مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

مجالس شيوخ القرآن والقراآت من خلال “برنامج” العلامة القاسم بن يوسف التجيبي (ت‍ 730 ه‍) المجلس الثالث:الشيخ بن أبي الربيع الأندلسي (599 ه‍ – 688 ه‍)

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين وصلوات ربنا وسلامه على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد،

فهذه فصول ٌإسنادية روائية مضيئة، ترتدُّ – في سياقتها – إلى عهود التلقي الأولى في ضبط أوضاع المتْلُوِّ المنزل(دِرْية وتَنمية)،وحَشْد طائفة المرويات المسموعة من لدن الرواد الأَدِلاَّء النُّظار، كابراً عن كابر، وتكريس جُملتها في سِفْر نابه جامع (برنامجا أو ثَبَتا أو معجما أو مشيخة …) أوما أشبهه، مما اختلف لفظه ومَبْناه واتَّحد لَمْحُه ومَغْناه،إذْ يُتَّخذ مَنْبهة للعالم الذاكر للاستحضار وذريعة هادية للمتعلم العالمَي الذَّكي للاستبصار،يُتوسَّل به في رصد معالم الدرس القرائي بالغرب الإسلامي ولحْظ مساربه، ثم اقتناص دُولَة التصنيف وتحصيل أنماطه،في تَجلِّياتها الخُلقية والنفسية والاجتماعية والتربوية … خاصة حاضرة سبتة، وما تخوَّل ثَغْرهاالسَّنيِّ من وَسْميِّالأشياخالمتصدرين في الإقراء،وتخلَّل حَومتها من سَراة الأساتيذ المبرِّزين في المعارف الخادمة لنص الكتاب العزيز(نقلية أو عقلية)، وذلك زمن العلامة القاسم التجيبي(ت‍ 730 ه‍)، وعليه؛ فسياق القول في هذه المقامة؛ إلى تبيُّن سَمْت أحد أعلام القرن السابع الهجري الأفذاذ المُعْربين النُّقاد الشهير بابن أبي الربيع السبتي(599 ه‍ – 688 ه‍)،شيخ الأستاذين وإمام المقرئين(قدَّس الله روحه وبرَّد ضريحه)، ثم هذا أَذان الشـروع في المقصود، قال القاسم التجيبي(ت‍ 730 ه‍) رحمه الله تعالى: قرأت جميع الكتاب العزيز بالأربع عشـرة رواية المألوفة المشهورة المعروفة عن القراء السبعة المشهورين أئمة المسلمين – رحمهم الله  ورضي عنهم أجمعين- في ثماني عرضات على شيخ الأستاذين وإمام المقرئين وخاتمة المعربين الأوحد الحافظ النحوي اللغوي … المتفنن، أبي الحسين عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن أبي أبي الربيع القرشي الأموي ثم العثماني، من ولد أمير المؤمنين ذي النورين أبي عمرو عثمان بن عفان رضي الله عنهالأندلسي ثم الإشبيلي، مستوطن سبتة حرسها الله تعالى ورحمه وبرّد ضريحه وقدّس روحه[[1]].

هذا نص سماع العلامة القاسم التجيبي من شيخه الحافظ المقرئ المعرب أبي الحسين ابن أبي الربيع الإشبيلي السبتي، سلوة نُقّاد القراء وقدوة وُعاةالنحاة، … فقد روى عنه لفظامشهور أحرف القرآن سبعة أو عشـرة،وأجاز له خطّا ما صح به النقل وتسلسل أخذه مرفوعا متصلا بمنازع نقلته، ثم لئن كانت سُمْعة هذا الإمام الفذّ سائرةً خفّاقة في لَوْح علم العربية، لَيَّاحة في جوِّ فنونه (نحوا وصرفا وأدبا وحجة …) وما إليه؛ فإنَّ له – أيضا – يداًبيضاءَممدودة سابغةناهضة على بثِّ خالصة العلوم الخادمة لكتاب الله تعالى أو المستنبطة منه مع تصدير مسموعاته المقررة في القراآت القرآنية والعناية بطرائق تأدية المتلو المنزل بأوجهه المعتبرة وأنماطه المشتهرة المحرَّرة،… مما يشهد له به برنامجه [[2]]الذي صنفه أخص تلامذته ومقرَّب مجالسه العلامة ابن الشاط الأنصاري (ت‍ 723 ه‍) بسطا لأشهر أساتيذ أسانيده وإعلاما بما أخذ عن كل واحد منهم، مع ضبط مواليدهم ووفياتهم وتقييد أسماء شيوخهم، ثم تضمينه بعض ما وقع له عاليا من الأسانيد في فرائد من الكتب المشهورة إلى مؤلفيها، بأيّ نوع وقع له ذلك من أنواع الأخذ والتحمل، سالكا سبيل أهل العناية بطريق الإسناد والرواية والدراية.

والعلامة ابن أبي الربيع رحمه الله قد تصدر للإقراء في حِدْثان شبيبته واستأْهَل كرسيَّ الإفادة في غَضارة عُوده بإشبيلية (ولم يُجاوز الخامسة والعشـرين من عمره) [[3]]، وهو المولود سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وظل يقرئ بها حتى سقوطهاسنة 646 ه‍، إذ تحوَّل عنها إلى سبتة، واستقر بها عاكفا على التدريس والبذْل والإفادة [[4]].

قال: وهذه القراءات السبع المذكورة، والأربع عشرة رواية المشهورة المسطورة هي التي تضمنها كافي الإمام أبي عبد الله محمد بن شريح بن أحمد بن محمد بن شريح بن يوسف بن عبد الله بن شريح الرعيني المقرئ الأندلسي ثم الاشبيلي رحمه اله تعالى، وكمل لي بحمد الله تعالى وهدايته وتوفيقه جميع العرضات المذكورة في مدة آخرها شهر ربيع الآخر من سنة ست وثمانين وستمائة [[5]].

على أن كتاب الكافي لأبي عبد الله بن شريح (ت‍ 476 ه‍) (أحد أقطاب ما يسمى بالخلاف الكبير)يرويه ابن أبي الربيع عن قاضي الجماعة أبي القاسم ابن بقي عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح عن أبيه مؤلفه[[6]].

ومن المعلوم الظاهر أن مصنفي الحروف وأصحاب المضمَّنات من حذّاق الأداء – زمن قراءة التجيبي على ابن أبي الربيع – كانوا على جانب من الغزارة والوفرة (رواية ودراية)، كما هو بيّن مسلسل في مشيخة [[7]] ابن أبي الربيعالمتصلة بمروياته للأوجه الأدائيةوذلك مثل: (التيسير) لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، إذ يحمله عن أبي عبد الله بن خلفون عن جماعة غيره، كلهم عن أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون، عن أبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني، عن أبي عمرو مؤلفه، ثم (التبصـرة) لأبي محمد مكي بن أبي طالب، إذ يرويها عن أبي القاسم بن بقي وغيره عن أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال عن أبي محمد عبد الحق بن محمد بن عتاب، عن أبي محمد مكي مؤلفها، وكذلك (الهداية) لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي، إذ يحملها عن أبي علي الشلوبين وغيره، عن أبي بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة، عن أبي عبد الله محمد بن سليمان النفزي، عن خاله أبي محمد غانم بن وليد عن أبي العباس مؤلفها، زد على كل ذلك (كتاب الانتصاف من أبي عمرو المقرئ الداني) تأليف المقرئ أبي الحسن شريح رحمه الله تعالى، الذي يرويه التجيبي عن ابن أبي الربيع (إذْناً له فيه)عن أبي القاسم ابن بقي عن أبي الحسن شريح [[8]].

ولعل مزية تفقّهه بمضمّن كتاب الكافي لابن شريح ووَفْق طريقته على شيخه ابن أبي الربيع دون غيره؛ فيه مَنْبهةٌعلى رُسُوِّ اختيارات الكتاب وعُلُوِّ أسانيد صاحبه وما إليه، قال ابن شريح في شأن (الكافي): (واقتصـرت فيه (يريد من أحرف الخلاف) على ما قرأت به قراءة، وأضربت عما أخذته رواية، وقصدت فيه (أي كتاب الكافي له) إلى أقرب أسانيدي وأرفعها) [[9]].

ثم زاد التجيبي رحمه الله تعالى تجلَّة شأنه فقال: وطريق أبي عبد الله بن شريح هذا رحمه الله تعالى في القراءات المذكورة؛ طريق جليل ورجاله مشاهير أئمة قراء، ويعلو أبو عبد الله هذا في رواية قالون علوا بيّنا، هو فيها بمنزلة أحد شيوخ الإمام الفاضل أبي عمرو الداني رحمهما الله تعالى بالتلاوة والعرض، كما أيضا ينزل في رواية البزي وابن ذكوان نزولا ظاهرا، هو فيهما بالتلاوة بمنزلة من أخذهما عن أبي عمرو المقرئ، وسائر القراءات هو فيها بمنزلة أبي عمرو من الطرق الصحاح التي لا مقال فيها، وبالله التوفيق [[10]].

ثم بعد إتمامه العرض والتلاوة؛كتب له الأستاذ الأجل أبو الحسين المذكور رحمه الله تعالى صحة ذلك بخط يده المباركة، وأشهد لي به في التاريخ فقهاء سبتة وفضلاءها وأمراءها وكبراءها، والصالحين من أهل الحضرة السَّبتية، إكبارا منه لشأن القرآن العظيم وتبرئة للذمة من عهدة البلاغ والأداء [[11]].

كما عرض أيضا على الإمام العلامة أبي الحسين ابن أبي الربيع رحمه الله تعالى من فاتحة الكتاب العزيز إلى سورة المؤمنين، وذلك أزيد من أربعة أسباعه، بقراءة أبي محمد يعقوب بن إسحاق بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي … رضي الله عنه، من رواية محمد بن المتوكل اللؤلؤي المعروف برويس، من طريق أبي بكر محمد بن هارون الحنفي المقري التمار[[12]]، ومن رواية أبي الحسن روح بن عباد المؤمن الهذلي مولاهم، من طريق أبي الطيب الطيّب بن حمدان القاضي عنه رحم الله جميعهم، قال: ولم يتفق لي إكمال هذا الحرف، وأجازنيه الشيخ رحمه اله تعالى بحق تلاوته به لجميع الكتاب العزيز على أبي عمر المذكور بسنده المذكور في القراآت المتقدمة إلى أبي عبد الله محمد بن شريح المذكور رحمه الله بالسند المذكور، في كتابه المؤلف في هذه الرواية مفردة، إذ لم يتضمنها كتاب الكافي المذكور، وألف أبو الحسن شريح بن محمد المذكور كتابا في توجيه الحروف التي انفرد بها يعقوب المذكور، ولم يقرأ بها أحد من الائمة السبعة المشهورين، هو عندنا إجازة عن أبي الحسين المذكور، عن أبي القاسم بن بقي عن شريح رحم الله جميعهم [[13]].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع


[1] البرنامج ص 16.

[2]البرنامج ص 255 للأهواني.

[3]بغية الوعاة 2 ص 12.

[4]صلة الصلة ص 83.

[5] البرنامج ص 22.

[6] برنامج ابن أبي الربيع ص 263 تح الاهواني.

[7] برنامج ابن أبي الربيع ص 262 تح الاهواني.

[8] البرنامج التجيبي ص45.

[9]الكافي ص 176.

[10]البرنامج ص 23.

[11]البرنامج ص 22.

[12]البرنامج ص 25.

[13]البرنامج ص 26.

د.مولاي مصطفى بوهلال

    • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق