فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(22)
2.2.3- اختـلاف الـشريكين في القسمـة
إذا اختلف الشريكان في القسمة فادعى أحدهما أنها قسمة استغلال وادعى الآخر كونها قسمة بت، ولا بينة لكل منهما على دعواه ففيه قولان هما:
± أن القول قول مدعي الاستغلال مع يمينه.
± أن القول قول مدعي البت مع يمينه.
وبالقول الأول جرى العمل، قال السجلماسي في العمل المطلق:
وإن تداعى الشركا في القسمة | فالقـول قول مـدع للمتعة |
وقد أشار ابن عاصم إلى أصحية القول المعمول به بقوله:
والمدعي لقسمة البتـات | يؤمر في الأصح بالإثبـات |
وعليه يتعين على مدعي البت إثبات ما ادعاه من البت. جاء في المعيار ما نصه:
«وسئل ابن المكوي عن رجل توفي وترك ابنا ذكرا وبنات، فقسم مع أخواته بعد أن أخرجن إلى أزواجهن وملك أربعين سنة، ثم إن الأخوات قمن عليه فقلن نصيبنا في مكان كذا وكذا، ولم نقسم معك قسمة بتل، إنما كنت أنت قد أخذت ما أردت، وأخذنا نحن ما أردنا إلى اليوم، وغرس الأخ وأظهر ويدعي البتل في القسم، فعرفنا بالواجب.
فأجاب: عليه إثبات قسمة البتل وإلا حلف له الأخوات على إنكار ذلك وقسمن معه، ولهن رد اليمين عليه إن شاء»([1]).
لكن نجد من العلماء من قيد الحكم المذكور بعدم انقضاء أمد الحيازة، بحيث لو طالت مدة التصرف والاعتمار كان ذلك دليلا مثبتا لدعوى البت. وهذا التقييد مستفاد من جواب العلامة أبي الحسن الصغير حينما «سئل عن رجلين اشتركا ملكا شائعا فاقتسماه، وبقي كل واحد يغتل ما صار له ثمان عشرة سنة، ثم مات أحدهما وترك ورثة، فبقوا على ما كانوا عليه مع الميت ستة أعوام، وقد ضاع عقد القسمة، فادعى الورثة أنه بقي على الشياع، وقال الرجل: بل هو مقسوم، فهل هذه المدة دليل على القسمة أو يحكم بالأصل الذي هو الشياع؟
فأجاب: اغتلال كل واحد جهته حجة لهذا أنها مقسومة. وسئل عن أخرى مثلها فقال: إن كان يدعي المقاسمة طول المدة فالقول قوله أنها قسمة بت حتى يثبت أنها قسمة انتفاع، وإن لم يكن يدعيها وإنما كان يغتل ساكتا، فالقول للآخر أنها للانتفاع هـ. وسئل عن ثالثة من هذا المعنى أيضا فقال: إن مضت مدة الحيازة فالقول لمدعي البت، وإلا فلمدعي عدمه هـ»([2]).
أما القول المقابل للقول المعمول به وهو أن القول لمدعي البت فأساسه اعتبار القسمة بيعا من البيوع، والثابت في البيع عند اختلاف المتبايعين فيه هل هو على البت أم على الخيار، أن القول لمدعي البت فيه لا لمدعي الخيار.([3]) ولذلك يرى الشيخ أبو علي الحسن بن رحال المعداني أن القول المقابل هو الراجح من حيث النظر، لكونه يستقيم مع أصل اعتبار القسمة من البيوع، قال في حاشيته على شرح التحفة: «وربما يكون الراجح خلافه (أي خلاف القول المعمول به)، وعليه مر في المختصر عند التأمل فإنه قال في اختلاف المتبايعين: وفي البت مدعيه كمدعي الصحة، وقال في كتاب القسمة: ومراضاة فكالبيع أي هي بيع حقيقة (...) ولم يفرقوا هنا بين قسم المراضاة من غيره، والخلاف في المسألة قوي وإن كان العمل جرى بما رأيته»([4]).
الهوامش:
([2]) النوازل الكبرى للوزاني، 7/529.