الدكتور مصطفى مختار
باحث بمركز علم وعمران
اتفق كثير من الرواة على صلة سيدي أحمد بن عمر العروسي بجبل الأعلام أو جبل العلم، بمنطقة بني عروس الجبلية. واختلفوا حول نوع هذه الصلة. أهي صلة بمجال نشأة أم صلة ارتباط بأصول أم صلة بنزول سفر وسياحة ؟.
جبل العلم مجال نشأة سيدي أحمد العروسي:
دافع محمد الجيلاني عن نشأة سيدي أحمد العروسي بجبل العلم موطن أجداده العروسيين العلميين[1]، شمال المغرب. وهناك درس القرآن على مقرئ بأحد الكتاتيب[2]. وحين وصل في قراءته إلى قوله تعالى "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"[3]، قال لمعلمه: "والأمر هكذا. قال: نعم، قال ففيم القراءة فترك القراءة من ذلك اليوم واشتغل بالعبادة"[4].
ونبه أحمد الوارث إلى مزالق القراءة الحرفية لهذه الرواية التي يمكن أن يفهم منها "أن سيدي أحمد العروسي نبذ علوم الظاهر[5]، واهتم بالعبادة والتصوف". إذ الرواية هنا "حمالة رموز لها علاقة بنوع التصوف الذي تبناه هذا الرجل"[6].
جبل العلم موطن أصول سيدي أحمد العروسي:
ذهب باحث إلى أن أصل سيدي عمر العروسي والد المترجم من جبل العلم، فهاجر منه إلى بلاد تونس ليتابع دراسته في جامع الزيتون عام 980 هـ[7].
جبل العلم مجال نزول سيدي أحمد العروسي:
نزل سيدي أحمد العروسي ببلاد بني عروس[8]، "مسقط رأس أبيه [...]واستقر هناك في مقام أبيه عند أبناء عمومته"[9]. ولعل منها استمد اسمه. ويبدو أنه التقى بسيدي رحال الكوش البدلي هناك[10]. وأخذ عن شيوخ آل ريسون، بضواحيها[11]. ولعل أحدهم سيدي محمد بن علي الريسوني[12].
ويمكن أن نتساءل هنا: ما جدوى الحديث عن صلة سيدي أحمد العروسي بجبل العلم؟. وما الفائدة التي سيجنيها الإنسان المغربي المعاصر من التطرق إلى ذلك؟.
يمكن لدراسة الصلة المذكورة أن تسهم في نقاش وطني بتأكيد نقطتين أساسيتين. أولاهما: تأكيد الصلة نفسها لأهمية مفهوم الشرف في تدبير المجال الصحراوي. وثانيتهما: تأكيد الصلة التاريخية والثقافية الرابطة بين شمال المغرب وصحراءه.
أهمية مفهوم الشرف في تدبير المجال الصحراوي المغربي:
يقصد الرواة خلال حديثهم عن صلة سيدي أحمد العروسي بجبل العلم تأكيدَ انتسابه إلى البيت الإدريسي الحسني الشريف[13]، بوصف منطقة الجبل المذكور مجالَ تواجد الشرفاء العلميين الذين من بينهم الرقيبات، أبناء عم العروسيين[14].
وتبعا لذلك، تعيد هذه الصلة إنتاجَ سيرة ابن عمه الأول، سيدي أحمد الركَيبي الجد المنتقل من جبل العلم إلى بلاد الواحات[15]، وتجعل المترجمَ يلتقي بابن عمه الثاني، سيدي أحمد الركَيبي الحفيد بالساقية الحمراء[16]. فيفترق الشرف العلمي في أرض الشرفاء الأدارسة (جبل العلم) ليجتمع في الساقية الحمراء، بوصفها مجالا مقدسا. ويسهم العلميون إلى جانب غيرهم في تدبير المجال الصحراوي المغربي.
صلة شمال المغرب بصحرائه:
حين تم الربط ثقافيا ورمزيا بين جبل العلم وبلاد الساقية الحمراء نتجت عنه صلة كبرى بين شمال المغرب وصحرائه مرورا بوسطه. وتبعا لذلك، لا يمكن الحديث عن مجال صحراوي مغربي منفصل عن عموم التراب الوطني.
والله الموفق للصواب والمعين عليه.
الإحالات:
[1] هجرة الشيخ سيدي أحمد العروسي من مراكش إلى الساقية الحمراء، محمد الجيلاني، في: تاريخ الشرفاء العروسيين، مطبعة بني ازناسن، 2004 م، ص72.
[2] مادة العروسي، أحمد، في: معلمة المغرب، ج18، ص6045، بتصرف.
[3] سورة الزلزلة، الآيتان 8- 9.
[4] العروسيون: من الجد الجامع إلى المجموعة الاجتماعية، محمد دحمان، في: تاريخ الشرفاء العروسيين، ص26.
[5] الساقية الحمراء: "صلحاء وزوايا"، مولود سنادي، في: الصحراء، الإنسان والمجال، تطوان، مطبعة الحمامة، 2017 م، ص167.
[6] سيدي أحمد العروسي الشريف المتصوف، أحمد الوارث، في: تاريخ الشرفاء العروسيين، ص13- 14.
[7] الشرفاء الرقيبات بالصحراء المغربية، ج2، عبد العزيز منير، الدار البيضاء، دار قرطبة للطباعة والنشر، د. ت، ص126.
[8] نفسه؛ وهجرة الشيخ سيدي أحمد العروسي من مراكش إلى الساقية الحمراء، ص70.
[9] الشرفاء الرقيبات بالصحراء المغربية، ج2، ص126.
[10] هجرة الشيخ سيدي أحمد العروسي من مراكش إلى الساقية الحمراء، ص70.
[11] الحركة الصوفية بالساقية الحمراء، لعروسي داهي، في: ثقافة الصحراء مدارات الهوية والمعنى، الرباط، مطبعة دار المناهل، 2013، ص123، بتصرف.
[12] مادة العروسي، أحمد، في: معلمة المغرب، ج18، ص6045- 6046.
[13] أعلام من الصحراء المغربية، محمد الجيلاني لعبدَّ، الداخلة، مطبعة BENSS، د. ت، ص23، وص25، وص28.
[14] الشرفاء الرقيبات بالصحراء المغربية، ج2، ص48، وص127؛ وأعلام من الصحراء المغربية، ص25، وص26- 27.
[15] نفسه، ص8؛ والزاوية الرقيبية، أحمد الوارث، في: المكونات الثقافية للصحراء المغربية، الرباط، مطبعة المعارف الجديدة، 2001 م، ص108، وص116.
[16] أولياء وصلحاء الصحراء، إدريس نقوري، مطبعة DIMAGRAF، 2018 م، ص204، التعليق رقم 13، وص315؛ والولي الصالح سيدي أحمد العروسي في آثار الدارسين، المؤلف نفسه، في: تاريخ الشرفاء العروسيين، ص64؛ وLes Rgaybat, tome 1, Sophie Caratini, Paris, L’Harmattan, 1989, p. 44 et p. 46.