مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

التحسينات المالية في المذهب المالكي وتطبيقاتها المعاصرة4

ذ/ عبد السلام اجميلي 

من علماء القرويين

– ضوابط الاستحسان:

إن الاستحسان  سواء كان منهجا من مناهج الاجتهاد أو دليلا من  الأدلة التبعية لابد أن تحكمه  ضوابط شرعية تنظم عمل المجتهد وتحكمه، وتنير الطريق أمامه في اجتهاده، وتسد باب الهوى والتشهي أمام كل جاهل أو مفسد.

الضابط الأول: أن يكون الحكم الاستحساني محققا لمقاصد الشريعة العامة:

إن مقصد الشريعة الإسلامية المطهرة هو تحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل وذلك عن طريق أحكامها وتكاليفها الشرعية، فالعمل بتلك الأحكام والتكاليف يضمن حفظ مقصدها في الخلق.

ويمكن لنا أن نقسم مقاصد الشريعة في الخلق إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الضروريات: وهي التي بها قيام مصالح الدين والدنيا[1]: ومجموع الضروريات خمسة هي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعقل والمال.

القسم الثاني: الحاجيات: وهي التي يحتاج إليها للتوسعة ورفع الضيق والحرج والمشقة[2].

القسم الثالث: التحسينات: وهي التي يؤخذ بها لتحقيق مكارم الأخلاق[3]. إن الحكم الاستحساني يجب أن يكون سائرا في ظل المقاصد لا يحيد عنها، وسأذكر مثالا يبين كيفية تحقيق الحكم الاستحساني لمقاصد الشريعة:

لقد نهى النبي (صلى الله عليه وسلم )عن بيع الغرر، وفسر بأنه بيع ما ليس عند الإنسان، وهذا منهي عنه أيضا[4] لأن فيه تعليقا بالخطر، فقد يجد الإنسان ما باع وقد لا يجده، وقد يقدر على تحصيله وقد لا يقدر.

وقد جوز الشارع بيع السلم، وهو بيع للمعدوم، وقد ثبت على خلاف الأصل، فهل يحقق هذا الاستثناء من الأصل مقصدا شرعيا[5]؟

لاشك أن هذا الاستثناء يحقق مقصدا شرعيا مهما، وهو رفع الحرج والمشقة مما يؤكد الحاجة إليه، لأنه يحقق مصلحة ويدفع مفسدة، وهذا هو مقصد الشريعة، ولذلك عد من الحاجيات في قسم المعاملات[6].

الضابط الثاني: أن يكون للحكم المستحسن سند شرعي:

إن السند الشرعي -نصا كان أو إجماعا أو ضرورة أو قياسا-يخرج الحكم المستحسن من كونه هوى للمستحسن، إلى صف منظومة الأحكام الشرعية المعتد بها.

ولقد قسم  الحنفية الاستحسان إلى أنواع بحسب سندها الشرعي، ليكون ذلك علامة على شرعيته أمام كل باحث ومعترض، ولا تنفي الحاجة إلى السند الشرعي مهما كان معنى الاستحسان.

 فإن قيل: إن الاستحسان منهج اجتهادي، يعدل فيه عن حكم شرعي إلى حكم شرعي، أجيب: أن الحكم  الشرعي المعدول إليه، لابد أن يكون له دليل شرعي يثبته ليكون حكما شرعيا معتبرا، ودليل الحكم هو الاستحسان.

وإن قيل: هو دليل عارض القياس الظاهر، أجيب: أن الدليل الشرعي معروفة ماهيته.

وإن قيل: هو قياس خفي، أجيب: انه لابد للقياس الخفي من أصل، وهو الدليل الشرعي.

وهكذا مهما تنوع المقصود من الاستحسان واختلف، فلابد من سند شرعي يدعمه ويثبت صلاحيته[7]

 

 


[1] -الموافقات في أصول الشريفة، الطبعة الأولى، تعليق عبد الله دراز، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001، 2/9.

[2] -الموافقات في أصول الشريعة، 2/11.

[3] -الموافقات في أصول الشريعة، 2/12.

[4] -سنن الترمذي في كتاب البيوع ما جاء في كراهية ما ليس عندك برقم (1232)، ص 358-329.

[5] -ذكر ابن الهمام أن بيع السلم هو بيع للمعدوم وليس قياسا على بيع المعدوم، شرح فتح القدير للعاجز، الفقير دار إحياء الثرات العربي، 6/207.

[6] -الموافقات في أصول الشريعة، 2/12.

[7] -التحسينات المالية عند الحنفية لحسن عوض، ص 18.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق