فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(17)
4.2- تمكين المحجور من شفعته دون نظر إلى فقره أو غناه يوم وجوبها
من المعلوم أن المحجور لسفه أو صغر أو غير ذلك من أسباب الحجر على قسمين:
- المحجور الذي هو تحت نظر ولي من أب أو وصي أو من يقوم مقامهما.
- والمحجور المهمل، أي الذي لا ولي له ممن ذكر.
أما الأول فحقه في الأخذ بالشفعة تابع لتصرف وليه إثباتا أو إسقاطا؛ لأن هذا التصرف محمول على حسن النظر والسداد إلا إذا ثبت خلاف ذلك، فللمحجور غير المهمل القيام بالشفعة إذا ارتفع عنه الحجر، وقد نقل المواق عن اللخمي قوله: «فإذا وجبت الشفعة للصغير كان الأمر فيها لوليه من أب أو وصي أو حاكم من أخذ وترك، فإن رشد الصبي بعد ذلك لم يكن له أخذ ما ترك ولا ترك ما أخذ إلا أن يتبين أن الأخذ لم يكن من حسن النظر لغلائه، أو لأنه قصد المحاباة لمن كان اشترى، فللصبي إذا رشد نقض ذلك»([1]).
وأما الثاني وهو المحجور المهمل، فإذا أراد القيام بشفعته بعد ثبوت رشده ففيه قولان:
- الأول أنه يشترط في استحقاقه الأخذ بالشفعة توفره على مال يوم انعقاد البيع، فإن كان فقيرا يومه فلا حق له في القيام، وهذا القول هو المنقول عن اللخمي، قال الوزاني:
«وسئل القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب الشريف عن محجور أراد أن يأخذ بالشفعة بعد زوال حجره.
فأجاب: المحجور الذي لا مال له وقت البيع، مذهب اللخمي أنه لا شفعة له وإن بلغ غنيا، وقال غيره: ينظر إن كان الأخذ له أصلح له قضي له بها وإلا فلا، وكان من تقدمنا يعتمد قول اللخمي، والله أعلم»([2]).
- والثاني أن غنى المحجور أو فقره يوم البيع لا اعتبار به في استحقاق الأخذ بالشفعة عند زوال الحجر، وذلك تغليبا لمصلحة المحجور.
قال السجلماسي في العمل المطلق:
وليس يشترط في المحجور أن | يكون يوم البيع مالك الثمن |
وبهذا القول جرى العمل بفاس، حيث نص العلماء على أن المحجور ووارثه في ذلك سواء. قال أبو زيد الفاسي في عملياته:
ووارث المحجور والمحجور | إن زال مـانع له ظهـور | |
إن قـام بالشفعة مكن ولم | ينظر إلـى الملا قبل والعدم |
قال السجلماسي شارحا:
«يريد أنه جرى العمل بأن وارث المحجور والمحجور نفسه إذا زال عنه السفه وهو المراد بالمانع كل منهما يمكن من الأخذ بالشفعة التي كانت وجبت للمحجور وقت الحجر إن قام هو الآن أو وارثه بذلك، ولو مضى من يوم البيع ما تنقطع به شفعة الرشيد، ولا ينظر إلى ملا ولا إلى عدم يوم الوجوب»([3]).
ولعل المعنى الملحوظ في هذا العمل هو مراعاة مصلحة المحجور، وإمضاء ما فيه صلاح له بعد استكمال أهليته، وهذا ما أشار إليه سيدي العربي الفاسي فيما نقله السجلماسي عنه حيث قال: «قال الإمام أبو عبد الله سيدي محمد المجاصي رحمه الله في بعض أجوبته ما نصه: وفي تقاييد شيخ شيوخنا العلامة سيدي العربي الفاسي رحمه الله تعالى، الذي كانت تجري به الأحكام عند قضاة فاس، أن المحجور أو وارثه إذا قام بالشفعة حيث زال المانع أنه يُمكَّن منها من غير نظر هل كان يوم وجوبها مليا أو معدما، كأنهم غلبوا حق المحجور، قاله سيدي ابراهيم الجلالي حفظه الله»([4]).
ومع ذلك فقد وجد من العلماء من شكك في استمرار هذا العمل ورأى النسخ فيه كما هو الشأن بالنسبة للشيخ الوزاني حيث قال: « والعمل بخلاف ما قال الناظم –أي أبا زيد الفاسي– من عدم اشتراط الملا بل هو شرط لازم، قال المحشي مب (يقصد سيدي محمد بناني): وبما ذكره ابن رشد جرى العمل عندنا كما نقله الزياتي في نوازله عن العلامة سيدي العربي الفاسي رحمه الله ونظمه صاحب العمليات، لكن رأيت بخط سيدي محمد ميارة شارح التحفة فيما كتب على نسخته من المتن ناقلا عن خط سيدي ابراهيم الجلالي ما نصه: الشيخ عن اللخمي: ومن شروط الشفعة أن يكون الشفيع مليا يوم البيع ومثله المحجور، وذكره الجزيري مجملا الشيخ ز (يقصد به البرزلي): بما ذكره اللخمي جرت الفتيا اليوم انتهى»([5]).
ثم ساق الوزاني جملة من النقول عن شيوخ المذهب كالرهوني وأبي علي بن رحال وسيدي عبد القادر الفاسي ليخلص إلى القول: «فتبين من هذا أن الذي اتفق عليه المتأخرون أن عمل فاس على ما قاله اللخمي لا غير»([6]).
ويشهد لدعوى النسخ هذه ويؤيدها قول سيدي محمد بن المدني كنون في آخر جوابه عن نازلة سئل عنها متعلقة بالموضوع: «فتحصل أنه إن لم يثبت لها ما تشفع به داخل سنة البيع، فلا شفعة لها أصلا على العمل المستقر الناسخ للعمل قبله»([7]).
الهوامش:
([1]) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل للحطاب، 7/388.
([3]) شرح العمل الفاسي، 2/279.
([4]) فتح الجليل الصمد للسجلماسي، ص 305، وانظر كذلك البهجة 2/222، وحاشية الحسن بن رحال المعداني على شرح ميارة للتحفة 2/79.
([5]) تحفة أكياس الناس، ص 308.
([7]) انظر كتاب نوازل الشفعة وفقا للمذهب المالكي وما جرى به العمل في المغرب، ص 145-146.