مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

دور الجزولي في ترسيخ روابط الوحدة

لا تخفى أهمية محمد بن سليمان الجزولي[1] السملالي (المتوفى حوالي سنة 870هـ) في التصوف المغربي الإسلامي، فهو مجدد الطريقة الشاذلية وباعثها، ومؤسس الطريقة الجزولية التي سيكون لها اشعاع في العالم الإسلامي عامة، وفي المغرب العربي خاصة.

ولا يهمنا الآن الحديث بتفصيل عن هذه الطريقة التي تناولها المؤلف في بعض رسائله[2]، ونكتفي بالإشارة إلى خطوطها العريضة.

تقوم الطريقة الجزولية على:

  • معرفة التوحيد، الإسلام، وقواعده، والإيمان وشعبه (الظاهرة) وجوب السلوك على يد الشيخ (من شرط التائب أن يقتدي بشيخ عالم بالظاهر والباطن[3] خلافا للشاذلية الذين لا يشترطونه.
  • المداومة على الذكر والصلاة على سيدنا محمد صلى عليه وسلم (الأحزاب ودلائل الخيرات) والاكثار من تلاوة القرآن، وهو ثابر على قراءته أثناء خلوته، وما أمر مريديه باتباعه.
  • ضرورة الخلوة بعد التوبة (دامت 14 سنة عند شيخه أبي عبد الله امغار بعين الفطر).
  • آداب المريد مع الشيخ: جعلها عشرين، خمسة في حال الجلوس لأن من تأدب مع شيخه، تأدب مع ربه[4].
  • آداب المريد وما يجب أن يتحلى به من صفات وخصال: محبة الخالق/قلة النوم/الصبر وعدم الشكوى/تجنب الحقد والغضب. الصدق/الزهد في المال والجاه/وعدم ترك ما يورث[5].
  • المقامات: مراحل ومحطات يسلكها الصوفي للوصول إلى مرحلة الفناء في الذات الالهية، وهي باختصار كالتالي:
  • التوبة عما بدر منه، والانتهاء عن الشر، والاقدام على فعل الخير، ومصاحبة الأخيار.
  • الزهد، لا تتم التوبة الا بدفع الدنيا من القلب، ولا تدفع الدنيا الا بالزهد الحقيقي، ولا يقوم الزهد ويرسخ في القلب الا بالصدق الوافي، ان طعام المريد لا يكون الا قوتا على قدر الحاجة، وكذا الملبس والسكن، ذلك لان القلب لا يجد شفاءه ولا دواءه في الاسراف في الطعام وبسط الجوارح، وغنما في الجوع[6].

ج) المجاهدة، والزهد بداية المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة، وبالمجاهدة تتم مخالفة النفس والهوى، واكتسابها للصفات المحمودة، وتلونها بها، صفة بعد صفة، وهو مقام المبتدئين[7].

د) المراقبة هي حفظ الروح من ارتكاب الاثم، ويسمي الجزولي هذا المقام مقام الحياء والامتنان، وهو مقام المتوسطين، وعنده أن المجاهدة والمراقبة مقامان مكتسبان للعبد لأنه يبلغهما بجهده لذا يتصفان بالثبوت والاستقرار [8].

هـ) المشاهدة، عبارة عن وجود الحق من غير ريبة ولا تهمة…وهي لأرباب التمكين، ويعتبرها الجزولي مقام المنتهين، وهي جذب ليس للعبد فيه اكتساب[9]، اما ما يسميه الصوفية “بالحال” أي هبة الهية يهبها الله لعبيده، تتخذ اشكالا بوسع السالك وحده احصاءها ووصفها.

ويمكن سر انتشار الطريقة الجزولية وتطورها إلى فروع متعددة في سنيتها وواقعيتها:

  • فهي لم تدخل في جدل فلاسفة التصوف، وإنما حافظت على كثير من أسباب التوازن بين الشريعة والحقيقة: ومن هنا تركيز الجزولي في مقالاته على تلقين المريد أحكام الشريعة، معرفة الخالق وتوحيده، والاسلام وأركانه وقواعده، والايمان بشعبه وتطوره إلى مرحلة الإحسان، وتأتي بعد ذلك المعارف الصوفية التي تصب اهتمامه فيها على المسائل الأساسية التي تعين المريد على طي المقامات للوصول إلى الهدف المنشود، فكان تركيزه على إبراز أشواطها: البداية، التمكين، النهاية، دون الدخول في التفاصيل والآراء المحدد لها، فضمن لنفسه المحافظة على وحدة الأمة بعدم الخروج على اجماعها (الاتجاه السني).
  • وتبدو الواقعية في الاهتمام بالجانب التطبيقي من التصوف أكثر من الاهتمام بالتنظير والمناقشة الفلسفية، لهذا ركز أقواله وأجوبته على جوانب التلقين والتربية، وتبلور هذا الاهتمام في كثرة الأحزاب والأذكار التي ألفها ليرددها المريدون في مختلف ساعات النهار، أيام الأسبوع، وتبدو الواقعية في مراعاة ظروف المخاطبين من مريدي عصره بتبسيط دروسه اليهم إلى أقصى الحدود.
  • ولعل اهم ما جاءت به الطريقة الجزولية حث صاحبها على الجهاد وربطه الجسور بين مجاهدة النفس والجهاد في سبيل الله، والواحد منهما مكمل للآخر، وإن كان جهاد النفس أكبر وأعظم. فدعا مريديه إلى مناهضة الاستعمار، وعبر عن ذلك في كتاباته (دولتنا دولة المجتهدين المجاهدين في سبيل الله، القاتلين أعداء الله)[10].
  • لهذه الأسباب وغيرها انتشرت الطريقة الجزولية في العالم الاسلامي عامة، وفي المغرب العربي خاصة، فكانت عاملا من عوامل وحدته الفكرية والروحية، ويتجلى هذا الانتشار في:
  • ظهور الطرق والزوايا المتفرعة عن الجزولي في مختلف بلدان المغرب العربي.
  • الاقبال بها على شرح كتب الجزولي ، وخاصة “دلائل الخيرات”.
  • تأليف كتب تسير على نهجه.

هوامـش.

[1] مقتطف من كتاب بحوث في التصوف المغربي: د. حسن جلاب، ط. الأولى 1416هـ/1995م، ص 111-114.

[2] انظر بعض عناصرها في رسالة التوحيد، كتاب العقيدة، كتاب الزهد، أجوبة في الدنيا والدين، وكذا في ممتع الأسماع.

[3] ممتع الأسماع، ص 123.

[4] ممتع الأسماع، ص 27.

[5] ممتع الأسماع، ص 28.

[6] كتاب الزهد، ص 44.

[7] أجوبة في الدنيا والدين، ص 15.

[8] أجوبة في الدنيا والدين، ص 15.

[9] أجوبة في الدنيا والدين، ص 15.

[10] ممتع الأسماع، ص 5-6.

Science

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق