مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

سيدي عبد الله بن أبي بكر الجدميوي الصودي

الدكتور مصطفى مختار

باحث في مركز علم وعمران

أسهمت البادية المغربية العالمة، بكل اقتدار، في الرواج العلمي بالحاضرة داخل بلادنا وخارجها. حيث تحول كثير من العلماء الآفاقيين إلى فاعلين مجاليين في الحواضر المغربية وغير المغربية.

      ومن بين هؤلاء سيدي عبد الله بن أبي بكر الجِدْميوي، بكسر الجيم وسكون الدال المهملة فميم ثم ياء ساكنة وواو مكسورة فياء النسب؛ الصَّوْدي، بفتح الصاد المهملة وسكون الواو فدال مهملة. ولد، بجزولة من أقصى المغرب على البحر المحيط، في حدود عام 643 هـ[1]، بين أهل بلده المعتنين بالفرائض[2].

      ولما ناهز تقريبا عشرين سنة من عمره[3] وفد عام 663 هـ على الإمام الفقيه سيدي أبي سليمان داود بن علي الحيحائي، ببادية أسرير من نول لمطة[4] التي كانت أحد المراكز العلمية المغربية خلال القرن السابع الهجري[5]. ولعل المقصود به المدرسة البنعمرية التي أسسها سيدي محمد بن عمرو اللمطي هناك في زمن غير بعيد عن عصر المترجم[6].

      وقد قرأ التلميذ المذكور على أستاذه كتاب الكافي في الفرائض لابن عبد البر خمس مرات مع كثير من علم الحساب[7]. حيث قال في موطن أول: “وهو أول من قرأت عليه الفقه“[8]. وقال في موطن ثان: “وعليه أتقنت الحساب، والكافي في الفرائض، وأنا- يومئذ- ابن عشرين سنة أو أقل منها“[9].

      وتابع تعلمه في بلاد مصر، آخذا “الجعدية” للفاضل أبي الحسن ابن جعد على الشيخ الزاهد أبي الطاهر بن يوسف الرعيني الأندلسي، بالإسكندرية، عام 673 هـ؛ و”التلقين” على الفقيه الإمام أبي محمد عبد الله الغماري، بالقاهرة، عام 674 هـ[10].

      ثم استقر أخيرا، بمدينة الإسكندرية. حيث وصف في بعض المظان بنزيلها[11]. وهناك انتهى إليه علم الفرائض في عصره، مدرسا إياها كثير الحفظ لها، مضطلعا بغوامضها[12].

      وممن درسهم أبو القاسم التجيبي الذي قرأ عليه جميع “كتاب نهاية الرائض في خلاصة الفرائض“، بمسجد أبي الدرداء داخل باب السدرة من ثغر الإسكندرية المحروسة[13]، وكتابين آخرين متواجدة نسختاهما مع نسخة الأول في مجموع، بدار الكتب الناصرية، بتمكروت رقم 1647[14].

      وإلى جانب علم الفرائض (علم المواريث) اهتم المترجم بعلم الحساب حتى اشتهر بلقب الفرضي الحيسوبي[15]، مازجا بين علمين متلازمين (المواريث-الحساب)[16]، وبين علمين متكاملين (الفقه والسلوك)[17] على نهج كثير من فقهاء المغرب وعلمائه.

والله الموفق للصواب والمعين عليه

الإحالات:    

[1] نيل الابتهاج بتطريز الديباج، مج1، أحمد التنبكتي، تحقيق: علي عمر، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، ط. الأولى، 2004 م، ص232.

[2] كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج، ج1، أحمد التنبكتي، دراسة وتحقيق: محمد مطيع، المحمدية، مطبعة فضالة، 2000 م، ص238.

[3] دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية، محمد المنوني، المحمدية، مطبعة فضالة، 1985 م، ص39.

[4] راجع: المؤسسات التعليمية الأولى بسوس، محمد المنوني، في: المناهل، ع. 34، 1986 م، ص43، وص44، الهامش رقم 29، وص45.

[5] الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين، ج2، محمد حجي، المحمدية، مطبعة فضالة، 1978 م، ص621.

[6] راجع: المدرسة البنعمرية اللمطية العتيقة بأسرير أزوافيط، امبارك رشيد، مطبعة Safigraphe، ط. الأولى، 2015 م، ص19، وص29- 30، وغيرها.

[7] نيل الابتهاج، مج1، ص231.

[8] نفسه.

[9] دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية، ص39.

[10] نفسه.

[11] نيل الابتهاج، مج1، ص231.

[12] انظر: نيل الابتهاج، مج1، ص231، وص232.

[13] راجع: دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية، ص40؛ والمؤسسات التعليمية الأولى بسوس، ص44- 45.

[14] راجع: دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية، ص38- 40.

[15] نيل الابتهاج، مج1، ص231.

[16] مادة أسرير، مصطفى ناعمي، في: معلمة المغرب، ج2، مطابع سلا،  1989 م، ص410.

[17] انظر: نيل الابتهاج، مج1، ص231، وص232.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق