مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

سماع الحسن البصري من بعض الصحابة بين النفي والإثبات “سمرة بن جندب وعمران بن الحصين أنموذجا”

بسم الله الرحمن الرحيم

   إن الحديث المتصل هو:  “الحديث الذي اتصل إسناده؛ ومعناه: أن كل واحد من رواته، سمعه ممن يليه فوقه، حتى تنتهي الرواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى الصحابي رضي الله عنهم موقوفا عليهم”([1])، أما أقوال التابعين كما قال العراقي إذا اتصلت أسانيدهم  إليهم فلا يسمونها متصلة في حالة الإطلاق، أما مع التقييد    فجائز “([2]).

ومن المسائل التي اختلف فيها المحدثون؛ مسألة سماع الحسن البصري من بعض الصحابة، وقد انتقيت في هذا المقال نموذجين اثنين ؛ وهما الصحابيان الجليلان : سمرة بن جندب، وعمران بن حصين رضي الله عنهما، فمنهم من أثبت سماع الحسن البصري منهما ، ومنهم من نفاه ، فأردت التذكير بأقوال بعض هؤلاء العلماء  في هذه المسألة، وقبل ذلك لابد من الإشارة اللطيفة إلى ترجمة الحسن البصري ترجمة وجيزة، وهذا أوان الشروع في الموضوع فأقول وبالله التوفيق والسداد:

أولا: ترجمة وجيزة للحسن البصري([3]):

       هو:  أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار، مولى بن زيد ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وكانت أمه -خيرة- مولاة لأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.

ولد بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله سنة 21هـ،  ونشأ ببوادي القرى. رأى عددا من الصحابة كالصحابي الجليل عثمان بن عفان  وطلحة وغيرهما، وأرسل عن عدد منهم، ذكره ابن حجر في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين([4])؛ وهي الطبقة التي احتمل الأئمة تدليسهم وأخرجوا لهم في الصحيح لإمامتهم وقلة تدليسهم

اشتهر الحسن البصري بالعلم، والحكمة، والفقه، والحديث، والتفسير ، والزهد والورع ؛ لهذا لم يكن غريبا أن نجد عبارات العلماء في الثناء عليه كثير، حيث وصفوه بجميل العبارات والأوصاف من ذلك:

قال معتمر  بن سليمان: “كان أبي يقول: الحسن شيخ أهل البصرة”

وقال أبو قتادة العدوي: “الزموا هذا الشيخ، فما رأيت أحدا أشبه رأيا بعمر بن الخطاب منه”

وقال قتادة: “ما رأينا أحدا  أكمل مرؤة من الحسن” .

وقال أيوب السختياني: “لو رأيت الحسن لقلت: إنك لم تجالس فقيها قط “([5]).

مات -رحمه الله- بلا خلاف سنة 110هـ.

ثانيا: سماع الحسن البصري من بعض الصحابة

اختلفت أقوال أئمة أهل العلم في سماع الحسن البصري عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، ومن بين هؤلاء:  سمرة بن جندب، و عمران بن حصين رضي الله عنهما، وهذه بعض أقوال العلماء في هذه المسألة:  

1: قبس من كلام أهل العلم  في سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب رضي الله عنه:

قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن: “اختلف أهل الحديث في سماع الحسن من سمرة على ثلاثة أقوال: أحدهما: صحة سماعه منه مطلقا وهذا قول يحيى بن سعيد وعلي بن المديني وغيرهما، والثاني: أنه لا يصح سماعه منه، وإنما روايته عنه من كتاب،  والثالث: صحة سماعه منه لحديث العقيقة وحده”([6]).

وها هو نص كلامهم:

القول الأول: صحة سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب رضي الله عنه؛  ومن أصحاب هذا القول: علي المديني، و أبو داود، وغيرهما.  

قال علي بن المديني (233هـ): “والحسن قد سمع من سمرة؛ لأنه كان في عهد عثمان ابن أربع عشرة وأشهر ، ومات سمرة في عهد زياد “([7]).

وقال أبو داود (ت: 275هـ) عقب حديث سليمان بن سمرة ،عن أبيه، في الصلاة دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة([8]).

القول الثاني: نفي سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب رضي الله عنه؛ ومن أصحاب هذا القول:  يحيى القطان، والبيهقي، وغيرهما

قال يحيى بن سعيد القطان (ت: 198هـ): “أحاديثه عن سمرة، سمعنا أنها من كتاب”([9]).

وقال البيهقي (458هـ): ” أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: سمعت العباس بن محمد يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: قال      أبو النضر هاشم بن القاسم ،عن شعبة، لم يسمع الحسن من سمرة” ([10])

القول الثالث : سمع منه حديثا واحدا وهو حديث العقيقة: وأصحاب هذا  القول منهم: البزار ، والدار قطني والذهبي وغيرهما.

قال البزار (ت: 292هـ) في مسنده كما ذكره عنه الزيلعي: ” والحسن سمع من سمرة حديث العقيقة، ثم رغب عن السماع عنه، ولما رجع إلى ولده أخرجوا له صحيفة سمعوها من أبيهم، فكان يرويها عنه من غير أن يخبر بسماع”([11]).

وقال الدار قطني في السنن: “الحسن مختلف في سماعه من سمرة، وقد سمع منه حديثا واحدا وهو حديث العقيقة فيما زعم قريش بن أنس، عن حبيب بن               الشهيد” ([12]).

وقال الذهبي: “اختلف النقاد في الاحتجاج بنسخة الحسن، عن سمرة،  وهي نحو من خمسين حديثا، فقد ثبت سماعه من سمرة فذكر أنه سمع منه حديث العقيقة” ([13]).

2– قبس من كلام أهل العلم في سماع الحسن البصري من عمران بن حصين رضي الله عنه:

اختلف كلام أهل العلم في سماع الحسن البصري من الصحابي الجليل عمران بن حصين إلى قولين:

القول الأول: إثبات سماع الحسن البصري من عمران بن حصين:

وهذا هو قول البزار، وابن حبان، والحاكم النيسابوري، والنووي، وغيرهم

قال البزار  (ت: 292هـ) في مسنده في آخر ترجمة سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة كما ذكر عنه الزيلعي في نصب الراية قال: سمع الحسن البصري من جماعة من الصحابة، وروى عن جماعة آخرين لم يدركهم، وكان صادقا متأولا في ذلك … وذكر منهم عمران بن حصين: “([14]).

وقال ابن حبان (354هـ): “والحسن رحمه الله لم يشافه بن عمر ،ولا أبا هريرة ،ولا سمرة بن جندب، ولا جابر بن عبد الله، وقد سمع من معقل بن يسار ،وعمران بن حصين “([15]).

وقال الحاكم النيسابوري (ت 405هـ): “فإن أكثر أئمتنا من المتقدمين على أن الحسن قد سمع من عمران بن حصين”([16]).

وقال النووي (676هـ): “وسمع –أي الحسن-من عمران بن حصين”([17]).

القول الثاني: نفي سماع الحسن البصري من عمران بن حصين:   

وهو قول علي بن المديني، وأبو حاتم الرازي، والبيهقي، وابن القطان ، وغيرهم.

قال علي بن المديني (ت: 233هـ): “لم يسمع من عمران بن حصين شيئا، وليس بصحيح لم يصح عن الحسن عن عمران سماع من وجه صحيح ثابت” ([18]) .

وقال أبو حاتم الرازي (ت: 327هـ): “الحسن لم يسمع من عمران بن حصين” ([19]) ، وقال أيضا: “الحسن لم يسمع من عمران بن حصين وليس يصح ذلك من وجه يثبت” ([20]).

وقال البيهقي (ت: 458هـ): “لا يصح عن الحسن عن عمران سماع من وجه صحيح يثبت            مثله “([21]).

وقال ابن القطان (628هـ): “فإن الحسن لم يصح سماعه من عمران ، ولم يثبت ما روي من قوله : أخذ عمران بيدي”([22]).

الخاتمة:

من خلال ما تقدم يمكن أن نخلص إلى الآتي:

بذل أهل الحديث جهودهم في استقصاء وتتبع مسألة  الاتصال والانقطاع التي لها الأثر في تغيير الحكم على الإسناد صحة وضعفا.

رغم تلك الجهود المبذولة فقد وقع بيهم خلاف في بعض الرواة , حيث نفى البعض سماعهم من بعض الشيوخ , بينما أثبته آخرون.

من المسائل التي اختلفوا فيها مسألة سماع الحسن البصري من بعض الصحابة، وقد انتقيت نموذجين وهما سمرة بن جندب وعمران بن حصين رضي الله عنهما.

اشتهر الحسن البصري بالعلم، والحكمة، والفقه، والحديث، والتفسير ، والزهد والورع ؛ لهذا لم يكن غريبا أن نجد عبارات العلماء في الثناء عليه كثير

ذكره ابن حجر في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين؛ وهي الطبقة التي احتمل الأئمة تدليسهم وأخرجوا لهم في الصحيح لإمامتهم وقلة تدليسهم.

اختلف أهل الحديث في سماع الحسن من سمرة على ثلاثة أقوال وهما: القول الأول صحة سماعه منه مطلقا والثاني: أنه لا يصح سماعه منه، وإنما روايته عنه من كتاب،  والثالث: صحة سماعه منه لحديث العقيقة وحده.

اختلف أهل الحديث في سماع الحسن من عمران بن حصين إلى قولين:  القول الأول: إثبات سماعه منه رضي الله عنه ، والقول الثاني: نفي سماعه منه رضي الله عنه.

*********************

هوامش المقال:

([1]) شرف الطالب في أسنى المطالب (ص: 164).

([2]) التبصرة والتذكرة (1/ 121).

([3]) آثرت الاختصار في ترجمته لشهرته ومن المصادر التي رجعت إليها : طبقات خليفة بن خياط (ص: 210)،  سير أعلام النبلاء (4 /563-588)، تحفة التحصيل (ص: 67-76)، التهذيب (2 /263-270)، التقريب (ص: 237)، تعريف أهل التقديس (ص: 56). وقد ألفت تآليف مستقلة في ترجمته وزهده وآدابه، ومن هذه التآليف: كتاب ابن الجوزي الموسوم بـ: آداب الحسن البصري وزهده وآدابه. 

([4]) تعريف أهل التقديس (ص: 56).

([5]) سير أعلام النبلاء (4 /585).

([6]) تهذيب السنن لابن القيم (4 /1743-1744)

([7]) علل المديني (ص: 53).

([8]) سنن أبي داود (1 /418).

([9]) سير أعلام النبلاء (4/ 567).

([10]) سنن البيهقي الكبرى (8 /65).

([11]) انظر نصب الراية (1 /89).

([12]) سنن الدار قطني (1 /230).

([13]) سير أعلام النبلاء (4 /587).

([14]) انظر نصب الراية (1 /90).

([15]) المجروحين (2/ 153).

([16]) المستدرك على الصحيحين (2 /255).

([17]) تهذيب الأسماء واللغات (1 /161).

([18]) علل المديني (ص: 51).

([19]) المراسيل (ص: 39).

([20]) المراسيل (ص: 38).

([21]) السنن الكبرى (10 /121).

([22]) بيان الوهم  والإيهام(2/76).

********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه. لجمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي. تحقيق: د. أحمد عبد الوهاب الشرقاوي. دار الكتب العلمية بيروت 2015 مـ.

بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام. لأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان الفاسي. دراسة وتحقيق: د الحسين آيت سعيد. دار طيبة الرياض.  ط1/ 1417هـ- 1997مـ

تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل ، لولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبي زرعة العراقي. ضبط نصه وعلق عليه: عبد الله بن نوارة . مكتبة الرشد الرياض .ط 1 / 1419 هـ – 1999 مـ

تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس. لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني ، تحقيق د عبد الغفار سليمان البزاري – ذ محمد أحمد عبد العزيز ، دار الباز بيروت لبنان. ط 1 / 1405 هـ – 1984 مـ ،.

تقريب التهذيب. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. حققه وعلق عليه ووضحه وأضاف إليه: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني. تقديم: بكر بن عبد الله أبو زيد. دار العاصمة السعودية ط2 /1423هـ

تهذيب الأسماء واللغات. لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي . إدارة الطباعة المنيرية القاهرة. تصوير دار الكتب العلمية بيروت (د.ت).

تهذيب التهذيب. لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند ط 1 / 1325 هـ.

تهذيب السنن. لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن القيم الجوزية. حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: د إسماعيل بن غازي مرحبا. مكتبة المعارف الرياض. ط1 /1428هـ- 2007مـ

سنن أبي داود . لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي. إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاش وعادل السيد دار ابن حزم. بيروت ط1/ 1418هـ- 1997مـ.

سنن الدار قطني. لعلي بن عمر الدار قطني. علق عليه وخرج أحاديثه: علي بن منصور بن سيد الشورى.  دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2011مـ.

السنن الكبرى. لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت 2011مـ.

سير أعلام النبلاء.  لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. حقق هذا الجزء: مأمون الصاغرجي- أشرف على تحقيق الكتاب وتخريج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط. تحقيق: مجموعة من الباحثين. مؤسسة الرسالة بيروت.  ط2/ 1402هـ- 1982مـ.

شرح ألفية العراقي المسماة ب: التبصرة والتذكرة . لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي . دار الكتب العلمية بيروت 1993مـ

شرف الطالب في أسنى المطالب. لأبي العباس أحمد بن حسن الشهير  بابن الخطيب وابن قنفذ القسنطيني. تحقيق: عبد العزيز  صغير دخان. مكتبة الرشد. ط1/ 1424هـ- 2003مـ  

العلل. لعلي بن عبد الله بن جعفر السعدي المديني. تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي. المكتب الإسلامي ط2/ 1980مـ

كتاب الطبقات. لأبي عمرو خليفة بن خياط العصفري رواية أبي عمران موسى بن زكريا التستري. حققه وقدم له: أكرم ضياء العمري. مطبعة العاني بغداد. ط1/ 1387هـ- 1967مـ.

المجروحين من المحدثين. لمحمد بن حبان البستي . تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. دار الصميعي ط1/ 1420هـ- 2000مـ

المراسيل. لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي. عناية: شكر الله بن نعمة الله قوجاني. مؤسسة الرسالة بيروت. ط2/ 1418هـ- 1998مـ

المستدرك على الصحيحين. لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. ط2/ 1422هـ- 2002مـ

نصب الراية لأحاديث الهداية وبغية الألمعي في تخريج الزيلعي. لأبي محمد جمال الدين عبد الله  بن يوسف الزيلعي. تحقيق: محمد عوامة. دار القبلة للثقافة الإسلامية – مؤسسة الريان لبنان- المكتبة  المكية السعودية. (د.ت).

راجع المقال الباحث: يوسف أزهار 

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق