مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةشذور

درر قرآنية (12): اسم القارئ ومتعلقاته (2): فضائل القرءان المخصوصة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فقد بين الإمام أبو بكر ابن العربي -رحمه الله- في ما تقدم نشره في الحلقة الأولى، معنى اسم “القارئ” في سياق ذكر أسماء وصفات العباد الذين اصطنعهم الله لخدمته، واصطفاهم لجواره في جنته، وأفاض عليهم من سعة رحمته، ثم ذكر بعضا من فضائل القرءان جملةً.

وفي هذه الحلقة الثانية ذكر نبذا من فضائل القرءان المخصوصة بأعيانها، وتحذيرا مما لم يصح في هذا الباب، قال رحمه الله:

«فاتحة الكتاب:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأُبَيٍّ: «لأعلمنَّك سورةً من القرءان ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مِثْلَها، قال: نعم يا رسول الله، قال: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأ أُمَّ القرءان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده؛ ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، وأنها سَبْعٌ من المثاني –أو السبع المثاني- والقرءان العظيم الذي أُعطيته» (1).

ومِن فَضْلِهَا: أنها رُقْيَةٌ عُظْمَى؛ قال أبو سعيد الخدري: «كُنَّا في مَسِيرٍ لنا فنزلنا بحَيٍّ من أحياء العرب، فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سَلِيمٌ، وإنَّ نَفَرَنا غَيْبٌ، فهل منكم من راقٍ؟ فقام معها رَجُلٌ ما كُنَّا نَأْبُنُه برُقْيَةٍ، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاةً، وسقانا لَبَنَه، فلمَّا رجع قلنا له: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أم كنت تَرْقِي؟ قال: لا، ما رَقَيْتُ إلَّا بأُمِّ القرءان، قلنا: لا تُحْدِثُوا شَيْئاً حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا قَدِمْنَا المدينة ذكرناه للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: وما كان يُدريه أنها رُقْيَةٌ؟ اقسمُوا واضربُوا لي بسَهْمٍ» (2).

سورة البقرة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن البيت الذي تُقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان» (3).

ومن الحديث الحسن: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وهُمْ ذَوُو عَدَدٍ، فاستقرأهم، فاستقرأ كلَّ واحد ما معه من القرءان، فأتى على رَجُلٍ من أَحْدَثِهم سِنًّا، قال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، قال: أو معك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: اذهب فإنك أميرهم، فقال رجل من أشرافهم: والله يا رسول الله ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلَّموا القرءان فاقرأُوه وأَقْرِؤُوه، فإن مَثَلَ القرءان لمن تعلَّمه فأقرأه وقام به كمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا، يفوح بريحه كلُّ مكان، ومَثَلُ من تعلَّمه فيَرْقُدُ وهو في جَوْفِه كمَثَلِ جِرَابٍ أُوكِيَ على مِسْكٍ» (4).

ومن الحَسَنِ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكلِّ شيء سَنَامٌ، وسنام القرءان سورة البقرة، وفيها ءاية هي سَيِّدَةُ ءايِ القرءان؛ وهي ءاية الكرسي» (5).

 «ومن قرأ ﴿ح۪مِٓ﴾ المؤمن إلى ﴿إِلَيْهِ اِ۬لْمَصِيرُ﴾ وءاية الكرسي حين يُصْبِحُ حُفِظَ بهما حتى يُمْسِي، ومن قرأهما حين يُمْسِي حُفِظَ بهما حتى يصبح» (6).

وقد قال الشيطان لأبي هريرة: «إذا قرأتَ ءاية الكرسي لا يقربك شيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صَدَقَكَ وهو كذوب» (7)، صحَّحه قَوْمٌ وضعَّفه ءاخرون، وأدخله البخاري مَقْطُوعاً.

وعن أبي سعيد الخدري: «أن أُسَيْدَ بن حُضَيْر بَيْنَا هو يقرأ من الليل سُورَةَ البقرة وفَرَسُه مربوطة عنده إذ جالت الفرس، فسَكَتَ فسَكَنَتْ، فقرأ فجالت، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت، فلمَّا أصبح حدَّث النبي، قال: فرَفَعْتُ بصري إلى السماء؛ فإذا مِثْلُ الظُّلَّةِ فيها أمثالُ المصابيح عَرَّجَتْ في الجَوِّ حتى لا أراها، قال: تلك الملائكة أَذِنَتْ بصوتك، ولو قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ الناس إليها لا تتوارى منهم» (8).

خاتمتها:

ثَبَتَ في الصحيح عن ابن عباس قال: «بينما جبريل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ نَقِيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا بابٌ من السماء فُتِحَ لم يُفْتَحْ قَطُّ إلا اليوم، فنزل منه مَلَكٌ إلى الأرض لم ينزل قطُّ إلا اليوم، فسَلَّمَ فقال: أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لم يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَك؛ فاتحة الكتاب، وخواتم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلَّا أُعطيتَه» (9).

وعن عبد الله: «لـمَّا أُسْرِيَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى إلى سِدْرَةِ الـمُنْتَهَى فأُعْطِيَ ثَلَاثاً؛ أُعْطِي الصلوات الخمس، وخواتم سورة البقرة، وغُفِرَ لمن لم يُشْرِكْ بالله من أُمَّتِه الـمُقْحِمَات» (10).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآيتان من ءاخر سورة البقرة؛ من قرأ بهما في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» (11).

ءال عمران:

معها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرأوا القرءان فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرأوا الزهراوين؛ البقرة وسورة ءال عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فِرْقان من طَيْرٍ صَوَافَّ، بينهما شَرَقٌ، تُظَلِّلَانِ صاحبهما، وتحاجَّان عن صاحبهما، اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَةُ» (12).

وفي روءاية منه: «يؤتى يوم القيامة بالقرءان وأهله الذين كانوا يعملون به، تَقْدُمه سورة البقرة وءال عمران كأنهما غمامتان»، بنحوه.

سورة الكهف:

في الصحيح: «بينما رَجُلٌ يقرأ سورة الكهف إذ رأى دابَّته تركض، فنظر فإذا مِثْلُ الغمامة أو السحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وفرسُه تنفر، فأتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك السكينة نزلت مع القرءان، أو أنزلت على القرءان» (13).

وعن أبي الدرداء: «من قرأ ثلاث ءايات من أوَّل الكهف عُصِمَ من فتنة الدجَّال» (14).

سورة ألم السجدة:

فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأها يوم الجمعة في صلاة الصبح (15).

حم الدخان:

حديثُها منكر لا يُلتفت إليه.

سورة الـمُلْكِ:

لا حديث فيها إلَّا قوله صلى الله عليه وسلم: «سورة الملك ثلاثون ءاية، تجادل عن صاحبها»(16)، صحَّ.

سورة إذا زلزلت والكافرون:

من الحَسَنِ: عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: «هل تزوجت يا فلان؟ قال: لا، والله يا رسول الله، ولا عندي ما أتزوج به، قال: أليس معك: ﴿قُلْ هُوَ اَ۬للَّهُ أَحَدٌ﴾؟ قال: بلى، قال: ثُلُثُ القرءان، قال: أليس معك: ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ اُ۬للَّهِ وَالْفَتْحُ﴾؟ قال: بلى، قال: رُبُعُ القرءان، قال: أليس معك: ﴿قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لْكَٰفِرُونَ﴾؟ قال: بلى، قال: ربع القرءان، قال: أليس معك: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾؟ قال: بلى، قال: رُبُعُ القرءان، قال: تَزَوَّجْ تَزَوَّجْ» (17).

سورة الإخلاص:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «﴿قُلْ هُوَ اَ۬للَّهُ أَحَدٌ﴾ تعدل ثلث القرءان» (18)، في حديث مالك وغيره.

قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: قد ظنَّ قَوْمٌ فيها تأويلات، وقد كَشَفَ الحديثُ الصحيح بعضَها، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احشُدوا؛ فإني سأقرأ عليكم ثلث القرءان، قال: فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله فقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اَ۬للَّهُ أَحَدٌ﴾، ثم دخل، فقال بعضُنا لبعض: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأقرأ عليكم ثلث القرءان، إني لأُرى هذا خبرًا جاءه من السماء، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قلتُ: سأقرأ عليكم ثلث القرءان، أَلَا وإنَّها تَعْدِلُ ثُلُثَ القرءان» (19).

وحديث عائشة: «أن النبي بعث رَجُلًا على سَرِيَّةٍ؛ وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ﴿قُلْ هُوَ اَ۬للَّهُ أَحَدٌ﴾، فلمَّا رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيء كان يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها، فقال: أخبروه أن الله يحبه» (20).

[سورة الفلق والناس]:

وعن عُقبة بن عامر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم تر أيَّ آيات أنزلت الليلة لم يُرَ مثلهن: ﴿قُلَ اَعُوذُ بِرَبِّ اِ۬لْفَلَقِ﴾، و﴿اَعُوذُ بِرَبِّ اِ۬لنَّاسِ﴾» (21).

وعن عائشة: «كان النبي إذا آوى إلى فراشه كلَّ ليلة؛ جمع كَفَّيْه ثم نَفَثَ فيهما، ثم قرأ فيهما: ﴿قُلْ هُوَ اَ۬للَّهُ أَحَدٌ﴾، و﴿اَعُوذُ بِرَبِّ اِ۬لْفَلَقِ﴾، و﴿بِرَبِّ اِ۬لنَّاسِ﴾، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات» (22).

قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وَجَعُه؛ كنتُ أقرأ عليه وأمسح بيده رَجَاءَ بركتها» (23).

[التحذيرُ مـمَّا لم يصحَّ في باب فضائل القرءان]:

قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: لم يَبْقَ من الصحيح ما أَذْكُرُه، وقد اقتحم الناس في فضائل القرءان وسُوَرِهِ أحاديثَ كثيرة، منها ضَعِيفٌ لا يُعَوَّلُ عليه، ومنه ما لم يُنْزِلِ الله به من سلطان، وأَشْبَهُ ما جُمِعَ في ذلك «كتابُ ابنِ أبي شَيْبَةَ» و«كتابُ أبي عُبَيْدٍ»؛ وفيهما باطلٌ عظيم، وحَشْوٌ كثير، وانتقى الأئمة -نفعهم الله- من ذلك الحَشْوِ جُمْلَةً، واستخرجوا من ذلك المنتقى الصحيحَ، وهو الذي أوردناه عليكم؛ فتَمَسَّكُوا به.

وقد ذَكَرَ الحاكمُ وغيرُه من شيوخ المحدثين: «أنَّ رَجُلًا من الزهاد انتدَبَ في وَضْعِ أحاديث في فضائل القرءان وسُوَرِه، فقيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: رأيتُ الناس قد زَهِدُوا في القرءان فأحببت أن أُرَغِّبَهم فيه، فقيل له: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب عليَّ مُتَعَمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار» (24)، فقال: أنا ما كذبت عليه، إنما كذبت له» (25).

 فتأمَّلوا -رحمكم الله- كَيْدَ الشيطان على هذا الزاهد بهذا الزُّهْدِ؛ حتى قَرَنَ بها هذا الجهل، وخَزَلَ عنها هذا الـهُدَى».

سراج المريدين: 2/77-88

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرءان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بابُ ما جاء في فضل فاتحة الكتاب، ح2875.

(2) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرءان، بابُ فاتحة الكتاب، ح5007.

(3) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، ح780.

(4) أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرءان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل سورة البقرة وءاية الكرسي، ح2876.

(5) نفسه، ح2878، وقال: «هذا حديث غريب».

(6) نفسه، ح2879، وقال: «هذا حديث غريب».

(7) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرءان، فضل البقرة، ح5010.

(8) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب نزول السكينة لقراءة القرءان، ح796.

(9) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، ح806.

(10) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، بابٌ في ذكر سدرة المنتهى، ح173.

(11) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرءان، فضل البقرة، ح5009.

(12) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرءان وسورة البقرة، ح804.

(13) أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرءان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل سورة الكهف، ح2885.

(14) نفسه، ح2886.

(15) أخرجه مسلم: كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة، ح880.

(16) أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرءان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في سورة الملك، ح2891.

(17) أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرءان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في إذا زلزلت، ح2895.

(18) أخرجه الإمام مالك في الموطإ: ما جاء في قراءة قل هو الله أحد وتبارك، ح559.

(19) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة قل هو الله أحد، ح812.

(20) نفسه، ح813.

(21) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة المعوذتين، ح814.

(22) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرءان، المعوذات، ح5017.

(23)نفسه، ح5016.

(24) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، ح1291.

(25) المدخل:135.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق