مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

حسن الجوار من كمال الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

إن من كمال الإيمان: حب المسلم لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، وجلب المصلحة له، ودفع المضرة عنه، ولا يكون ذلك إلا من صفات الجار، الذي له حقوق ينبغي مراعاتها، فإن كان جار حسن فمعاملته بالمثل وزيادة، وإن كان جار سوء، فمعاملته بالإحسان له وكف أذاه، ولهذا فقد ثبتت عدة أحاديث نبوية دالة على مراعاة حقوق الجار، وصفات ينبغي الاتصاف بها، منها:

إكرام الجار:

إكرام الجار بالبِّشر، وطلاقة الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى، وتحمل ما فرط منه، ونحو ذلك[1]، فعن أبي شريح العدوي رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته».

رواه مالك في موطئه[2]: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، جامع ما جاء في الطعام والشراب، رقم الحديث: 3434/ 725، والبخاري في صحيحه[3]؛ كتاب: الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، رقم الحديث: 6019، ومسلم في صحيحه[4]: كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان، رقم الحديث: 47.

الوصية بالجار:

الوصية بالجيران ومواساتهم، وأن لهم حقا يزيد على حق غيرهم من المسلمين[5]، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف».

رواه مسلم في صحيحه[6]: كتاب: البر والصلة والآداب، باب: الوصية بالجار والإحسان إليه، رقم الحديث: 4759، وأحمد في مسنده[7]، رقم الحديث: 4759، من نفس الطريق بلفظ: «يا أبا ذر، إذا طبخت فأكثر المرقة، وتعاهد جيرانك، أو اقسم بين جيرانك».

شهادة الجار:

شهادة الجيران جميعهم بقولهم قد أحسنت فقد أحسنت وقولهم قد أسأت فقد أسأت لعدم اجتماعهم على الضلالة غالبا، وفيه إشارة إلى أن ألسنة الخلق أقلام الحق[8]، فعن كلثوم الخزاعي رضي الله عنه،  قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أني قد أحسنت، وإذا أسأت أني قد أسأت؟ فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: إذا قال جيرانك: إنك قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا قالوا: إنك قد أسأت، فقد أسأت».

رواه ابن ماجه في سننه[9]؛ كتاب: الزهد، باب: الثناء الحسن، رقم الحديث: 4222، والحاكم في مستدركه[10]؛ من طريق أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا أنا عملت به دخلت الجنة، قال: كن محسنا، قال: كيف أعلم أني محسن؟ قال: سل جيرانك، فإن قالوا: إنك محسن فأنت محسن، وإن قالوا: إنك مسيء»، ومن طريق أبي سعيد رضي الله عنه، بلفظ: «إذا كان يوم القيامة عير الكافر بعمله فجحد وخاصم، فيقال له: جيرانك يشهدون عليك، فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك وعشيرتك، فيقول: كذبوا، فيقال: احلفوا، فيحلفون ثم يصمتهم الله، ويشهد عليهم ألسنتهم فيدخلهم النار».

صلاح الجار:

إرادة الخير للجار، وموعظته بالحسنى، والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار له، إلا في الموضع الذي يحل له الإضرار بالقول والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح: كفه عن الأذى، وأمره بالحسنى، على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[11]، عن نافع بن عبد الحارث، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سعادة المرء الجار الصالح، والمركب الهنيء، والمسكن الواسع».

رواه أحمد في مسنده، رقم الحديث: 15372، والحاكم في مستدركه[12].

الخير للجار:

كل من كان أكثر خيرا لصاحبه وجاره، فهو أفضل عند الله تعالى من غيره[13]، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره».

رواه أحمد في مسنده[14]، رقم الحديث: 6566، والترمذي في سننه[15]؛  أبواب البر والصلة، باب: ما جاء في حق الجوار، رقم الحديث: 1944.

أمان الجار:

من لا يؤمن شر الجار ولا مضرته، ومن كان بهذه الصفة من سوء الاعتقاد للمؤمن، فكيف بالجار وتربصه به الدوائر وتسبيبه له المضار، فهو من العاصين المتوعدين بدخول النار، وأنه لا يدخل الجنة حتى يعاقب ويجازى بفعله، إلا أن يعفو الله عنه، وهذا وعيد شديد، وفيه من تعظيم حق الجار ما فيه[16]، فعن أبي هريرة رضي الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».

رواه مسلم في صحيحه[17]: كتاب: الإيمان، باب: بيان تحريم إيذاء الجار، رقم الحديث: 46، والبخاري في صحيحه[18]: كتاب: الأدب، باب: إثم من لا يأمن جاره بوايقه، رقم الحديث: 6016، من طريق أبي شريح رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوايقه».

الصدقة على الجار:

نفي الإيمان الكامل، لإخلاله بما توجه عليه في الشريعة من حق الجوار، وتهاونه في فضيلة الإطعام، التي هي من شرائع الإسلام، سيما عند حاجته وخصاصته[19]، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانا، وجاره جائع إلى جنبه».

رواه الحاكم في مستدركه[20].

شكاية الجار:

ينبغى لكل مؤمن أن يحذر أذى جاره ويرغب أن يكون في أعلى درجات الإيمان، وينتهي عما نهاه الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه وحضا العباد عليه[21]، فعن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، إن لي جارا يؤذيني، فقال: «انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق، فانطلق فأخرج متاعه، فاجتمع الناس عليه، فقالوا: ما شأنك؟ قال: لي جار يؤذيني، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق، فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم أخزه، فبلغه، فأتاه فقال: ارجع إلى منزلك، فوالله لا أؤذيك».

رواه البخاري في الأدب المفرد[22]، رقم الحديث: 124، والطبراني في معجمه الكبير[23]، رقم الحديث: 356، من طريق أبي جحيفة رضي الله عنه، لفظه: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال: اطرح متاعك على الطريق فطرحه فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس قال: وما لقيت منهم؟ قال: يلعنوني قال: قد لعنك الله قبل الناس، قال: فإني لا أعود فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ارفع متاعك فقد كفيت».

احتقار الجار:

لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها، لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها، بل تجود بما تيسر وإن كان قليلا؛ كفرسن شاة وهو خير من العدم[24]، فعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة».

رواه البخاري في صحيحه[25]؛ كتاب: الأدب،  باب: لا تحقرن جارة لجارتها، رقم الحديث: 6017، ومسلم في صحيحه[26]؛ كتاب: الزكاة، باب: الحث على الصدقة، ولو بالقليل ولا تمتنع من القليل لاحتقاره، رقم الحديث: 1030، والترمذي من نفس الطريق في سننه[27]؛ أبواب الولاء والهبة، باب: في حث النبي صلى الله عليه وسلم على التهادي، لفظه: «تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر، ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة»، رقم الحديث: 2130.

إذاية الجار:

كما يلزم أن يسلم الجار من لسان جاره ويده، فكذلك يلزم أن يسلم من قلبه وعقائده المكروهة فيه، فإن اليد واللسان خادمان للقلب[28]، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة، قال: لا خير فيها هي في النار، وقيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بالأثوار، وليس لها شيء غيره ولا تؤذي أحدا قال: هي في الجنة».

رواه الحاكم في مستدركه[29].

إن الصفات الحميدة، المتمثلة في حسن التعامل مع الجار، فهي من واجبات المعاملات السليمة للمسلم تجاه جاره، وهي من معالي الأخلاق، الواجب التخلق والاتصاف بها، وقد تكون سببا لدخول الجنة.

وأما ضدها، المتمثلة في سوء التعامل مع الجار، فهي من واجبات المعاملات السيئة للمسلم تجاه جاره، وهي من أراذل الأخلاق، المنهي التخلق والاتصاف بها، وقد تكون سببا لدخول النار.

*****************

هوامش المقال:

[1] ) شرح موطأ الإمام مالك للزرقاني 4/ 142.

[2] ) موطأ مالك رواية يحيى الليثي 5 /1360.

[3] ) صحيح البخاري 8 /11.

[4] ) صحيح مسلم 1 /68.

[5] ) إكمال المعلم بفوائد مسلم 8 /105.

[6] ) صحيح مسلم 4 /2025.

[7] ) مسند أحمد 35 /253-254.

[8] ) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 8 /722.

[9] ) سنن ابن ماجه 2/ 1411.

[10] ) المستدرك على الصحيحين 1 /378، 4/ 605.

[11] ) البدر التمام شرح بلوغ المرام 5/ 244.

[12] ) المسند 24 /86، المستدرك على الصحيحين 4 /166-167.

[13] ) السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير 2 /239.

[14] ) مسند أحمد 11 /126.

[15] ) سنن الترمذي 4/ 333.

[16] ) إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 283.

[17] ) صحيح مسلم 1/ 68.

[18] ) صحيح البخاري 8/ 10.

[19] ) فيض القدير شرح الجامع الصغير 5 /360.

[20] ) المستدرك على الصحيحين 4 /167.

[21] ) شرح صحيح البخاري لابن بطال 9 /222.

[22] ) الأدب المفرد ص: 56.

[23] ) المعجم الكبير 22/ 134.

[24] ) صحيح مسلم بشرح النووي 7 /120.

[25] ) صحيح البخاري 8/ 10-11.

[26] ) صحيح مسلم 2/ 714.

[27] ) سنن الترمذي 4 /441.

[28] ) عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي 8 /85.

[29] ) المستدرك على الصحيحين 4/ 166.

*******************

جريدة المراجع

الأدب المفرد لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت-لبنان، الطبعة الثالثة: 1409/ 1989.

إكمال المعلم بفوائد مسلم لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة، المنصورة-مصر، الطبعة الثالثة: 1426/ 2005.

البدر التمام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام لحسين بن محمد المغربي،  تحقيق: محمد شحود خرفان، دار الوفاء، المنصورة- مصر، الطبعة الثانية: 1426 /2005.

الجامع الصحيح (السنن) لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، تحقيق ج4: إبراهيم عطوه عوض، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثانية: 1382/ 1962.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت-لبنان، دار المنهاج، جدة-السعودية، الطبعة: الأولى: 1422، طبعة مصورة عن الطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1311.

السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير لعلي بن أحمد بن محمد العزيزي المصري، المطبعة الميمنية، مصر، 1312.

السنن لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، (د-ت).

شرح صحيح البخاري لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك ابن بطال، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الثالثة: 1425 /2004.

شرح موطأ الإمام مالك لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري، المطبعة الخيرية، مصر، 1310.

صحيح مسلم بشرح النووي ليحيى بن شرف بن مري النووي، المطبعة المصرية بالأزهر- مصر، الطبعة الأولى: 1347/ 1929.

عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لأبي بكر محمد عبد الله بن العربي المعافري، اعتناء: جمال المرعشلي، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1418 /1997.

فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى: 1356.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن نور الدين علي بن محمد الهروي القاري، اعتناء: صدقي محمد جميل العطار، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1414/ 1994.

المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم النيسابوري، وفي ذيله تلخيص المستدرك لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد- الهند، الطبعة الأولى: 1340-1341-1342.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، (د-ت).

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة: الثانية، (د-ت).

موطأ الإمام مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (رواية: يحيى بن يحيى الليثي)، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، منشورات مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، أبو ظبي- الإمارات، الطبعة الأولى: 1425/ 2004.

راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق