مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

فصل الكلام في حذف الألف المعانق للام

بسم الله الرحمن الرحيم
       جرى عمل المغاربة على حذف الألف المعانق للام –أو ما يسمى بالألف المرشوق في عرف المحضرة- وحذفه لهم سواء كان بعد لام أو متخللا بين لامين، بشرط توسطه، واتصاله باللام؛ اتصالا حقيقيا أو تقديريا، واحترزوا بشـرط التوسط عن الواقع طرفا؛ فلا يندرج في حكمه، كنحو قوله تعالى: :”ألا” و “علا”  وكلا” وأدخلوا بشرط الاتصال التقديري ما تنزل مع ما قبله منزلة الكلمة الواحدة، فصارا كلمة واحدة بكثرة الاستعمال، نحو ” ألئن”.
         ومثل ما اجتمعت فيه شروط حذفه قوله تعالى: “الاصلاح” والسلام” و “البلاغ”، ومثل ما وقع بين لامين:  “خلال” و”الضلال” و “حلال” فكل هذه المثل وما أشبهها تكتب في الرسم القرآني بألف مائلة تتوسط اللام الأولى.
وقد أصل صاحب مورد الظمآن لحذف الألف المعانق وأتى بنماذج من الكلمات القرآنية التي تحذف ألفها بعد اللام، عند قوله:
ومعَ لامٍ ذِكْرَه تتبــــــــــعَا                نجلُ نجاحٍ موضعا فموْضِعَا
ثم استثنى لسليمان بن نجاح ثلاث عشرة كلمة، وزعم أن عدم تنصيصه عليها مقصود،  ثم رتب على ذلك حكما لم يتثبت في إطلاقه، فخير الكاتب في كتابته لها بين الثبت والحذف فقال:
……………………        سوى  قل اصلاح وأولى ظلام
تلاوته وسبل الســــلام      ومثلها الأول من غـــــــلام
ثم فلانا لائــــم ولازب      وأطلقت في منصف فالكاتب
مخير في رسمها……….

وقد أجرى ابن آجطا -الشارح الأول للمورد و تلميذ الخراز الأقرب- كلام شيخه على ظاهره، ولم يقف طويلا عند حكمه، و استعاض عن ذلك بالرجوع إلى كتاب المنصف للوقوف على مصدر الشيخ في نسبته إطلاق حذف الألف المعانق للبلنسي، موردا أبياته في ذلك متوجا لها بكلية تشمل نوعي الحذف فيها فقال:
في كل ما قد أثبــتوا بلام         أو باثنــين الحذف في الإمام
فهو عنده محذوف كله، ولذلك خير الناظم من كتب مصحفا أو لوحا بين أن يحذف المواضع المستثناة لأبي داود على مذهب صاحب المنصف، أو يثبتها على مذهب أبي داود، فقال: “فالكاتب مخير… في كتب المواضع الثلاثة عشر المذكورة
إما أن يرسمها محذوفة أو ثابتة”.
وقد استوقف القول بتخيير الكاتب في رسمها بين الإثبات والحذف جماعة من شراح، فلم يتقبلوا هذا المجازفة في إصدار مثل الحكم.  
قال ابن عاشر في فتح المنان، فقال: “كيف يصح التخيير بين ما نص أبو  عمرو والبلنسي عليه بالحذف، وسكت عنه أبو داوود؟ هذا ما لا ينبغي، لا سيما وقد حكى اللبيب إجماع المصاحف على حذف سبل السلام”
وقال المارغيني” أخبر أن الألف الواقعة بعد اللام أطلقت في منصف البلنسي، -يعني بالحذف-، بحيث يعم إطلاقه هذه الألفاظ الثلاثة عشر التي سكت عنها أبو داود وغيرها مما حذفه، قال الناظم من عند نفسه، فيتسبب عن تعميم صاحب المنصف لها بالحذف، وسكوت أبي داود على الألفاظ الثلاثة عشر -المقتضـي لبقائها على الأصل من الثبوت- تخيير الكاتب فيها بين الإثبات والحذف.”
ثم ذكر بعده عينَ ما اعترض به ابن عاشر في فتح المنان بلفظه ومعناه
     ولم يرتض محقق التبيان د.محمد لمين بن عبد الحفيظ بوربة نسبة التخيير للكاتب في كتابة هذه الألفاظ اعتمادا على سكوت أبي داوود عنها،  سيما وأن بعض هذه الألفاظ قد يحيل عليها صاحب المختصر في غير مواضعها، ويذكر أنه قد سبق أن نبه على حكمها، فالذي يتجه فيها أنها من قبيل ما سها فيه الخراز، واعتراه فيها ما يعتري الجبلة البشرية، وسبحان من تفرد بالكمال، قال: “السكوت من الشيخ لا يقتضي حكما أصلا ، فهذه المواضع الثلاثة عشر التي استثناها الناظم رحمه الله لأبي داود وتابعه على ذلك شراح المورد، لم ينص الإمام أبو داود على الحذف فيها، ولم يرد عنه ذلك، بل سكت عنها وأغفل ذكرها سهوا منه ونسيانا، حيث جاء ما يؤكد ذلك عندما تعرض لنظيره في الموضع الثاني، نحو قوله في مختصـر التبيين،(2/286)،  في قوله تعالى: “إن أرادوا إصلاحا”  فقد ألمح إلى الحذف فقال: “بحذف الألف بين اللام والحاء، وقد ذُكِر”، فقوله: “وقد ذُكِر”؛  إيماء إلى الحذف، ونحن نعلم أن الإمام أبا داود لا يذكر إلا الحذف في الغالب، ولا يرتضي التفريق بين المتناظرين إلا برواية صحيحة، ثم إن تلميذه البلنسي صاحب المنصف وناظم تنزيله نسب الحذف وأطلقه إلى الإمام، فحينئذ الحذف هو الصواب والأرجح، وهو الذي جرى عليه العمل في مصاحف أهل المغرب، وهو الذي لا ينبغي خلافه، وتمسك أهل المشرق بسكوت أبي داود، فأثبتوه وهو مخالف لما في المصحف الإمام، بل إنهم لم يستقروا على نهج معين، إذ أن هذه الكلمات المسكوت عنها حذفوا بعضها وأثبتوا بعضها الآخر، و هذا ما خالف فيه العمل النص.”
         وهذا ما ارتضاه أحمد شرشال محقق مختصر التبيين، فقد وقف على إحالة أبي داود الكلامَ على ما سبق، وذلك عند معرض حديثه عن حذف ألف “إصلاحا” ، حيث أحال على نظيره قبل؛  ” قل إصلاح لهم خير”، ولم يسبق له ذكر، فتوهم أنه ذكرَه، وحمل الخراز إغفاله له على سكوته عنه، ثم جاراه على ذلك شراح المورد ولم يتنبهوا لهذا السهو.
         يقول محقق المختصر: “واستثنى له الخراز قوله “قل اصلاح”، وتابعه شراح المورد، وقالوا إنه ثابت لأبي داود ونصوا على استثنائه، والصواب أن أبا داود لم يستثنه وإنما سكت عنه سهوا، بدليل قوله: “وقد ذُكِر”، أي: يريد الحذف، لأنه لا يذكر إلا الحذف، وهو نفسه لا يرتضي التفريق بين المتناظرين إلا برواية صحيحة، ثم إن صاحب المنصف تلميذَه وناظمَ تنزيله نسب الحذف وأطلقه إلى المصحف الإمام، فحينئذ الحذف أرجح، وعليه العمل في مصاحف أهل المغرب، وتمسك أهل المشرق بسكوت أبي داود وأثبتوه، واتفق الجميع على حذف ما عداه.”  
     وجماع القول في الألف المعانق أنه محذوف كله بضابطه المقرر في بابه، وعلى ذلك جرى عمل المغاربة إلى يوم الناس هذا.

د.عبد الجليل الحوريشي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق