مركز الدراسات القرآنيةشذور

شذرات من التفسير (2): أرجى آية في القرآن الكريم

في سياق التفاعل مع مستجدات واقعنا المعاصر وما تعرفه البشرية جمعاء والأمة الإسلامية قاطبة، من تفشي وباء «كوفيد 19»، الذي أدخل القلق في كثير من النفوس، فإن القرآن خاطبنا بمجموعة من الآيات الدالة على رحمة الله بعباده، وعفوه وكرمه، وحسن الظن به، كما في قوله تعالى في محكم تنزيله: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» سورة الزمر، الآية: 53، وهي أرجى آية في القرآن الكريم التي عمّ الله بها جميع الناس إلى يوم القيامة كما في قول جمهور المفسرين.

وقد فسرّها الإمام محمد بن علي الشوكاني في تفسيره«فتح القدير» بقوله:

«واعلم أن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله سبحانه في لاشتمالها على أعظم بشارة، فإنه أولا أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم، ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي، والاستكثار من الذنوب، ثم عقب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى..

ثم جاء بما لا يبقي بعده شك ولا يتخالج القلب عند سماعه ظن، فقال: «إن الله يغفر الذنوب» فالألف واللام قد صيّرت الجمع الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده، فهو في قوة: إن الله يغفر كل ذنب كائنا ما كان، إلا ما أخرجه النص القرآني وهو الشرك «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء»، ثم لم يكتف بما أخبر عباده من مغفرة كل ذنب، بل أكد ذلك بقوله: «جميعا»فيا لها من بشارة ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسنين ظنهم بربهم الصادقين في رجائه، الخالعين لثياب القنوط الرافضين لسوء الظن بمن لا يتعاظمه ذنب، ولا يبخل بمغفرته ورحمته على عباده المتوجهين إليه في طلب العفو الملتجئين به في مغفرة ذنوبهم وما أحسن ما علل سبحانه به هذا الكلام قائلا «إنه هو الغفور الرحيم» أي: كثير المغفرة والرحمة عظيمهما بليغهما واسعهما، فمنأبى هذا التفضل العظيم والعطاء الجسيم وظن أن تقنيط عباد الله وتأييسهم من رحمته أولى بهم مما بشرهم الله به فقد ركب أعظم الشطط وغلط أقبح الغلط، فإن التبشير وعدم التقنيط الذي جاءت به مواعيد الله في كتابه العزيز، والمسلك الذي سلكه رسوله صلى الله عليه وسلم كما صح عنه من قوله: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا».

فتح القدير للإمام الشوكاني، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب – دمشق، بيروت، ط.1، 1414هـ: 4/538ـ539.

د. محمد لحمادي

باحث بمركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق