مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

كتاب «نصوص عربية» للمستشرق شارل بيلا وأهميته بين الكتب الاستشراقية

تمهيد:
لا أحد ينكر جهود المستشرقين في خدمة التراث العربي والإسلامي، من خلال أعمالهم القيمة سواء في مجال العلوم أو اللغة أو الأدب، والتي ذاع صيتها في العالم العربي والغربي على حد سواء مثل كتاب المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه «شمس العرب تسطع على الغرب»، وكتاب «تاريخ الأدب العربي» للمستشرق الفرنسي ريجي بلاشير ولنظيره الألماني كارل بروكلمان. 
وتنضافُ إلى ذلك مجموعة من الدراسات التي تناول بها المستشرقون ” تراثنا بالكشف والجمع والصون والتقويم والفهرسة ولم يقفوا منه عندها فيموت عند جدران المكتبات والمتاحف والجمعيات، وإنما عمدوا إلى درسه وتحقيقه ونشره وترجمته والتصنيف فيه: في منشئه وتأثره وتطوره وأثره وموازنته بغيره، واقفين عليه مواهبهم ومناهجهم وميزاتهم، مصطنعين لنشره المعاهد والمطابع والمجلات ودوائر المعارف والمؤتمرات، حتى بلغوا فيه، منذ مئات السنين، وفي شتى البلدان، وبسائر اللغات، مبلغا عظيما من العمق والشمول والطرافة(1)”  .

 

تمهيد:


لا أحد ينكر جهود المستشرقين في خدمة التراث العربي والإسلامي، من خلال أعمالهم القيمة سواء في مجال العلوم أو اللغة أو الأدب، والتي ذاع صيتها في العالم العربي والغربي على حد سواء مثل كتاب المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه «شمس العرب تسطع على الغرب»، وكتاب «تاريخ الأدب العربي» للمستشرق الفرنسي ريجي بلاشير ولنظيره الألماني كارل بروكلمان. 

وتنضافُ إلى ذلك مجموعة من الدراسات التي تناول بها المستشرقون ” تراثنا بالكشف والجمع والصون والتقويم والفهرسة ولم يقفوا منه عندها فيموت عند جدران المكتبات والمتاحف والجمعيات، وإنما عمدوا إلى درسه وتحقيقه ونشره وترجمته والتصنيف فيه: في منشئه وتأثره وتطوره وأثره وموازنته بغيره، واقفين عليه مواهبهم ومناهجهم وميزاتهم، مصطنعين لنشره المعاهد والمطابع والمجلات ودوائر المعارف والمؤتمرات، حتى بلغوا فيه، منذ مئات السنين، وفي شتى البلدان، وبسائر اللغات، مبلغا عظيما من العمق والشمول والطرافة(1)”  .

بغض النظر عن الدراسات والأبحاث التي تنطلق من نزعات سياسية واضحة أو نزعات مِلِّية وانتماءات عقدية أسماهَا بعضهم ” فتنة جائحة بما يكتبه المستشرقون عن الإسلام(2)”  .

ولعل من الأسباب التي جعلت الاستشراق ينجح في كثير من دراساته هو توفره أو حصوله على عدد هائل من المخطوطات العربية النفيسة والنادرة الوجود، والتي ما زالت تزخَر بها المكتبات الأوربية الكبيرة إلى اليوم، بل كثير من المصادر العربية القديمة لم يكتب لها الظهور لأول مرة إلا على يد المستشرقين الذين أخرجوها للوجود، فضلا عن كتب ترجموها إلى لغتهم عن مخطوطات عربية، وأصبحت هي الأصل المعتمد بعدما ضاع الأصل العربي المخطوط وذلك كثير وموجود، إلى جانب إتقانهم للغة العربية. والحق أن العَرب قد استفادوا من بعض مناهجهم في التحقيق أيما استفادة، وانطلقوا منها لتحقيق مصادر أخرى في التراث العربي.

ولقد كان للاستشراق الفرنسي نصيب وافرٌ من هذه الجهود لأسباب عديدة منها أن معظم البلدان العربية في مرحلة الاستعمار كانت عبارة عن مستعمرات لفرنسا، وبفضل هذا الاحتكاك أصبح الفرنسيون ذوي خبرة كبيرة بالعرب على مجموعة من المستويات منها المستوى العلمي والثقافي والأدبي أيضا.

ونمثل لمدرسة الاستشراق الفرنسي بمجموعة من الأعلام منهم: سلفستر دي ساسي الملقب بـ «شيخ المستشرقين الفرنسيين» وشارل بيلا صاحب كتاب «نصوص عربية» قيد الدراسة.

المستشرق شارل بيلا، اسمه ومولده، حياته، وإنتاجه العلمي، وفاته:

أ- اسمه ومولده:

اسمه بالفرنسية  Charles Pellat، وقد اختلف في ضبط اسمه عند كتابته بالعربية فهناك من يضبطه شارل بلا مثل عبد الرحمن بدوي في «موسوعة المستشرقين»، وهناك من يضبطه شارل بيلا، وهو مستشرق فرنسي ” ولد في 28 سبتمبر سنة 1914 في مدينة سوق أهراس ولاية قسنطينة في الجزائر”  (3). 

ب- حياته:

كانت حياة شارل بيلا بين الجزائر مسقط رأسه وبين المغرب الأقصى الذي درس فيه ردحا من الزمن ثم فرنسا، وقد ” حصل على الأجريجاسيون في اللغة العربية [ هي الشهادة التي تؤهل لتدريس اللغة العربية في المدارس الثانوية الفرنسية]، ثم على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة باريس. وصار مدرسا في مراكش [يقصد معهد مراكش]. وبعدها جاء إلى باريس فعُيِّن مدرسا في ليسيه لوي لوجراند «Lycée Louis le Grand» وعُينَ أستاذا في مدرسة اللغات الشرقية […] ثم صار أستاذا في معهد الدراسات الإسلامية الذي هو قسم من كلية الآداب في جامعة باريس[…]، وأصبح مديرا لهذا المعهد. وانتخب عضوا في أكاديمية النقوش والآداب الجميلة. التي تكون فرعا من فروع « معهد فرنسا»”  (4). 

ج- إنتاجه العلمي:

معظم مصنفات شارل بيلا  وإنتاجه العلمي اهتم بالجاحظ ودار حوله، سواء في شكل كُتُب أم في شكل دراسات نشرت في المجلات الاستشراقية وغيرها، ونذكر له من هذه الكتب والدراسات:

– ” الوسط العلمي في البصرة وتنشئة الجاحظ”، أو ” الوسط البصري وتكوين الجاحظ” والعنوان بالفرنسية”le milieu basrien et la formation de jahiz ” سنة 1953، وهي في الأصل رسالة تَقَدَّم بها شارل بيلا لنيل شهادة الدكتوراه الكبرى.

– ” الإمامة في مذهب الجاحظ” سنة 1961.

– ” الجاحظ ومذهب الخوارج” سنة 1970.

– “الجاحظ والهند” سنة 1974.

-” النصرانية في نظر الجاحظ” سنة 1970.

وإلى جانب هذه الدراسات والكتب التي دارت حوله نجد مجموعة من الرسائل التي نشرها للجاحظ، سواء بالعربية ومنها:

– كتاب ” التربيع والتدوير” سنة 1955.

– ” رسالة في نفي التشبيه” سنة 1953.

أو مترجمة إلى الفرنسية مثل:

-” كتاب البخلاء” نشر بين سنتي 1951و 1955.

كما أصدر كتبا ودراسات عن العالم العربي وعن اللغة العربية وآدابها نذكر منها:

-” اللغة والأدب العربيان” سنة 1952.

-“اللغة العربية الحية” سنة 1984.

– ” مدخل إلى اللغة العربية الحديثة” سنة 1974.

-” الموسوعات في العالم العربي” سنة 1966.

– “رسالة في الحلم” سنة 1973.

– “ديوان ابن سهيل الأندلسي جمع وتعليق بالعربية” سنة 1955.

د- وفاته:

توفي ” في فجر يوم الأربعاء 28 أكتوبر سنة 1992″  (5).

عنوان الكتاب:

يظن قارئ عنوان الكتاب لأول وهلة أن موضوعهُ متعلق بالنصوص العربية وحدها، لكن قارئهُ كله يجده يدور حول مجموعة من النصوص اليونانية واللاتينية والفارسية المتعلقة بالعد بالأصابع إلى جانب النصوص العربية وليست هذه الأخيرة وحدها.  

والظاهر أنه أطلق على الكتاب « نصوص عربية » تسميةً للكل باسم الجزء، أو لأن النصوص العربية هي ما يهمه من الكتاب كله، باعتباره مستشرقا اهتم باللغة العربية وآدابها بالدرجة الأولى، ولأن هذا القسم في الحقيقة هو الجزء الأكبر من الكتاب.

وقد فضَّلت أن أترجم عنوان الكتاب ” Textes Arabes Relatifs A La Dactylonomie” بـ ” نصوص عربية متعلقة بحساب العَقد”؛ لأن حساب العقد في نظري أشهر عند العرب من الحساب بأصابع اليد أو حساب القبضة أو حساب القبط أو حساب الجُمَّل وكلها أسماء لمسمى واحد.

أبواب الكتاب ومضمونُه:

قبل الحديث عن أبواب الكتاب ومضمونه تجدر الإشارة إلى أن أصل الكتاب بالفرنسية كما وضعه صاحبه ولم أقف على ترجمة له بالعربية، إلا أنه يتضمن الكثير من النصوص بلغات أخرى مثل الإسبانية واللاتينية والفارسية وكذا نصوص مترجمة عن العربية.

ويقع الكتاب في واحد وأربعين صفحة من الحجم المتوسط؛ المقدمة في أربع صفحات، والخلاصة في ثلاث عشرة صفحة، بالإضافة إلى ثلاثة فصول كالآتي:

– الفصل الأول: المصادر اليونانية واللاتينية [ 5- 16].

– الفصل الثاني: المصادر العربية والفارسية [ 17- 35].

– الفصل الثالث: نصوص عربية [ 36- 117]. 

والفهارس عبارة عن قاموس للمصطلحات العربية، وفهرس للأعلام الواردة في الكتاب، وفهرس للمصادر والمراجع، وأخيرا فهرس المحتويات.

يتحدث المؤلف في مقدمة الكتاب عن وجود حساب العقد عند العرب المسلمين قديما، وأن هذا النوع من الحساب كان يستخدم خصوصا من طرف تجار اللؤلؤ في الخليج العربي في تعاملهم مع زبناءهم، وفي هذا الصدد شرح كيف يضع التجار والزبناء  أيديهم تحت الرداء ويتفاهمون حول الثمن المتفق عليه بالضغط على اليدين خلافا للتجار في باريس – كما يقول المؤلف-.

وفي الفصل الأول المعنون بـ ” المصادر اليونانية واللاتينية ” تحدث شارل بيلا عن حساب العقد في أوروبا استنادا إلى مجموعة من النصوص اليونانية واللاتينية وكذا الدراسات التي قام بها مجموعة من الدارسين الأوروبيين مثل: Bède و Prenez و Moya و Valiriano. وهو فصل صغير مقارنة مع الفصل الثاني الموسوم بـ ” المصادر العربية والفارسية”.

ذكر المؤلف في هذا الفصل أنه ساد في التقليد عند المتأخرين من العرب مثل طاش كبري زادة وحاجي خليفة وعبد القادر البغدادي أن استعمال حساب العقد كان معروفا عند العرب في عهد النبي [ صلى الله عليه وسلم] غير أنه لا يوجد حديث صحيح يشهد على صحة ذلك في رأي شارل بيلا.

وفي هذا السياق أورد حديث النبي[ صلى الله عليه وسلم]  عن فتح ردم يأجوج ومأجوج وعلق عليه بأنه لا يتوافق مع نظام أو صورة حساب العقد كما هو معروف عند العرب. كما أورد الحديث الذي رواه عكرمة حول عقد الثلاثين وشرحه طاش كبري زادة في «مفتاح السعادة». وفي هذا السياق أيضا ذكر بيتي الفرزدق في هجاء جرير يذكر فيها عقد الثلاثين، وبيتين من قصيدة أخرى في القرن الأول للهجرة ليحيى بن نوفل اليماني في ذكر يزيد بن خالد بن عبد الله القسري، وفيها نص على العدد «تسعين»، والبيتان هما:

فَمَا تِسْعُونَ تَحْفِزُهَا ثَلاثٌ         يَضُمُّ حِسَابَهَا رَجُلٌ شَدِيدُ

بِكَفِّ حُزقَّةٍ جُمِعَت لِوَجْءٍ         بِأَنْكَدَ مِنْ عَطَائِكَ يَا يَزِيدُ

كما أورد نصوصا فارسية تشتمل على مجموعة من الأبيات الشعرية التي تومئ إلى أعداد معينة مثل بيتي القاقاني وتنص كذلك على استعمال هذا النوع من الحساب عند الفرس.

وفي هذا الصدد قام بموازنة لغوية بين كلمتي ” عَقْد» و «عُقَد» مبينا الفرقَ بينهما من خلال تعريف كلمة ” عَقْد” عند الفرس والتي تعني طي الأصابع، وكذلك عند العرب من خلال معجم «تاج العروس».

وفي هذا الفصل أيضا عَقَد شارل بيلا موازنة بين ثلاث طرق لحساب العَقد من خلال ثلاثة جداول تحتوي على مجموعة من الإيماءات بواسطة أصابع اليد قام بها كل من Pacioli و Aventinus بالإضافة إلى جدول لمجلة البيان المشرقية، وإتماما للفائدة نورد هذه الجداول الثلاثة:

أ- Pacioli:

ب- Aventinus:

ج- مجلة البيان المشرقية:

أما الفصل الأخير الموسوم بـ” نصوص عربية” ففيه يجد القارئ نصوصا عربية متعلقة بحساب العقد مصحوبة بالترجمة إلى اللغة الفرنسية، وهي كالآتي:

1- مقطع من كتاب « المعلمين» للجاحظ يتحدث فيه عن حساب العقد.

2- مقطع من كتاب « البيان والتبيين» للجاحظ أيضا تحدث فيه عن العقد وهو الحساب دون اللفظ والخط، وكذا عن فضيلة هذا العلم وعظم قَدر الانتفاع به.

3- مقتطف من مقال للأب أنستاس بعنوان «العُقَد»، يقول في المقدمة:” إن للعرب نوعا من الحساب يكون بأصابع اليدين يقال له « العقود» أو « العُقَد» أو « حساب اليد» وهو المسمى عند علماء الإفرنج  Dactylonomie”  (6). 

ويضم هذا المقال مجموعة من النصوص الأخرى المهمة منها:

مقال مأخوذ من مجلة البيان حول ضبط لفظة «العُقَد».

مقطع من «كشف الظنون» لحاجي خليفة حول حساب العقود، وهو قوله في حديثه عن أنواع الحساب:” ومنها علم حساب العقود أي عقود الأصابع، وقد وضعوا كلا منها بإزاء أعداد مخصوصة ثم رتبوا لأوضاع الأصابع آحادا وعشرات ومئات وألوفا ووضعوا قواعد يُتعَرف بها حساب الألوف فما فوقها، وهذا عظيم النفع للتجار سيما عند استعجام كل من المتبايعين لسان الآخر وعند فقد آلات الكتابة”  (7). 

مقطع من «خزانة الأدب» للبغدادي حول حساب العقود أيضا. 

وقد أشار إلى أن ” التجار عندنا يستعملون إلى يومنا هذا الحساب بالأصابع عند بيع أو شراء شيء ثمين أو مهم بعدده؛ وذلك أنه إذا وقعت المساومة بين البائع والمشتري وضع المشتري يده في يد البائع ثم يجعلان فوق يديهما ساترا كمنديل ومحرمة ثم يشير المشتري إلى البائع بعقد الأصابع؛ فإذا لم يعجبه الثمن قال «لا» وإذا قال له «بعتك» فلا يعلم الحاضرون كم مقدار الثمن؛ ولكن غاية العدد بالعقد أن ينتهي إلى تسعة وتسعين وتسعمائة وتسعة آلاف فقط؛ هذا الحساب مستعمل أيضا في زماننا الحاضر في البلاد الحجازية والهندية”  (8).

4- قصيدة في حساب القبضة باليد لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الموصلي الحنبلي [ت:656هـ].

5- من «الشرح الجلي» لأحمد البربير الحسني [1160-1226هـ/ 1747-1811م]، قال:” وقد ذكرت آنفا الحساب بعقد الأصابع غير مفصل وأريد أن أذكره مفصلا لأني لم أجد من ذَكَرَه في كتاب، وقد علمتَ مما تقدم أن المحدِّثَ يحتاج إليه لوروده في الأحاديث، وكذا الفقيه لأن فقهاء الشافعية ذكروه في الصلاة عند التشهد”  (9).

6- “لوح الضبط”(10)   أرجوزة في حساب اليد لأبي الحسن علي بن الحسن المعروف بابن المغربي [ تـ: 400هـ] وشرحها لمحيي الدين عبد القادر بن علي بن شعبان الصوفي، يقول :” فالحساب علم نافع لا يشك أحد في نفعه، وهو علم بأصول يتصرف بها في كميات مجهولة، وموضوعه العدد […] وهذا العلم أشرف من علوم كثيرة عند من له أدنى فهم لأن به معرفة الحق وقسمة الزكوات والمواريث وغير ذلك”  (11).

وقد قسمها صاحبها إلى أربعة أبواب:

الباب الأول: باب عقد الآحاد.

الباب الثاني: باب عقد العشرات.

الباب الثالث: باب عقد المئات.

الباب الرابع: باب عقد الألوف.

والأرجوزة طويلة تتكون من ستين بيتا.

أهمية الكتاب بين كتب المستشرقين:

لم ينتبه الباحثون إلى كتاب شارل بيلا «نصوص عربية» – خلافا لكثير من كتب المستشرقين التي اكتسبت شهرة واسعة وانتشارا أكبر، وكذا بعض كتبه هو مثل كتاب « الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء» الذي ترجم إلى العربية-، والدليل على ذلك عدم وجود ترجمة له بالعربية وكذا سكوت الذين ترجموا لشارل بيلا عن ذكره  (12)، مع ما لهذا الكتاب من أهمية كبرى سواء في المكتبة العربية أو في المكتبة الاستشراقية.

 وترجع أهميته بالأساس إلى كونه قد حَفِظ لنا مصادر عربية مهمة تتعلق بحساب العقد عند العرب وخاصة فيما يتعلق بقصيدة الموصلي في حساب القبضة باليد وتعليقات الأب أنستاس الكرملي عليها، وكذا ما أخذه من «الشرح الجلي» لأحمد البربير، بالإضافة إلى «لوح الضبط» وهي أرجوزة في حساب اليد لابن المغربي وشرحها لمحيي الدين عبد القادر بن علي بن شعبان الصوفي.

وهذه الكتب بعضها وقفت عليها مطبوعة ومحققة مثل أرجوزة «لوح الضبط» التي حققها الدكتور رمضان عبد التواب وقدم لها بالحديث عن هذا النوع من الحساب وعن الكتب المؤلفة فيه. وبعضها مطبوع لكنه غير محقق مثل كتاب «الشرح الجلي» لأحمد البربير.

وبعضها لم أقف على نسخ مطبوعة منها مثل الرسالة التي شرح فيها محيي الدين عبد القادر بن علي بن شعبان الصوفي أرجوزة «لوح الضبط»، فيحتاج الباحث فيها العودةَ إلى كتاب «نصوص عربية» لشارل بيلا للاطلاع عليها، وبذلك أصبح الكتاب بدوره مصدرا من المصادر التي حفظت تراثنا العربي لأن مثل هذه الكتب أو المنظومات محفوظة في رفوف الخزانات الخاصة الضنينة ولم يكتب لها الظهور بعد. 

وقد صَرَّح الأب أنستاس بذلك في مقاله حول « العقد» حين قال:” أما هذه الكتب وهذه  الأراجيز التي وضعت لهذا الحساب فإنها لاشك مخفية عند هذا وذاك من محبي العلم والحرصاء على مستودعاتها ولذلك أصبحت أعز من الغراب الأعصم؛ ولما رأى صاحب الفضل والفضيلة الإمام المروع والعلامة المتبع الذي لم يرث العلم كلالة بل اجتهادا وسلالة، الشيخ محمود شكري أفندي الآلوسي ما تبذله مجلة المشرق من السعي وراء الحصول على مثل هذه الآثار العربية لنشرها من عالم الانحلال والاضمحلال إلى عالم التماثل والرجوع إلى أحسن الأحوال دفع إلي قصيدة في هذا المعنى من نظم الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن أحمد الموصلي الحنبلي ووعز أن أفسرها  بعبارة وجيزة جلية تعميما للفائدة؛ فحققت مناه ولبيت دعواه”  (13)، فما أحوجنا إلى هذه الهمم العالية لتخريج تراثنا العربي الزاخر وتحقيقه، وما أحوجنا أيضا إلى سخاء الحرصاء على العلم المشغوفين بموارده المخطوطة. 

ويمكن القول أيضا إنه ” لم يسلم هذا النتاج الذي فُقِد قسم كبير منه أثناء الانقلابات المتعددة التي أفقرت الأدب العربي إلا بفضل الظروف الاستثنائية والاقتباس الذي لجأ إليه حسب طريقة معروفة الكتاب السابقون”  (14)، وهنا تكمن أيضا أهمية هذا الكتاب الذي حفظ لنا مصادر مهمة من تراثنا العربي عن طريق الاقتباس. 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1.  المستشرقون 1/7-8.

2.  المستشرقون والإسلام ص:4.

3.  موسوعة المستشرقين ص:117.

4.  موسوعة المستشرقين ص:117. 

5.  موسوعة المستشرقين ص:117.

6.  نصوص عربية ص: 41.

7.  نصوص عربية ص: 45  مقتطف من «كشف الظنون» لحاجي خليفة.

8.  نصوص عربية ص: 47  مقتطف من مقال للأب أنستاس بعنوان «العُقَد».

9.  «الشرح الجلي» لأحمد البربير، ص:85، وفي « نصوص عربية» ص: 63 .

10.  وجدت في كتاب « نصوص عربية» أن عنوان المنظومة ” لوح الحفظ أرجوزة في حساب اليد” وعندما رجعت إلى النص الذي حققه الدكتور رمضان عبد التواب وجدته يضبطها بـ ” لوح الضبط في علم حساب القبط” ولعل الأرجح بينهما ما ذكره الدكتور رمضان عبد التواب لأن ابن المغربي يقول:

وقد حداني الفهم أن أصنفا       ///        في علمه شيئا وأن أؤلفا

أرجوزة تدعى بلوح الضبط        ///    حوت على علم حساب القبط

أما النص الذي نقله شارل بيلا في كتابه ففيه:

وقد حداني الفهم أن أصنفا       ///        في علمه شيئا وأن أؤلفا

أرجوزة تدعى بلوح الحفظ      ///      حوت على علم حساب القبط

وفي ذلك تنافر  بين، واختلاف بين القافيتين (الحفظ/القبط).

11.  نقلا عن: نصوص عربية ص: 75 .

12.  ملحوظة: لم يذكره نجيب العقيقي في «المستشرقون» وعبد الرحمن بدوي في  «موسوعة المستشرقين» عندما ترجموا لشارل بيلا لأن الكتاب لم يكن قد طبع بعد، وإنما نقصد هنا  المقالات الكثيرة الحديثة التي تغفل هذا الكتاب في ثبت مؤلفات شارل بيلا.

13.  نصوص عربية ص: 49- 51  مقتطف من مقالة  «العُقد» للأب أنستاس.

14.  انظر: مقدمة كتاب الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء ص: 1.

*********

المراجع:

– الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء، للدكتور شارل بلات، ترجمة الدكتور إبراهيم الكيلاني، منشورات دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، سورية، سنة 1961م.

– الشرح الجلي على بيتي الموصلي، للشيخ أحمد البربير، طبع في بيروت بالمطبعة الأدبية سنة 1302هـ.

– المستشرقون والإسلام، لمحمد قطب، الطبعة الأولى 1420هـ/1999م، منشورات مكتبة وهبة بالقاهرة.

– المستشرقون،  لنجيب العقيقي، الطبعة الثالثة سنة 1964م، منشورات دار المعارف بمصر.

– موسوعة المستشرقين، لعبد الرحمن بدوي، الطبعة الثالثة سنة 1993م، منشورات دار العلم للملايين، بيروت.

– لوح الضبط في علم حساب القبط، لابن المغربي، تحقيق الدكتور رمضان عبد التواب، مجلة معهد المخطوطات العربية، م 36، جمادى الآخرة، ذو الحجة 1412هـ/ يناير، يوليو 1992م.

– Textes Arabes relatifs à la Dactylonomie, Charles Pellat, Maisonneuve El Larose, Paris 1997, Publications Du Département D’Islamologie De L’Université De Paris- Sorbonne.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق