مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

عِيَارُ القراءة المعتبرة وميزان قبولها عند الإمام ابن الطيّب الشركَي الفاسي (ت‍ 1170ه‍ – 1756 م)

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين وصلوات ربنا وسلامه على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين

وبعد؛ فهذا رجْع القول وترداده على شمائل العلامة ابن الطيب الفاسي (ت‍ 1170ه‍ - 1756 م) يُروى ليُدرى وزْن ما كابدته عارضة العلامة اللغوي الأديب في غمرات ما بثَّه من روائق التصنيفات ونفث من حسان الأوضاع المقيَّدة والحُرًّة مع ما أثر عنه من جميل الإفادات وكريم الإنشادات وعيون الأمالي وزواهر المجالس وبواهر الرحلات وفرائد الألاقي وما إليه، فلقد كان لصاحبنا ابن الطيّب الباع الفسيح في النظر على جهة النقد والتحرير والتقرير والموازنة بين أوضاع الكتاب العزيز وهيئات نطقه وتصويره وتأثيل أوجه تلاوته وتأديته وَفق الفصيح الثابت المشتهر المنصور المعتبر، مما ستفيء إلى تجلية طرف منه هذه النبذة الجامعة بعون الله جل وعلا، وكل ما يُسفر عن رزانة الفكر ولهيب الخاطر وحدة الفؤاد ورهافة الحاسة وغير ذلك من العُدّة الوسلية الأدبية والضّلاعة اللفظية والمعنوية والاشتقاقية التي شعَّ من مشكاتها نبوغ ابن الطيب المبكر وتنقيحه وانبعث استعدادُه المتغلِّب وتصرفه حتى أنار تأليفه واستطال ذكره فنَوَّر ونوَّع، وذلك ما ستتولى هذه المقالة بيان بعض رسومه والتوقيف على معالمه وتقريب فصوله وغاياته وما إليه، فقد كان ابن الطيب – رحمه الله - وهو في معرض الاحتجاج للوجه الأفصح أو الفصيح من أحرف الكتاب العزيز وفي سياق استدعاء شواهد التنصيص العُتُق ورصْف الأوزان والمعاني الأصيلة للاستدلال على القواعد النحوية والألفاظ اللغوية والتركيبات الإعرابية تأسيسا للحكومات والأقضية أو استشهادا للذي تؤيده الحجج والبراهين السماعية والصناعية وما تفرع عنهما، فنجده يقرر بداءة بأن (الاستدلال بالقرآن والأشعار العربية أمر مجمع عليه لا نزاع فيه) (الفيض 1/506)،  فالعلامة ابن الطيب – رحمه الله – طبَّق المفصل وأصاب كبد الرعاية لأوضاع المتلو المنزل وحمله على أحسن المراتب والمراقب لمّا تجرّد لخدمة القرآن بأوجهه المحكية عن النقاد الأكابر من سدنة لغة القرآن وحُرّاسها، وذلك باستجادته وبراعته في الوضع والإخراج للطيف الطريف من التأليف والتصنيف في شتى المعارف ودوائرها، كالذي تلهج بنواله أروقة الخزائن الكبرى وتصدع به مراصد الاطلاع في الخافقيْن على مدّ الزمن وعَدِّه، إذ ديْدن طلائع وضعها من هذا الكُنيْف الملهَم (رحمه الله) ناهضٌ على رعْي مسارب السياسة النطقية اللغوية، المتناصرة بالعالي المُبين من فروع نظم القرآن اللسانية المجمع عليها، مما سبيله الأرجى تبغي حَمْل الكافَّة على تحصيل صريح نص القرآن الكريم وأخذهم بادِّراك خُبْرِ أنماط نقله وحَوْز خَبَرِها، ثم دفْعِ ما قد يطرأُ من أمائر الرَّيْن عن نُقاوة لُبِّه ومنبت زهره؛ بالاستعاذة  بشعبة السماع المرجوّ الفاقِه ما سنحت الأحوال بذلك، والرِّدَّة على جَدَد العَرْض المبثوث النَّابِه، والتلفُّع بمُروط المشافهة الحَذِرة، والاعتماد على مَعَدِّ الملاسنة اليَقِظة، الكاشفة عن الكُنْه اللفظي ووعْي مطارح هيئات الحرف النطقية وظواهره وما إليه، وقد شغفت صاحبنا منزلة العربية بفروعها ومباحثها حتى ألقته صريعا طريحا بين سَحْرها ونَحْرها وهو الذي عاناها بل غالاها دَهْرَه وبذل في نيلها نَفَسَه ومُهْجته، فمن ذلك ما أفاده وحرره في تثقيف اللسان وتنقيح المعجمات العربية والبلاغية والعروضية والبيانية ...، فله في متن اللغة: حاشية على القاموس المحيط للفيروزآبادي (ت‍ 817ه‍)، وشرح على كفاية المتحفّظ لابن الأجدابي (توفي قبل 600ه‍)، وحاشية على درة الغواص للحريري (ت‍ 516 ه‍) في ضبط الاستعمال اللغوي وتصحيحه، حواشي على شفاء الغليل بما في لغة العرب من الدخيل للشهاب الخفاجي (ت‍ 1069ه‍)، شرح على المزهر في اللغة للسيوطي (ت‍ 911ه‍)، موطِّئة الفصيح على منظومة ابن المرحّل (ت‍ 699 ه‍)، وله في النحو والصرف: حاشية على التصريح على التوضيح فالأول لخالد الأزهري والآخر لابن هشام وهو على ألفية ابن مالك رحم الله الجميع، حاشية على شرح القاسم المرادي (ت‍ 749ه‍) على الألفية لابن مالك، حاشية على مغني اللبيب لابن هشام (..)، حاشية على شرح لامية الأفعال، حاشية على المكودي (ت‍ 807ه‍) على الألفية، شرح الأشباه والنظائر في النحو للجلال السيوطي، شرح الكافية الحاجبية (ت‍ 646 ه‍)، شرح الكافية لابن مالك، شرح الاقتراح في أصول النحو للجلال السيوطي، وفي علوم الأدب: شرح شواهد تلخيص المفتاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني (ت‍ 739ه‍)، شرح دواوين الشعراء الستة وهي اختيارات رواها الأعلم الشنتمري عن الأصمعي لستة جاهليين شعراء هم: امرؤ القيس، النابغة الذبياني، عنترة بن شداد، زهير بن أبي سلمى، طرفة بن العبد، علقمة بن عبدة الفحل، شرح شواهد البيضاوي (ت‍ 691ه‍)، شرح شواهد الرضي الاستراباذي (ت‍ 686ه‍)، شرح شواهد الكشاف، وفي العروض والبلاغة: له الحواشي على شرح الخزرجية للشيخ زكريا الأنصاري (ت‍ 926ه‍)، وهي منظومة في العروض تسمى بالرامزة الشافية في علمي العروض والقافية لضياء الدين الخزرجي (ت‍ 626ه‍)، حواشي على عقود الجمان في المعاني والبيان للجلال السيوطي وهو نظم لتلخيص المفتاح للخطيب القزويني، وله كذلك سمط الفرائد فيما يتعلق بالبسملة والصلاة من الفرائد، والمراد بالصلاة هنا تحقيق معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبيين ما وقع فيه ابن هشام في المغني من البعد والإغراب في التفسير، وأما البسملة فقد جاء في شرحه لها من خطبة القاموس المحيط قوله: (والبسملة أفردها جمع من الأئمة بالتصنيف، وجرينا على آثارهم فحررنا مباحثها وروايات حديثها ومعاني ألفاظها في كتابنا الموسوم بسمط الفرائد فيما يتعلق بالبسملة والصلاة من الفوائد)، فهذا بثٌّ طريف للفنون العربية التي أُشربها قلب ابن الطيب فاختلطت بعظمه وعصبه واعُتبرت عُدّة جواسه ومادة مداركه وثقافته وهو من هو في الرئاسة اللسانية والبراعة البيانية شفوفا وتنبُّلا، ولا غرو ولا عجب، فقد وصفه النقاد قديما عفوا بلا تعمّل ونُهزة من غير كلفة  كمثل قول المرادي (ت‍ 1206ه‍) في سلك الدرر والكتاني (ت‍ 1382ه‍) في الفهرس: (  الإمام العلامة اللغوي ... الرحالة، فخر المغرب على المشرق ... كان هذا الرجل نادرة عصره في اتساع الرواية وقوة العارضة ورزق فيها سعدا مبينا، ... لم يكن في زمانه أحفظ منه بالنحو واللغة والتصريف والأشعار، إماما في التفسير والحديث والفقه، [فهرس الفهارس 2/1068] ولقد شرَّق وغرَّب في الأخذ والتحمل حتى بلغ عدد شيوخه زهاء 180 شيخا، قال ابن الطيب رحمه الله: (... لأن العلوم النقلية المحضة، ومنها علوم اللغة تتوقف على معرفة الناقل والإحاطة بأحواله وكونه ثقة) [شرح الكفاية ص 39]، وعليه؛ فتأسِّيا بما ذُكر ثم تأسيسا على غراسه، نُجمل القول على القول فنسجّل في سكون واطمئنان أن ابن الطيب (رحمه الله) كان على ذُكر وخُبْر وأَنَسة بما يتولد من اعتبار ضابط وثاقة العربية، ورجاحة بعض الأوجه ووزنها على بعض في النطق أو الهيئة أو الصورة أو مطلق الأداء، وما يرقى بالمتلو المنزل ويحمله على الأتمّية والأفصحية التي ينبعث من مشكاة مصابيح لحونها وأنحائها وطرائقها المعتبرة ... فهو ابن حاضرة العلم القرآني وفنونه ورضيع لبان الزاوية الدلائية التي كان أفرادها وأولو الضلاعة فيها يدرّسون القراءات والتفسير والتوحيد والحديث والفقه والتصوف والمنطق واللغة والبلاغة والأدب والتاريخ، ويبتدهون الطلاب بها، وكانوا يعنون بأمهات الكتب والدواوين، فكان بذلك للزاوية الدلائية حفظ لكيان المغرب في القرن الحادي عشر، فاستوى الإنتاج العلمي لذلك العهد خصيبا مَريعا رطيبا، يمزج بين كتب العرب وبواكير المخترعات الغربية يومئذ [الزاوية الدلائية لمحمد حجي ص 30، مجلة دعوة الحق، محمد المنوني العدد الرابع سنة 1968 ص 53]، وما ذلك إلاَّ لِأَنّا أَلْفَيْنا العلامة ابن الطيب (رحمه الله) قد ضمَّن مؤلفاته - في تبيين أوجه العربية واكتناه معاني مبانيها – الاستشهاد بالجيِّد الجزْل من الشعر الحَوليّ المحكَّك والاستدلال بالفخْم الشريف من النثر البائت المرسَّل والحرّ العالي من كلام العرب – على تفاوت بين هذه المؤلفات - كما اعتمد الأَنْهضَ الأَقْوى من أوجه القراءة (متواترها وشاذها وما إليهما) ...، وكذا الحديث النبوي (بشـرطه) وما يتعلق بغرائب وضعه ومأثور الخبر وفرائد استعماله وأنماط تصـريفه ...، والذي يعنينا في هذه المقامة من كلِّ ذلك؛ تَقَصُّص نَفَسه (رحمه الله) في تبدية المنحى المعتبر في ميزان قبول القراءة وترجيحها تمييزا له من الشاذ النازل عن الرتبة وعن التصدير إلا الذي احتفَّتْ به الرواية من جوانبه وثبت وروده واعتباره دون غيره، إذ عنده أن (الشذوذ أو الندرة لا ينافيان الفصاحة) كما قرَّر أئمة العربية كالفارسي (ت‍ 377 ه‍) وابن جني (ت‍ 392 ه‍) وغيرهما، وغير ذلك من المقاصد الشافية الحسنة الدالة على علو مُكْنة الرجل في فنون العربية، وعَراقة اختياراته وتفرداته في التعليل والجدل والموازنة الحكمية لأوجه الدلالة وتعيين منازلها ...، مما ستضْطَلع هذه البسطةُ بتَبْيين بعض رسومه ولحظ أنحائه، وعليه؛ فمذهب العلامة ابن الطيب في الاحتجاج والتعليل والتوجيه والقياس والتخريج، إنما يجري على سَنَن أئمة القراءة في اعتماد المتواتر الصحيح من الأوجه الأدائية ما أمكن ولزوم جادَّته أصالة، إذ لا يكاد يعدل عن ذلك إلى قياس أو حَمْل أو استصحاب حال أو تخريج أوجه أو ما شابه، كَلاَّ بَلْ على الرواية والسماع والنقل بنى اختياره في أوضاعه وتوليفاته وبموئل كل ذلك اعتكف وبكسائه اكتسى والْتحف، قال رحمه الله مقررا أن (هؤلاء القراء ليس لهم في القراءات المذكورة ... آراء ينسبون بها إلى الخطإ واللحن، وإنما هم نقلة لما رووه بالتواتر، وقد تقرر أن القراءة سنة متبعة، والمعتبر فيها التلقي عن الأئمة لا اعتماد الرأي ...، فالاعتراض عليهم وتلحينهم مما لا معنى له، كما نبّه عليه غير واحد، والله أعلم) [الفيض 1/427]، فقد ألفيناه في (فيض نشر الانشراح) وفي غيره من الحواشي والشروح والأجزاء والإشارات السالفة كلها لا يحتج إلا بما يَسْبَحُ في فَلَك السبعة القراءات المشهورة بالأمصار ابتداءً، ولا يرغب عنها إلى غيرها من الشواذ أو الخارجة أو ما شابه، مما يُنسب القائل بمثلها إلى الغلط أو اللغو إلا لحاجة أو لملحظ وما إليه، إذ غاية ما في الحرف المخالف لسمت العربية وقوانينها أن يكون شاذا خارجا بهذا الاعتبار، والشذوذ لا ينافي الفصاحة، كما قاله أبو علي وشيد أركانه ابن جني [الفيض 1/427]؛ فوصف القرآنية عند ابن طيب (رحمه الله) يثبت لكل ما ورد أنه قرئ به للسبعة القراء خاصة وهو المتواتر مما لا ليس من قبيل الأداء الصوتي كالمد من حيث هو مد والإمالة من حيث هي كذلك وتخفيف الهمز وما إليه، إذ المتواتر المعروف من ذلك هو ما يتصل بالقدر الضروري المشترك لهذا الظواهر الصوتية مما تحتمله دواعي الإطاقة الطبعية البشرية وتسيغه هوادي الاقتدار الجبلي الإنساني، فالتواتر متعلق بهذا الحدّ أو القدْر فقط، إذ ذلك أمر نسبي متعلق بأطواق البشر وقُدَرهم، متفاوت بتفاوت أداء الأعضاء الصوتية عند القرأَة والتُّلاّء فليس ينضبط لأجل هذا [منجد المقرئين ص 72] ... فربَّ قارئ أو تالٍ مدُّه أطول زمَناً وأوفى نفَسا من مد آخر، وكذا صلةِ ذاك واختلاسه ثم إدغامه وتسهيله للهمز وتفخيمه للراء وتغليظه للام ...، إلى غير ذلك من أصول الظواهر الصوتية التي هي محل اختلاف  في الأداء حتى بين أهل القطر الواحد المتفقهين بمذهب إمام القراءة الواحد، فمن رام تواترا في مثل هذه الهيآت الصوتية وتطلَّبه وسام له كل دليل أوحجة في كل فرد فرد فقد حاول محالا، ثم المروي عن بعض السبعة ولم يتواتر وهو الآحاد، ودونهما في الاعتبار ما يسمى الشاذ النازل من الأوجه وهو ما وراء السبع وقيل العشر، [الفيض 1/416]، وقد استجاد ابن الطيب - في تحديد ماهيّة هذه الأضرب الثلاثة – مذهب ابن الجزري (ت‍ 833ه‍) واستحسنه فقال: وأحسن من تكلم في هذا النوع إمام القراء في زمانه أبو الخير ابن الجزري ... وأطال في بسط ذلك وتحقيقه بما لا مزيد عليه، ونصه ما جاء في النشر 1/9: (كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها؛ فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين)، وبذلك صرح الحافظ الداني (ت‍ 444ه‍) والشيخ مكي (ت‍ 437ه‍) والإمام المهدوي (ت‍ 440ه‍) والعلامة أبو شامة (ت665ه‍‍)، وللشاذ عند ابن الطيب مكانه في الاعتبار وله منزله من الاحتجاج به وله لأن الشذوذ لا ينافي الفصاحة، والدليل على جواز الشاذ؛ ارتكابه واقترافه في العربية والقرآن حاكم عليها، قال القاضي أبو الفرج النهرواني (ت‍ 390ه‍) في الأنيس الصالح له: علم العربية حاكم على الكلام، والقرآن حاكم عليه، فإذا خالفه رجع إليه ولم يتمكن من الحكم بخطئه؛ لأنه حاكم [الفيض 1/421]، ولأجل ذلك احتجّ أهل اللغة والقراءة على جواز دخول اللام التي للأمر على المضارع المبدوء بتاء المخاطَب في قوله تعالى: (فَبِذلكَ فَلْتَفْرَحو)قال الطبري (ت‍ 310ه‍) في جامعه: وذلك أن العرب لا تكاد تأمر المخاطب المواجَه باللام والتاء وإنما تأمره فتقول: (افعل أو لا تفعل)، وكان أبو جعفر القارئ – فيما ذكر عنه - يقرأ ذلك نحو قراءة أُبي، بالتاء جميعا، قال ابن الطيب رحمه الله في جواز وقوع ذلك أنه: (لا ينافي كونه قليلا، بل هي حجة على من منع ذلك من أصله ورام إبطاله ورادّة عليه مقاله، ولاسيما وقد قال ابن الأنباري في الإنصاف: قد ذُكر أنه كذلك قرأها النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أُبيّ بن كعب ورويت عن عثمان وأنس والحسن البصري وابن سيرين وأبي عبد الرحمان السلمي وابن القعقاع المدني وأبي رجاء العطاردي وعاصم الجحدري وأبي التيّاح وقتادة والأعرج) [الفيض 1/422]، وكذلك احتج لاقتراف إدخال اللام التي للأمر على المضارع المبدوء بالنون الدال على التكلم بقوله تعالى: (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) قال ابن الطيب: وهذا قليل أيضا [الفيض 1/422]، قال ابن الطيب في شأن حرف يونس (فَبِذلكَ فَلْتَفْرَحو) وحرف العنكبوت (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ): فالاحتجاج بهما سواء، وإن كانت الثانية متواترة دون الأولى، وعليه؛ فالعلامة ابن الطيب كان شديد الحفاوة - عند تعرضه لأنحاء التأويل ودَرك مُفاد التنزيل – بالثابت العالي الفصيح من الأوجه دون الطّيّ كشْحا عن النازل عن رتبة المشهور المستفيض من أحرف التلاوة، إذ تجده قد ميَّز بين الذي يعضد معنى من المعاني وينصره (شواهد المعاني)، ثم بين الذي يرجع إلى تغيُّر أحوال الكلم (شواهد الألفاظ) لاختلاف العوامل الداخلة اللفظية أو التقديرية عليه، ثم إنَّ صَنَعه أثناء احتجاجه بالشاذ – بقدْر متفاوت يَرْعى مقتضى الأحوال- منبئٌ عن تعمُّل فِقْهي بعيد المُدْرك، وحِسٍّ رهيف دقيق المسلك؛ فقد ألفيناه في (فيض نشر الانشراح) وفي غيره من الحواشي والشروح السالفة كلها لا يحتج إلا بما يَسْبَحُ في فَلَك السبعة القراءات المشهورة بالأمصار ابتداءً، ولا يميل عنها إلى غيرها من الشواذ أو الخارجة أو ما شابه، مما يُنسب القائل بها إلى الغلط إلا لحاجة أو لملحظ أو اعتبار أو ما شابه، إذ غاية ما في الحرف المخالف للقواعد العربية المستعملة الجارية أن يكون شاذا بهذا الاعتبار، استدرارا للمعاني واستكثارا من استدعاء لطائف الفَسْـر والتأويل، ثم تَنويعا لمطارح الفكر وتَعداداً لمسارح النظر، بالقدْر الذي يُجلِّي بلاغة  القرءان العظيم و يحفظ دلائل إعجازه وما إليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع.

Science

د.مولاي مصطفى بوهلال

    • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق