مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

في تفاعُلِ الفَلسفة وعلمِ الكلام الأشعريّ وَحْـدانِـيَـةُ «اللهِ» وحَـقِـيقَـتُـهُ عنْدَ أبِي حَامدٍ الغَزاليّ تأطير وتحليلٌ عام لمسَائِل من كِتَابِ تهافت الفلاسِفة(1) الجزء الأول

مقدّمةٌ:

أحاول في هذه المقَالة تأطيرَ وتحليلَ كلٍّ من المسألةِ الخامِسة والسادسة (م:5-6)، والسّابعة والثّامنِة (م:7-8) – على التّوالي – من كتاب: تهافت الفلاسِفة للشيْخ أبي حامدٍ الغزالي (ت. 505 هـ/ 1111 م). وهي المسائلُ التِي ترتبطُ ابتداءً، في أصولها الكلامية وعلى نحو أسَاسي، بإشكال تصنيف الصفات النّفسية للذاتِ الإلهية في التقلِيد الأشعريّ المتقدّم، حسَب التّقسيم الخلدوني، كمَا سيظهر لاحقًا؛ إذ سيحيلنَا التحليلُ المقترح في أول المقالة على التطورات النسقيّة التي طالتْ عددًا من القضايا في علم الكلامِ الأشعريّ لاسيما قضية الصفات النفسية التي تلامس وحدانية الله في الأشعريّة التقليدية، وهي الفئةُ التي ستشهَد، في بعض المستوايات، تغييرًا بعد التفاعل الكبيرِ لعلم الكلام مع الفكر الفلسفيّ والمنْطقي ذي التوجه السّنوي فيمَا بعد المرحلةِ الغزَالية.

ومنَ زاوية أخرى فإنّ كلاّ من المسائل المذكورة في كتاب التهافت تحيلُ، كمَا هو منطوق الغزالي فيها، على الجدالات الفكرية ذات الطابع اللاهوتِي والميتافيزيقي التي كانتْ دائرةً بين كلّ الحلقَات الكلاميّة المدرسيّة، وبين دوائر فلاسفة المسلمينَ في العصر الوسيط من تاريخ الفكر الإسلاميّ؛ وهي الجدَالاتُ التِي كانت تناقشُ إشكال ما إذا كانتْ طبيعة الله وحقيقته قابلة للإدراك من قِبلنا نحن البشر أم لا؟ مضيفةً إلى هذَا النقاش إشكال تحديدِ مفهومٍ صحيح ومقبول للوحدانية الحقّة بالنسبة إلى الله.

إلى هذَا فإني قد قسّمت هذه المقالة، إلى محاور مصغّرة رقّمت بالأرقامِ التالية: (I) (II) (III). وقد ضمّنتُ الأولَ منها تمهيدًا عامّا وإشكاليّا لمسائل التهافت المعنيّة بالتحليلِ؛ حيثُ يلامس هذا المحور جوانبَ من التطور التاريخي لقضيّة الصفات النفسيّة في المذهَب الأشعَري، وهي الفئةُ التِي تضمّنت، في فترةٍ من تاريخ الأشعريّة، إشكاليْ: الوحدانية وحقيقة الله، وهما الإشكالان اللذان بحثهما الغزالي في التهافت، وخصّ إشكال حقيقة الله بالمسألة السّابعة والثّامنِة (م:7-8) منه.

أمّا المحور الثاني فلم يخرج، هو الآخر، عن كونِه تأطيرًا عامّا لمسائل التهافت المذكورة، وهو التأطير المجعول، أساسًا، للغزاليّ؛ حيث حَدّدت فيه الفترةَ المعنية بالتحليل، كما ضمّنته بعضَ معالم الفكر العقدي عند الرّجل، والخطوطَ المنهجية العامة للمسائل المذكورةِ؛ فيما كان المحور الثالثُ، والأخير، عَرضًا تحليليّا للمسَائل تِباعًا.

 وأشيرُ إلى أني تعمّدت عدمَ عرضِ نقاشِ الفيلسوف أبي الوليد ابن رشد (ت. 595 هـ/1198م)، في كتابِه المهمّ تهافت التّهافت، لهذه المسائل الغزالية – إن جاز التّعبير -؛ لأنّي وددتُ عدمَ إثقال هذه المقالة بالنّقاشاتِ تحليلاً وتركيبًا؛ ومن ثم تأريخًا؛ وعليه فقد أرجأتُ هذا النقاشِ الهامّ والمحوريّ إلى حينِه، وذلك سعيًا إلى تمهيدٍ بحثيّ آخر غير هَذا يتضمّن تنقيبًا أوسَعَ، وإشكالاتٍ فلسفيةً وكلامية أجدّ. هذا وإنّي لا أدعي الإحاطةَ في البحثِ؛ عسى أنْ تظهر بعضُ معالمه في صور أكمل من هذه، لاسيما إشكال المحوَر الأوّل منه؛ وإلى ذلك الحين فإنّ هذه المقالة لا تخرجُ عن كونِها اختِبارًا، نظريّا، لطريقة فهم النّصوص والتأريخ لإشكالاتِ علم الكلام التقليديّة وتفاعلاتِها مع العلوم الإسلاميّة والعقليّة في تاريخ الإسلام الوسِيط، وهو اختبَارٌ أسعى إلى تطويره، لاحقًا في بحوثٍ خاصّة تنتظِم ضمن الاشتغال على التفاعلاتِ الكبرَى التِي كانت بين علم الكلامِ والتقلِيد الفلسفيّ والمنطقيّ الوسِيط.

والله الموفّق.

(I)

«الوحدانية» و«الصفات النفسية» المضَامينُ والأسس المذهبيّة:

ترسّخَ في التّقليد الأشعريّ المتأخر مع المتكلم المغرِبي أبي عبد الله السنوسيّ (ت. 895 هـ/1490م) صاحبِ التقريبَات العقديّة المشهورةِ؛ تقسيمٌ ثلاثِيّ أو رباعيّ للصفاتِ الإلهيّة(2) ، وهو التقسِيم الذي لا يخصّ واجبَ الوجودِ كما تحدّثنا بذلك المصادر؛ ذلك أنّ الأشاعرة يُشدّدون على كونِ هذه الفئاتِ من الصّفاتِ، دون ما يندرجُ تحتها بالنسبة إلى الله، عامّةً للممكنَاتِ أيضا كما سيأتِي بعدُ. وعليه فثمّة أربعُ فئاتٍ من الصّفاتِ تعمّ الموجودَاتِ: الصفَات النفسيّة، والصّفات السّلبية التِي تحيل على التّقديس أو نفي أمرٍ لا يليق بالذاتِ الإلهية(3) ؛ وصفات المعانِي، ثم أخيرًا الصفات المعنوية التِي قد لا تحيل في بعض الآراء إلاّ على المعانِي(4) ؛ فيكونُ حينئِذٍ التقسيمُ ثلاثِيًّا(5). غير أنّ التقليد الأشعريّ المتقدّم نسبِيًّا بالنسبة للسنوسيّ(6) آثار تقسيمًا ثنائيًا لفئاتِ الصفاتِ يغايرُ ما استقرّ في التعاليمِ المدرسِيّة بعد الفتْرة السّنوسيّة (= بعد القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي)، دون أنْ يتضمّن ذلك إلغاءً لصفَات النفيّ أو السّلب؛ إذ نقرأ، مثلاً، عنْد الجوينِي (ت. 478 هـ/1085م) في مفتَتحِ «القولِ فيمَا يجب لله تعالى من الصّفاتِ»(7) قولَه: «اعلم أنّ صفاتِه تعالى منها نفسية، ومِنها مَعنويّة»(8)، في إشارةٍ إلى المعانِي وأحكامِها.

هذا الأمرُ سارتْ عليْه بعض المصادر الأشعريّة التالية بالنسبة إلى الجوينيّ في مصر(9)، والغرب الإسلامِي، دونَ إحداثٍ لتقسيماتٍ، أو تنويعَاتٍ جديدةٍ. ويلاحظ، هنا، أنّ التقليدَ الأشعريّ قبل القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي، وفِي بعضٍ من كتابَاتِه؛ لمْ يكنْ بَعدُ قد أحدَث تفريقًا دقيقًا من حيثُ المضمونُ والمعنى بين فئتَي الصّفاتِ: النفسية، والسلبية كما هو الحال عنْدَ أشعريي مَا بعد أبي عبد الله السّنوسيّ؛ وهو أمرٌ نلفيه جليًّا في بعض الكتاباتِ؛ حيثُ نقرأُ، مثلاً، للمتكلم اللّغويّ المغربيّ ابن خمير السّبتي (ت. 614 هـ/1217م) – وهو يلخّص أعمالاً رائدة في الفِكر الأشعريّ(10) – في هذا الصّدد قولَه: «أمّا [الصّفاتُ] النفسيّة فقد بيّنا منها بعضَ ما يصح به التنزيه للبارئ -تعالى- عن مشابهةِ خلقِه»(11).

والملاحظُ أنّ هذا القول من ابن خمير السبتِي لا يعدو أنْ يكونَ تداخلاً مضطربًا وساذجًا، من الناحية المنطِقيَّة بين الفئتينِ؛ إذ يمكن أن يُتساءل حولَ إمكانِ القول بأنّ الصّفات النفسية تدلّ على حال للذاتِ، كما يرى بعض الأشاعرة، أو نفس الذاتِ – كما هو مقتضى قولٍ آخر في المذهَب -؛ أو أنها تدلّ على نفي أمر عن الذات، وقدْ يُقال، لربّما، إنّها تدلّ عليهما معًا. هذا الاعتراضُ ستنتبه له بعضُ الأعمال الأشعرية النقدية فيما بعْد، وتحيل عليْه في إطارِ تطوير المذهبِ، ومحاولة تجاوز بعضِ الصعوباتِ النسقيّة فيه، والحقّ أنّ عبارةَ السبتي هذه، ووفقَ تلك الأعمال النقدية، تطوِي بين ثناياها قلقًا منطقيًّا موروثًا عن بعض المتقدمين كالجوينيّ، والقاضي الباقلاني (ت. 403 هـ/1013م)، قلقًا لم أجد له جوابًا في متن السّبتي العقدِي رغم أنّ الأشعريّة المشرقية في زمانِه، أعني القرنَين السادس والسابع الهجريين – الثاني عشر الميلادي، قد بدأتْ بأعمالٍ نقديّة فاحصة! (12) لم يطالعها بعدُ ابن خمير.

وأيّا كان فإنّ ما تقرّر عند عدد غير قليلٍ من أشعرِيّي ما بعد الجوينيّ لا يخرج مُجملاً عن أنْ يكونَ، من حيث البناء النّسقيّ، إعادةً لما رسمه كل من الباقلانيّ والجوينيّ نفسه من بعدُ إلى فترة مَا، دونَ أنْ يعنيَ ذلك اتبَاعًا مُطلقًا لهمَا في كلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ؛ إذ الحكمُ بهذا قد لا يخلو من مجازَفةٍ قد لا يسندها التوثيقُ النّصي من الكتُبِ الكلاميّة.

بعد الفترة الجوينيّة تلك بدأتْ تظهرُ بعضُ الكتاباتِ الأشعريّة المرمُوقة ذات الطابع النقْديّ ابتداءً من القرن السادس الهجريّ – الثاني عشر الميلادي، ويكفِي فقط استحضار أعمال كلّ من: الشهرستانِيّ (ت. 548 هـ/1153م)، وفخر الدين الرازي (ت. 606 هـ/1209م) في هذا الصّدد؛ إذ هي الأعمال التِي حملتْ مراجعاتٍ نقديّة أولية وعميقَةٍ أصبحتْ، فيما بعْد، محلّ نقاشٍ طويل؛ بل لربّما كان فضلها الأكبر فِي الحثِّ على استئنَافِ أعمال أخرى تحمل نفسَ المنهجِ النقديّ التجديديّ، كما أنها طوتْ، فيما طوتًا، انفتاحًا على التقليد الفلسفيّ.

وقد أظهرتْ بعض الكتَاباتِ الأخرى، والتي غيّبت عن الدراسَات لأسبابٍ علمية ومعرفيّة؛ حيث كانتْ غير معروفةٍ كفايةً لدى الباحثينَ؛ أظهرت لونًا آخر من تاريخ حلقةِ تطور المذهبِ الأشعريّ؛ حيثُ أحدثتْ تلك الكتابات، هي الأخرى؛ مراجعاتٍ نقديّة للتقسيماتِ التقليديّة للصّفاتِ، وذلك وفقَ محدّداتٍ منطقيّة، وكلاميّة دقيقةٍ سنجدها مستعادةً، حرفيًّا أو معنًى، من قِبل متأخريّ المتأخرين كالسّنوسيّ وغيره؛ حيثُ يعُود بنَا فحصُ بعضِها إلى نصُوص اعتراضاتِ المتكلمِ المصريّ تقيّ الدّين المقترح (ت.612هـ/1215م)، أحدِ معاصِري الرازي، وهِي الاعتراضاتِ التي بسطتْ في عَملِ الجويني الإرشاد، فكانتْ تحيلُ على التغييراتِ الكبيرة التي طالت أشعريّة الجويني.  

رامَ المقترح، فِي شرحه المرجعيّ، لكتابِ الإرشَاد أنْ يزِنَ آراء أبي المعالي بميزانٍ أشدّ عقلانيةً من ميزانِ شُروح أخرى قد تبدو ميّالةً إلى تسييجِ كلام الجوينيّ بمسحة منَ العقلانيّة(13)، وإفراغ الشرح منْ النّقد الذي سيعيدُ النّظر في بعضِ الآراء المترسّخة لدى متقدّمي المذهب. وأيّا كانَ فإنّ المقترح يقترِحُ في مسألةِ تقسيم الصّفاتِ وتضمينها الفئويّ، بصورَة نقدّية، جعلَ صفة الوجودِ صفةً نفسية وحدَها؛ بينمَا تلحقُ باقي الصّفاتِ الأخرى، والتِي عدّت صفاتٍ نفسيةً هي الأخرى؛ بفئة الصّفاتِ السلبية(14)؛ ليكونَ ملخّص ما جنح إليه المقتَرح، من اعتراضاتٍ، مستقرّ أشعريّة مَا بعدَ القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي، وهذَا، إلى حدود كتابة هذِه الأسْطر، ما تسنده الوثائق الكلامية باعتبَارها مؤرّخة للتطوراتِ التي شهدتها هذه التقسمات الفئويّة في التقليدِ الأشعريّ.

وقبل الانتقَالِ إلى تحليلٍ آخر للمسألةِ فإنّه يتعيّن الإشارة إلى أنّ التقسيم الثلاثِي أو الرباعيّ للصّفاتِ ليس يتضمّن ما يسمى بالصّفات الفعليّة التِي تدخل هي الأخرى ضمنَ التقسيم العام للصّفاتِ عنْد المتكلمين الأشاعرة؛ دونَ أنْ نغفلَ عن دور نظرية الأحوال في التقسيمين: الثلاثي، والرباعيّ؛ حيثُ يجدان مستندَهما الخلافيّ فيها، كما وجّهتْ هذه النظرية اختيار كلّ متكلّم في هذه القضية(15).

ولعلّ الخيط النّاظم للإشكال المخصّص لكلٍّ من: وحدانية الله، وحقيقتِه، كما يطرحهما الغزالي في التهافت؛ يحيلنَا أسَاسًا، فيما يبدو لِي، على المفهومِ والمصداق الذي اقترحته الأشعريّة المتقدّمة إلى حدود القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادِي وما بعده؛ لفئة: الصّفات النفسية بمَا هي فئةٌ تنطوِي، في إحالتِها المفهوميّة، على صفاتٍ تحيل على ذات الله دون معنًى زائد؛ وفِي هذا تطابقٌ، على نحوِ ما كمَا سنرى، معَ التصور الفلسفيّ التقليديّ للماهيّة(16) كمَا قد يفهمُ من بعضِ التعريفاتِ المقترحَة في الحقل الكلامي لفئة الصفاتِ المذكورة، وكمَا تعلنُ عنه بعضُ التحفّظاتِ الأشعرية النظريّة حول مصاديقِ هذِه الفئة؛ دونَ أنْ يعنيَ ذلك أنّ ثمّة تطابقًا تامّا بين المفهومين بحسبِ تلك المصادر.

هذا، وإنّ فئةَ الصّفات النفسية – كما قلتُ – لا تحيلنَا، حسبَ التقليد الكلامِي، إلاّ على الذات دونَ أمرٍ زائد، وبعبَارة أخرى في غَاية الأهمية لأحد تلامذةِ الجوينيّ؛ الصّفة النفسية تحيلُ على: «ما لا تعقلُ النفس بدونـه»(17). والتعريف يذكّر بالتفريق الفَلسفيّ الذائِع بين الصّفاتِ الذاتية المقوّمة التي توصَف بها الماهية؛ وبينَ تلك التِي لا تكونُ إلا عرضيةً زائدة ومغايرةً بالنسبة للماهيات؛ حيثُ عُرفَ هذَا التّفريق الجوهريّ في كتَابات التقاليد الفلسفية والمنطقيّة الإسلاميّة الوسيطة؛ إذ نقرأ للفيلسوفِ ابن سينَا (ت. 428 هـ/1037م) في هذا الصّدد تفريقَه للمحمولاتِ إلى قسمين أساسيين: محمولاتٍ ذاتيّة مقوّمة لموضوعاتِها يكونُ فيها الموضوعُ مفتقرًا إلى المحمول «في تحقّق ماهيتِه، ويكونُ [المحمولُ] داخلاً في ماهيتِه جزءًا منها. مثل الشكليّة للمثلث، أو الجسميّة للإنسَانِ»(18)؛ وعليه، حسب ابن سينَا دائما، فإنّ جميع «مقوّماتِ الماهية داخلة مع الماهيّة في التّصور، وإنْ لم تخطر في البال مفصّلةً»(19)؛ أمّا القسم الثّانِي فهو المحمولاتُ غير الذاتيّة؛ أي تلك المفارِقة غير المقوّمة سواءٌ كانت لازمة أو غيرَ لازمة(20).

إنّ الباعثَ والحامل، حقًّا، على عقدِ مقارناتٍ تفيدُ في تزكية الافتراض القائم بشأنِ مدى التطابق بين مفهومَي: الماهيّة، والصفة النفسية عند المتكلمينَ، ومدى تلبّس فئة الصفاتِ النفسية في العقل الأشعريّ بنظرية الماهيات المبسوطة أصَالةً في أبحاثٍ تقالِيد معرفيّة ذات طابعٍ منطقي وفلسفيّ؛ هو المصاديق التِي يعدها المتكلمونَ خيرَ شَاهِد على الصفاتِ النفسيّة الذاتيّة للأشياء كمَا سنرى؛ فضلاً عن بعض التعريفَاتِ التِي قد تفيدُ في تقاربِ المعنيين، رغم أنّ مفهومي الماهية والصّفة النفسية ينتميان إلى تقليدَين فكْريين مختلفين، إنْ لم نقل متنافرين إلى حدّ ما.

وفي هذا السّياق يتعيّن القولَ بأنّ الأشعريينَ يُؤكّدون، كمَا قلتُ فيمَا سبق، على الاستواءِ المفهومِي لفئة الصفة النّفسية بالنسبة لكلّ فئاتِ الأشياءِ الموجُودة: الواجبة، والممكنة؛ ذلك أنّ لكلّ فئةٍ من الموجوداتِ أوصافًا نفسيّةً تخصها وتفقدها الانطباقَ على غيرها. وفي هذا المعنَى يقول ابن خمير السبتي: «إذا ثبتَ حدوث العالم وأنه كائن بعد أن لم يكن… فلا بد من صفاتٍ يتميّز بها وجود الفاعل من وجود أفعاله، وهذه الصفاتِ في حقّ الخالق والمخلوق على ضربين: نفسية ومعنويّة»(21)، فأمّا النفسية منها بالنسْبة لفئةِ الموجوداتِ الممكنَةِ وأجناسها، حسب المصادر الأشعريّة، هي عبارةٌ عن التّحيز، والقابليّة للأعراضِ، والقيام بالنفسِ، والمحدوديّة في المساحة… للجواهر؛ كمَا أنّ كونَ عرضٍ ما قائمًا بغيره، ولونًا أو قدرةً، أو علمًا أو حياةً… من فئةِ الصفاتِ ذاتِها بالنسبة للأعراضِ(22). وهي الأوصاف التي تنزلُ منزلة الصفاتِ التِي لا يمكنُ لماهية وحقيقَةِ الجوهر، أو العرض أنْ تحقّقَ بدُونِها.

ونحو هذا هو ما قرأناه لابن سينَا، مُمثّلاً للتقليد الفلسفيّ عامّة؛ حيثُ إنّ الإنسانية، من الناحيّة الماهويّة، تقتضِي الارتباطَ الذاتي بمفهومِ الجسميّة، كما أنّ المثلث، أيضا، مرتبط ذاتيًّا بالشكليّة (= مفهوم الشّكل) بغض النظر عن نوعيّة الوجود الذي يلحق الماهيتين سواءٌ كانَ وجودًا في مستوىً ذهنيّ أو مستوىً واقعيّ(23). صحيحٌ أنّ أبا علي ابن سينَا رفضَ فكرةَ الماهيّة بالنسبةِ إلى واجبِ الوجود الذاتي (=الله) وقرّر، في موسوعَته الشفاء، أنّ «الأوّل لا ماهية له غير الإنيّة»(24)؛إذ «واجب الوجود لا يصح أن يكونَ له ماهية يلزمها وجوب الوجودِ»(25) كما يقول. بخلاف المتكلمين الذين سووا، في لزومِ الصفاتِ النفسية، بينَ الخالِق والمخلوق في مقَابلةٍ للرأي الفلسفيّ الذِي لم يجعل فكرة الماهيَاتِ أو الحقائق ممّا يعم فئتي الأشياء الواجبة والممكنَة، وهي النقطة التِي ستجر على ابن سينَا مناقضةً وجدالاً كلاميّا من قِبل الغزاليّ ومنْ بَعده.

ومن ناحية أخرى، وفي سياق المقارنة، فإنّ الصفاتِ النفسية التِي ذُكرتْ، قبلُ، لفئتيْ الأشياء الممكنة (=الجواهر والأعراض) تعدّ أمورًا زائدة على وجودِها حسب القائلين بالأحوال؛ حيثُ تُظهر لنا العبارة المساقة من قِبل إمام الحرمين، في كتَاب الإرشَاد، والقائلة بأنّ التحيز بالنسبة للجوهر «زائدٌ على وجودِه»(26)، كما أنّ «كون الموجودِ: عرضًا، لونًا، سوادًا، كونًا، عِلمًا»(27) زائدٌ على وجود الأعراضِ وثبوتِها في الوجودِ الواقعيّ؛ تُظهر لنا هذه العبارات نوْعًا من التطابقِ معَ ما قرره ابن سينَا فيمَا يخصّ نسبة الوجودِ، بما هو مفهومٌ غير مقوّم للماهياتِ، إلى الماهياتِ والحقائق(28)، وهي عباراتٌ تحمل المرءَ، حقًّا، على تأمّلها ومقارنَتها بمذهب ابن سِينا في محاوَلة لاختبَار افتراضِ التطابق لا سيمَا إذا استحضرنَا نفسَ الإشكال المتعلق بعلاقَةِ الماهية بالوجود، والمطروقِ من قِبل متأخري المتكلمين.

بناءً على هذه المقارنَة، فإنّ بعض الأشَاعرة أبدوا تحفّظًا من وسْمِ الله بصفاتٍ نفسيّة لا تعقلُ الذاتُ بدونها؛ وهو التحفّظ الذِي لا أجد له مبرّرًا، على الأقل الآن، إلاّ اعتباره محاولَةً، من قِبل القائلينَ به من الأشاعرة، لتفادِي القولِ بأنّ ثمة لله حقيقةً معلومةً أو صفاتٍ لا تُعقل ذاتُه إلا بها إنْ استحضرنَا عبَارةَ أبي القاسم الأنصاريّ (ت. 512 هـ/1118م) السابقة؛ وفي هذَا نقرأ لابن التلمسانِي (ت. 658 هـ/1260م) قولَه: «وصار المتكلمون إلى أنه [الله] متصف بصفاتٍ ثابتة، نفسية ومعنويّة… ولم يذكروا في باب صفات النفس ما هو صفة نفسٍ حقيقةً، وإنما مما يستلزم صفاتِ النفس أو ما به خالفت حقيقتُه(29) سائر الحقائق، وإنْ فهم منه ذلك»(30). وهذا التعلّل لا يعدو أن يكونَ من ابن التلمسانِي تحفّظًا يحاول النأيَ بالمتكلمينَ عنْ تحديد معالمِ الصفاتِ النّفسية بالنسبة لله واجب الوجود، ومحاولةِ إخراجهم من مأزق القولِ بأنّ لله صفاتٍ تحيلُ على حقيقةِ ذاتِه وماهيتِه. الأمر الذي كرّره السنوسيّ المتأثّر بابن التلمسانِي في كثير من آرائِه؛ حيث نجدُه في مؤلّفهِ الأكثر استطرادًا، والشارح للعقيدة الكبرى يُشدّد على مذهَبِ ابن التلمسانِيّ بالمعنَى؛ ويقول –مؤكّدًا له-: «والمحققون يرون أن الصفاتِ النفسية لم يُعرف منها شيء، ولو عرفناها لكنّا قد عرفنا الذات، ولا يعرفُ الله إلا الله»(31).

إنّه، إذن، مذهَبٌ تنزيهيّ مبنيّ، من قِبلِ السّنوسيّ وغيره، على القولِ بأنّ ماهيةَ وحقيقةَ الله لا تدركُ لنَا نحن البشر؛ بل غاية ما يمكنُنَا هو أنْ نميّز وجود الله عن غيره من الموْجوداتِ مادام التّميّز، من حيثُ هو مصطلحٌ ذو فائدةٍ هنا، لا يقتضِي إدراك حقيقةِ الذاتِ من حيثُ بما هي؛ وإنّما ما يمكننا – نحن البشر -، دائمًا حسب السّنوسيّ، هو إدراكُ الحقيقةِ إجمالاً حتّى يقعَ التّميز الضروريّ بينَ الله وغيرِه(32)؛ دونَ أنْ يقتضِيَ ذلك معرفَة حقيقةَ الله الذاتية، ورغم هذا، يضيفُ السّنوسيّ، فإنّه ثمة قولٌ، ، يقرّ أصحابُه بأنّ حقيقةَ ذات الله معلومَة(33).

وفيما يخصّ صفة الوحدانية، التي اعتبرتْ في التقليد الأشعري التقليديّ صفةً نفسيّة؛ فإنّ اليفرني (ت. 734 هـ/1334م) يعيّنُ لنا، ناقلا وملخصًا لهذا التقليد، في شرحِه المرجعيّ والمطوّل لمختصر الإرشاد العقيدة البرهانية لأبِي عمرو السلالجيّ (ت. 574 هـ/1178م)؛ مسْردًا لمصاديق فئة الصفاتِ النّفسية بالنسبة لله، وهِي: الوجود، والقدم، والبقاء، والقيَام بالنّفس، والمخالفة للحوادثِ، والوحدانيّة(34). وهو المسردُ الذِي سيلحقُ به الأشاعرة المتأخرونَ، كما تقدّم في مثَالِ المقترح؛ تغييرًا بنيويًّا مقتنعينَ بما قد انتهى إليه تقي الدين المقترح، رغم أنّ أبا الحسن اليفرني، وهو العارف بنقاشاتِ المتأخرينَ(35)، بدَا متماشيًا مع التقسيم التّقليدي إلا أنّ الأمرَ لا يعدو أنْ يكون ظاهريًّا لاسيمَا أنّ الرّجل كانَ مشدودًا فِي شرحه بعمل السلالجي التلخيصيّ المتبع لبعضِ آراء الجوينيّ التقليدية، والتِي من ضمنها الرأي الذي نحن بصدد بحثِه؛ ذلك أنّ الشارحَ أبا الحسن كانَ يذكِّر بالخلافِ الذي اطلع عليه في عدّ ما ذكر من الصفاتِ ضمن فئة الصفاتِ النفسية(36).  

وقد سبق لسَيف الدّين الآمدي (ت. 631 هـ/1233م) أنْ حكى، على نحوٍ منهجيّ ومحكم، اختلافَ المتكلمين في أنّ الواحِد إنّما يكون واحِدًا لنفسِه وذاتِه أو لمعنًى، وهو النقل الذِي سيطلعنا على خلافاتٍ دقيقة تنم عن حركةٍ داخل المذهب الأشعري ترومُ حلّ بعض الصعوبات. والآمدي، وعلى نحوٍ ما، بدَا متحفّظا بميولِه إلى الرأي التقليديّ القائل بـنفسيّة الوحدانية للذاتِ الإلهية، وهو الرأي الذي بدأ يُراجع من قِبل بعض أصحابه؛ حيثُ نقرأ له تعليلاً، من النّاحية المنطقيّة، لاختيَار مذهب من تقدّمه من الأشاعرة إذ يقولُ: «قد نقل عن بعض المتكلمين أنه واحد لمعنًى(37)، والذي ذهب إليه أئمتنَا أنّ الواحد واحدٌ لنفسه لا لمعنَى، وإلاّ كانَ ذلك المعنَى أيضا واحدًا، ويلزم أنْ يكون واحدَ المعنى؛ وهو تسلسل ممتنعٌ»(38). ثم يشيرُ، في نقلٍ فرعيّ لمذهب الوحدانيّة النفسية والذاتيّة الذي جنح إليه الأشاعرة التقليديُون؛ إلى مذهبين: الأوّل منهمَا معزوّ إلى أبي هاشم المعتزلي (ت. 321 هـ/933م)، حيثُ ذهبَ إلى أنّ «معنَى الواحد يرجع إلى صفة نفْي، وأنّ حاصله يرجع إلى نفي ما عدا الموجودِ الفرد»(39). وهذا النّقل ينبئنَا، بالتّغيير الحاصِل عند متأخري الأشاعرة فيما بعد القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي (=أي بعد المرحلة السنوسية)؛ والذين ضمنوا الوحدانية ضمنَ فئة الصفاتِ السّلبية في مطابقَة، لربّما، لهَذا الرّأي المنقولِ عن أبِي هاشم. أمّا المذهب الثاني، الذي ينقلُه الآمدي دائمًا، فهو ذلك الذِي يُعزَى إلى القاضي الباقلاني؛ حيثُ يُرجع مفهومَ الواحد إلى «صفة إثباتٍ، هي صفةُ نفسٍ غير معلّلة»(40)، فتكونُ، على هذَا، صفةً ثبوتية نفسيّة وذاتية عند الباقلانِي أوّلا، ومن ثمّ عنْد قارئِ أعماله الفذّ الجويْنِي والذي طبع المذهب باختيارِه حينًا من الزمانِ. والآمدي، الذِي عاصر المقترَح دون شك، يجنَحُ إلى تصحيحِ سَند هذَا الرأي التقليدي في محاولةٍ لتزكية اختياراتِ من تقدّمه من الأشاعرة(41)، مما يعنِي أنْه، وفي حدودِ هذا القرن السابع الهجري – الثالث عشر ميلادي، كان ثمة حضورٌ قويٌّ لبعض آراء المتقدمين رغم أنّنا قد دخلنا في طور نقديّ كانَ الآمديّ، إلى جانب المقترح وغيره، شاهدًا أمثل عليه.

لقد كانت وحدانية الله، عند متقدّمي الأشاعرة وبعضِ المتأخرين، تحيلُ على الذاتِ الإلهية بما هي دونَ أنْ يكونَ ذلك مفهومًا سلبيًّا نفْيِيًّا كمَا حدّثتنَا بذلك المصادر فيما مضى، وهوَ ما استدعَى جعلها ضمن فئةِ: الصّفات النفسية؛ وعليه فإنّ إثباتها مع أيّ من الصفاتِ النفسية الأخرى، عند الأشعريّة المتقدّمة، إنما يحيل مبَاشرة على تلك: الصّفات الدالة على حقيقةٍ ما للذاتِ الإلهية يقعُ بها التخالفُ مع حقائق أصنافِ الموجودات الأخرى؛ وهي نتيجةٌ رافضة لمذهب الفلاسفة، من حيث تصورُ الكيفية التِي يقع بها هذا التخالف بين الحقائق، وإن بدت الأشعرية، بعد ذلك، أكثر انسجامًا مع الرؤية الفلسفية.

هذا وإنّ كل ما ذُكر عن فئة الصفاتِ النفسيّة، وعن الوحدانية المضمّنة فيها عند المتقدمينَ كانَ نفسَ المذهبِ الذِي تبنّاه من قبلُ أبو حامد الغزالي كمَا سَيصرح به في الاقتصَاد؛ حيثُ إنّا سنلاحظ أنّ أبَا حامدٍ، في كتابي: الاقتصاد والتهافت، لم يحدثِ تغييرًا ما في بنيةِ الفكر الأشعري فيمَا يخصّ هذه القضيّة كما وقع عنْد المتأخرين من أصحابه. أما فيما يخصّ إعادةَ ترتيب الصفاتِ الإلهية ضمنَ فئاتٍ أكثر اتساقًا من الناحية المنطقية والمفهُومية؛ فقد شايعَ أبو حامِد أستاذَه الجويني وراح يقرّر في كتَاب الاقتصاد أنّ كونَ الله «واحِدًا يرجعُ إلى ثبوتِ ذاتِه ونفي غيره، فليسَ هو نظرًا في صفة زائدة على الذات»(42). وهو النقل الذي يطابِق رأيَ كل من الباقلاني، كما تقدّم، والجويني من بعْده. وأيا كان فقد طوتْ هذه العبارة دلالات عميقَةً فيمَا يخصّ الحفاظ على بعضٍ من القضايا الأشعريّة الأساسية، حينَها، بالنسبةِ إلى بعض أشعريي ما قبل القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي؛ ومن ثمّ كانَ عرضُ الغزاليّ للبناءِ العقديّ الأشعري متسمًا بشيءٍ من المحافظة على النسقية العَامة للمذهب.

إنّ هذَا الإشكال الذي بحثته هنا يمكّننا، إذا نحن فحصناه من النّاحية الفكريّة والتاريخية؛ من معرفة الكيفيَات التِي حاولتْ من خلالها الأشعريّة اقتراحَ تعاملٍ منطقيّ ومفهومِ يخصّ قضية تعالي الذات الإلهية عن أيّ مماثلةٍ للوجود الممكن، في حفاظ على نسقٍ ميتافيزيقي متكاملٍ ومتّسقٍ لرؤية المدرسة لمفهومِ: واجب الوجود ذِي الكمال المطلقِ، والصّفاتِ النفسيةِ الخاصّة به، لا سيما أنّ الاشتباك مع الفلاسِفة في وحدانية الله وحقيقة ذاتِه، باعتبارهما من الأكثر المسائل جدليةً، أدّى بالأشعريّة إلى إعادة النظر في مَجموعةٍ من المفاهِيم، والأنساق المعرفية، ومحاولةِ تعديلها وفق رؤيةٍ مغايرة، أحيَانًا، للتوجّه التنزيهِي الفلسفيّ، كمَا سنتبيّن من نموذج الغزالي في التحليل؛ أو وفق رؤيةٍ منسجِمةٍ نوعًا مَا، أحيَانًا أخرى، معَ بعض الآراء الفلسفيّة كمَا ظهر بشدّة عند أشاعرةِ ما بعْد القرن السّابع – الثالث عشر الميلادِي، والذين تحيلنا أعمالُهم على التفاعلات الكبرى التي شهدها علم الكلام الأشعريّ المتأخّر، في صورتِه المشرقية، معَ بعْض القضايَا والكتابات الفلسفيّة، وهي الأشعريةُ التِي طوّرت منْ قبَلِ المتكلم فخر الدّين الرّازي وحلقتِه الفِكريّة من التلامِيذ وتلاميذ تلامِيذه وغَيرهم؛ كالقطب المِصري (ت. 618 هـ/ 1221م)، وسيف الدّين الآمديّ، وكمَال الديّن ابن يونس (ت. 639 هـ/1242م) وأفضل الدّين الخونجِي (ت. 646 هـ/ 1248م)، وأثِير الدين الأبهرِي (ت.663 ه/ 1264م)، ونجم الدّين الكاتِبي (ت. 675 هـ/ 1277م)، وسراج الدين الأرموي (ت. 682 هـ/1283م)، وناصر الدين البيضاوي (ت. بعد: 692 هـ/1293م)، والقطب الشّيرازي (ت.710 هـ/1311م)، وأبي الحسن اليفرني (ت. 734 هـ/1334م)… والذين من بعدهم(43).

 

————————————-

 

(1) أقدّم خالصَ شكري وامتناني للأستاذ الباحث بمركز أبي الحسن الأشعري: محمد أمين السقال على مراجعتِه العلمية، واللغوية الدقيقةِ للمقال، كما لا يسعني، هنا، إلا تقديم عبارات الشكر والامتنان لكلٍّ من الدكتور جمال علال البختي – رئيس المركز -، وأستاذيّ: الدكتور يوسف بنلمهدي، والدكتور أحمد الفراك، كما أخصّ الباحث بالمركز الأستاذ منتصر الخطيب بتقديري على ملاحظاتِه النافعة، وأشكر كل المشتغلين بالمركز من الباحثين والتقنيينَ.

(2) يمكنُ الإحالةُ على عَملِه المدرسِي المرجعيّ: أم البراهين، أو العقيدة الصّغرى؛ وهي الرسَالة العقديّة الأوفر حظّا من حيث العنايَة من قِبل الشّراح المدرسيينَ. انظر: أم البراهين، أبو عبدالله السنوسي، تح: د. خالد زهري. دار الكتب العلميّة: ط:2-2009م، ص:27.

(3) شرح السنوسية الكبرى، أبو عبدالله السنوسي، عناية: د. عبدالفتاح عبدالله بركة. دار القلم للنّشر والتوزيع: ط:2-2013م، ص:173.

(4) يقول تقيّ الدين المقترح: «وقد كان تقسيمه [الجويني] الصفاتِ إلى صفاتٍ نفسية ومعنويّة، وهذا تقسيم نفاة الأحوال، فإن الأحكام أنفس المعانِي، ولم يطلق في هذا الباب على الأحكام صفاتٍ، وإنّما أطلق الصفة على المعاني الموجبة لها، وقد سبق إطلاقه عليها صفاتٍ، ولا يضر عدم إطلاقه ههنا». شرح الإرشاد في أصول الاعتقاد، مظفر المقترح، تح: د. نزيهة أمعاريج. مركز أبي الحسن الاشعريّ – الرابطة المحمدية للعلماء: ط:1-2014م، (1/276).

(5) اعتاد المتأخرون على حكايةِ هذا عن الأشعريّ. ينظر: شرح السنوسية الكبرى، أبو عبدالله السنوسي. ص:171-172.

(6) التقدّم، هنا، باعتبار الفترة السنوسية وليسَ كما هو بالمعنى الخلدوني المعروف.

(7) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني، تح: محمد يوسف إدريس – بهاء أحمد الخلايلة. دار النور المبين، ط: 1-2016م. ص:85.

(8) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني. ص:85. ختم الجوينيّ الصفاتِ النفسية بقوله: «كل ما ذكرناه أحد قسمي الصفاتِ الواجبة، وهي النفسية منها، فأما المعنويّة، فها نحن نبتديها». الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني. ص:110.

(9) يمكن مثلاً الحديث عن نقل ابن التّلمسانِي الذِي يقول: «وصار المتكلمون إلى أنه متصف بصفاتٍ ثابتة، نفسية ومعنويّة… ومنهم من يزيدُ قسمًا ثالثًا وهو أحكام تلك المعانِي، ويجعلها أحوالا زائدة على المعانِي ويسميها صفاتٍ معنويّة». شرح معالم أصول الدين، ابن التلمساني، تح: نزار حمادي. دار مكتبة المعارف: ط:1-2011، ص:211 بتصرف.

(10) سمّى ابن خمير السّبتي أعمالاً كلاميّة مرجِعيّة وهامة في التقليد الأشعريّ في سياقِ حديثِه عن فائدةِ مؤلّفه؛ وهي أعمالٌ لا يُشكّ في أنّ ابن خمير استفاد منِها، ليس فقط في العرضِ معالم المذهب؛ وإنما في عرضِ المذهب، وآرائه الخاصّة. انظر: مقدمات المراشد في علم العقائد، ابن خمير السبتي، تح: د. جمال علال البختي. مكتبة الثقافة الدينية: ط:1-2011م، ص:73، 74، 75.

(11) مقدمات المراشد في علم العقائد، ابن خمير السبتي. ص:184.

(12) يستعينُ الجوينيّ بفئة الأحوال النفسية غير المعلّلة في تقرير تعريف لفئة الصفاتِ النفسيّة، ومعلومٌ أنّ الأحوال ليست تحيل على الوجود أو العدم؛ بينما تحيل الصفات السلبية على النفي أو السلب (=العدمية)، فهل كانَ ابن خمير السبتي واعيًا بهذا الاضطراب المنطقيّ الذِي يحدثه الخلط المفهومي والدلالي لكل من الصفات النفسية والسلبية (=التنزيهية)؛ وهو الخلط الذي يستدعِي من ابن الخمير، القائل بنظريّة الأحوال، كون الصّفاتِ السلبية العدمية لا موصوفة بالوجود ولا العدم؟!، وهو أمرٌ لا يتماشَى معَ اختياره في الصفات النفسية. انظر: الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني. ص:85 و127. مقدمات المراشد في علم العقائد، ابن خمير السبتي، ص:154 و184، وما بعدها.

(13) يُستحضر، هنا، المنهج العام الذي طبع عمل المتكلم اللغويّ الأندلسيّ أبي بكر ابن ميمون (ت. 567 هـ/1172م) في شرحِ عباراتِ الإرشاد.

(14) شرح الإرشاد في أصول الاعتقاد، مظفر المقترح. (1/272-273).

(15) انظر تحليلاً لأثر نظرية الأحوال في التقسيم في: عثمان السلالجي ومذهبيته الأشعريّة، د. جمال علال البختِي. منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب: ط:1-2005م، من ص:328 إلى ص:339.

(16) «الماهية تطلق غالبًا على الأمر المتعقل، مثل المتعقل من الإنسان، وهو الحيوان الناطق مع قطع النظر عن الوجود الخارجي». المعجم الفلسفي، جميل صليبا. دار الكتاب اللبناني – 1982م، (2/315).

تندرج مجموعة من المفاهيم ضمن شبكة دلالية، لا يقال أنها تأخذ نفسَ المعنى دائما؛ ولكنها تحيلُ في أحيانٍ كثيرة على معنَى متحدٍ، وهي كل من: الحقيقة، والماهية، والذات، والهوية. يقول التهانوي (كان حيّا: 1158 هـ/1745م): «الماهية والحقيقة والذات قد تطلق على سبيل الترادف، والحقيقة والذات تطلقان غالبا على الماهية مع اعتبار الوجود الخارجي، كلية كانت أو جزئية، والجزئية تسمى هوية». كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف: د. رفيق العحم وآخرون. مكتبة لبنان ناشرون، ط:1-1996م، (2/1424).

(17) الغنية في الكلام، أبو القاسم الأنصاري، إع: مصطفى حسنين عبدالهادي. دار السلام، ط:1- 2010م. (1/347). تعرّف فئة الصّفة النفسية، أيضًا، بتعريفَاتٍ أخرَى حسبَ تبني أصحابها لنظرية الحال من عدمه مثل القول بأنها «كل صفة إثباتٍ لذاتٍ لزمته»، أو «صفة النفس ما تقيّد النفس»، أو هي «الصّفات الثابتة للنفس ما دامت النفس من غير علل قائمة بالنّفس». انظر: مقدمات المراشد في علم العقائد، ابن خمير السبتي، ص:154.

(18) الإشارات والتنبيهات، أبو علي ابن سينا، تح: د. سليمان دنيا. دار المعارف: ط:3- د.ت، (1/151).

(19) الإشارات والتنبيهات، أبو علي ابن سينا. (1/155).

(20) الإشارات والتنبيهات، أبو علي ابن سينا. (1/158) وما بعدها.

(21) مقدمات المراشد في علم العقائد، ابن خمير السبتي، ص:154.

(22) انظر: الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني. ص:85 و127. الغنية في الكلام، أبو القاسم الأنصاري. (1/347).

(23) يقول ابن سينا في هذا الصدد: «وليس أنها [الماهيات] موجودة في الأعيان أو موجودة في الأذهان، مقوّمًا لها بل مضافًا إليها. ولو كان مقوما لاستحال أن يتمثل معناها في النفس…». الإشارات والتنبيهات، أبو علي ابن سينا. (1/154-155).

(24) الشفاء – قسم الإلهيات، أبو علي ابن سينا، تح: الأب قنواتي وسعيد زايد. منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي عن: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية: ط:2-2012م، ص:344.

(25) الشفاء – قسم الإلهيات، أبو علي ابن سينا. ص:344.

(26) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني. ص:127.

(27) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني. ص:127.

(28) قارِنه بقول ابن سينا السابق: «وليس أنها [الماهيات] موجودة في الأعيان أو موجودة في الأذهان، مقوّمًا لها بل مضافًا إليها. ولو كان مقوما لاستحال أن يتمثل معناها في النفس…». الإشارات والتنبيهات، أبو علي ابن سينا. (1/154-155). رغم هذا فإنّ الجويني ينقل عن بعض المتكلمين إنكارهم مذهبه حيثُ يرون أن «كون الجوهرِ متحيزًا عين وجودِه» وليس زائدًا. الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني. ص:127.

(29) يقولُ فخر الدين الرازي: «ماهية الله تعالى مخالفة لسائر الماهيات لعينها خلافًا لأبي هاشم»، ثم يسوق الأدلة على أنّ لله ماهيةً مخالفة لغيرها لعينها وليس بسبب حالٍ زائدة على الذات. محصّل أفكار المتقدمين والمتأخرين، فخر الدين الرازي، راجعه: طه عبد الرؤوف سعد. مكتبة الكليات الأزهريّة، د.ت، ص:154. وهذا الفصل يذكر بقضيّة كلامية خلافية تتعلق بأخص وصف واجب الوجود؛ حيث يقول أحدُ الأشاعرة المتأخرين من المغاربة فيها: «مما يجب الإيمان به أنّ حقيقة ذات الصانع – جل وعلا – لا تعرف، أي لا تعرف بالكنْه. وهذه المسألة كانت ترسم في القديم بمسألة الماهية، حيث يقال: الصانع ماهيته هل تعلم؟ فعدل المتأخرون إلى الحقيقة خوفًا من التشبيه». تحرير المطال لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب، أبو عبدالله البكي الكومي التونسي، تح: نزار حمادي. مؤسسة المعارف: ط:1-2008، ص:161.

يذهبُ المتأخرون إلى رسم المسألة، كما يفيد النصّ، بـإبدال عبارةِ الماهية بالحقيقة أو خوفًا من التشبيه، فهل يكُونَ هذا، أيضا، دليلاً على أنّ المتأخرين إنّما عدلوا عن رأيهم لبعض الأسباب التِي جعلت الفلاسفة، ومنهم ابن سينا، يرفضون فكرة الماهية بالنسبة لله؟؛ فيكون الأمر صورةً واضحة من صور التلقي الفلسفيّ عند المتكلمينَ.

(30) شرح معالم أصول الدين، ابن التلمساني. ص:211 بتصرف.

(31) شرح السنوسية الكبرى، أبو عبد الله السنوسي. ص:173.

(32) شرح السنوسية الكبرى، أبو عبد الله السنوسي. ص:198.

(33) شرح السنوسية الكبرى، أبو عبد الله السنوسي. من ص:196 إلى ص:203. راجع القضية في: المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية، أبو الحسن اليفرني الطنجي، تح: د. جمال علال البختي. مركز أبي الحسن الاشعريّ – الرابطة المحمدية للعلماء: ط:1-2017م،  (2/757) وما بعدها.

(34) المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية، أبو الحسن اليفرني الطنجي. (2/774).

(35) المتأخرون في فترة ما بعد أبي حامد الغزاليّ.

(36) انظر: المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية، أبو الحسن اليفرني الطنجي. (2/778) وما بعدها.

(37) اعتبار الوحدانية من صفات المعاني من القضايا التي تحتاج لاستقصاء تاريخيّ؛ فهي بسبب ضعفها بقيت مهمشة.

(38) أبكار الأفكار في أصول الدين، سيف الدين الآمدي، تح: أحمد محمد المهدي. دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة: ط:2-2004م، (2/91).

(39) أبكار الأفكار في أصول الدين، سيف الدين الآمدي. (2/91).

(40) أبكار الأفكار في أصول الدين، سيف الدين الآمدي. (2/91).

(41) يقيمُ الآمدي رابطًا مفهوميُّا بين «الكثرة» و«الوحدة»؛ حيث تتضمن الأولى مفهومَ الثانية ممّا يستدعِي كونَ الوحدةِ أمرًا ثبوتيّا وجوديَّا. انظر: أبكار الأفكار في أصول الدين، سيف الدين الآمدي. (2/91).

(42) الاقتصاد في الاعتقاد، أبو حامد الغزالي، اعتنى به: أنس محمد عدنان الشرفاوي. دار المنهاج: ط:1-2008م. ص:142.

(43) شدد بعض البَاحثين على عدم توفر الدارسين على دراسة الحقبة المتأخرة (=ما بعد الرازي) من المذهب الأشعري، رغم أنّ ثمة تفصيلات تاريخيةً طوتها هذه الحقبة؛ إذ لم يسدل الستار عليها إلاّ كون «الاهتمام البحثي لم يزل مثقلاً بضربٍ من التناقض، حاصله أنه كلما كانت النصوص أيسر تناولاً، توانت الهمم عن دراستِها»؛ حتى راحتْ هذه الكتاباتُ المتأخرة، في رأي الدارسين، تكراراتٍ تغيبُ فيها آراء مؤلّفيها. انظر: الكتب المرجعية في تراثِ متأخري الأشاعرة بالمشرق، هيدرون أيشنر (Heidrun Eichner)، ضمن: المرجع في تاريخ علم الكلام، تح: زاببينه شميتكه، تر: د. أسامة شفيع السيد. مركز نماء للبحوث والدراسات: ط:1-2018م، (2/825) بتصرف.  

 

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق