مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويمعالم

عمران الساقية الحمراء قبل بناء قصبة السمارة

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

شكلت الساقية الحمراء مجالا عمرانيا متنوعا أسهمت في ترتيبه بعض العمائر والمعالم، بشكل أساسي، وجعلت المجالَ الصحراوي فضاء حركية بشرية، وإنتاجٍ  معرفي غني، بحسب ما سنعرض من معالم حضارية.

      إسهام رباط سيدي أحمد الركَيبي الجد في إعمار المجال:

      بنى سيدي أحمد الركَيبي الجد رباطا، بمجال الساقية الحمراء، شكل شبه نزالة لمحلة السلطان أبي الحسن المريني[1]. فهل للنزالة المذكورة صلة بركب الحاج المغربي، بحسب دلالة اسم الركَيبي في مفهوم أحد الإخباريين[2]؟.

      إسهام مدرسة سيدي أحمد الركَيبي الحفيد في إعمار المجال:

      أسهم تأسيس سيدي أحمد الركَيبي الحفيد لمدرسة تعلم القرآن الكريم وأصول الدين[3] في إعمار مجال الساقية الحمراء بقدوم طلبة آفاقيين عليها[4]. ولعل البناء المتحدث عنه شكّل نواة قصبة “هنزة” التي بناها الركَيبيون، على بعد 100 كلم من الشمال الشرقي للسمارة، على وادي القيزات، أحد روافد واد الساقية الحمراء[5].

      ويظهر أنه نتيجة اهتمام أمراء المؤمنين العلويين بمدافعة التحركات الأجنبية بشواطئ الصحراء المغربية وما بعدها، خلال أواخر القرن 19 م[6]، بادر سيدي ماء العينين إلى متابعة أعمال صلحاء الصحراء في إعمار المجال. حيث استقر قبل بناء السمارة في معلمتين حضاريتين. هما: كريزيم أو قصر التازي، والدار الحمراء.

      كريزيم أو قصر التازي:

      استقر الشيخ ماء العينين، بوادي “القريزيم” قرب وادي الساقية الحمراء[7]. وأشار بعضهم إلى أنه حل ببناية كريزيم أو قصر التازي، على بعد حوالي 10 كلم، شمال شرق موضع قصبة السمارة، في اتجاه وادي نون. وقد هدمت هذه المعلمة. فلم يبق منها إلا غرفة مشيدة بالحجر المنجور والطين[8].

      الدار الحمراء:

      بنى الشيخ ماء العينين عام 1871 هـ بيتا بالطابية[9] أو بالحجر سمي الدار الحمراء[10]، شمالي موضع قصبة السمارة، شرقي زاوية الشيخ سيدي أحمد العروسي[11]، بالضفة اليسرى لوادي الساقية الحمراء[12] أو على الضفة الشرقية منه، بحسب من وقف على أطلالها[13] أو “بجانب وادي الساقية الشمالي، عند مصب الأودية المسماة “آسْدَماتْ“[14].

      وكانت الدار المذكورة تتكون من “باحة وسطى تحيط بها غرفة للضيوف وأخرى لأهل بيته وثالثة لخزن الحبوب ورابعة للخدم“[15]. وقيل إن تصميمها يتكوّن “من سور خارجي من الطابية يشكل مربعا تقويه أبراج في زواياه الأربع. أما المساحة المسورة فتنقسم إلى مجموعة من الفضاءات المستطيلة الشكل، والتي كانت تلعب دور الغرف، هذه الأخيرة تنفتح بواسطة أبواب على صحن مكشوف يؤدي إليه بابان وسط الجهة الجنوبية للبناية“[16]. وقيل كانت “دارا كبيرة […] تحتضن الزاوية والمكتبة“[17].

      وبذلك، نخالف من ذهب إلى أن الساقية الحمراء كانت خالية من الاستقرار البشري قبل بناء قصبة السمارة[18]، مثل ما نخالف، تبعا لذلك، من ذهب إلى أن الشيخ ماء العينين لم يعرف قبل بناء القصبة المذكورة غير العيش في الخيام[19]، بشكل يخدم الأطروحة الاستعمارية المغرضة.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[1] الزاوية الرقيبية، أحمد الوارث، في: المكونات الثقافية للصحراء المغربية، الرباط، مطبعة المعارف الجديدة، 2001 م، ص111- 112.

[2] أعلام من الصحراء المغربية، محمد الجيلاني لعبدَّ، الداخلة، مطبعة BENSS، د. ت، ص5.

[3] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، محجوب كرماز، في: السمارة الحاضرة الروحية والجهادية، مطبعة المعارف الجديدة، 2002 م، ص222.

[4] مادة الركَيبات، محمد دحمان، في: معلمة المغرب، ج26، ص296.

[5] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، محمد الغربي، الدار البيضاء، مطابع دار الكتاب، ص115- 116؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، المؤلف نفسه، الرباط، مطبعة “الأنباء”، ص44.

[6] المعسول، ج4، المختار السوسي، المحمدية، مطبعة فضالة، 1960 م، ص93.

[7] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، ج1، الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، مطبعة المعارف الجديدة، 2011 م، ص93، وص98.

[8] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص217. قابل بـ: مادة السمارة، مدينة، إدريس شداد، في: معلمة المغرب، ج27، ص370.

[9] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص217.

[10] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص340.

[11] أعلام من الصحراء المغربية، ص54.

[12] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص217.

[13] أعلام من الصحراء المغربية، ص54.

[14] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، ص91.

[15] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص340.

[16] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص217.

[17] أعلام من الصحراء المغربية، ص54.

[18] الوسيط في أخبار شنقيط، أحمد الشنقيطي، عناية: فؤاد سيد، نشر: مكتبة الخانجي- القاهرة، الشركة الدولية للطباعة، 2002 م، ص439؛ والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج7، العباس السملالي، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، الرباط، المطبعة الملكية، 1997 م، ص174؛ والمعسول، ج6، ص40- 41؛ والساقية الحمراء إبان تأسيس زاوية السمارة، ص81- 93.

[19] المعسول، ج4، ص93؛ والتنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص226.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق