مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

عوائق طلب العلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد:

       يعد طلب العلم من الضروريات التي يبذل المرء وسعه وماله ووقته لتحصيله، لما في ذلك من السعادة الدنيوية والأخروية لطالبه، وقد أدرك السلف الصالح هذه الأهمية حين وجدناهم يقطعون المسافات الطوال لأجل هذه الغاية، فكان أحدهم يسافر لأجل سماع حديث واحد، أو عدة أحاديث.

ولطالب العلم آداب لابد أن يلتزم بها كي يتحقق المقصود، إلا أنه ومع ذلك قد تعترضه بعض العوائق التي تحول دون ذلك، ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أذكر نفسي وإياكم ببعض هذه العوائق فأقول وبالله التوفيق:

إن من بين عوائق طلب العلم أذكر باختصار ما يلي:

1-فساد النية؛ وتعد النية من أهم الأركان في قبول الأعمال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”([1])،ومما يفسد نية طالب العلم أن يكون مقصده من تحصيل العلم مجرد الشهرة وحب الظهور، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:  “لو أن أهل العلم صانوا العلم، ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم، ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم، فهانوا عليهم”([2])، وقال سفيان الثوري: “ما عالجت شيئا أشد لي من نيتي([3]).

2-الكسل والفتور؛ وهما عائقان لابد لطالب العلم من البعد عنهما؛ لأنهما سببان في ضعف الهمم وانحطاطها. قال الفراء -رحمه الله-: “لا أرحم أحداً كرحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا فهم له،  ورجل يفهم ولا يطلبه، وإني لأعجب ممن في وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم”([4]) .

3-عدم ربط العلم بالعمل؛  وهذا سبب من أسباب قيام الحجة على صاحب العلم فعن عدي بن حاتم قال: قال صلى الله عليه وسلّم: ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما  أبلاه “([5]) ، فينسى كثيرا من الأشياء التي لو عمل بها لما نسيها.

4-سوء التدبير في طلب العلم؛ فطالب العلم بحاجة إلى التخطيط الحكيم لأنواع العلوم التي يريد أن يتلقاها، والأوقات المناسبة لها، مع مراعاة التدرج في تحصيله قال الزبيدي: “يجب أن لا يخوض في فن حتى يتناول الفن الذي قبله على الترتيب بلغته، ويقضي منه حاجته، فازدحام العلم في السمع مضلة الفهم”([6])

5-أخذ العلم من بطون الكتب دون الرجوع إلى العلماء؛ وهو من شر البلية في طلب العلم وتحصيله ورحم الله أبا حيان النحوي حين قال:

يظن الغُمر أن الكتب تُجدي  ****    أخا فهم لإدراك العلوم

وما يدري الجهول بأن فيها     ****    غوامض حيَّرت عقل الفهيم

إذا رمت العلوم بغير شيخ     ****       ضللت عن الصراط المستقيم([7])

6-أخذ العلم من الأصاغر؛ وهذا يعد من شر البلاء  وعلامة من علامات الساعة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: “لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن كبارهم وأمنائهم وعلمائهم”([8])

7-التسويف: ويعد هذا السبب من أخطر العلل في طلب العلم وتحصيله، لأن فيه ضياع للوقت الذي دعانا الله تعالى لاستثماره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال :” نعمتان مغبون عليهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ” ([9]).

8-الإعجاب بالنفس وعدم تقبل الرأي الآخر؛ وكلاهما مذموم ومن عوائق طلب العلم الذي أمرنا الله تعالى بتحصيله.

 9-كثرة المعاصي والذنوب؛ وهذا السبب جامع لكل ما مضى؛ لأن الذنوب تحول بين المرء وبين العلم وتحصيله، ورحم الله علي بن خشرم حين قال:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي  ****    فأومأ لي إلى ترك المعاصي

وقال بأن حفظ الشي فضل     ****   وفضل الله لا يدركه عاصي”([10])

    هذه أهم عوائق طلب العلم باختصار ، سائلة الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، وأن يرزقنا العمل بما علمناه، إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.

******************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /13)، كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم: (1)، ومسلم في صحيحه (2 /920)، كتاب: الإمارة، باب:  قوله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال”، برقم: (1907).

([2]) أخرجه البزار في مسنده (5 /68)، برقم: (1638).

([3]) رواه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص: 13).

([4]) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1 /205).

([5]) أخرجه الترمذي في سننه (4 /215)، كتاب:  صفة القيامة والرقائق والورع، باب:  في القيامة، برقم: (2415) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

([6]) أورده الزبيدي في إتحاف السادة المتقين  بشرح إحياء علوم الدين (1 /334).

([7]) ذكرها المقري في نفح الطيب (2 /564)

([8]) رواه ابن المبارك في كتابه الزهد (ص: 281) برقم: (815).

([9]) أخرجه البخاري في صحيحه (4 /175)، كتاب: الرقاق، باب: ما جاء في الرقاق، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، برقم: (6412).

([10]) ذكره البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي (2 /258).

******************

لائحة المراجع المعتمدة:

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين. محمد بن محمد الزبيدي. مؤسسة التاريخ العربي ط 1414- 1994.

البحر الزخار. أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار. تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، وعادل بن سعد، وصبري عبد الخالق الشافعي مكتبة العلوم والحكم – المدينة  المنورة. ط1/ من  1988 إلى 2009.

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400.

جامع العلوم والحكم. أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. دار المعرفة – بيروت. ط1/  1408.

الجامع الكبير. محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق: بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. ط1/1996.

جامع بيان العلم وفضله. أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي. دراسة وتحقيق: أبو  عبد الرحمن فواز. مؤسسة الريان – دار ابن حزم. ط1/ 1424-2003 .

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق : د. محمود الطحان. مكتبة المعارف- الرياض1403.

الزهد ويليه: الرقائق. أبو عبد الله عبد الله بن المبارك. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي . دار الكتب العلمية – بيروت.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.

نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب. أحمد بن محمد المقري التلمساني. تحقيق: د. إحسان عباس. دار صادر. 1388.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق