضحة وفاعلة في تاريخ الفكر المعاصر خاصة قضايا جدلية الوحي والعقل والمنهج التطبيقي للشريعة.

يمكن القول، دونما مبالغة، أن أطروحة المقاصد، منذ اكتمال تصورها النظري على يد الشاطبي، لازالت تراوح مكانها من حيث أسسها الابستيمولوجية المنطلقة من مادة أصول الفقه على المستوى البنيوي؛ أي التجريد والجمود، وعدم القدرة على تأطير القضايا النازلة إلا بضرب من التأويل غير المبرر واستحداث الكثير من الأصول العقلية البعيدة عن الفلسفة العامة للقرآن الكريم في بعده التشريعي، وبالأخص على المستوى المنهجي، وهذا ما نلاحظه في مباحث العلة والمناسبة وغيرها التي تشكل أسس الفكر المقاصدي.

لم يكن الخلاف الأصولي حول جل قواعده ترفا فكريا آو خلافا عاليا يمكن استيعابه ضمن مسوغ “الاختلاف المقبول”؛ إذ يعكس في عمقه الوعي بالمشكل المنهجي في الاستدلال الفقهي وذلك بالتساؤل المشروع حول شرعية هذه الأصول. إن الوتيرة السريعة لاتساع الخريطة الإسلامية وانفتاحها على أنواع مختلفة من الثقافات والمستجدات والتحديات جعلت العقل الإسلامي يستحدث أدوات اجتهادية لم تكن نابعة من القرآن الكريم باعتباره المخرج الأمثل لأزمة الأمة الحضارية[12] إلا من استشهادات جزئية لا تغني ولا تسمن من جوع؛ ولهذا لو فتشت في كل كتب الأصول والمقاصد عن الأمثلة التي يراد لهذه الأصول معالجتها وإيجاد حل شرعي لها، فلن تجد بالوفرة التي يتطلبها المقام، فكلها تجتر نفس الأمثلة المرتبطة بالقرون الأولى، وهذا ما لم يسلم منه حتى الكاتب في مراجعاته وكذا أمثلة كتاباته الأخرى مثل فقه التدين، والمنهج التطبيقي، وخلافة الإنسان التي تكرر مثال: النباش والنشال هل تنطبق عليه صفة السارق على سبيل المثال؟ وكأن الساحة خالية من الأمثلة الشائكة التي نعيشها على مستوى كل جغرافية الفعل الإنساني من سياسة واقتصاد واجتماع.. إننا أمام أزمة منهجية حقيقية حيث لم يستطع العقل الإسلامي المعاصر تجاوز إبداعات سلفه في فجر الإسلام وضحاه.

كما أن هذه العلوم صيغت تحت وطأة جدل السياسة والدين ورهانات السلطة على المجتمع…

إن المراجعة المطلوبة على هذا المستوى يجب أن تطال الأسس المعرفية لأدوات اجتهادنا، بل وكل علومنا المسماة “إسلامية”، ولا يعني هذا دعوة مفتوحة لقطيعة ابستيمولوجية لتراثنا الإسلامي كما في أطروحات المؤولة الجدد[13]؛ وإنما دعوة لإعادة بناء علومنا الإسلامية وفق مرجعية القرآن الكريم ولا يتم هذا في تقديري إلا من خلال أربع مشاريع أساسية:

أ‌.  التفسير البنائي للقرآن الكريم.

ب‌.  منهاج التأسي المنهجي للسنة النبوية.

ج‌. أصول الفقه الاستخلافي.

د‌. المنهج الإسلامي في قراءة الكون.

هذه المشاريع التي يجب أن تنبني على فلسفة التوحيد منهجا ومعرفة وفقها، وإن كان المجال لا يتسع للتفصيل فيها وشرحها فإنه ينبغي الإشارة إلى أهمية الوعي بخطورة التنظير بدون تصور واضح لأساسيات مشروع التجديد والاجتهاد أيا كانت مرجعيته المعرفية وأدواته العلمية.

أما المحاولات التي تحاول ترقيع منظومتنا الفكرية، وتفريع هوامش نظرية لها أو تضخيمها بأكثر من حجمها التاريخي، فاعتقد أنها لن تساهم إلا في تكريس عطالتنا الفكرية، والاكتفاء بتنزيل اجتهادات السلف الصالح المتلبسة بمعطيات زمانهم ومكانهم على واقعنا المغاير تماما!

وبالانتقال إلى جدلية الفهم والتنزيل في عمل الأحكام الدينية يبرز سؤال الثابت والمتغير على مستوى الفهم والتنزيل في إطار جدلية الوحي والواقع. حيث أنه، على مستوى الفهم، قد يبرز دور العقل في تدقيق فهم الدين، ومنها توصله لإدراك مقاصد الشريعة، فإنه، على مستوى التنزيل، ينبغي تحديد الثابت والمتغير حتى لا تزل الأقدام تحت عناوين “الواقعية” أو “السلفية” في الخلط بين الأمرين.

يحاول الكاتب في فصل لاحق إبراز هذه المستويات والتمييز بينها بشكل دقيق، والملاحظ أن الكاتب قد اكتسب خبرة مهمة في تفكيك هذا الموضوع بعد أن عالجه في عدد من كتاباته السابقة التي يحدد أسسها في ثلاث:

أ‌. الامتثال لأمر الله.

ب‌.  تحقق المناط.

ج‌. تحقق المقاصد.

أما فيما يتعلق بمستويات التنزيل في معادلة الثبات والتغير فقد ردد ما هو متفق عليه بين العلماء من أن دوائر الإسلام فيها ما هو ثابت غير قابل للتبديل أو التغير؛ كالقضايا الإيمانية والتعبدية وهو ما اصطلح عليه الكاتب هنا بغير معقولة المعنى والثابتة مقاصدها، ودائرة المتغيرات وهي التي فصل الكاتب في بيان أحوال تغيرها من منطلق مقاصدي. ذلك أن التغير يحصل بتغير مناط الأحكام سواء بالانقطاع أو بتغير أوصافه، ويحصل كذلك بأيلولة المقاصد التي يعتبر الشاطبي أهم من أبرز قيمتها كما بين الكاتب في دراسته عن فقه التطبيق لأحكام الشريعة عند الشاطبي[14]، غير أن الإضافة النوعية للكاتب هنا تتجلى في بيان طرق استكشاف هذه الأيلولة وقد حددها في خمس:

أ‌. استكشاف الأيلولة بالاستقراء.

ب‌.  استكشاف الأيلولة بالاستبصار المستقبلي.

ج‌. استكشاف الأيلولة بالعادة الطبيعية.

د‌. استكشاف الأيلولة بالعادة العرفية.

ﻫ. استكشاف الأيلولة بقصد الفاعل.

الواقع أن الكاتب مع كل هذه التفصيلات الدقيقة التي شرح بها منهجية تنزيل الأحكام الشرعية تبقى محدودة بحكم السقف المعرفي الذي لم يتجاوزه الكاتب منذ الصفحة الأولى للكتاب على الرغم من الطموحات التي اكتنفت نية الكاتب في مراجعاته؛ ذلك أن عدة الكاتب التي ينهلها من علمي الأصول والمقاصد تبقى عاجزة في صورتها الحالية عن تمثل واستيعاب مستجدات العصر وتعقيدات مفرداته الواقعية بالشكل المطلوب، حيث أنها تشتغل بدون ناظم منهجي يوحد آلياتها الأساسية في مقابل النسقية والشمولية التي بدأت تعرفها قضايا العصر..

إن مواجهة هذه الشمولية بآليات معرفية مفككة ومجزأة ومتحيزة تاريخيا؛ لهي مواجهة خاسرة بالتأكيد، ولا يمكن إلا أن تزيد من تدهور حال الأمة، ومهما فرعنا عن هذه الآليات وحاولنا تطويرها وفق السقف المعرفي المحدد لها تاريخيا وفلسفيا؛ فإننا لن نستطيع وضع إجابات حقيقية لأسئلة زماننا. ذلك أن تجديد المنهج في الفهم والتنزيل، وفق مقاربة واقعية تراعي مستجدات العصر وتستحضر مرجعية الوحي في البناء والتفعيل، لهي السبيل الأمثل لتنزيل أحكام الدين على أرض الواقع. الأمر الذي يتطلب مراجعة حقيقية لآليات وأدوات فهمنا للنص المؤسس، وللواقع المتحرك، وإلا سنظل نجتر فقها تاريخيا لا علاقة له بواقعنا الراهن.

3. مراجعات في شؤون الحريات

شهد مطلب الحرية في العصر الحاضر رواجا لا مثيل له، فالبشرية قاطبة تلهج بالحرية والتحرر ويدل على ذلك كثرة المواثيق والمعاهدات الدولية بهذا الخصوص، مع أن واقع الأمر لا يعكس حجم هذا الاهتمام من حيث عدد الخروقات التي تطال هذه المواثيق من لدن واضعيها قبل غيرهم، وهذه إحدى مفارقات هذا العصر.

عالج الكاتب في هذا الباب إشكالية الحرية من خلال زاويتين للنظر: “الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية”، ومن خلال منهجية مقارنة تتوخى إرجاع المفردات الفاعلة في أطروحة الحرية إلى أصولها المرجعية في التجربتين.

في المنظومة الإسلامية الحرية مفردة عقدية وتشريع ديني؛ ذلك أن عقيدة التوحيد التي تفرد الله وحده بالعبادة تحرر المؤمن من عبودية غيره؛ بحيث أنه كلما ازداد الإنسان عبودية لله، ترقى عاليا في سلم الحرية. كما أن من مقتضيات الاعتقاد الديني الصحيح في الرؤية الإسلامية أنها تنبني، أساسا، على حرية الإرادة في الاختيار. وفي الجانب التشريعي نجد عددا من المفردات التي تعكس مدى تغلغل قيمة الحرية في شرايين التشريعات الإسلامية من قبيل:

ـ التشريع لحرية الإنسان من ربقة العبودية ومعالجة هذه الظاهرة بتشريع الكفارات وغيرها..

ـ التشريع لحرية الاعتقاد وتحريم الإكراه في الدين..

ـ حرية التعبير عن حرية الاعتقاد بالأقوال..

ـ حرية التفكير والتعبير من خلال تشريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

ـ حرية الاختيار لشريك الحياة في الزواج وحرية التصرف في حرم البيوت وحرية التنقل بالسياحة في الأرض…إلخ.

أما في الفكر الغربي، فيرجع الكاتب أصل الحرية إلى مرجعيتين ولدتا في السياق الغربي من خلال صراع مرير بين الكنيسة والحكام والمجتمع فصيغت الحرية وفق صياغتين:

أ‌. صياغة بشكل شمولي من خلال أطروحة العلمانية التي تضبط علاقة الحياة العامة بالدين.

ب‌. وصياغة الديمقراطية التي تضبط العلاقات السياسية في الحكم.

إن الجميل في هذه المقارنة التي قام بها الكاتب بين الإسلام والفكر الغربي في موضوع الحرية يتمثل في إدراك وتلمس ذلك البعد الإلزامي ومركزيته في كل منهما.

فالحرية في الغرب مفهوم وضعي خارج عن سياق الدين وفي الإسلام مفهوم ديني هو من صميم الدين (عقيدة وشريعة)، مع ذلك تبقى هذه المفارقة الغربية في تقديري لواقع الحرية في التجربتين:

أ. في الغرب هناك غياب للبعد الديني الملزم، ومع ذلك تجد انتصارا للحرية وتشبثاً بها لدرجة التضحية من أجلها في ممارسة عملية تشبه التدين (على الأقل في المجتمع الغربي عموما).

ب. أما في الإسلام فمع مركزية الحرية في التشريع الإسلامي عقيدة وشريعة وانبناء كل المفردات التفصيلية لهذا الدين على أساس الحرية، تجد في الواقع التاريخي وفي عصر الانحطاط استهتارا بهذه القيمة وهدما لهذا الأساس وهضما لهذا الحق.

ونحن لا نوافق الكاتب على حكمه العام على التاريخ الإسلامي بكون الفاعلين فيه كانوا مدركين لهذه القيمة ومراعين لها، إلا من استثناءات قليلة. وحتى هذه شكك في وجودها الكاتب ونلمس ذلك من خلال تعبير “ربما” الذي صدر بها إطلالته التاريخية، فالدارس للتاريخ الإسلامي يجد للأسف الشديد هضما لهذه القيمة، وما الصراعات الدموية التي عرفتها العهود الإسلامية إلا انعكاسا لهذه الأزمة، وإن كان هناك من استثناء فلن نستثني من هذا التاريخ الأسود إلا الفترة الراشدة.

في موقع آخر إننا نوافق الكاتب تماما في أن الحرية الفكرية من شأنها أن تعالج التطرف، لكن التطرف بالمقابل هو إفراز طبيعي للاستبداد الفكري الناتج عن الاستبداد السياسي، وعلى هذا الأساس فلا تكفي الحرية الفكرية التي غالبا ما يطرحها المفكرون من أبراجهم العاجية دون إدراك للمفردات الواقعية التي تتحكم في صيرورة هذا التدافع الفكري والمتمثلة أساسا في الصراع السياسي.

إن الضمانات الإسلامية الأساسية لممارسة الحريات لا تتمثل فقط في أطروحات فكرية راشدة مستوعبة للخلافات بقدر ما ترتبط أساسا ببرنامج نضالي تغييري راشد، لعل أهم مداخله البوابة الفكرية لكن أدواته التنفيذية يجب أن تطال الأداة الحزبية وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية وغيرها. ولهذا أعتقد أن كثيراً من الأطروحات الفكرية المتداولة في الساحة التي تتبنى مقولتي الاجتهاد والتجديد تفتقر إلى البعد الواقعي ليس على مستوى إدراك أهميته وأثره على تنزيل الأحكام الشرعية، فهذا وارد في هذه الإنتاجات؛ ولكن ما تفتقره هو ذلك “التنظير الواقعي” الذي يوائم الجانب الفكري والنظري بمحله الواقعي العملي في حركة تفاعل تناسبية، إننا في حاجة إلى أطروحة متميزة تتجنب آفتين ناتجتين عن تفاعلات غير تناسبية:

ـ آفة التأويل المتعسف للمعطيات الشرعية كي تتوافق مع إكراهات الواقع..

ـ آفة تغيير الواقع بالقوة واستعداء أطيافه من خلال إسقاط أحكام اجتهادية.

وبالمقابل، نجد حركات التغيير الاجتماعي من أحزاب وجمعيات وفاعلين عندما تتفاعل مع الواقع بشكل جيد وتنخرط في أسئلته الكبرى وتحدياته الإستراتيجية نجدها تفتقر إلى منظرين من طينة المفكرين الذين يشتغلون في منأى عن هذه الفعاليات.

انتظاراتنا بهذا الخصوص ونحن نناقش إشكالية النظرية والتطبيق: انخراط المجتمع بكل أطيافه في نقاش حقيقي لتحديات عصرنا تلعب فيه النخبة الفكرية دور المحفز catalyseur  لاستنهاض الأمة في التدافع الحضاري، خاصة وأن استحقاقات ما بعد 11 شتنبر تعكس مشروعا غربيا واضحا للهيمنة والسيطرة على مقدرات الأمة الحيوية ومدخراتها الإستراتيجية.

وما بين نموذج رد المفكر طه عبد الرحمان في كتابه “الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري” ونموذج رد القاعدة التي تحرق كل الأوراق نحتاج إلى تيار من شأنه أن يعطينا إجابات ليست فقط فكرية عميقة ولكن أن تكون كذلك عملية قابلة للتطبيق الواقعي ومندمجة..

إشكالية حرية الاعتقاد

تعتبر حرية الاعتقاد من الإشكاليات المعقدة في ساحة الفكر الإسلامي، وقد زاد من تعقيدها التدافع الحقوقي في المرحلة المعاصرة التي يميزها انتشار مفهوم الحرية على نطاق واسع في التداول الثقافي والفكري العلمي، وما نجم عن ذلك من استحقاقات على المستوى السياسي والاقتصادي وكذا على مستوى النسيج القيمي للمجتمع المسلم. وتعكس أهمية الموضوع تزايد عدد البحوث والأطروحات التي تتناول بالدرس والتحليل هذه الإشكالية. وبؤرة الإشكال تكمن في موضوع الردة وحكمها في المجتمع المسلم، هذا وقد تباينت الآراء بهذا الخصوص في اتجاهين: اتجاه يرى استنادا إلى الإجماع الفقهي القديم القاضي بإثبات جرمها وشرعية قتل المرتد ويلحق به اتجاه يرى جرمها لكن يجعل عقوبتها تعزيرية رهينة بولي الأمر الذي يقدر حجم الضرر المترتب على هذه الردة؛ خاصة إذا كانت جماعية، واتجاه ثان يرى استنادا إلى المعطيات القرآنية التي لا تنص صراحة على حكم المرتد إلى عدم إثبات الجرم الذي يقتضي حدا مغلظا، وإنما يجعل الأمر داخلا في إطار حرية المعتقد مع تمييزها عن حكم الحرابة الذي يقتضي الحد المعروف في القرآن الكريم.

أما الكاتب فقد فصل في الإطار النظري للموضوع بتحديد المفاهيم الأساسية؛ أي حرية التفكير وحرية الاعتقاد. ثم أورد التشريعات الإسلامية التي تعكس هذا البعد التحرري للفكر والمعتقد، كما اجتهد في تبيان الضمانات الأساسية لهذه الحرية حاصرا إياها في ثلاث ضمانات:

أ‌. الضمانات المنهجية والمتمثلة في النهي القرآني عن التقليد وإتباع الهوى والمضلين.

ب‌. الضمانات الجزائية من خلال استحضار البعد الأخروي كاستحقاق للاختيارات الدنيوية.

ج‌. الضمانات القانونية كمنع الإكراه في المعتقد وكفالة الحق في إظهار هذا المعتقد والتعبير عنه.

لكن مع كل هذه الضمانات والمساحة الشاسعة للمفردات التشريعية التي تعكس احتفاء الشرع الإسلامي بقيم الحرية هناك حدود وضوابط لممارسة هذه الحرية يجب مراعاتها كي لا يتحول الأمر إلى فوضى عارمة من شأنها تهديد الأمن الروحي والفكري للمجتمع ومن ثم نسيجه القيمي والأخلاقي.

وحول حكم الردة يرى الكاتب أن العقوبة القاسية التي فرضت في حق الردة مبررة بالبعد الكيدي المتضمن في هذا الفعل؛ على اعتبار أن فعل الردة له أثر بالغ على المجتمع الإسلامي الذي أقيمت فيه الحياة على أساس ديني. فالكيد بالردة يمكن أن يفضي، حسب المؤلف، إلى هدم المجتمع بأكمله، وذلك نظير ما يسمى في قوانين الدول الحديثة بجريمة الخيانة العظمى التي تغلظ فيها العقوبات نظرا لما تلحقه من تهديد حقيقي لنظام المجتمع بأكمله[15].

هذا رأي الكاتب، وكأنه حمل الردة محمل الحرابة، لكن يبقى التساؤل دائما عن حكم الشخص الذي ارتد عن قناعة في المجتمع المسلم، والتي يغيب فيها الحكم الصريح إذا ما استبعدنا حد الحرابة الذي ينطبق عليه صراحة، خاصة وأن نصوص حرية الاعتقاد واضحة جلية في هذا المقام..

4. مراجعات في الشؤون الاقتصادية

المال أحد أسس قوام الحياة، وهو عصب الدول اليوم يعكس قوتها وحضورها على المستوى العالمي. وترجع أهمية الاقتصاد ليس فقط لكونه عاملا رئيس في تطور الأمم وتقدمها، وإنما لأنه أصبح رقما مهما في معادلة التدافع الحضاري بين الأمم، وعلى ضوئه تحدد التحالفات، أو تشن الحروب، بل وبتأثيره تغير أنظمة سياسية بكاملها، وتوجه شعوب ومجتمعات تحت تأثيرات العولمة، وبوجه خاص العولمة الاقتصادية التي تعد أخطر وأهم أنواعها على الإطلاق؛ إذ هي بوابة العبور الأساسية لمختلف مظاهر العولمة الثقافية والسياسية وربما الدينية!

في هذا الباب من هذا الكتاب لم نلمس مراجعة تذكر من شأنها التصدي للإشكاليات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الإسلامي، في ظل التدافع الاقتصادي العالمي، سوى “محاضرة جامعية” لمفهوم الاقتصاد في الإسلام بالتركيز على الجانب العقدي والجانب الأخلاقي فيه.

في الفصل الأول عرض الكاتب للبعد البيئي للاقتصاد بالتركيز على أهمية البيئة في المنظومة العقدية للإسلام ودعوتها للمحافظة عليها، باعتبارها مجالا للتفكر من جهة، وباعتبارها من جهة أخرى مجالا لحياة الإنسان. وفي الفصل الثاني، ناقش عقيدة الاستخلاف كأساس عام للبعد الاقتصادي فيها بالإشارة إلى المضمون الاجتماعي والتعميري للاستخلاف. وفي الفصل الثالث الذي يعد عمدة الباب بين الكاتب الأسس الأخلاقية  للاقتصاد الإسلامي سواء على مستوى مجال الإنتاج، أو التوزيع، أو الاستهلاك كالإتقان  والتكافل والتواضع وما إلى ذلك؛ ليعرض بعد ذلك فصلين حول الأبعاد الاقتصادية لعالمية الإسلام والشمول وفصل الفلاح الاقتصادي، وبالاطلاع على مضامينهما يجد القارئ أنها نوع من التكرار لما سبق ذكره في الفصول الثلاثة الأولى لهذا الباب من حيث البعد العقدي، وأخلاقيات الاقتصاد في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، بالإضافة إلى أن جوهر الفكرة قد ذكر في الباب الأول المخصص للعقيدة.

إن إنتاجات محمد باقر الصدر خطت خطوات متقدمة في التنظير لمعالم الاقتصاد الإسلامي كما أن إنتاجات المعهد العالمي للفكر الإسلامي وعدد من المفكرين المختصين في هذا الباب خاصة في مجال البنوك والصيرفة الإسلامية وغيرها من المجالات أغنت بحث الاقتصاد الإسلامي بما يستدعي وفق التحديات الجديدة للعالم الإسلامي في تدافعه الداخلي من خلال سؤال الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، أو تدافعه الخارجي من خلال سمة التكتلات التي بدأ يعرفها العالم المعاصر، أن يراكم النظرية والتجربة أو يقوم بمراجعات لهذا الكم من البحوث خاصة وأن أسسها المعرفية واحدة؛ ولهذا فالكتاب في الحقيقة لم يراجع شيئا يذكر في مجال الاقتصاد، وعذر الكاتب وغيره ممن ينظرون للاقتصاد الإسلامي عدم انخراطهم في مسؤوليات الإشراف الاقتصادي في الدول التي تتبنى الاقتصاد الإسلامي وهو شرط ضروري لفهم واقع الاقتصاد بعمق.

5. مراجعات في الشؤون السياسية

أحسب أن هذا الباب خاصة فصله الأول هو المعني أساسا بعملية المراجعة التي كانت منطلق الكاتب في تأليفه لهذا الكتاب، إذ يبدو  من تقديمه وفي مناقشة بعض فصوله الإشارة في أكثر من موقع إلى ضرورة المراجعة وأهميتها وأسبابها. وموضوع الباب في الواقع يلمس وترا حساسا في درس الفكر الإسلامي المعاصر نظرا لما أحدثه ويحدثه الشأن السياسي من أثر بالغ الأهمية والتعقيد على المجتمع والدولة وعموم الأمة..

يخلص الكاتب، على المستوى المعرفي، أن الفقه السياسي الإسلامي بقي أقل أبواب الفقه تطورا وتجديدا[16]، ولهذا نظرا للتعقيدات التي يعرفها الواقع المعاصر ومستجداته في هذا المجال وغيره فإنه من اللازم النظر في هذا الفقه نظرة مراجعة واستئناف؛على اعتبار أن هذه المراجعة مندرجة في الإطار العام لفلسفة المراجعة التي تمتاز بها العلوم الإسلامية، فلا يخلو عصر من مجدد أو ناقد أو مستأنف لهذه العلوم بالشكل الذي يساهم في تطويرها ومساهمتها في الإجابة على أسئلة زمان ذلك المجدد أو ذلك الناقد؛ ولهذا فأسئلة زماننا السياسية تتطلب مراجعة خاصة لفقهنا السياسي الذي يعاني من القصور في أداء وظائفه نظرا لانشداده للماضي أكثر من تفاعله مع الواقع المعاصر أو استشرافه للمستقبل، فالمفردات التفصيلية المنتشرة في بطون مصنفاته غارقة في التقليد وتكاد تجتر مقولات الماوردي ومن سار على دربه حسب الكاتب لهذا يبرر مراجعته من خلال الأمور التالية:

أ. قلة المؤلفات في الفقه السياسي ومحدودية الآراء والاجتهادات فيه، ونحن نخالف الكاتب في هذا المبرر على اعتبار أن مقولات فقهنا السياسي لا يتم الاقتصار في معرفتها على الكتب المخصصة لهذا الفقه كالأحكام السلطانية وغيرها وإنما يتم التنقيب عليها كذلك في  كتب العقائد؛ إذ أن جل كتب علم الكلام الإسلامي تضم أبوابا في الفقه السياسي كمباحث الإمامة والحسبة وغيرها، وكذلك كتب التاريخ عامة وكتب الأدب التي تضم مناقشات واقعية لممارسة السلاطين، وبالتالي قول سياسي بشكل غير مباشر مؤسس لفقه ورؤى سياسية في هذا الموضوع أو ذاك في هذا المجال.

ب. المبرر الثاني حسب الكاتب هو أن الخطاب الديني في الشأن السياسي يتسم بالكلية والعمومية ويكاد يخلو من التفصيل التي يتطلبها الحراك السياسي اليوم.

ج. المبرر الثالث متعلق بضغط الواقع السياسي التاريخي الذي أفرز هذا النمط من المؤلفات في فقهنا السياسي والمتأثرة بهذا الواقع بشكل كبير، ولهذا فالواقع المعاصر قد تجاوز أبجديات الإمامة الفردية التي تختزل الدولة على عكس ما هو كائن الآن من ضرورة التنظيم المؤسساتي في الفعل السياسي رئاسة ودولة ومجتمعا.

وحيث أن دعوى المراجعة لا تتم من غير تقعيد علمي يبين المسار المطلوب اتخاذه في عملية المراجعة، فقد عرض الكاتب لعدد من الأسس التي يراها جديرة بالمراعاة في إطار هذه المراجعة وتتمثل فيما يلي:

ـ التأصيل من الكتاب والسنة والإجماع الصحيح..

ـ التأسي بالخلافة الراشدة باعتبارها نموذج مؤسس وملهم..

ـ التأسيس المقاصدي كموجه أساسي للأحكام الشرعية في المجال السياسي..

 ـ الاستفادة من الفقه السياسي الوضعي خاصة على مستوى الآليات التي يراها الكاتب خالية في معظمها من الحمولة الأيديولوجية[17].

ـ مراعاة تطور العلاقات الإنسانية التي تفرض استحقاقاتها المعاصرة، وتجاوز أحكام القيمة في التعامل مع الآخر.

على ضوء هذه الأسس، وعلى ضوء مبررات المراجعة السابق ذكرها، يقترح الكاتب خمس مواضيع على دارسي الفكر السياسي المعاصر لمراجعتها وتتمثل فيما يلي:

ـ رئاسة الدولة؛ حيث أن مفردات الفقه السياسي الموروث التي تتمحور حول الطاعة والصلاحيات الواسعة للإمام وصعوبة عزله هي في نظر الكاتب مؤسسة للاستبداد، ولهذا فإنه يدعو إلى الرجوع إلى نصوص الشرع المقيدة لهذه السلطة بآلية الشورى.

ـ سلطان الأمة المغيب تماما في هذا الفقه، وبالرغم من وجود أصل البيعة الذي من شأنه أن يخول للأمة سلطة معينة على ولي الأمر؛ إلا أن هذه الآلية قد أفرغت من مضمونها وغذت مجرد تزكية لواقع قائم أساسا، حيث أن الفقه السياسي الموروث قد ابتكر ثلاث وسائل لعبت دورا في تقييد سلطة الأمة حسب الكاتب وتتمثل فيما يلي:

أ‌.  أهل الحل والعقد الذين صادروا حق الأمة في الاختيار.

ب‌.  تولية العهد التي شرعت للاستبداد السياسي.

ج‌. فقه الشوكة والغلبة التي تفرض الواقع القائم وتشرعه.

ـ الحريات العامة التي غيبت تماما في الفقه السياسي الموروث، ولهذا فتأسيسها فقهيا والإشادة بها مسألة مصيرية في فقه المراجعات المراد تأسيسه على مستوى الفقه السياسي..

ـ التأسيس الأخلاقي للعمل السياسي؛ حيث أن المعهود المتداول في المجال السياسي خلوه من الجانب الأخلاقي؛ لأنه مجال صراع المصالح، ولهذا فالتأسيس الأخلاقي للعمل السياسي هو الإضافة النوعية للأطروحة الإسلامي في المجال السياسي..

ـ المواطنة التي غدت مفردة أساسية في التداول الثقافي في الساحة الفكرية كأحد أهم إفرازات فكر الحداثة. ويدعو الكاتب بهذا الخصوص إلى تجاوز مفهوم علاقة الدولة بأفرادها المبني على التمييز بين المؤمنين وأهل الذمة نظرا لأن واقع الدولة المعاصر لا يسعه هذا التقسيم.

اكتفى الكاتب بهذه اللائحة، وإن كان المجال مفتوحا على العديد من العناوين والقضايا التي ينبغي مطارحتها على مائدة الفكر الإسلامي السياسي المعاصر بحكم أهميتها وحساسيتها في التداول الثقافي والسياسي الآن، قضايا من قبيل:

ـ إشكالية الشرعية السياسية..

ـ إمامة المرأة سواء في المناصب العامة أو حتى في الإمامة الكبرى..

ـ تولي غير المسلمين مناصب حساسة في الدولة الإسلامية بحكم الكفاءة المهنية..

ـ الموقف من الديمقراطية وضرورة الحسم فيها عقديا وفكريا… وشرعيا..

ـ آليات التداول السلمي للسلطة وتقييد مدة السلطة واستبدالها الدوري..

ـ فقه المعارضة ومشروعيته في الإسلام..

ـ الموقف الشرعي من العمل الحزبي… وغيرها من القضايا.

تجدر الإشارة أن الكاتب في هذا الباب دون ثلاث فصول تقل أهمية عن فصله الأول في إطار فقه المراجعة، وإن كانت أهميتها تظهر في سياقات أخرى؛ لكن من شأن ورودها في هذا الكتاب أن تضيف بعض المفردات الجزئية ذات الطابع الواقعي لتنزيل فقه المراجعات فيما يتعلق بالفقه السياسي على أرض الواقع؛ كالبعد السياسي للعدل والمساواة من خلال حجة الوداع. والواقع أن قراءة هذه الوثيقة التاريخية من شأنها ليس فقط التنظير لقضايا العدل والمساواة، وإنما التنظير لميثاق حقوق إنسان عالمي.

وفي أطروحة جريئة دعا الكاتب في الفصل الثالث إلى المصالحة بين المجتمع والدولة في الوطن العربي كضرورة إستراتيجية سواء على المستوى الأمني نظرا للتحديات الدولية المهددة للوجود العربي، أو على المستوى التنموي في عصر سادت فيه ثقافة التكتلات الاقتصادية والسياسية وربما الدينية. وهي عين الدعوة التي سبق للمرحوم الشيخ المهدي شمس الدين أن طرحها.

خاتمة

يمكن القول في نهاية هذا العرض أن فلسفة المراجعات، تستوجب التمكن من عُدّة منهجية عالية المستوى من العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية وحتى التجريبية لكي يتسم النقاش بالشمولية والدقة المنهجية المطلوبة، ولا يمكن أن نتصور عملا يحمل عنوان “المراجعات” أن يتجاوز النقد الابستيمولوجي للعلوم، ولهذا فالكتاب في اعتقادي ينسج في ثناياه بحوث ودراسات قيمة في الفكر الإسلامي إلا أن خطوة المراجعات تشعرنا بضرورة القيام بخطوة أو خطوات أكثر عمقا وجرأة تناقش الأصول وتراجع الفروع وفق رؤى نسقية جامعة. وهو ما حاول أن يمهد له المؤلف رغم أن تنظيراته واجتهاداته رغم جدتها وعمقها لم تتجاوز سقف الاجتهادات السائدة.

مراجعات

الهوامش


1. عبد المجيد النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، تونس: دار الغرب الإسلامي، ط1، 2008 صدر في مجلد من 416 صفحة.

2. طه جابر العلواني، نحو تأسيس علم المراجعات، مج الإحياء، الرباط: دار أبي رقراق، ع29، (1430ﻫ/2009م) ص43.

3. عبد المجيد النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، م، س، ص351.

4. مثلا مقدمات الشاطبي في موافقاته وابن خلدون في مقدمته وابن رشد في المقدمات الممهدات وغيرهم كثير حيث غدت هذه المقدمات أطروحات منهجية هي بمثابة الفرش النظري لمشاريعهم الإصلاحية.

5.  نحو تأسيس علم المراجعات، م، س، ص44.

6. مثل كتابه فقه التدين وفي المنهج التطبيقي وخلافة الإنسان ومقاصد الشريعة بأبعاد جديدة والتي يجمعها ناظم النفس الأصولي والمقاصدي.

7. خاصة الذين يتصدرون مراكز الإفتاء والبحوث في المجامع الفقهية وغيرها.

8. عالج المؤلف قضية الاستهلاك في مبحث لاحق في باب مراجعات في الشؤون الاقتصادية، ولهذا فمن الناحية الفنية كان ينبغي إما إكمال عناصر الاقتصاد هنا كما هو معلوم لدى أهل الشأن، أو تأخير الحديث عن هذا الباب إلى حينه والاكتفاء هنا بإشارات عابرة ولذا وقع الكاتب في نوع من التكرار وبعض الاستطرادات.

9. كتابه: خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ط1، دار الغرب الإسلامي، 1987.

10. كتبه: فقه التدين وخلافة الإنسان والمنهج التطبيقي للشريعة الإسلامية.

11. كتابه: مقاصد الشريعة.

12. يروي الترمذي في سننه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ستكون فتن، قيل: فما المخرج منها؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم. هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسن ولا يخلق عن الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لا تنتهي الجن إذا سمعته عن أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم” الترمذي، ك فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن، ح 2831.

13. مثل أركون وشحرور والشرفي ونصر حامد أبو زيد.. وغيرهم.

14. فصول في الفكر الإسلامي، ص163 وما بعدها.

15. مراجعات في الفكر الإسلامي، م، س، ص217.

16. في ذلك حسن الترابي تجديد الفكر الإسلامي، في الفقه السياسي محمد أمزيان، العقيدة والسياسة لؤي صافي وغيرها.

17. لكن النقاش الجدلي المتناقض حول الموقف من الديمقراطية تفند هذه الفكرة نظرا لان الكثير من الكتاب يرى في الديمقراطية بعدا إيديولوجيا.

د. محمد الغرضوف

باحث في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم
    بارك الله فيك على هذا المقال القيم وجزاك الله خيرا
    أريد الحصول على نسخة من الكتاب ولم استطع تحميله من الشبكة، فهل يمكنك إرساله لي رجاء…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق