مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

صورة الإسلام في بعض المواقع الالكترونية الغربية

                      د. توفيق الغلبزوري
         أستاذ التعليم العالي بكلية أصول الدين / تطوان

 تقـديـم:

إننا نجد في بعض المواقع الإلكترونية الغربية من الدراسات والأبحاث عن السنة والسيرة والإسلام أحيانا، إنصافا وموضوعية وعلمية في التناول من بعض المستشرقين أو الكتاب الغربيين عموما، إلا أنه – للأسف الشديد- فإن الروح الطاغية والمهيمنة على أغلب المواقع الإلكترونية  تجنح إلى التشويه والافتراء، والطعن والقذف، والتحريف وقلب الحقائق، وتلبيس الحق بالباطل.

ذلك لأن المستشرقين والكتاب الغربيين لا يكتبون حين يكتبون هذه الأعمال والبحوث لنا، وإنما يتوجهون بها الى الإنسان الغربي، والمثقف الغربي، يخافون عليه، ويُحَصِّنونه من أن يقع في إسار الإسلام: دينا وثقافة، وفكرا وحضارة، كأنهم يريدون أن يضربوا بين الإسلام  وقومهم ستارا كثيفا، من التشويش، والتشويه، والتقبيح، والتشنيع.
فلا غرو إذن، أن صار الإنسان الغربي إلى اليوم مقيدا بهذه الروح الصليبية المبثوثة في الكتب الدينية والمناهج التعليمية والبرامج الإعلامية، والآن في الشبكة العنكبوتية، فهو يجر ذيولها وأصفادها، لا يستطيع منها فكاكا أو تحررا وخلاصا.
وقد ولجت ـ بتوفيق الله ـ كثيرا من هذه المواقع باللغة الفرنسية، دارسا لها، ممعنا النظر في مقولاتها، مترجما بعضها – ما استطعتُ- إلى اللغة العربية، مرتبا شبهاتها على النحو الآتي:
المبحث الأول: تشويه سيرة محمد صلى الله عليه وسلم
1ـ التشكيك في وجود محمد صلى الله عليه وسلم أصلا
بلغ العبث منتهاه في تشكيك بعد المواقع الغربية في وجود شخصية محمد صلى الله عليه وسلم أصلا،ففي تقديمه لموقع: coranix.org/biblio/coran_bm.htm  يقول المُقَدِّم:  … «خلافا لما يعتقده عامة الناس، لا يوجد أي دليل تاريخي أو أركيلوجي على وجود شخصية محمد، وكذلك لا يوجد أثر تاريخي يشهد على مختلف المراحل من حياته إلى اليوم، ولذلك فهذه السيرة biographie  لا تجيب عن وجوده أو عدمه، ولكنها تَعْرِض فقط شخصا اسمه محمد كما يتخيله ملايين المسلمين، ويحيلون على سيرته، باعتباره قدوة متبعة في كل الميادين».
2 ـ التشكيك في القرآن وفي صحة وجود محمد صلى الله عليه وسلم
وفي موقع:      point de bascule canada. Ca/archives/717.html
 كتب أحد الكُتَّاب يتساءل:
Mohamed n’aurait jamais existé et le coron serait un imposture historique ?
 “هل محمد لم يوجد أبدا وهل القرآن خداع وكذب تاريخي؟”
ويذكُر الكاتبُ أن محمد سفين كاليش الألماني أستاذ أصول الدين la théologie  في ألمانيا في جامعة منستير الذي أسلم على المذهب الشيعي وعمره خمسة عشر سنة، وعمره الآن اثنان وأربعون سنة، أثار في بحوثه الشك في الوجود التاريخي لمحمد صلى الله عليه وسلم، مدعيا (هذه من عندي) أننا لم نعرف حياة محمد إلا في القرن السابع، ويقول هذا المستشرق الذي يزعم أنه ما يزال مسلما: «وهناك شك كذلك في القرآن، لأن الله لا يكتب الكتب، ولا يهمنا وجود محمد أو عدمه، ولكن يهمنا فلسفة محمد المقدمة عبر اسمه» .
3 ـ تشويه سيرة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته بالكذب والدجل
مما يدل على عدم إنصاف وعلمية وموضوعية هذه المواقع أنها لا تعتمد أبدا المصادر الإسلامية الصحيحة في عرضها للسيرة النبوية؛ وإنما مراجع المستشرقين لاسيما الكنسيين منهم الذين يحملون الكراهية الصليبية للإسلام والمسلمين.
ففي الموقع المذكور في مستهل هذا الحديث مثلا نجدهم أثبتوا كتاب القسيس  
 M.L castillon الصادر عام 1765 م وعنوانه:
 «Essai sur les erreurs et les superstitions» “بحث في أخطاء وخرافات الإسلام”.
يقول M.L castillon: «محمد ليس -في نظري- لا مخلوقا عجيبا ولا إنسانا خيرا، لقد كان طموحا، ومن شقاء البشرية أنه ولد في زمن وفي بيئة خصبة لتطبيق مشاريعه وآرائه».
ثم يَعُدُّ ما يظنه مساوئ وجرائم محمد فيقول: «انتشار الإسلام لا يرجع إلى ذكاء محمد أو إلى تفوقه، أو إلى بعد نظره، ولكنه راجع إلى فساد قومه العرب وجهلهم، وضعف الحضارة الإغريقية، وتقهقر الإمبراطورية الفارسية، وتفرق كلمة الكنيسة الشرقية وانقسامها، والفساد العام في الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة، كانت هذه هي الأسباب التي جعلت الإسلام ينتشر ويتطور بناؤه ويستقر».
4 ـ تكذيب M.L castillon لما سماه خرافة (الإسراء والمعراج)
يقول: «من المثير للضحك بل للعبث هذه الرؤيا لمحمد ـ يقصد الإسراء والمعراج ـ التي استطاع من خلالها أن ينسج حكاية خيالية فيها أكاذيب وصور غير متجانسة، والمسلمون صدقوا هذه الخرافات لأنهم تلقوها عن آبائهم وأجدادهم الذين تلقوها كذلك عن أسلافهم».
يقول : «ومن الرغم من الهذيان (le délire) الذي يشوب هذه الرؤيا، فقد كانت حكاية ممتعة تثير الخيال[1]، وهذا ينسجم مع العقلية الشرقية التي كانت قابلة لتصديق هذه الأعاجيب[2]، هذا هو باختصار حديث محمد الذي حدّث به أتباعه التافهين، الذين عوضوا جهلهم وأفكارهم الخاطئة عن الألوهية منذ قرون وخرافاتهم القديمة بهذه الخرافات الجديدة، وكانت عقليتهم مهيئة لتصديق أن هذا الرجل الذي كان يقوده الملك جبريل طار من سماء إلى سماء، إلى عرش الله، وعلى هذه الأخطاء أسس دولته وطريقته».
وفصول كتاب القسيس M.L castillon  كلها تنضح بالكراهية والسب والشتم والقذف والطعن، فالفصل الخامس والعشرون من الكتاب عنوانه “قسوة محمد وبلادة أتباعه”:
 يقول: «محمد رجل دموي لا إنساني حيث قتل كثيرا من الناس، ونحن في أوروبا نعتقد أن محمدا شر من ظهر على وجه الأرض، فهو أكثر قسوة من نيرون، وهؤلاء المسلمون ينبغي أن يمسحوا ويحذفوا من التاريخ البشري».
ويجعل عنوان الفصل الثامن عشر من الكتاب بعنوان:”تحريض محمد وعَمَى أصحابه” وهذا غيض من فيض الكراهية والحقد والسب والشتم الذي لا يليق بأي بحث علمي يزعم النزاهة والموضوعية.
المبحث الثاني: الطعن في القرآن وفي مصدر الوحي
ومن الطعن في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الطعن في القرآن والزعم بأنه ليس كلام الله وإنما من وضع البشر، ومن أجل تصديق هذه الأكذوبة تلجأ هذه المواقع إلى كل أساليب التحريف والكذب والبهتان والافتراء والتدليس والتلبيس الخسيس، فانظر واعجب ما تقرأه في الموقع الإنجيلي: docteur angelique.forumactif.com
حيث كتب كاتب سمى نفسه Alexis مقالا نشر حديثا على الموقع يوم2010/04/16م.
يقول ألكسيس: «القرآن مؤلف كتبه حبر مكة اليهودي الذي حول محمدا إلى الديانة التوحيدية وهو ورقة بن نوفل، قدمته له خديجة زوجته، وإن خديجة يهودية عجوز تزوجها الفارس العربي محمد، والحقيقة أن ورقة لم يكن يمثل حقيقة النصرانية ولا حقيقة اليهودية، وكان يلقن محمدا خليطا من العقائد والأحكام النصرانية واليهودية التلمودية مثل: إنكار تجسد الله في شخص المسيح، ولقنه بعض المحرمات اليهودية التي تلقفها محمد وهو جاهل بها مثل تحريم لحم الخنزير وبعض العبادات والأدعية مثل الصيام والطواف حول الكعبة».
« وورقة نفسه لم يفهم ما وصله من تعاليم الأنبياء السابقين التي لقنها لمحمد، ومنها تصويره لليهود بأنهم عصاة ومتمردون على الله، والشاهد على ذلك أن القرآن مُعادٍ للسامية بحجج واهية، وهذا ما تضمنته سورة الفاتحة[3] التي هي صورة للنازية ومعاداة الصهيونية في العصر الحديث».
ويوظف الكاتب في هذا السياق مصطلح “معاداة السامية القرآني” في إشارة إلى أن أصل معاداة السامية هو القرآن.
وعقَّب كاتب اسمه Jeb  على مقال ألكسيس بكلام جاء فيه:  « Cher، عزيزي ألكسيس، إن هذه النظرية توافق ما أكدته سابقا في هذا المنتدى، ومفاده أن محمدا اخترع ديانته انطلاقا من خليط ومزيج من التوراة والأناجيل؛مع إسقاط كل ما لم يفهمه أو كان  يزعجه ولم يكن على هواه، وهذا الطرح كنت أعتقده منذ صباي المبكر ولا أزال».
«ولكن نظرا للآثار السلبية وردود الأفعال السياسية المحتملة[4]، فإنه لا أحد يجرؤ على الحديث عنه رسميا ولاسيما الآن».
ثم يقرر الكاتب ألكسيس في مقاله الآنف الذكر أن خديجة كانت يهودية ثم اعتنقت النصرانية؛ ولكنها نصرانية محافظة على التلمود، وبعيدة جدا عن الكاثوليكية، وأن ثمة مذهبا كان يجمعها بابن عمها ورقة بن نوفل يسمى مذهب النزاريين les nazaréens .
والقرآن في اعتقاد ألكسيس ليس له أية قيمة، بدليل أنه بعد اثني عشرة سنة من بعد وفاة محمد، قام عدوه اللدود عثمان باغتيال عمر الخليفة الشرعي، وحرق كل المصاحف الموجودة إلا مصحفه أي(مصحف عثمان) الذي أسقط منه نصوصا كثيرة تدل على الأصل التلموديّ للقرآن، وقَلبَ عثمان نظام السور والآي القرآني[5].
الطعن في الإعجاز العلمي للقرآن
ولما هدى الله تعالى في هذا العصر كثيرا من العلماء الغربيين عن طريق هذا العلم: الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فإن سهام هؤلاء الكتاب الغربيين اتخذته غرضا يرمى بالتكذيب والتشويه .
يقول الكاتب Fiatlux في نفس الموقع في شأن مبحث “الإعجاز العلمي في القرآن”:
«إن مباحث الإعجاز في المواقع الالكترونية هي صيغة جديدة لتسويق الإسلام Marketing للغربيين اعتمادا على ما يتضمنه من حقائق علمية، ويعتمدون في ذلك على حجج باطلة وأكاذيب مستندة إلى سلطة العلم، من أجل إثارة واستمالة بعض العقول[6]، عبر دسه في كوب من الماء منعش Fraiche، وذلك من منطلق القاعدة الآتية: اشربوا العلم بدون مناقشة بمعنى اشربوا القرآن بدون مناقشة. sans discutions
Avaler la science sans discuter, c’est aussi avaler le coran sans discuter.
                                                                 ****
      ولا حاجة إلى الرد على هذه الترهات والخزعبيلات التي تُضحك الثكلى، ويعرف صبياننا في المكاتب أنها أباطيل وأكاذيب، ولا يسعنا إلا أن نردد مع الفقيه المالكي الكبير القاضي أبي بكر ابن العربي في العواصم من القواصم: «لا نُذهب الزمان في مماشاة الجهال، فإن ذلك أمر لا آخر له».
      ولكن يكفينا أن نذكر حقيقة بدء الوحي وخديجة رضي الله عنها وقضية ورقة بن نوفل؛ لنضع يدنا على المنهج المفترى الذي يتحكم في كتابات الغربيين في هذه المواقع عبر الشبكة العنكبوتية، وللقارئ أن يقارن بين الحق والباطل، وبين رواية البخاري الصحيحة ورواية الكذابين، وسأسرد هذه الحقيقة من أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو صحيح البخاري .
    قال البخاري: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا  بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا  بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا  بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ زَمِّلُونِي  زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ  فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ  مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ  الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا  ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ.[7]المبحث الثالث: نموذج من تحريف الأحاديث والسنن
وسأذكر هنا نموذجا من تحريف الأحاديث في هذه المواقع، بإسقاط عبارات منه وجمل لو ذُكرت لدلت على عكس المراد تماما، ومثال ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك »[8].
 وترجمته بالفرنسية :
 «on marie  une femme pour quatre choses :sa richesse, sa beauté,
 sa noblesse et sa piété »
يقول أحد الكتاب المسلمين:  كم من مرة رأيت هذا الحديث محرفا في كتب الغربيين ومواقعهم الإلكترونية بإسقاط “ولدينها” “فاظفر بذات الدين تربت يداك ” فأمثلهم طريقة من الكتاب الغربيين يترك نقط حذف بعد “ولدينها”.
      والبقية لا يذكرون أبدا الدين، ليدسوا في ذهن القارئ أن المسلمين يهتمون بالجمال والمال بالنسبة للمرأة التي يريدون الزواج بها أكثر من اهتمامهم بالدين[9] مع أن تتمة الحديث في ترجمته التامة.
« est meilleur d’entre vous est celui qui épouse une femme pour sa piété »
هل ترون كيف يكون تحريف الأحاديث؟ مع أن الحديث يتحدث بنقيض ما يريد الكتاب الغربيون في هذه المواقع أن يعتقد القراء، طبعا هذا التحريف والحيلة الماكرة لا تنطلي على من له أدنى إلمام  بالإسلام والسنة، ولكن القارئ الغربي المقصود بهذه الكتابات وكذا المتفرنسين والمتغربين عندنا من أصحاب الأمية الدينية الذين لا يعرفون هذا الحديث وأمثاله يصدقون هذا بسهولة، وينطبع في أذهانهم أن الإسلام ينظر إلى المرأة الجسد ولا يلتفت إلى الجوهر والدين والأخلاق.
المبحث الرابع: المنهج والأساليب والتقنيات المتبعة في كتابات الغربيين في هذه المواقع عن الإسلام وكيفية مواجهتها[10]
     إن أغلبية هذه المواقع ـ للأسف الشديد ـ أنشئت لتهاجم الإسلام بالباطل، وهي موجهة من طرف المتعصبين من النصارى الذين يحملون الروح الصليبية والكراهية تحت مسوغ أنهم يريدون إظهار الوجه الحقيقي للإسلام، ويمضون أوقاتهم في كتابة نصوص كلها أكاذيب وافتراءات وأباطيل حول الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، وهم يستهدفون بذلك فئتين من القراء ومن مرتادي الشبكة العنكبوتية: القارئ الغربي الذي يجهل كل شيء عن الإسلام فيصدق كل ما يقال له بسهولة، وعوام المسلمين أو المتغربين والمتفرنسين من أصحاب الأمية الدينية أو الذين لا يعرفون العربية، وسبيلهم إلى ذلك أساليب وتقنيات هي كالآتي:
– يصدرون الأحكام بصورة قاطعة لا تردد فيها ولا احتمال، وفي جمل موجزة، بدون حشو أو تطويل أو ترادف، يوحون بذلك إلى القارئ أن المسألة مفروغ منها وأنها بيقين، وبديهة من البديهيات.
– الخضوع للأهواء وعدم التجرد للبحث الموضوعي العلمي، فيحددون الغرض أولا، والنتيجة مسبقا، ثم يبحثون عما يؤيدوها، وينقبون عما يثبتها، ويجمعون من كل رطب ويابس، ليس له علاقة بالموضوع، وهم لا يعتمدون مصادرنا الموثوقة، وإنما المصادر والمراجع التي تكرع من الماء النجس، من كتب التاريخ العام، أو كتب الأدب والشعر، أو الرواية والقصص، أو المجون والفكاهة، وإن كانت هذه الكتب تافهة لا قيمة لها، ويقدمونها بعد التمويه والتشويه، ويبنون عليها النظريات والقناطر المقنطرة.
– التعسف في التفسير والاستنتاج .
– منهج العكس، وقد ضربنا له مثلا في الحديث الآنف الذكر.
– التشكيك في الدليل القاطع والتعامي عنه، فتجد هذه المواقع تتعامى عن الأدلة القطعية، وتتجاهلها، وتشكك فيها، وتدفعها بصدرها، وقد تسترها بيديها، حتى لو كان الدليل صحيحا بيّن الصحة، كأن يكون حديثا في الصحيحين، بل لو كان قرآنا كريما صريح الدلالة.
– التحريف والتزييف والادعاء والكذب والافتراء، وقد مضت الأمثلة على ذلك.
– الاختلاق والتمويه: وهذه آفة الآفات، كأن يشير الكاتب إلى مصادر استقى منها، ومراجع رجع إليها، ويُعينها أحيانا بالجزء والصفحة، مختلقا ذلك اختلاقا، فلما يرجع القارئ الحصيف النبيه إلى هذه المراجع؛ لا يجد لتلك النصوص ذكرا أصلا، أو يضيفون إليها، أو يحذفون منها،  أو يبدلون، فإذا المعنى قد استحال إلى شيء آخر، وأصبح ناطقا بما يريد أن ينطقه به الكاتب الغربي.
– الهجوم على الإسلام غالبا ما يقصد ثلاثة محاور رئيسة:
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم، ووضعية المرأة في الإسلام.
1- فمحمد صلى الله عليه وسلم باعتباره القدوة والأسوة عند جميع المسلمين، فإنهم يُكذبون نبوته، ويصورونه أنه مخادع كذاب، فإذا صدَّق غبي أو جاهل ذلك سهل تكذيبه بالقرآن وأنه ليس كلام الله تعالى.
وذلك باعتمادهم مصادر ومراجع الاستشراق الأوروبي في العموم، التي تقدم صورة النبي صلى الله عليه وسلم أنه المتعطش للسلطة؛ والمهووس بالجنس والنساء  إلخ..
2 ـ القرآن الكريم كلام الله تعالى، أنزله الله منهج حياة من أجل سعادة الناس، لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، من أول يوم نزل فيه إلى اليوم.
لكن هذه المواقع تفتري أن القرآن من وضع البشر، وليس كلام الله تعالى، ومن قرر منهم أن القرآن هو كلمة الله، فهم يقررون في نفس الوقت أنه تعرض للتحريف والتبديل عبر القرون والأحقاب، وأنه يحتوي على كثير من الأخطاء النحوية والعلمية والتاريخية في زعمهم، وأنه كالأناجيل ليس كتابا واحدة وإنما هو كتب متعددة ومختلفة بينها، وهذا يصدقه القارئ الغربي بسرعة؛ لأنه يعلم يقينا أن الأناجيل مختلفة ومتناقضة[11] ، فيسهل عليه إسقاط هذا على القرآن الكريم.
3 ـ أما وضعية المرأة في الإسلام، فحدث عن بحار من الأكاذيب والافتراءات ولا حرج، ويتجاهلون كيف هي وضعية المرأة الغربية حرجة، فيذكرون من الشبهات  مثلا ميراث المرأة، وحجابها، ومسألة التعدد، ويزعمون لأنفسهم تحريرها.
كيفية المواجهة

ـ أولا؛ لا بد من معرفة هذه المواقع وقراءة بعض صفحاتها، لاعتياد هذه المواضيع المتناولة لأنها هي من موقع لموقع ومن كتاب لكتاب، وهذه النصوص لا تحتوي إلا ألفاظا وكلاما بدون أدلة  ولا حجج، فلا ينبغي تضييع الأوقات في مماشاتها وتتبعها، وإنما محاربة الأمية الدينية ونشر الثقافة الإسلامية الصحيحة لمواجهة شبهات أكبر من هذه لأن هؤلاء الكتاب الغربيين أذكياء جدا ويوزعون الأدوار بينهم وفي جعبتهم كل يوم جديد من الشبهات.
فكل هذا يجري وفق خطة مرسومة وليست ضربة لازب ولا مجال فيها للصدق على مستقبل الإسلام .
ـ لا ينبغي أن ننهزم أمام هذه المواقع أو يأخذنا الخوف على مستقبل الإسلام  لما نرى كثرتها كجراد منتشر لما نلج الانترنيت، فنقرأ العناوين الآتية مثلا:
L’islam devoilé ,  le vrai visage de l’islam, le vrai statut de femmes on Islam, ce qu’ils vous cachent à propose du coran
وهذا من الأسلحة المستعملة للتخويف والحرب النفسية، (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتم مُّؤْمِنِينَ) [12]، فالقصد من هذه الحرب النفسية الرعب  الذي يجعل القارئ العادي يتخوف من قراءة ما كتب.
ما الذي ينبغي عمله؟
ـ الكتابة والتأليف والنشر على الورق أو على الانترنيت أو بيان أن هؤلاء الكتاب الغربيين ليسوا نزهاء في مقالاتهم وأبحاثهم ولا منصفين، هم فعالون نشطون على باطلهم، ونحن عاجزون كسالى من اجل الحق الذي نعمله، هذا هو الفرق.
كما قال عمر رضي الله عنه: «اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة ».
ـ التواصل مع العالم عبر الإكثار من إنشاء المواقع الالكترونية ومواقع الحوار لتوضيح حقيقة الإسلام، وتصحيح صورته في العالم.
“والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل”.

الهوامش:

[1] وهذا أسلوب السخرية والاستهزاء معهود من هؤلاء القسيسين الصليبين وتلك شنشنة نعرفها من أخزم كما يقول المثل العربي.
[2]  وهذا هو الذي ردده بعده المستشرق الفرنسي الاستعماري”ماسينون” الذي زعم أن العرب عاطفيون يميلون إلى العواطف وليسوا عقلانيين وهذا سر تخلفهم كما زعم.
[3]  يقصد قوله تعالى: ﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ وهم اليهود والنصارى حسب التفسير النبوي.
[4]  يقصد ردود أفعال المسلمين والدول الإسلامية.
[5]    فاقرأ واعجب وتعجب! وقل :حسبي الله ونعم الوكيل، فلم يترك هذا من الجهل شيئا وهو يقرر ما يقرره في صورة أحكام قطعية لا تقبل المناقشة !!
[6]  وهو نفسه حذو النعل بالنعل شبرا بشبر ذراعا بذراع ما ردده  في المغرب أحمد عصيد في مقال له تحت عنوان ” الإعجاز العلمي في القرآن: تعويض نفسي عن نهضة مجهضة” انظر: مقال أحمد الشقيري الديني بعنوان: “عصيد ينفي الإعجاز العلمي في القرآن” جريدة التجديد العدد، 3040، 26 محرم 1434هـ موافق 11 دجنبر 2012م ، وكان عصيد قد سبق أن نفى عن القرآن صفة الإعجاز البلاغي .
[7]  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم الحديث:3.
[8]  رواه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح  سنن أبي داود كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين رقم 573/ 1,  2047
[9]  انظر مقال: les sites et livres anti-islam،لكاتبه: عبد الرشيد Abdurrachid على الشبكة العنكبوتية       www.pointslash.info/air-islam/antiislam.htm
[10]  انظر: نفس المرجع السابق، وكتاب المنهج في كتابة الغربيين عن التاريخ الإسلامي لشيخنا الدكتور عبد العظيم محمود الديب رحمه الله تعالى ( سلسلة كتاب الأمة ).
[11]  وهي حقيقة أجمع عليها رجال الدين والمؤرخون عندهم.
[12]  سورة آل عمران آية (175).
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق