مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

قالوا في المدونة

تدريس المدونة بين معرض ومقتصد ومسرف

    يقول أبو الحسن علي بن سعيد الرجراجي :

  فهؤلاء القوم انقسموا في تدريسها على طوائف:

       فطائفة أعرضت وفرطت وقصرت، وطائفة أوغلت وأسرفت، وأفرطت، وطائفة أعدلت وقصدت وتوسطت.

          أما الطائفة المعرضة فقد أعرضت عن الكتاب، ولم تفهم معنى السؤال منه والجواب، بل اعتمدت على مطالعة كتب المتأخرين كتبصرة اللخمي، والجامع لابن يونس، وقدموا قراءة الشرح على المشروح، فكفى بهذا الوصف تبيانا لفساد وضعهم في السلوك حتى أن الجاهد منهم، ومن يشار إليه بالبنان بالتبحر في الفقه، وفصاحة اللسان يساهر النجوم، ويساور الوجوم في مطالعة الأمهات يرتب وينسخ بعض كلامه على بعض، ويذهب ويزخرف ألفاظه، ويموه كلامه ويطول أنفاسه حتى يذهب عامة النهار في الدرس في الكلام الفارغ منه وسمع النقل من العتبية والموازية.

          ولا ذكر هناك لمعاني المدونة، وهم في درسها على زعمهم فإذا خرج آخرهم من الدرس انحل الترتيب وانحل واختل ذلك التمويه حتى لا يعقل منها على رواية، فهذه عادته طول العمر يقطع المدونة طالعا ونازلا، والإشكال فيها كما كان، ولا جرم تلاميذهم كوادن وهم حشو المدارس، ولا حسنة تزداد ولا سيئة تمحى، فالعياذ بالله من الخذلان.

           فإذا كانت سيرة الفحول من هذه الطائفة على هذا النعت، فكيف حال الخصيان المتشبهين بالإناث ومن بضاعته في هذا الفن مزجاة ،فتعجب من ضلالة المسكين يعول على النقل من الأمهات والدرس للروايات، ولم يميز منها بين الضعيف والمتين، ولا يفرق بين الغث والسمين، ويدعي أنه  اقتفى أثر المشايخ المتقدمين، وهذه تصانيف المحققين الموافقين تحقيق ما أطلقه القدماء، وخصوص ما عممه العلماء ككتاب الوجيز لأبي القاسم بن محرز، وكتاب “التنبيه” لأبي الفضل العياضي وكتاب “الكشف عن أسرار المدونة” لأبي محمد عبد الحميد السوسي، وكتاب “الشرح” لابن لبابة الصغير، وأكثر تصانيف أبي عمران الفاسي قدّس الله أرواحهم في الخوض على تصانيف المدونة، واستقراء الأحكام منها ينادي على المعول على مجرد النقل بالويل والثبور، ومن لم يجعل الله له نورا.

          وأما الطائفة المفرطة، فقد راغموا الدليل، وسدوا باب التأويل، واتبعوا ظواهر الكتاب، واقتنعوا بالقشور عن اللباب، وركنوا إلى الدعة والراحة، ولم يتعبوا الذهن والقريحة، وهم ظاهرية المذهب.

          وهذه الطائفة أبخس من الأولى، وأقل منها توفيقا وأكثرها ماء، وأقل دقيقا، لأنهم خلطوا المذهب، وأفسدوا أذهان المتعلمين، وجمعوا بين مفترقين وفرقوا بين مجتمعين تحكما بغير بيان، وتعسفا عريا عن البرهان، و تخرصا على صاحب الكتاب بأن ذلك مرامه بالخطاب، فباؤوا بإثم عظيم، واستحقوا بذلك العذاب الأليم، إلا أن يعفو الجواد الكريم.

         وأما الطائفة المتوسطة المعتدلة: فهي الطائفة الموفقة إلى ما ضلت عنه الطائفتان، وعميت عنه بصائر الفريقين، وهي أقوم قيلا، وأهدى إلى الحق سبيلا وأهلها على ما كان عليه قدماء الأصحاب من مغاربة المذهب، فبصاعهم كالوا، وعلى منوالهم نسجوا في استعمال ظواهر الكتاب وبواطنه، واستنباط الفوائد الكامنة في فرائد ألفاظه واستنزال الدر النفيس من أهدابه، واستنزال المعنى الرائق من مخزن أوعاره، وهذه الطائفة في المغرب الأقصى أقل وجودا في هذا الزمان من الغراب الأعصم.

مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل في شرح المدونة وحل مشكلاتها

لأبي الحسن علي بن سعيد الرجراجي 1/39 ومايليها. تقديم فضيلةالشيخ علي علمي لقم، اعتنى به أبو الفضل الدمياطي احمد بن علي، مركز التراث الثقافي المغربي، دار ابن حزم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق