مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

شرح حديث: “إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا …” المخرج في سنن أبي داود

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

     كان العرب في جاهليتهم وقبل إسلامهم يعظمون شهر  رجب الحرام ، وكانوا يذبحون لأصنامهم الذبائح؛   فلما منَّ الله عليهم بالإسلام، وتخلصوا من أدران الجاهلية وعاداتها، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حين أطل عليهم شهر رجب عن مسألة الذبح فيه، كما كانوا يفعلونه من قبل، فسنَّ لهم صلى الله عليه وسلم الذبح في أي شهر من الشهور؛ لكن شرط أن يكون هذا الذبح لله تبارك وتعالى، وأن يتصدقوا ويطعموا فيه المسكين وابن السبيل، وفي ذلك أخرج الإمام أبو داود حديثا يرويه عن الصحابي الجليل نبيشة الهذلي رضي الله عنه جاء فيه: ” نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: “اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله عز وجل،  وأطعموا …”.

    في هذا المقال سأتناول فيه إن شاء الله تعالى: تخريج هذا الحديث من مسند أحمد، وسنن ابن ماجه، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، ثم شرح ألفاظ الحديث من خلال كلام الترمذي في سننه، وابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث والأثر، ومحمد شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود فأقول وبالله أستعين:  

تخريج الحديث:

  • نص الحديث كاملا بسنده من سنن أبي داود:

حدثنا مسدد (ح)، وحدثنا نصر بن علي، عن بشر بن المفضل المعنى،  حدثنا خالد الحذاء،  عن أبي قلابة،  عن أبي المليح،  قال: قال نُبيشة: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ قال:”اذبحوا لله في أي شهر كان،  وبرُّوا الله عز وجل، وأطعموا” قال: إنا كنا نُفْرِع فرعا في الجاهلية،  فما تأمرنا؟ قال: “في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك،  حتى إذا استحمل -قال نصر :استحمل للحجيج- ذبحته فتصدقت بلحمه،  قال خالد: -أحسبُه قال: على ابن السبيل- فإن ذلك خير”. قال خالد: قلت لأبي قلابة كم السائمة؟ قال مائة.

  • التخريج:

الحديث أخرجه أبو داود في سننه في كتاب: الضحايا، باب: العتيرة([1])واللفظ له ، وأحمد في مسنده([2])، وابن ما جه في سننه، كتاب: الذبائح، باب: الفرعة والعتيرة([3])،

والنسائي في سننه في كتاب: الفرع والعتيرة، باب: تفسير العتيرة([4])، كلهم من طرق عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه إلا أن ابن ماجه قال: عن خالد الحذاء، عن أبي المليح عن نبيشة.

 وصحح  الحاكم إسناده في المستدرك، قال: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه”([5]) .

  • شرح الحديث:

قولهّ: (إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب)؛ قال الترمذي في سننه، كتاب: الأضاحي، باب: ما جاء في العتيرة: “(والعتيرة): ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب، يعظمون شهر رجب؛ لأنه أول شهر من أشهر الحرم، وأشهر الحرم: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، كذلك روي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في أشهر الحج”([6]).

وقال ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث والأثر: “كان الرجل من العرب ينذر النذر ، يقول : إذا كان كذا وكذا، أو بلغ شاؤه كذا، فعليه أن يذبح من كل عشرة منها في رجب كذا، وكانوا يسمونها العتائر . وقد عتر يعتر عترا: إذا ذبح العتيرة، وهكذا كان في صدر الإسلام وأوله، ثم نسخ، وقد تكرر ذكرها في الحديث . قال الخطابي : العتيرة تفسيرها في الحديث أنها شاة تذبح في رجب، وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث ويليق بحكم الدين، وأما العتيرة التي كانت تعترها الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام، فيصب دمها على رأسها “([7]).

وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود: “(وعتيرة): بفتح العين المهملة، وكسر الفوقية، وسكون التحتية بعدها راء، وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب، ويسمونها: الرجبية.  قال النووي: اتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا،  كذا في “النيل”،  وفي “المرقاة “: وهي شاة تذبح في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية والمسلمون في صدر الإسلام”([8]).

قوله: (اذبحوا لله)؛ قال في عون المعبود: (قال: اذبحوا لله)،قال البيهقي في سننه اذبحوا الله؛ أي: اذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح في رجب وغيره سواء،  وقيل: كان الفرع والعتيرة في الجاهلية ويفعل المسلمون في أول الإسلام ثم نسخ،  وقيل: المشهور أنه لا كراهة فيهما ، والمراد بلا فرع ولا عتيرة نفي وجوبهما، أو نفي التقرب بالإراقة كالأضحية،  وأما التقرب باللحم وتفريقه على المساكين فبر وصدقة، كذا في فتح الودود”([9]).

قوله: (وبروا لله عز وجل) قال في عون المعبود: “( وبروا لله ) أي: أطيعوه”([10]).

قوله: (نفرع فرعا في الجاهلية)؛ قال في عون المعبود: ” ( نفرع ) من أفرع؛ أي: نذبح ( فرعا ) بفتحتين،  قال الخطابي: هو أول ما تلد الناقة، وكانوا يذبحون ذلك لآلهتهم في الجاهلية، ثم نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك”([11]).

قوله: (تغذوه ماشيتك)؛ قال في عون المعبود: ” ( تغذوه ماشيتك ) أي: تلده، والغذى كغنى، قاله في إنجاح الحاجة، وقال السندي: تغذوه، أي: تعلفه، وقوله: (ماشيتك): فاعل تغذوه،  ويحتمل أن يكون (تغذوه) للخطاب، و(ماشيتك) منصوب بتقدير مثل ماشيتك، أو مع ماشيتك”([12]).

قوله: (حتى إذا استحمل)؛ قال في عون المعبود: ” (إذا استحمل): بالحاء المهملة؛ أي: قوى على الحمل، وصار بحيث يحمل عليه، قاله الخطابي، وبالجيم أي: صار جملا قاله السيوطي”([13]).

قوله: (قال نصر: استحمل للحجيج)؛ قال في عون المعبود: ” ( قال نصر استحمل للحجيج ) أي: زاد لفظ للحجيج بعد استحمل، و(الحجيج): جمع حاج”([14]).

قوله: (أحسبه): قال في عون المعبود: “( أحسبه )؛ أي: أبا قلابة([15]).

قوله: (كم السائمة): قال في عون المعبود: “(كم السائمة ) أي: التي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بذبح فرع  منها”([16]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال، ومن خلال ما تقدم في الموضوع خلصت إلى:

  1. أن حديث “إنا كنا نعتر عتيرة…” الذي رواه الصحابي نبيشة الهذلي رضي الله عنه، حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وغيرهم.
  2. أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله الصحابي نبيشة رضي الله عنه عن فعل العتيرة، وهو: ذبح الأضاحي في شهر رجب، لم يسن له صلى الله عليه وسلم تخصيص شهر رجب بهذه الشعيرة المخصوصة؛ وإنما أمر بالذبح للأضاحي في أي شهر كان رجب أو غيره، شريطة أن يكون الذبح لله تعالى، وأن يطعم المساكين من لحمها.
  3. أن العتيرة وهي: ذبيحة كانت تذبح في العشر الأول من رجب، وهي أمر كان معمولا به في الجاهلية، وشيئا من صدر الإسلام وأوله، وأن بعض العلماء كما تقدم قال بنسخ فعلها كابن الأثير، وهناك من حكي: أن المشهور فيها أن لا كراهة فيها كما في عون المعبود .
  4. أن شهر رجب من أشهر الله الحرم لا يخص بعبادة معينة بزمان، أو مكان لم يرد فيها نص صحيح؛ وإنما يتقرب فيه إلى الله تعالى بالطاعات مثل باقي الشهور والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين.

*******************

هوامش المقال:

([1])  سنن أبي داود (ص: 502)، برقم: (2830).

([2])  مسند أحمد (34/ 328-329)، برقم: (20729).

([3])  سنن ابن ماجه (ص: 536)، برقم: (3167).

([4])  سنن النسائي (ص: 652)، برقم: (4230) و: (ص: 653) برقم: (4232).

([5])  المستدرك على الصحيحين (4/ 263).

([6])  سنن الترمذي (ص: 358) برقم: (1512).

([7])  النهاية في غريب الحديث والأثر (3 /178).

([8])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4 /261).

([9])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/ 289-290).

([10])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4 /290).

([11])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4 /290).

([12])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/ 290).

([13])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4 /290).

([14])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/ 290).

([15])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/ 290).

([16])  عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/ 290).

*****************

لائحة المصادر والمراجع:

السنن. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، (د.ت).

السنن؛ لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف الرياض، ط2/ 1428هـ- 2007مـ.

السنن؛ لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الدين الأباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف الرياض، ط1/ 1419هـ- 1998مـ.

السنن؛ لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه، حكم على أحاديثه وآثاره، وعلق عليه: محمد ناصر لدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، ط2/ 1429هـ- 2008مـ.

عون المعبود شرح سنن أبي داود؛ لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي الهندي، حكم على أحاديثه، محمد ناصر الدين الألباني، قرأه واعتنى به وعلق عليه وخرج أحاديثه: أبو عبيدة  مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، ط1/ 1430هـ – 2009مـ.

المستدرك على الصحيحين، لمحمد بن عبد الله الحاكم، تحقيق: مصطفى بن عبد القادر عطاء، دار الكتب الحديث،ط1/ 1422هـ- 2002مـ

المسند. لأحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عادل مرشد، هيثم عبد الغفور، مؤسسة الرسالة ط1/ 1420هـ- 1999مـ.

النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، (د.ت).

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق