وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

مدرسة لوقش بتطوان

هي مدرسة ومعلمة تاريخية فريدة،  تقع في المدينة العتيقة لتطوان، وهي المدرسة الوحيدة في شمال المغرب التي لم يتم تدميرها في عهد الحماية الإسبانية، وتتكون المدرسة من طابقين اثنين، والطابق السفلي توجد به  غرف  مخصصة لإيواء الطلبة الوافدين من المناطق المجاورة لمدينة تطوان، وتم تشييدها سنة 1750 م من طرف القائد عمر لوقش، بأمر من السلطان العلوي محمد بن عبد الله.

وهو الوجيه الحاج محمد بن الوجيه الحاج عمر لوقش الشهير، من أكابر أعيان تطوان وولاتها، مشهورا بالشجاعة والكرم والحزم، وهو الذي بنى جامع لوقش ومدرسة لوقش المشهورين باسمه، كما بنى كثيرا من أسوار المدينة وسقاياتها…وكانت وفاته بجبل العلم، ولم نقف على تاريخ وفاته بالتحقيق، وذكر بعضهم أنها كانت حوالي سنة 1190 هـ والله أعلم[1].

إن مدرسة لوقش تعكس تاريخ تطوان خلال هذه الحقبة التاريخية، ولقد حكمت تطوان بعض العائلات الأندلسية مثل عائلة لوقش المهاجرة ضمن آلاف المورسكيين في السنوات الأولى من القرن السابع عشر من الأندلس إلى المغرب، حيث استقر عدد منهم بتطوان، مما أدى نمو المدينة، ويعد موقع مدرسة لوقش “بالغرسة الكبيرة”، جزءا من هذا النمو الذي عاشته الأحياء الموريسكية بتطوان[2]

وقد بناها عامل تطوان محمد بن عمر لوقش خلال القرن الثامن عشر، بجانب مسجد يحمل نفس الإسم وهو جامع لوقش، تم ذلك خلال فترة تاريخية مضطربة من تاريخ المغرب، إثر وفاة السلطان مولاي إسماعيل الذي حكم المغرب من 1757 إلى 1790[3].

وهو مسجد كبير له ثلاثة أبواب: اثنان منها في زنقة المقدم، وواحد متصل بالمدرسة من جهة الغرسة الكبيرة، ويعتبر من أهم مساجد تطوان وأكثرها عمارة. [4].

ويتصل المسجد بدار كبيرة بنيت على لوقش، كان طلاب العلم يسكنون فيها مجانا والأحباس تساعدهم بالإنارة والماء وخبزة في اليوم لكل طالب مقيم في الدار تحت إشراف ناظر مكلف بشؤون الدار…، وكان والـد الجاج محمد لوقش وهو الحاج عمر لوقش من ابرز علماء تطوان وأدبائها. وقد أسندت إليه ولاية المدينة بعد انتفاضة تطـوانية شارك فيها بنفسه ضد الاستبداد والقهر[5].

وتعتبر مدرسة لوقش المدرسة الوحيدة التي ما زالت قائمة في تطوان، وتعتبر هندسة بنائها مطبوعة بطابع محلي قديم، وهي هندسة تتعارض مع هندسة المباني الدينية الفخمة، التي شيدها الباشا أحمد آنذاك، … ، وكان محمد لوقش قد بنى أيضا قناتين ضخمتين، قناة باب العقلة وقنا باب التوت، ويحمل هذان الأثران نقوشا لكاتبه وخطاطه عيسى الجزيري[6]..

وتوجد مدرسة لوقش مباشرة شرق قصر النقسيس، وكان حكام المدينة قد استمروا في الإقامة بهذا الموضع في قلب المدينة، … وكانت هذه المدرسة تؤوي الطلبة، وهي تتكون من أربع وخمسين حجرة بنيت حول ساحتين داخليتين، واحدة منها فسيحة، والأخرى أصغر منها بكثير، وبالرغم من حالة الخراب التي توجد عليها الساحة الرئيسية اليوم، فإنها ما زالت تحتفظ بقنطرة رائعة تتكون من حنايا نصف دائرية أو إهليجية تحملها عمد أسطوانية الشكل، بنيت بآجر خاص، وشبيهة بالعمد التي تميز  كما رأينا  هندسة البناء الموريسكية في تطوان خلال القرن السابع عشر[7].

وتعتبر الهندسة المعمارية لمدرسة لوقش متفردة، فهي تعكس تأثير هندسة القصور المعمارية خلال عصر النهضة، وتتميز ببساطة هندستها المعمارية وبغياب الزخرفة فيها، وتختلف في ذلك عن المدارس التاريخية التي توجد في المغرب، والتي تتميز بالزخرفة على الخشب والجبص والزليج على غرار الهندسة المعمارية المرينية بفاس، وتعتبر مدرسة لوقش نموذجا للهندسة المعمارية التطوانية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر[8]

كما حافظت مدرسة لوقش على دورها في مجال التعليم خلال عهد الحماية الإسبانية، كما لعبت دورا هاما في الكفاح الوطني بشمال المغرب[9]..

وقد تم ترميم بناية هذه المدرسة التاريخية، لكنها لا تزال تحتفظ على شكلها وهندستها الأصلية،  لتصبح مدرسة للتعليم العالي أيام الإستعمار الإسباني، حيث بدأت تستقبل الطلبة من خارج تطوان للدراسة في صفوفها، قبل أن تصير اليوم متحفا دينيا.

[1] – مختصر تاريخ مدينة تطوان ص 192 الطبعة الأولى 1955م مطبعة المهدية تطوان المغرب.

[2] – مدرسة لوقش ص 9   الطبعة الأولى 2002م جمعية تطاون أسمير.

[3] – مدرسة لوقش ص 9   الطبعة الأولى 2002م جمعية تطاون أسمير.

[4] – دعوة الحق – مساجد تطوان العتيقة وعناية الملوك العلويين بها- العدد 308  شوال 1415هـ.

[5] – دعوة الحق –  إشارات حول الإشعاع الفكري والحضاري لمدينة تطوان – العدد 229 شعبان 1403هـ.

[6] – تطوان الحاضرة الأندلسية المغربية ص 47 الطبعة الأولى 2002

[7] – تطوان الحاضرة الأندلسية المغربية ص 47 الطبعة الأولى 2002

[8] – مدرسة لوقش ص 9   الطبعة الأولى 2002م جمعية تطاون أسمير.

[9] – مدرسة لوقش ص 9   الطبعة الأولى 2002م جمعية تطاون أسمير.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق