مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويتراث

محضرة أهل أبا حازم في الصحراء المغربية

لقد أسهمت العديد من أسر علماء الصوفية في إنشاء سلسلة من المدارس والمحاضر في وسط الصحراء  المغربية وأطرافها، ومن بينها أسرة أهل أبا حازم التي  سنتطرق إلى  ذكر دورها في إرساء ثقافة المحضرة، وذكر مريدها الذين يرجع لهم الفضل في نشر العلم والمعرفة والصلاح بهذه الربوع، ولم تخرج المحضرة الأباحزمية عن سياق المحاضر الأخرى المعروفة بالصحراء المغربية فيما يخص طرق التدريس ومناهجه،  ولكنها كانت تقوم بوظائف أخرى كالتحكيم والقضاء والفتوى، وتحرير العقود والمعاهدات وتقسيم الإرث والتركات، وكان عطاء هذه  المحضرة عطاءا وفيرا،  إذ كونت مجتمعا مسلما عالما، وقامت بدورها التعليمي والتوجيهي في الصحراء المغربية .

وتعتبر أسرة أهل أبا حازم من الأسر الشهيرة لدى قبائل تكنة، المتواجدة بمنطقتي درعة السفلى ووادي النون، التي اضطلعت بدور التعليم وتدبير شؤون أخرى مرتبطة الجانب الثقافي والديني والاجتماعي من حياة قبائل المنطقة، منذ ما يزيد عن قرن ونيف، أي منذ وصول الأب الجامع لهذه الأسرة إلى منطقة الساقية الحمراء نهاية القرن التاسع عشر، قادما إليها من شنقيط[1]..

وتنحدر أسرة أهل أبا حازم من بطن “إيديشف”، من قبيلة تجكانت المعروفة بالصحراء وموريتانيا وبجنوب غرب الجزائر، فقد التصق إسم القبيلة بالعلم حتى قيل ” كاد العلم أن يكون جكنيا”…

و من بطن “إيديشف” فخذ “أولاد الوذان”، ينحدر محمد ليمن ولد أبا حازم الأب الجامع لأسرة أهل أبا حازم، فأما الحابيب بن يوباب بن الوذان فمنه أبناه، أباه حازم وأحمد زيدان، والأول من هذين يوجد عقبة حاليا في بوادي المغرب وفيهم فقه وصلاح، ونسب محمد لمين ولد أبا حازم هو كالتالي: محمد لمين بن سيدي بن الطالب أحمد بن الحبيب بن يبابي بن الحبيب بن محمد بن يوسف  بن أكرير بن علي بن جاكن الأبر، وتشارك أسرة آل يبابي التي ينحدر منها أهل أبا حازم آل ميابي الجكنيين نسبهم، وهؤلاء هم الأسرة العلمية المعروفة التي أنجبت علماء فطاحل رحلوا إلى البلاد الإسلامية، وتركوا آثار وتآليف مشهورة، كما انضموا إلى مبطرا للمقاومة خاصة الشيخ محمد العاقب دفين فاس[2].، والشيخ محمد الخضر دفين المدينة المنورة[3]، والشيخ محمد حبيب الله دفين القاهرة[4].

 وقد وفد محمد لمين ولد أبا حازم من منطقة أجريف القريبة من منطقة أطار الموريتانية، على الشيخ ماء العينين بمنطقة الساقية الحمراء، وأخذ عنه الطريقة وتقرب منه، حيث تولى منصب القضاء لاستقامته وعدله وإنصافه، كما كلف إلى جانب القضاء بمهام اجتماعية وأخرى تخص الزاوية من قبيل الإيواء والضيافة ورعاية شؤون لفيف مهم من ساكنة السمارة، آنذاك قبل أن يوافيه الأجل 1202، دفن بمنطقة كريزيم القريبة من السمارة[5]..

وقد اشتهر مصطلح “المحضرة” في العرف الثقافي والعلمي بمنطقة الغرب الصحراوي ومنطقة شنقيط ومناطق وادي النون والساقية الحمراء ووادي الذهب، كمصطلح يدل على مدرسة متنقلة أو مستقرة حيث يعلم البدو وناشئتهم أمور الدين والدنيا، من الحروف الأبجدية وآيات القرآن إلى مسائل الحساب والفلك والطب … [6]..

والمحضرة مؤسسة من مؤسسات التربية العربية الإسلامية الأصيلة، تحمل بعض خصائص وسمات النظام التربوي الذي نشأ وازدهر في أحضان مدن الثغور وحواضر الخلافة والثقافة، ولكنها تتميز بسمات هي فيها أبين وأبرز، أو هي خالصة لها دون غيرها من المؤسسات التربوية العتيقة. [7]

وتكاد المحضرة أن تكون الفضاء الوحيد الذي تذوب فيه مختلف أشكال التمايز الطبقي والعرقي، إذ يتحدد الانتساب إليها بالرغبة والاستعداد دون اعتبار المكانة الإجتماعية أو فوارق السن، فالرجل الطاعن في السن قد يدرس مع الشباب، كما أن الشباب اليافع قد يتولى تدريس من هم أسن منه، وأهم ما يميزها عدم اعتبار المستوى المادي إذ لا فرق بين غني وفقير، بل إن المحضرة طورت آليات التكفل بالطالب المغترب أو المعدوم… [8]

أما عن طرق التدريس ومناهج المحضرة الأبا حازمية، فإنها لم تخرج عن سياق المحاضر الأخرى بالصحراء وموريتانيا، فيما  يخص الأعراف التعليمية وطرق التدريس ومناهجه بالرغم من تفاوت الحضور العلمي والأدبي واختلاف أنماط العيش التي سادت بمجال الغرب الصحراوي خاصة بين شنقيط والصحراء، وتباين المناخ بينهما متأثرا بعوامل تاريخية واجتماعية عديدة[9]..

ولقد اشتغلت محضرة أهل أبا حازم بمجال التدريس وفقا لنظام “الشرط”، المتعارف عليه محليا بعقد شفهي بين المحضرة والأسرة أو البطن أو القبيلة التي تدرس بها هذه المحضرة، وغالبا ما تلتزم المحضرة بتدريس الناشئة دون تحديد مقابل مادي تتقضاه شهريا … [10].

وقد داع صيت هذه الأسرة في أوساط قبائل الصحراء خاصة قبائل تكنة، وامتد إشعاعها العلمي والتعليمي إلى مناطق زيني والوار كزيز وواد درعة وباني وكير وواد نون، ذلك بعد الصلح التاريخي الشهير الذي تم بين أيت جمل وأيت بلا، على يد الشيخ النعمة بن الشيخ ماء العينين بكويرة اللكاح حوالي 1911م، والذي حضروه إلى جانب الشيخ النعمة، كان فرصة لتعرف أعيان هذه القبائل على أبناء الشيخ محمد لمين ولد أبا حازم، واكتشاف مهاراتهم في تعليم القرآن وتضلعهم في العلم، حيث عرض عليهم لعض من هؤلاء الأعيان مجاوراتهم لتدريس أبنائهم على نظام الشرط المتعارف عليه آنذاك بهذا الإسم، كتعاقد شفهي بين مدرس القرآن وعلومه من جهة والمستفيدين من جهة أخرى، ومن هنا توزع الإخوة الثلاثة أبناء الشيخ محمد لمين ولد أبا حازم بين ثلاثة بطون كبرى من قبائل أيت أوسا[11].

وقد قدم الأبناء الأربعة رفقة أبيهم إلى منطقة الساقية الحمراء يحملون معهم ما أخذوا من العلم من بلاد شنقيط، وما تعلموا على يد أبيهم الذي درس أبناءه وهذبهم أحسن تهذيب وتربية بعد أن سقاهم من ينابيع علمه ومعرفته مع ما تلقوه بحاضرة السمارة مع أبناء الشيخ ماء العينين على يد علمائها المجاهدين الأفذاذ[12]..

وأبناء الشيخ أبا حازم الأربعة هم:

  • الشيخ محمد تقي الله بن محمد بن لمين ولد أبا حازم: نزل مدرسا على مضارب “فريك”، أهل محمد سالم ولد البلالي الإدري الأيتوسي، بطن آيت ادر، كما نزل هذا الشيخ مدرسا للقرآن يمحضرته عند أسر من قبيلة آيت ياسين بمنطقة كير، منهم أسرة أجاكوك وظل يدرس إلى أن وافاه الأجل ودفن، بوادي بوتزكارت، بمنطقة كير حوالي مطلع الثلاثينيات[13]..
  • الشيخ محمد فاضل بن محمد ليمن ولد أبا حازم: نزل مدرسا للقرآن بدوره على مضارب “فريك” أسرة أهل مبارك أو حمو البوجمعاوي الأيتوسي، ودرس أسرا عديدة من إيداوتيا من قبيلة آيت أوسا من بينهم أهل عفن، أهل بونعمة وأهل باكريم وغيرهم…. [14].
  • الشيخ محمد العاقب بن الشيخ محمد لمين ولد أبا حازم: حل بمضارب “فريك” أهل حميم ولد محمد أوعلي الوعباني الأيتوسي، حيث تلمذ على يده أبناء أحميم، توفي سنة 1963م، ودفن بمقبرة الشيخ عبداتي بالطنطان[15]..
  • فاطمتو بنت الشيخ محمد لمين ولد أبا حازم: عرفت بالصلاح والتقوى، والعلم وحفظ القرآن، ومارست بدورها التدريس المحضري بجانب إخوتها، فدرست النساء والفتيان، كما مارست الفتوى وهي حاجبة، وكانت خطاطة بارعة، وتوفيت مطلع الخمسينيات[16]..

ولم تكن المحضرة بالأقاليم الصحراوية المغربية مجرد مركز تعليمي، بل إنها استثناء مغربي بكل المقاربات، نشأت في بيئة مفتوحة على فضاء إفريقي واسع، إنها جزء من التركيبة المجتمعية المغربية، قامت منذ لحظة إنشائها خلال العصر والوسيط ، ثم في العصر الحديث والمعاصر بأدوار رئيسية في نشر العديد من الثوابت الدينية على المستوى الإفريقي [17].

[1] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[2] – هو محمد العاقب بن أحمد بن بيه…ابن المختار “أي” ابن الحبيب بن سيد عبد الله بن القاضي محمد بن القاضي يرزق ابن محمد بن الحسن بن يوسف بن اكرير بن اعل بن جاكن الأبر ولد سنة 1820م .

[3] –  هو العلامة حافظ الوقت محمد الخضر الشنقيطي مفتي المالكية بالمدينة المنورة وأول قاض للقضاة في الأردن.

[4] –  هو فقيه مالكي موريتاني ولد في قرية تنبكته بولاية الحوض الغربي، ونشأ بها فحفظ القرآن وتلقى علومه على كبار علماء عصره في شنقيط، ثم سافر إلى مراكش وعينه عبد الحفيظ بن الحسن مدرسا وخطيبا. ثم هاجر معه إلى حجاز، وأقام في الحرمين مدرسا، وأخيرا استوطن مصر واختاره مشيخة الأزهر مدرسا حتى وفاته عن 65 عاما.

[5] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[6] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[7] – بلاد شنقيط المنارة والرباط ص 53  طبعة 1987م تونس.

[8] –  أنظر كتاب “المحظرة ومواجهة التوغل الفرنسي في حوض السنغال” لمحمد بن محمذن

[9] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[10] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[11] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[12] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[13] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[14] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[15] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[16] – دعوة الحق – التعليم العتيق بالصحراء- مقال الأستاذ محمد سبى عدد 400 يونيو 2011م.

[17] – مجلة العلماء الأفارقة  – العدد الأول – ص 246  أكتوبر 2019م.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق