وحدة الإحياءأعلام

دور البصيرة في المعرفة عند الإمام الغزالي

يعتبر الإمام الغزالي، بحق، علما بارزا من أعلام قادة الفكر الإسلامي وذلك بما أسداه لمختلف العلوم الدينية والعقلية والتربوية والصوفية... من خدمات جلى يعبر عنها ما خلفه لنا من آثار كثيرة ومؤلفات جد قيمة...

ولئن كانت جوانب الإبداع في مؤلفات هذا المفكر الإسلامي العظيم متعددة – فإن من أبرزها وقفته الرائعة من البصيرة كوسيلة للمعرفة، إذ أنها وقفة كانت كفيلة بأن تكفكف من غلواء المنهج اليوناني العقلي الذي كاد أن يسيطر على المعرفة لدى المفكرين المسلمين في القديم، كما أنها جديرة بأن تكفكف من غلواء المنهج الوضعي الذي يكاد أن يكتسح ساحة المعرفة لدى مفكري العصر الحديث...

ولذلك فإنه من المناسب والمفيد أن أجعل موضوع هذه المقالة تحت عنوان "دور البصيرة في المعرفة عند الإمام الغزالي" فأتحدث فيها بإيجاز عن النقط التالية:

البيئة الثقافية للإمام الغزالي

لقد ظهر الإمام الغزالي في القرن الخامس للهجرة في بيئة عرفت لونين متمايزين من الثقافة:

- ثقافة إسلامية أصيلة تبني صرح معارفها على الكتاب والسنة، وما يتصل بهما من علوم لغوية وأدبية... وقد تمثلت هذه الثقافة عند المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتصوفة... ممن كانوا من أهل السنة والجماعة.

- وثقافة دخيلة تبني صرح معارفها على ما ترجم من تراث الأمم القديمة وخاصة الفلسفة اليونانية والأفلاطونية الحديثة... وقد تمثلت هذه الثقافة عند الفلاسفة المسلمين وعلماء الكلام بفرقهم المتعددة، ومذاهبهم المتباينة...

- ولم يقتصر أصحاب الفلسفة الدخيلة على استخدام المنهج العقلي للفلسفة اليونانية في مجال إثبات الحقائق الإيمانية الأصلية، أو مجال التعرف على الحقائق الطبيعية... وإنما طغى عندهم هذا المنهج لدرجة أنهم استخدموه في مجال التعرف على حقيقة المتشابهات الغيبية التي وردت الإشارة إليها في كثير من النصوص الشرعية...مما كانت نتيجته إثراء علم الكلام والفلسفة الإسلامية ببحوث ونظريات ميتافيزيقية لا تكاد تلتقي إلا على ما هو معلوم من الدين بالضرورة...

الغزالي يقبل على استيعاب ثقافة عصره

فلما جاء الإمام الغزالي، وقد طبعه الله تعالى على حب المعرفة، أقبل على استيعاب ثقافة عصره يكرع من مناهلها المختلفة، ويخوض بحارها العميقة... ينتقل من علم إلى آخر بغية الوصول إلى الحقيقة وفي ذلك نجده يقول عن نفسه: "..ولم أزل في عنفوان شبابي منذ راهقت البلوغ قبل العشرين، وقد أناف السن على الخمسين، أقتحم لجة هذا البحر العميق وأخوض غمراته حوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل في كل مظلمة، وأتهجم على كل مشكلة وأقتحم كل ورطة، وأتفحص عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة... لأميز بين محق ومبطل، متفنن ومبتدع، لا أغادر باطنيا إلا وأحب أن أطلع على بطانته، ولا ظاهريا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته، ولا فلسفيا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلما إلا واجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفيا إلا وأحرص على سر صوفيته، ولا متعبدا إلا وأترصد ما يرجع إلى حاصل عبادته، ولا زنديقا معطلا إلا وأتجسس وراءه للتنبيه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته، وقد كان التعطش إلى إدراك حقائق الأمور دأبي وديدني من أول أمري، وريعان عمري غريزة وفطرة من الله تعالى، وضعها في جبلتي، لا باختياري وحيلتي..."[1].

الغزالي يبحث عن المنهج الموصل على المعرفة      

وأثناء رحلة الغزالي لاستيعاب ثقافة عصره بحثا عن الحقيقة لاحظ انقسام المسلمين فيها فرقا وأحزابا: كل شيعة تزعم أنها وحدها على حق، وأن جميع من يخالفونها الرأي على باطل، وكل واحدة تدعي أنها تستند إلى القرآن والسنة، وأنها أقدر من غيرها على فهم ما فيهما من معان ظاهرة أو باطنة... وكانت هذه المذاهب التي تتشح كلها برداء الدين كثيرا ما تخفي وراءها أطماعا سياسية، أو نزعات شعوبية، أو محاولات هدامة..

فأين تكمن الحقيقة التائهة بين هذه الفرق والمذاهب؟ أو كيف التمييز بين ما عندها من حق أو باطل؟

من هنا بدأ الإمام الغزالي رحلة الشك والبحث عن المنهج الرصين الموصل إلى اليقين تلك الرحلة التي يحدثنا عنها بنفسه فيقول: "...إن اختلاف الخلق في الأديان والملل، ثم اختلاف الأئمة في المذاهب بحر عميق غرق فيه الأكثرون، وما نجا منه الأقلون...فقلت في نفسي... إنما مطلوبي هو العلم بحقائق الأمور، فلابد من طلب حقيقة العلم ما هي؟ فظهر لي أن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم... بل الإيمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارنا لليقين... إن كل ما لا أعلمه على هذا الوجه، ولا أتيقنه هذا النوع من التيقن، فهو علم لا ثقة به، ولا أمان معه فليس بعلم يقيني... ثم فتشت عن علومي فوجدت نفسي عاطلا من علم موصوف بهذه الصفة..."[2].

ولما كانت الحواس هي السبيل البدائي إلى المعرفة – فقد كانت أول ما اختبره الإمام الغزالي ليعرف مدى صلاحيتها لبناء ما ينشده من حقيقة يقينية... فإذا به يكتشف أنها غير صالحة لأداء هذه المهمة، فيقول عنها: "...من أين الثقة بالمحسوسات وأقواها حاسة البصر، وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفا غير متحرك، وتحكم بنفي الحركة، ثم بالتجربة والمشاهدة – بعد ساعة – تعرف أنه متحرك، وأنه لم يتحرك دفعة بغتة، بل على التدريج ذرة ذرة، حتى لم تكن له حالة وقوف... وتنظر إلى الكوكب فتراه صغيرا في مقدار دينار، بينما الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار!

هذا ومثاله من المحسوسات يحكم فيها حاكم الحس بإحكامه، ويكذبه حاكم العقل تكذيبا لا سبيل إلى مدافعته... فقلت في نفسي: "قد بطلت الثقة بالمحسوسات".

ومادام حاكم الحس يكذبه حاكم العقل تكذيبا لا سبيل إلى مدافعته – فإن الإمام الغزالي لجأ إلى هذا العقل ذاته، فلعل في بديهياته ما يساعده على تحقيق غايته، وإذا بطيف حواسه يهمس في أذنه "بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات، وقد كنت واثقا بي، فجاء حاكم العقل فكذبني، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي؟ فلعل وراء إدراك العقل حاكما آخر إذا تجلى كذب العقل في حكمه، وعدم تجلي ذلك الإدراك يدل على استحالته... أما تراك تعتقد في النوم أمورا، وتتخيل أحوالا، وتعتقد لها استقرارا وثباتا... ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل؟ فيم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده في يقظتك بحس أو عقل هو حق بالإضافة إلى حالتك التي أنت فيها، لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها إلى يقظتك كنسبة يقظتك إلى منامك، وتكون يقظتك نوما بالنسبة إليها، فإذا وردت تلك الحال تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل لها؟![3].

الغزالي يكتشف منهج البصيرة

وفعلا فقد وردت على الإمام الغزالي تلك الحال فانتشلته مما كان يعانيه من برحاء الشك والقلق والاضطراب... ولكن في هذه المرة لا بدليل وبرهان، وإنما بنور من الله قذفه في الجنان... فاستمع إليه وهو يقول في "المنقذ من الضلال": "...فأعضل الداء ودام قريبا من شهرين أنا فيهما على مذهب السفصطفة بحكم الحال لا بحكم المنطق والمقال، حتى شفى الله من ذلك المرض، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضرورات العقلية مقبولة موثوقا بها على أمن ويقين، ولم يكن ذلك بنظم دليل وتركيب كلام، بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر، وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف، فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة"[4].

وإذن فقد كانت النتيجة التي وصل إليها الإمام الغزالي هي أن وراء الحواس، والعقل طور آخر أجدى منهما في المعرفة اليقينية – هو طور "انقداح نور الله في الصدر" فإذا هو ذو بصيرة نيرة، يتمكن معها من إدراك الحقيقة في مختلف مجالات المعرفة، بل إن هذه البصيرة النيرة هي التي أثبتت للإمام الغزالي مصداقية الضرورات العقلية...

نقد الغزالي للمتكلمين والفلاسفة لإهمالهم للبصيرة

ولما ثبت للإمام الغزالي أن البصيرة هي مفتاح الوصول إلى الحقيقة في مختلف مجالات المعرفة، فإنه قد جعلها الوسيلة الوحيدة لإدراك الحقائق الغيبية والمتشابهات التي وردت الإشارة إليها في كثير من النصوص الشرعية... ومن ثم فإننا نجده ينتقد كلا من علماء الكلام والفلاسفة، لأنهم تورطوا في بحث ما وراء الطبيعة، معتمدين على عقولهم المجردة، أو متأثرين بالمنهج العقلي للفلسفة اليونانية... وأهملوا جميعا منهج البصيرة في تفهم متشابهات النصوص الشرعية، مما ترتب عنه نتائج جد وخيمة.

فالمتكلمون، وخاصة المعتزلة، كونوا عقائديتهم في إطار من العقل والفلسفة اليونانية ثم رجعوا بهذا المنهج العقلي إلى النصوص الشرعية يتلمسون في متشابهات الدليل والحجة، فوقعوا في تأويلها تأويلات تعسفية، تتسم بالتمحلات اللغوية والتخريجات المجازية البعيدة، وإدخالهم على النص الشرعي عناصر موجهة...[5] مما أدى إلى انقسامهم وانقسام المسلمين معهم إلى فرق متعددة، من غير أن يظفروا في هذه المتشابهات بحقيقة يقينية... ولذلك فإننا نجد أن الإمام الغزالي يقول عن علم الكلام بصفة عامة: "...وأما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه، وهيهات، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخليط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر الكلام ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة، وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم آخر تناسب نوع الكلام، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود.

والفلاسفة، هم أيضا، غرر بهم سراب العقل المحدود فاعتمدوه في الكشف عن الحقيقة في سائر مجالات المعرفة، بما فيها مجال التعرف على حقيقة الحقائق الغيبية... كعلم الله تعالى بالكليات والجزئيات، وقدم العالم أو حدوثه، وبعث الروح مع الجسم أو دونه، وحقيقة جزاء الله تعالى لعباده في الآخرة... ولذلك فإن الإمام الغزالي ألف كتابه "تهافت الفلاسفة" لا لتنازعهم في صلاحية العقل في الأمور الرياضية والمنطقية كما يقول في مقدمته الثانية – وإنما نسب لهم أنهم أخطأوا في بحث الأمور الإلهية والغيبية منهاجا ونتائج:

فهم قد أخطأوا المنهج في بحث تلك الأمور لأنهم بحثوها بعقولهم المحدودة فقاسوا الغائب على الشاهد، فلم يعد عملهم أن كان ضربا من التخمين أو الخيال الذي لا مندوحة معه من تباين الآراء واختلاف النظريات... مما جعل الإمام الغزالي يقول عنهم، وهو بصدد بيان تهافتهم: "لا تثبت ولا اتفاق لمذهبهم عندهم، وأنهم يحكمون بظن وتخمين، من غير تحقيق ويقين، ويستدلون على صدق علومهم الإلهية بظهور العلوم الحسابية والمنطقية، ويستدرجون به ضعفاء العقول، ولو كانت علومهم الإلهية متقنة البراهين، نقية عن التخمين لما اختلفوا فيها كما لم يختلفوا في الحسابية"[6].

وإذا انهار منهج الفلاسفة في بحث الأمور الإلهية والغيبية فإن النتائج التي وصلوا إليها من شأنها أن تنهار بالكلية، ومع ذلك فإن الإمام الغزالي يستعرض منها في نفس كتابه "تهافت الفلاسفة" عشرين نتيجة يخطئهم فيها جميعا بالبرهان والحجة، ويبدعهم فيما خالف النصوص الشرعية، ويكفرهم فيما عارض ما هو معلوم من الدين بالضرورة... ثم يقول في الأخير: "... فهذا ما أردنا أن نذكر تناقضهم فيه، من جملة علومهم الإلهية... وأما الرياضيات فلا معنى لإنكارها، ولا للمخالفة فيها لأنها ترجع إلى الحساب والهندسة، وأما المنطقيات فهي نظر في آلة الفكر في المعقولات، ولا يتفق فيه خلاف به مبالاة"[7].

إشادة الغزالي بالصوفية لاعتمادهم منهج البصيرة

وما دام كل من المتكلمين والفلاسفة قد أخطأوا في بحث الأمور الغيبية، عندما اعتمدوا فيها عقولهم المجردة، فإن الإمام الغزالي قد نفض يديه منهم جميعا، واتجه صوب الصوفية، ممن كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة – لأنهم هم الذين يدعون أنهم خواص الحضرة وأهل المشاهدة والمكاشفة – ليعيش عن كثب وممارسة حياتهم الزاهدة العابدة... فإذا به يقول بعد هذه التجربة العملية: "وانكشف لي أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها، والقدر الذي أذكره لينتفع به، إني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون الطريق إلى الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئا من أخلاقهم وسيرهم، ويبدلوا، مما هو خير منه – لم يجدوا إليه سبيلا، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به"[8].

وهكذا تأكد للإمام الغزالي أن المنهج الحق للكشف عن الحقائق الإلهية والغيبية إنما هو منهج البصيرة عن طريق التصفية الصوفية... فماهي تلك الطريق التي يسلكها الصوفية فتجلو منهم ولهم البصيرة جلاء تنكشف لهم معه الأمور الإلهية والغيبية... على ما هي عليه في الواقع والحقيقة؟

طريق تجلية البصيرة عند الإمام الغزالي

إن تلك الطريق المجلية للبصيرة يحصرها الإمام الغزالي – إجمالا – في الالتزام بتطبيق الشريعة، إذ بهذا الالتزام يدرك الإنسان لها هي عين الحقيقة، ولذلك نجده يقول: "...من قال إن الحقيقة تخالف الشريعة، والباطن يخالف الظاهر – فهو إلى الكفر أقرب، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصولة، فالشريعة جاءت بتكليف الخلق، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق، فالشريعة أن تعبده، والحقيقة أن تشهده، والشريعة قيام بما أمر، والحقيقة شهود لما قدر، وأخفى وأظهر..."[9].

فإذا التزم المومن بالشريعة قدم المجاهدة في تنفيذ تعاليمها بكل ما يستطيع من قوة، فتخلى عن الصفات المتهومة، وتحلى بالصفات المحمودة، وقطع علائقه بكل شهوة نفسية غير مشروعة، وأقبل على الله تعالى بالمحبة والتبتل والعبادة... وبكل ذلك يتدرج في مدارج التصفية إلى أن يصبح متعرضا للنفحات الإلهية التي تمده، بإذن الله، بحقائق المعارف اللدنية.

وتلك هي طريق جلاء البصيرة كما يفصلها الإمام الغزالي في هذه المقالة: "...إن الطريق إلى ذلك إنما هو تقديم المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، ومتى حصل ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده، والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم، وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة، وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر، وانكشف له سر الملكوت، وانقشع عن وجه القلب حجاب الخبرة بلطف الرحمة، وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية، فليس على العبد إلا التصفية المجردة، وإحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام، والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله تعالى في الرحمة... فمن كان لله كان الله له، وهو بفعله هذا يصير متعرضا لنفحات الله، وليس له اختيار في استجلاب هذه النفحات، وليس له إلا الانتظار لما يفتح الله تعالى من الرحمة، كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه الطريقة... وإذا صدقت إرادته، وصفت همته، وحسنت مواظبته، تلمع لوامع الحق في قلبه، ويرتفع الحجاب بلطف خفي من الله تعالى فينكشف له الغيب ويحصل اليقين"[10].

أدلة الغزالي على مكانة البصيرة في المعرفة

وكأني بالإمام الغزالي قد شعر بأنه في حاجة إلى تقديم الدليل على مكانة البصيرة في المعرفة إلى أولئك الذين لم يتأت لهم أن يلمسوها بالتجربة الصوفية المباشرة، فإذا به يقدم لهم عدة أدلة في شكل شواهد وتجارب وحكايات... نقتصر نحن على ذكر بعض ما يسميه بالشواهد، لأنه يقصد بها الأدلة المستمدة من نصوص الكتاب والسنة...فيقول في ذلك: "...اعلم أنه من انكشف له شيء، ولو الشيء اليسير، بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري، فقد صار عالما بصحة الطريق، ومن لم يدرك ذلك في نفسه قط، فينبغي أن يومن به، وتشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والحكايات...

أما الشواهد

  1. فقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69)، فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام.
  2. وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل بما علم ورثة الله علم ما لم يعلم، ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنة، ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار".
  3. وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾؛ أي من الإشكالات والشبه، ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، أي يعلمه علما من غير تعلم، ويفطنه من غير تجربة.
  4. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ قيل: نورا يفرق به بين الحق والباطل ويخرج به من الشبهات، ولذلك كان، صلى الله عليه وسلم، يكثر في دعائه من سؤال النور فيقول: "اللهم أعطني نورا وزدني نورا، واجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا..."[11].
  5. وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 282).
  6. وقال تعالى في قصة سيدنا الخضر مع سيدنا موسى عليه السلام: ﴿...فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ (الكهف: 65) فما كان يعلمه سيدنا الخضر هو علم لدني متلقي من الله تعالى.
  7. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، في الحديث القدسي: "ما تقرب إلي المتقربون بمثل ما فرضته عليهم ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى يحبني وأحبه، فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا فبي يبصر وبي يسمع...".

وما دام منهج تصفية البصيرة يعتمد على كل تلكم الأدلة وغيرها من الكتاب والسنة، فإن ابن السبكي قد اعتبر أصحابه من أهل السنة والجماعة[12] وذلك حيث يقول: "اعلم أن أهل السنة والجماعة قد اتفقوا على معتقد فيما يجب ويجوز ويستحيل... وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة إلى ذلك... وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف:

- الأولى: أهل الحديث، ومعتمد مبادئهم الأدلة السمعية: الكتاب والسنة والإجماع...

- والثانية: أهل النظر العقلي وهم الأشعرية والحنفية، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية أبو منظور الماتريدي، وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه...

والثالثة: أهل الوجدان والكشف وهم الصوفية، ومبادئ أهل النظر والحديث في البداية والكشف والإلهام في النهاية[13].

ضابط دور البصيرة في المعرفة الذاتية

ومع ما تقدم من دور البصيرة في المعرفة فإنه يجب أن يلاحظ بأن ما يصل إليه صاحبها من حقائق لا تكون إلا له في حد ذاته وذلك متى ما ثبت عنده أنها من الفتوحات الربانية وليست من التلبيسات الشيطانية... ومعيار التمييز بين الصنفين هو ما أوضحه بإسهام الإمام ابن تيمية في كتابه "أولياء الرحمان وأولياء الشيطان"حيث جعل معيار التمييز بينهما هو مدى محبة الإنسان لله سبحانه وتطبيق شريعته وعدم معارضة ما يظهر له لتعاليمه المنصوصة في محكم كتابه وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم[14].

فبهذا، وبه وحده، يكون وليا لله سبحانه، ويكون ما يظهر له من حقائق وعلى يديه من كرامات... من الفتوحات الربانية.. وبدون ذلك فإن الإنسان يكون وليا للشيطان ويكون ما يظهر له وعلى يديه من تلبيساته؛ (أي الشيطان) واستدراجا من ربه ومستند كل ذلك آيات قرآنية منها:

- قول الحق سبحانه: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (يونس: 62- 64).

- وقوله سبحانه: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الأعراف: 30).

- وقوله تعالى: ﴿قَالَ (يعني الشيطان) رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الحجر: 39- 43).

- وقوله سبحانه: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: 98- 100).

ضابط البصيرة في إلزام الغير بالمعرفة

وبذلك يتبين لنا أن ما يكشف لصاحب البصيرة النيرة من حقائق في مختلف المعرفة غير ملزم إلا لصاحب البصيرة في حد ذاته، بناء على ما مر به من تجربة شخصية عبر مسالك التصفية... ولا يكون ملزما لغيره من الناس... وإنما يكون كل ما يخبر به، بالنسبة إليهم، مجرد رأي أو نظرية لهم أن يستأنسوا به مادام سلوك صاحبه متسما بالتقوى الشرعية، وكان لا يتعارض مع أي نص من نصوص الشريعة وقواعدها العامة ومقاصدها الضرورية والحاجية والتحسينية وما هو معلوم من الدين بالضرورة... ولم يكن داخلا في إطار البدع المحرمة... ثم إنه بعد كل ذلك لا يصبح حقيقة بالنسبة إليهم إلا إذا استطاع صاحبه أن يسنده بدليل من الحس أو العقل أو الوحي، إذ أنهم مطالبون جميعا بالعمل بمقتضى قول الحق سبحانه: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 36).

ولذلك نجد ابن السبكي، بعد أن يعرف الإلهام بأنه: إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر يخص الله به بعض أصفيائه، يقول: "وليس؛ أي الإلهام، بحجة لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره...".

ونجد الجلال المحلي يعلل لعدم الثقة بقوله: "لأنه لا يأمن من دسيسة الشيطان في خواطره" ثم يقول: "وهذا خلاف لبعض الصوفية الذين يقولون: إنه حجة في حقه".

عدم تعارض الحقيقة البصرية[15] لا مع الحقيقة العلمية ولا الشرعية

وبإحاطة المنهج الإسلامي في المعرفة البصيرة المستنيرة بتلكم الاحتياطات والضوابط الشرعية والعلمية يتبين لنا، من جهة أخرى، أنه لا يمكن أن يكون هناك تعارض بين الحقيقة البصيرية التي وسيلتها البصيرة المستنيرة بالتفاني في تطبيق الشريعة – وبين الحقيقة العلمية بصفة عامة والحقيقة الشرعية بصفة خاصة...

ولذلك نجد الإمام الغزالي يقول في هذه الفقرة: "...من قال: إن الحقيقة، ويقصد بها الحقيقة الصوفية أو البصيرية، تخالف الشريعة والباطن يخالف الظاهر... فهو إلى الكفر أقرب، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصولة... فالشريعة جاءت بتكليف الخلق، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق، فالشريعة أن تعبده، والحقيقة أن تشهده، والشريعة قيام بما أمر والحقيقة شهود بما قدر وأخفى أو ظهر..."[16].

تميز المنهج الإسلامي باعتماد البصيرة

وهكذا يتبين لنا أن البصيرة كوسيلة للمعرفة مما تميز به المنهج الإسلامي في البحث العلمي... وفي ذلك يقول د. عبد الحليم محمود موازنا بين المنهج الإسلامي، والمنهج الأوربي: "...وإذا اقتصرت أوربا على العلم المادي فإن الإسلام لا يقف عند ذلك وإنما يوجه الإنسانية إلى مصدر آخر للعلم والمعرفة: هو القلب وهو الروح وهو البصيرة... فيجمع الإسلام الاتجاه العلمي الحديث إلى الاتجاه البصيرة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 36). فالسمع والبصر هما أساس العلم المادي، علم التجربة والملاحظة، أما القلب فإنه أساس العلم الإلهامي...

إن الله سبحانه وتعالى يوجه المسلم إلى الملاحظة والتجربة، ويوجهه أيضا إلى الاستشراف للهداية والنور القلبي عن طريق الخلق الكريم والتقوى والإخلاص وحب الإنسانية والمعاونة في الخير...

إن الحضارة الحديثة تقول: "العلم لا صلة له بالأخلاق" أو تقول: "العلم الأخلاقي" والعلم في نظرها لا شأن له بالخير والشر... لكن الإسلام يجعل أسس العلم متسمة بالخير، ويجعل غايته منغمسة في الخير، ويجعل من العلم قربى إلى الله ويجعل منه عبادة الله..."[17].

وبعبارة مختصرة: إن المنهج التجريبي يقف عند الطبيعة، وهو منهج إسلامي، ولكنه ليس بالمنهج الإسلامي الكامل، إذ أن المسلم لا ينتهي إلى الطبيعة كغاية، ولا يقتصر عليها كهدف، وإنما غايته وهدفه هو ما وجهه إليه الحق سبحانه بقوله: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ (النجم: 42).

خاتمة

دعوة الغزالي إلى البصيرة جديرة بكامل العناية

وبعد، فهذه مجرد إلماعة خاطفة إلى ما بذله الإمام الغزالي من جهود في تأصيل منهج البصيرة، والدعوة إلى تصفيتها بالتزام حدود الشريعة على الطريقة الصوفية السنية، لتكون عونا على إدراك الحقيقة في سائر مجالات المعرفة بصفة عامة، وفي مجال معرفة الحقائق الإلهية والغيبية بصفة خاصة، وما حده لها من ضوابط تجعلها غير متعارضة مع العقل ولا مع العلم ولا مع الوحي...

وهي دعوة جديرة بأن تنال منا كل اهتمام وعناية، لأنها تجمع بين الإيمان والعبادة والأخلاق والمعرفة في بوتقة واحدة، والجمع بين هذه الجوانب هو دواء الإنسانية، مما تعانيه من لوثة خلقية وأزمات روحية، في أتون حضارتها المعاصرة، من جراء ما أفرزه لها المنهج الوضعي من إيديولوجيات معرضة، أساسا، عن الاهتداء بالتعاليم الإلهية: وصدق الله العظيم القائل في محكم التنزيل: ﴿... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى. وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: 123- 127].

(انظر العدد 17 من مجلة الإحياء،  الرباط: مطبعة المعارف الجديدة، (ذو القعدة 1421هـ/2001م)، ص187-199.)

الهوامش

  1. المنقذ من الضلال، (ط، سلسلة في الدراسات الفلسفية) ص: 51 وما بعدها.
  2. نفسه.
  3. نفسه.
  4. نفسه.
  5. انظر، كتابي "الوجيز في المدخل إلى دراسة تفسير القرآن الكريم"، ص: 266 وما بعدها.
  6. عن " التفكير الفلسفي في الإسلام"، د. عبد الحليم محمود، ص: 430/431.
  7. عن "قادة الفكر الإسلامي في ضوء الفكر الحديث"، د. راشد البراوي، ص: 319/320.
  8. عنه نفسه، ص: 322.
  9. عنه نفسه، ص: 301/302.

عن المعرفة عند مفكري المسلمين د. محمد غلاب ص: 324.

  1. انظر كتاب "مهرجان الغزالي"، بحث د. عبد الحليم محمود، ص: 164 وما بعدها.
  2. أي أصحاب التصوف السني لا أصحاب التصوف الفلسفي، ولا التصوف الطرقي، انظر مقالي: "أنواع التصوف الإسلامي: تعريف وتقويم".
  3. عن شرح ابن السبكي لعقيدة ابن الحاجب (عن ظهر الإسلام: 4/149).
  4. انظر كتاب "أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" ابن تيمية.
  5. نسبة إلى غير القياس النحوي حتى يؤمن اللبس بين النسبة إلى البصيرة – المقصود هنا – وبين النسبة إلى البصر، وهي غير مقصودة كما هو واضح.
  6. انظر "المعرفة عند مفكري المسلمين"، د. محمد غلاب، ص: 324.
  7. بحث د. عبد الحليم محمود في كتاب "التوجيه الإسلامي للشباب" ص: 147.
  8. انظر "الحقيقة عند الغزالي" د. سليمان دنيا، ص: 188 وما بعدها.
Science
الوسوم

د. محمد اليعقوبي خبيزة

أستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة-فاس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق