مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

شرح حديث: “أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياما”

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، المتفرد بكمال الصفات، خالق الأرض والسماوات، الحائز على أفضل الكمالات، فلا معبود بحق سواه، ولا رب لنا إلا إياه، تقدست أسماؤه، وجلت آلاؤه، والصلاة والسلام على سيد السادات، الذي أشرقت ببعثته الأرض والسماوات، نبي الرحمات، والهادي إلى طريق المكرمات، وعلى آله وصحبه الأطهار، وأتباعه الأنصار، ما دام الليل والنهار.

أما بعد؛

 فلا شك أن دخول عيد الفطر السعيد مرهون برؤية هلال شهر شوال؛ حيث برؤيته ينتهي فرض الصيام؛ لكن قد يحدث حادث، ويطرأ طارئ يمنع رؤية هلال شوال كالغيم في السماء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم الهلال  فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا؛ فإن غمَّ عليكم، فصوموا ثلاثين يوما “([1]).

لكن قد يزول هذا الإشكال –غم عليكم-؛ وذلك حين تتم رؤية الهلال في أماكن أخرى لا غيم فيها، وذلك من خلال إخبار العدول الأمناء من المسلمين؛ فيكون ذلك موجبا للفطر وأداء صلاة عيد الفطر؛ حيث جاء في ذلك حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي عمير بن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أغمي علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأو الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد “([2]).

ولأهمية موضوع هذا الحديث الشريف؛ أفردته بهذا المقال؛ حيث سأتناول فيه: تخريج الحديث من مظانه، والحكم عليه من خلال أقوال العلماء، وشرح معاني ألفاظه من خلال شروح كتب الحديث، ثم خلاصة الموضوع.

تخريج الحديث:

أخرجه أحمد في المسند([3])، وابن ماجه في سننه في كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال([4])، وأبو داود في سننه في كتاب: الصلاة، باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه([5])،  والنسائي في سننه، في كتاب: صلاة العيدين، باب: الخروج إلى العيدين من الغد([6])، وابن حبان في صحيحه([7])، والبيهقي في سننه، في كتاب: صلاة العيدين، باب: الشهود يشهدون على رؤية الهلال آخر النهار أفطروا ثم خرجوا إلى عيدهم من الغد([8]) كلهم من طرق عن أبي عمير بن أنس بن مالك رضي الله عنه واللفظ لابن ماجه.

الحكم على الحديث

صحح الحديث الإمام الخطابي في معالم السنن وقال: “وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب”([9])، وصحح إسناده البيهقي في سننه([10])، وصححه النووي في خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، وقال: “صحيح؛ رواه أبو داود والنسائي وآخرون بأسانيد صحيحة”([11]).

شرح معاني الحديث:

قوله: “أبي عمير بن أنس بن مالك” قال العيني: “أبو عمير: هو عبد الله بن أنس بن مالك رضي الله عنه”([12])، وقال العظيم آبادي: “معدود في صغار التابعين عمِّر بعد أبيه زمانا طويلا”([13]).

قوله: “حدثني عمومتي” قال العيني: “العمومة؛ جمع: عم، كالخؤولة جمع: خال “([14])، قال النووي: “وعمومة أبي عمير صحابة، لا تضر جهالة أعيانهم؛ لأن الصحابة كلهم عدول”([15]).

قوله: “أغمي علينا هلال شوال” قال ابن الأثير الجزري: “أغمي علينا الهلال، وغمي فهو مُغْمًى، ومغمًّى، إذا حال دون رؤيته غيم، أو قترة، كما يقال: : غم علينا … وأصل التغمية : الستر والتغطية”([16]).

وقال النووي: “( فإن غم عليكم ) فمعناه حال بينكم وبينه غيم، يقال: غم، وأغمي وغمى وغمي بتشديد الميم وتخفيفها، والغين مضمومة فيهما، ويقال: غبي بفتح الغين، وكسر الباء، وكلها صحيحة، وقد غامت السماء، وغيمت، وأغامت، وتغيمت، وأغمت “([17]).

قوله: “ركب”: قال العيني: “والركب: جمع راكب، والمراد منه: الجماعة، ويقال: الركب اسم من أسماء الجمع؛ كالنفر والرهط”([18]).

وقال السندي: “ولا دلالة في الحديث على عددهم”([19]).

قوله: “فشهدوا”: قال العظيم آبادي: “أي: يؤذون الشهادة أنهم رأو الهلال بالأمس”([20]).

قوله: “فأمرهم” قال العظيم آبادي: “أي: الناس”([21]).

قوله: “أن يفطروا”: قال العظيم آبادي: “أي: ذلك اليوم”([22]).

قوله: “وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد”: قال العظيم آبادي: “أي يذهبوا في الغدوة جميعا  إلى مصلاهم  لصلاة العيد؛ يعني: لم يروا الهلال في المدينة ليلة الثلاثين من رمضان، فصاموا ذلك اليوم، فجاءت قافلة في أثناء ذلك اليوم، وشهدوا أنهم رأوا الهلال ليلة الثلاثين، فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالإفطار، وبأداء صلاة العيد في اليوم الحادي والثلاثين قاله علي القاري”([23]).

قال العيني: “ويستفاد من الحديث فائدتان:

الأولى: إذا شهد جماعة برؤية الهلال بالأمس وجب الإفطار.

الثانية: يصلون صلاة العيد من الغد”([24]).

قال ابن رشد: “واتفقوا على أن وقتها –أي: صلاة العيد- من شروق الشمس إلى الزوال، واختلفوا فيمن لم يأتهم علم بأنه العيد إلا بعد الزوال، فقالت طائفة: ليس عليهم أن يصلوا يومهم ولا من الغد، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور، وقال آخرون: يخرجون إلى الصلاة في غداة ثاني العيد، وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. قال أبو بكر بن المنذر: وبه نقول لحديث رويناه عن النبي عليه الصلاة والسلام: “أنه أمرهم أن يفطروا، فإذا أصبحوا أن يعودوا إلى مصلاهم” قال القاضي: خرجه أبو داود، إلا أنه عن صحابي مجهول؛ ولكن الأصل فيهم رضي الله عنهم حملهم على العدالة”([25]).

الخاتمة:

وفي تمام هذا المقال استخلصت منه الآتي:

1-أن دخول عيد الفطر مرهون برؤية هلال شهر شوال.

2-من أسباب تعذر رؤية الهلال: الغيم في السماء.

3-إخبار العدول الأمناء برؤية الهلال موجب للفطر وأداء صلاة عيد الفطر.

4-حديث: “أغمي علينا هلال شوال …” حكم عليه العلماء بالصحة.

5-راوي الحديث: أبو عمير عبد الله بن أنس بن مالك معدود في صغار التابعين، عمَّر بعد أبيه أنس بن مالك رضي الله عنه طويلا.

6-قول راوي الحديث: “حدثني عمومتي” وجهه العلماء كالنووي: أن الجهالة بأعيان الصحابة لا تضر لأنهم عدول.

7-“أغمي علينا هلال شوال” معناه: حال دون رؤيته غيم.

8-رؤية هلال شوال مقرون بالشهادة على ذلكـ، والاستيثاق منه .

9-إذا شهد جماعة أمناء برؤية هلال شوال بالأمس وجب المصير إليه والإفطار .

10-ووجب عليهم أيضا القيام بأداء صلاة العيد من الغد.

11-اتفق العلماء حسبما ذكره ابن رشد أن وقت صلاة العيد من شروق الشمس إلى الزوال.

12-واختلفوا فيمن لم يبلغهم العلم بأنه العيد إلا بعد الزوال إلى طائفتين، الأولى: قالت: أنه ليس عليهم أن يصلوا يومهم، ولا من الغد أيضا، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأبي ثور، والثانية: أن عليهم أن يخرجوا إلى صلاة العيد في غداة اليوم الثاني من العيد، ويصلونها، وهو مذهب الأوزاعي، وأحمد ، وإسحاق، وبه قال: ابن المنذر؛ وذلك استنادا إلى حديث الباب المشروح في هذا المقال.

والحمد لله الذي بنعمته  تتم الصالحين.

*******************

هوامش المقال 

([1]) أخرجه مسلم في صحيحه (ص: 483)، في كتاب: الصيام، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم: (1081) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([2]) سيأتي تخريجه لاحقا.

([3]) المسند (34/ 186)برقم: (20579)، و (34 /191) برقم: (20584).

([4]) سنن ابن ماجه (ص: 290) برقم: (1653).

([5]) سنن أبي داود (ص: 198) برقم: (1157).

([6]) سنن النسائي (ص: 257) برقم: (1557).

([7]) صحيح ابن حبان (8 /237) برقم: (3456).

([8]) سنن البيهقي (3 /442) برقم: (6283).

([9])معالم السنن (1 /252).

([10]) سنن البيهقي (3 /442).

([11]) خلاصة الأحكام (2 /838).

([12]) شرح سنن أبي داود (4 /508).

([13]) عون المعبود شرح سنن أبي داود (2 /327).

([14]) شرح سنن أبي داود (4/ 506).

([15]) خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام (ص: 839).

([16]) النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 389) مادة “غما”.

([17]) شرح النووي صحيح مسلم (4/ 207).

([18]) شرح سنن أبي داود (4/ 508).

([19]) حاشية السندي على ابن ماجه (2/ 303).

([20]) عون المعبود (2/ 327).

([21]) عون المعبود (2 /327).

([22]) عون المعبود (2 /327).

([23]) عون المعبود (2 /327).

([24]) شرح سنن أبي داود (4/ 508).

([25]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1 /417).

*********************

لائحة المصادر والمراجع:

حاشية السندي على سنن ابن ماجه. لأبي الحسن الحنفي السندي، تحقيق: خليل مأمون  شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط1/ 1412هـ- 1991مـ.

خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: حسين إسماعيل الجمل، مؤسسة الرسالة (د.ت).

السنن لابن ماجه محمد بن يزيد القزويني، حكم على أحاديثه: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1 (د.ت).

السنن. لأحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمد بن عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية بيروت، ط1/ 1424هـ- 2003مـ.

السنن؛ لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف الرياض، ط1 (د.ت) .

السنن؛ لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الدين الأباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف الرياض، ط1(د.ت).

شرح سنن أبي داود، لمحمود بن أحمد بن بدر الدين العيني، تحقيق: خالد بن إبراهيم المصري، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/ 1420هـ- 1999مـ

صحيح ابن حبان: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لعلاء الدين ابن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط1/ 1412هـ- 1991مـ

صحيح مسلم بشرح النووي . لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة ط1/ 1415هـ -1994مـ.

صحيح مسلم. لمسلم بن الحجاج النيسابوري. تحقيق: نظر محمد الفاريابي، دار طيبة، الرياض، ط1/ 1427هـ- 2006مـ.

عون المعبود شرح سنن أبي داود؛ لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي الهندي، حكم على أحاديثه، محمد ناصر الدين الألباني، قرأه واعتنى به وعلق عليه وخرج أحاديثه: أبو عبيدة  مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، ط1/ 1430هـ – 2009مـ.

المسند لأحمد بن حنبل الشيباني (ج34)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، ط1/ 1420هـ- 1999مـ.

معالم السنن للخطابي، تحقيق: محمد راغب الطباخ، المطبعة العلمية، حلب (د. ت)

النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، المكتبة الإسلامية، (د.ت).

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق