تفاريع فقهية مبنية على أنظار وروايات الصحابة رضي الله عنهم
3) حُكْمُ المَاءِ اليَسِيرِ إِذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ فَلَمْ تُغَيِّرْهُ
تقديم
لقد اعتنى الإسلام غاية العناية بالماء باعتباره أصل الحياة، إذ به يصلح العيش، وبه تَدِبُّ الحيوانات وتخرج النباتات. وقد جعله الشرع الحنيف أداةَ التطهُّر والتطهير للمسلم، فجعله الوسيلة المستعملة في رفع الأحداث وإزالة حكم النجاسات، ولا يُسْتَعاضُ عنه بغيره إلا في الضرورات والمستثنيات. لأجل ذلك عنِيَ الفقهاء بمعرفة أحكام المياه في جميع حالاتها، وذلك أن المياه تتغير بسبب ما يعرض لها من عوامل محيطة بها أو طارئة عليها، والتي ترجع إما لوجودٍ مغيِّرٍ في منبعها، أو في مجراها، أو لركودها وطول مكثها، أو لإضافة شيء فيها، وكل ذلك قد يختلف تأثيره وقوة تغييره بحسب قلة الماء أو كثرته...، وهذا ما يفضي بنا إلى وجود أحوال مختلفة للمياه، وكل حالٍ منها إلا وتحدَّث عنه الفقهاء وأظهروا له حكمًا شرعيا (مستندًا إلى أدلته الشرعية) يتعلق به من حيث إمكانُ استعماله في العبادات أو العادات من عدم ذلك، ومن تلك الحالات: الماء القليل الذي تخالطه النجاسة فلا تغيِّر أحد أوصافه. هل يبقى هذا الماء على أصل حكم طهوريته فيصلح في العادات والعبادات؟ أم إن تلك النجاسة القليلة تسلبه حكم الطهورية ويصير في حكم المتنجِّس فلا يستعمل في عادات ولا عبادات؟
بدايةً، فقد اتفق الفقهاء على أن الماء الكثير إذا خالطته نجاسةٌ فإنه لا ينْجُس إلا بحصول تغيُّرٍ فيه، وذلك بأن تتغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة، كما اتفقوا على أن الماء اليسير إذا تغيَّر أحد أوصافه بحلول النجاسة فيه تنجَّسَ مطلقا. لكنهم اختلفوا في الماء اليسير إذا حلَّت فيه نجاسة ولم تُحدِث فيه تَغَيُّرًا في طعمه أو لونه أو ريحه، هل يبقى على أصل طهوريته أم يصير نجسا.
ومردُّ اختلافهم يرجع إلى سببين أساسيين:
- الأول: اختلافهم في معنى تنجيس الماء أصلا، هل هو ما ظهرت فيه النجاسة معاينةً ومشاهدة؟ أم يكفي العلم بوجودها وإن ذابت فيه ولم يبق لها أثر؟
- الثاني: تعارضُ بعض الروايات الثابتة عن الصحابة رضوان الله عليهم في الباب، والتي يُفهَم من بعضها أن النجاسة تؤثر في الماء مطلقا فتُنجِّسه. ويُفهم من الأخرى أن الماء لا يتأثر بالنجاسة إلا ما غيَّرَت أوصافَه.
وفيما يلي عرضٌ مختصَر لآراء الفقهاء في المسألة، وقد بُنِيت جُلُّها على روايات الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، ونذكر معها بعض الردود التي أوردها العلماء في مناقشتهم لأدلة المعترضين.
المذهب الأول: الماء القليل إذا خالطته النجاسة فإنه لا يتنجَّس إلا إذا تغيَّرت أحد أوصافه؛ وهو مذهب المالكية
ذهب السادة المالكية([1]) –في الأرجح من مذهبهم([2])- إلى أن الماء إذا حلَّت فيه نجاسة ولم تغيِّر أحد أوصافه من لون أو طعم أو ريح فإنه لا يتنجَّس، سواء كانت النجاسة الواقعة في الماء قليلة أم كثيرة، وسواء كان الماء قليلا أم كثيرا. فالضابط عندهم هو تغير الأوصاف بالنجاسة لا مجردُ وقوعِها فيه.
واستدل المالكية على مذهبهم بأدلة، منها:
قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا)([3])، ولفظ (طَهُورًا) «بمعنى: فعول. مثل: قَتول وضَروب. فيكون فيه معنى التعدِّي والتَّكثير؛ يدل على ذلك قوله عز وجل: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ)([4])» ([5])، فيُستفاد من هذا أن الماء -المطلق- طاهِرٌ في نفسه مطهِّر لغيره، وهذا هو الأصل في المياه، فلا تتنجَّس إلا بتغيُّرٍ يُخرِجها عن وصفها الأصلي.
«وقد أجمعت الأمة أن الماء مطهِّر للنجاسات، وأنه ليس في ذلك كسائر المائعات الطاهرات...، وما كان طاهرا مُطهِّرا، استحال أن تلحَقه النجاسة؛ لأنه لو لحقته النجاسة لم يكن مطهِّرا أبدا، لأنه لا يطهرها إلا بممازجته إياها، واختلاطِه بها، فلو أفسَدَتْه النجاسة من غير أن تَغْلِب عليه وكان حكمُه حكمَ سائر المائعات التي تَنْجُس بمماسَّة النجاسة لها؛ لم تحصل لأحدٍ طهارةٌ»([6])، وهذا من حيث المعنى ظاهرٌ بيِّنٌ.
وأما من الروايات، فقد استدلوا بما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (قيل: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ قَالَ: وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا النَّتْنُ وَالْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ، فَقَالَ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»)([7])، «يعني: ما لم يغيِّره أو يَظْهَرْ فيه»([8])، وهذا مِن أقوى الأدلة في الباب، فقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطهارة البئر مع ما يُلقى فيها من النجاسات الغليظة، مع العلم بأن الإجماع منعقد على نجاسةِ الماءِ المتغيِّر بالنجَس، والبئرُ لا يكون ماؤه كثيرًا -كثرةَ البحار والأنهار- مهما كَبُر واتسع، ومِن ثمَّ فلا وجه لتأويل الحديث إلا أن يُقال فيه: إن النجاسات التي كانت تقع في بئر بضاعة لم تؤثر في مائه بتغيُّرٍ، بل بقي على أصل خلقته من لون وطعم وريح، فحكَم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطهوريته وجواز استعماله في الوضوء.
ومِثْلُ هذا الحديث في الدلالة، ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ تَوَضَّأْتُ مِنْ هَذَا. فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»)([9])، فهو عامٌّ في كل ماءٍ مطلق طهور، فرسول الله توضَّأ بفضل وَضوء بعض نسائه؛ لأنه ماء لم يتغير شيء من أوصافه المخرِجة له عن مطلق الطهورية.
واستدلُّوا أيضا بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال: (قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ»)([10])، ووجه الدلالة في الحديث، وقوعُ التَّطهير بالماء مع حصول الممازجة له مع النجاسة، فلو قلنا بأن الماء ينجُس بممازجة النجاسة، فإن تطهير الموضع لن يحصل مهما صُبَّ عليه من ماء؛ لأن كلَّ ماءٍ ينزل على النجاسة يصير نجسا، فيتعذَّر التطهير، وهو مناقض لمعنى الحديث، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصب الماء على البول لتطهير الموضع منه.
وبهذا يُستفاد أن البول إذا مازج الماء فإنه لا يَنجُسُ به في كل الأحوال، بل «إذا غلب الماءُ عليه طهَّره ولم يضُرَّه ممازجة البول له»([11]). وسائرُ النجاسات في هذا الحكم كالبول.
ثم إنه «لا فرق بين ورود الماء على النجاسة أو ورودها عليه؛ لأن المخالطة حصلت في الحالين. فلا اعتبارَ بتقدُّم أحد الشيئين»([12])، بخلاف الشافعية الذين غايروا بين ورود النجاسة على الماء فتنجِّسه، وبين ورود الماء على النجاسة فلا تنجِّسه بل يُطهِّرُ الماءُ النجاسةَ، «وقال جمهور الفقهاء: هذا تحكُّمٌ»([13])، إذ لا مُقتَضِي لهذا التفريق.
ثم إن سبب ورود الحديث كانَ بولَ أعرابيٍّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أطهر البقاع، وأولاها أخذًا بالاحتياط في التطهير ودفعِ القذى والنجاسات عنه، ومع هذا حَكم فيه النبي صلى الله عليه وسلم بصب دلو من الماء على ما نَجُسَ منه بالبول، ولا معنى له إلا تطهيرُه للمصلين فيه. ([14]) ومن ثمَّ فإن الحديث حجة في «أن قليل النجاسة لا يُفسِد قليل الماء، إذ معلوم أن ذلك الموضع قد طهر من الذَّنُوب([15])»([16]).
واستدلوا من جهة المعنى بأن النجاسة وصفٌ منضبط يقع للماء فيُخرِجه من مطلق الطهورية إلى حال التنَجُّسِ فيصير نجسا، وانضباط هذا الوصف متوقف على تغيُّر الماء، فإن لم يحصل تغيُّرٌ فلا وجه للحكم بنجاسته لمجرد حصول المخالطة، وفي ذلك يقول القاضي عبد الوهاب البغدادي: «ولأنَّ النَّجس معنى يؤثر في سَلب الماء التطهير به، فوجب أن يراعى في ذلك تغيُّرُه به دونَ مجرد مخالطته»([17]).
واستدلوا أيضا بأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين من بعدهم ممن ذهبوا هذا المذهب وأطلقوا الحكم بعدم نجاسة الماء الذي تخالطه النجاسة إلا بحصول التغيُّر، ومن جملة من قال بذلك من الصحابة رضوان الله عليهم ابن عباس رضي الله عنه، فقد ثبت عنه قوله: «إِنَّمَا جَعَلَ اللهُ الْمَاءَ يُطَهِّرُ وَلَا يُطَهَّرُ»([18])، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، إذ يقول: «إِذَا اخْتَلَطَ الْمَاءُ وَالدَّمُ فَالْمَاءُ طَهُورٌ»([19])، وجابر بن زيد رضي الله عنه حيث قَالَ لِرَجُلٍ: «صُبَّ عَلَيَّ -وَهُوَ فِي الْحَمَّامِ- قَالَ: إِنِّي جُنُبٌ، فَقَالَ: قُمْ فَاغْتَسِلْ فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»([20])، ومن التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله، فقد روي عنه: «إِنَّمَا الْمَاءُ طَهُورٌ كُلُّهُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»([21])، وعبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله، الذي كان يقول: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»([22])، وغيرهم كثير. قال ابن عبد البر: «وروي هذا المعنى عن عبد الله بن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن المسيب، على اختلاف عنه، وسعيد بن جبير. وهو قول الأوزاعي، والليث بن سعد، والحسن بن صالح، وداود بن علي»([23]).
المذهب الثاني: الماء القليل إذا خالطته النجاسة فإنه يتنجَّس مطلقا؛ وهو مذهب الحنفية
ذهب السادة الحنفية([24]) إلى أن الماء الراكد إذا حلت فيه نجاسةٌ تنجَّسَ وإن لم يتغيَّر، وذلك إن كان يسيرا، وتقدير اليسير عندهم بالحَرَكة، فالماء اليسير هو الذي إذا حُرِّك طرفه تحرك طرفه الآخر، وقيل: بل تُقدَّر بالمساحة، ويختلفون في تقدير هذه المساحة. وقيل غير ذلك.
واستدل الحنفية لمذهبهم بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ»([25]). ووجه الدلالة في الحديث أنه نُهي عن البول في الماء الدائم (أي: الراكد) لأنه ينجُسُ بذلك، وهو عامٌّ من غير بيان قدْر الماء مِن القلة أو الكثرة، وهل أدَّى هذا التبول إلى تغيير أحد أوصافه أم لا. وبذلك فإنه إذا وقعت النجاسة في الماء الراكد صار نجسا لا يصلح للاغتسال أو الوضوء كما يدل عليه ظاهر الحديث.
غير أن غالب استدلال الحنفية إنما هو بروايةٍ للحديث بلفظ: (وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ)([26]) بالعطف، وليس بلفظ الترتيب: (ثُمَّ). ومفاد الحديث بها أنهم يساوون بين البول وبين الغُسل في الماء الدائم من حيثُ حكم تنجيسه، فينجُس الماء بالغسل كما ينجسُ بالبول، اعتمادا على القول بنجاسة فَضْل الوَضوء [ما يتبقى من الماء بعد الوضوء]. وبما أن الاغتسال في الماء لا يُغيِّر صفته، ومع ذلك حُكِم له بالتَّنَجُّس، فإنه لا عبرة بتغير الأوصاف بُغية الحكم بنجاسة الماء، وإنما العبرةُ وقوعُ النجاسة فيه مطلقا وإن لم يتغيَّر.([27])
وهذا الدليل عند المالكية محمول على الكراهة والتنزيه، وذلك أنه قد عورِض بما سبق من الأدلة المبيَّنَة في مذهبهم، قال ابن القصار: «فهذا -عندنا- على وجه الكراهية والتنزيه؛ بدليل قوله عليه السلام: (خَلَقَ اللَّهُ المَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غَيَّرَهُ)، وبغيره من الدلائل التي تقدمت، وبما بيناه من الصب على بول الأعرابي، وبالقياس»([28])، وهذا وجه معتبر من أوجه الجمع، والمعلوم أن الجمع بين الأدلة مقدَّم على الترجيح، فالمصير إليه أولى.
واستدل الحنفية أيضا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «... وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»([29]). ووجه الاستدلال بهذا الدليل هو أَمْرُه صلى الله عليه وسلم بغسل يد المستيقظ من النوم قبل إدخالهما في إناءِ الوَضوء، وعلَّة النهي منصوصة في الحديث، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»، بمعنى أن العلة هي إمكانية تنَجُّس اليد لملامستها محلَّ خروج النجاسة واحتمالُ علوق بعض ذلك بها، وهذا الأمر محتمَل الوقوع وليس مُتَيَقَّنا، ومع ذلك توجَّه إليه طلب الشارع بالتنظيف، فَلَأَنْ يكون ذلك فيما هو متحَقَّقٌ وقوع النجاسة فيه أولى وأحرى، يقول البابرتي: «ووجه التمسك به أنه لما ورد النهي عن الغمس لأجل احتمال النجاسة، فحقيقة النجاسة أولى أن يكون نجسا»([30]).
وقد ردَّ المالكية هذا الوجه بأن «النبي عليه السلام لم يمنع من ذلك على وجه التحريم، وإنما هو كراهيةً ... لئلا تكون يده لاقت موضعا يكره أن يخالِط الماء، مثل أن يدخلها في أنفه، أو يلاقيها دنسٌ ووسخٌ دون النجاسة، ولو لاقت نجسا لم يُغيِّرِ الماءَ كرِهنا له ذلك أيضا»([31])، فالنهي النبوي في الحديث منصرِف إلى الكراهة لا التحريم، وبه يقول الجمهور بمن فيهم الحنفية([32])، وبهذا فهو حجَّة لمن يخالفهم لا لَهُم؛ لأن القول بعدم وجوب غسل اليدين في هذه الحالة -التي يمكن أن يكون بهما أثر النجاسة- يلزم منه القول بعدم تنجُّسِ الماء، وإلا لما صَلح للوضوء رأسا، بل لَلَزِمَ القول بوجوب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء لا الكراهة.
واستدلوا أيضا بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»([33])، ووجه استدلالهم به أن ماء الإناء الذي يَلَغُ فيه الكلب يجب طرحه وغَسل الإناء على الكيفية المذكورة مطلقا دون اعتبار لتغير ذلك الماء أو عدمه، فلزم منه أن وجود النجاسة -مطلقا- في الماء تنجِّسه وإن لم يتغير.
واستدلالهم هذا مبني على القول بنجاسة الكلب، وهي مسألة وقع فيها الخلاف، ومذهب المالكية طهارتُه، ولهم في ذلك أدلة قوية ليس هذا محلّ بسطها، ونقتصر منها على قوله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ)([34])، وهي آية تبيح أكل ما يصطاده الكلب مع ما يُعلَم من مخالطة لعابه لِلَحْم المصيد وعروقه. ومن ثمَّ بطُل -عند المالكية- الاستدلال بهذا الحديث في الباب، وخرج تطهير الإناء من ولوغ الكلب فيه مخرج النَّدب، أو مخرجَ التعبُّدِ؛ لا لكونه نجسًا. قال ابن القصار: «فإنما هو [أي: غسل الإناء من ولوغ الكلب] مندوب لا لنَجْسٍ، والكلب -عندنا- طاهر، وريقه طاهر، وإنما هو لأمر آخر» ([35])، وبهذا فالحديث قد دخله الاحتمال، فلو يقوَ به الاحتجاج، ثم إن هذا الحديث قد عارضه ما هو أقوى منه، «والأصل في الماء الطهارة، فالواجب ألاَّ يُقضَى بنجاسته إلا بدليل لا تَنازُع فيه ولا مَدْفَع له»([36]).
وتجدر الإشارة إلى أن الحكم بما ذهب إليه الحنفية، يقتضي تنجُّسَ كل المياه الموجودة في الدنيا، وذلك أننا «نعلم أن البحار والأنهار لا تخلو من نجاسةٍ تقع فيها، وما قالوه يؤدي إلى أن تكون كل المياه نجسة حتى لا يوجد طاهر بوجه؛ لأنه إذا نَجُس الماء الذي وقعت فيه النجاسة، فيجب نجاسةُ ما جاورَه كذلك، أبدًا، وهذا فاسدٌ»([37]).
المذهب الثالث: الماء القليل (وهو: ما كان دون القُلَّتَيْنِ) إذا خالطته النجاسة يتنجَّس؛ وهو مذهب الشافعية والحنابلة
ذهب السادة الشافعية([38]) والسادة الحنابلة([39]) إلى أن الماء اليسير يتنجس بملاقاة النجاسة له وإن لم يتغير، واليسير عندهم هو ما كان دون القُلَّتَيْنِ، أما إذا بلغ الماء قلتين فأكثر فإنه لا ينجُس إلا بالتَّغَيُّر.
واستدل الشافعية والحنابلة على مذهبهم بما سبق من أدلة الحنفية، إلا أنهم خصَّصوها بما كان دون القلتين، واستدلوا في اعتبار القلتين بحديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ»([40])، ومفهوم الحديث أن الماء إذا لم يبلغ قلتين فإنه ينجس بملاقاة النجاسة مطلقا، تغير أو لم يتغير.
ومحل الإشكال في مذهبهم كامن في التحديد بـ(القُلَّتَيْنِ)؛ وذلك لاضطراب الأحاديث الواردة في بيان مِقْدارها، إذ لم يثبت بيان ذلك من طريق صحيح، ومن ثمَّ فلا يمكن إناطة الحكم الشرعي بشيء مُبهم لم يَرِد فيه تقدير صريح، يقول ابن القصار: «فإذا اضطرب المتن هذا الاضطراب الشديد، لم يثبت منه تحديدٌ يَبطُل به ظاهرُ الأحاديث، ولا يُخَص بمثل هذا؛ لأن الحدود لا تثبت بمثله حتى تصير مقاديرَ في الشريعة لا تُتَجاوز»([41]).
و«القُلَّة من الأسماء المشتركة؛ لأنها تقع في اللغة على الكُوزِ [وهو إِناءٌ بعُرْوة، مِن فخَّار أو غيره، له أُذنٌ، يُشرَب فيه أو يُصَبُّ منه]، وتقع على الجَرَّة [إِناءٌ مِنْ خَزَفٍ، لَهُ عُرْوَتَانِ]، وعلى القِرْبَة [وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَنَحْوُهُ]، وعلى قُلَّةِ الجَبَلِ، وغير ذلك...، فلا يصح ادعاء العموم في اسمٍ مشترك، ولا صَرفُه إلى بعض ما يتناوله دون بعضٍ إلا بدليل، ومَن صَرفَه إلى بعضها جاز لآخرَ أن يصرفه إلى الوجه الآخر، فيجب الوقوف به حتى يثبت المراد منه، ولا يُحتَج بظاهره»([42])، وبهذا لا تقوم الحجة بالحديث، وتكون الحجة في استصحاب الأصل في المياه؛ وهي الطهورية، ولذلك يقول الإمام الباجي: «ودليلنا -أي المالكية- من جهة القياس؛ أن هذا ماءٌ لم يتغير بمخالطة ما ليس بقراره وينفك الماء عنه غالبا، فوجب أن يكون طاهرا مُطهِّرا، كما لو زاد على القلتين»([43]).
ثم إن التحديد بالقلتين ينبني عليه إشكال عقلي واقعي، فلو افترضنا أن النجاسة وقعت في ماء دون قلتين بقليل، حكمنا بنجاسته، وإذا أضفنا له نزرا يسيرا -لا يكاد يؤثر- فبلغ مقدار قلتين صار طهورا صالحا للعبادة، مع كونِ الفرق بينهما لا يكاد يُذكَر، ومثل هذا لا يُعمَل به في الأحكام إلا إن كان تعبدًا ثابتًا بدليل ثابت وصريح. يقول ابن عبر البر: «ومحال في العقول أن يكون ماءان؛ أحدهما يزيد على الآخر بقدح أو رطل، والنجاسةُ غيرُ قائمةٍ ولا موجودةٍ في واحدٍ مِنهُما؛ أحدهما نجس، والآخَرُ طاهر»([44]).
ختامًا
وبعد هذا العرض والنقاش، وهذه الأدلة والاستدلالات، لا يسعنا إلا أن نلحظَ بعيوننا وعقولنا عنايةَ الشرع الحنيف بكل جوانب الحياة، وذلك ما جعل الفقهاء يتعاملون مع كل المسائل بالاهتمام والتقصي، فيجتهدون فيها بطول النفس وعرض الآراء والمناقشة والردود، قاصدين بلوغ الحكم الصواب حسب ما يؤديهم إليه اجتهادهم.
كما نلاحظ أيضا العناية الفائقة بنعمة الماء الذي يُعَدُّ قِوام الحياة وأساس الخَلق، خاصَّة في زمنٍ شحت فيه هذه النعمة بَعدَ طول هدرٍ وسوء استعمال، فنحن اليوم في أمسِّ الحاجة إلى تعليم الكبير والصغير فقه التعامل مع المياه، وترشيد استعماله، وعدم التسرع في هدره وإراقته، وكل ذلك مبسوط في كتب الفقه، مسطور في الفروع المتعلقة بأبواب الطهارة وجُمَل الآداب.
ولا يفوتني أن أشير إلى أن كثيرا من الآراء في هذا الباب، قد بُنِيت مراعيةً واقع الفقهاء وبيْئَتَهم، فأنت ترى المذهب المالكي الذي ظهر في شبه الجزيرة العربية، وانتشر في أماكنَ يَغلُب عليها قِلَّةُ الماء، قد غلب عليه الاحتراز للمياه، والقولُ بطهارة القليل منها إذا خالطته النجاسة ولم تؤثر فيه. وإذا وجَّهت النظر إلى المذهب الحنفي الذي كانت بدايته في العراق ثم انتشر في شتى أرجاء القارة الآسيوية، وكلُّها بلاد يكثر وجود المياه العذبة بها وتنتشر فيها الأنهار والوديان، تجدهم يرجِّحون نجاسة الماء القليل إذا وقعت فيه النجاسة وإن لم تُغيِّره، بل إنهم يتحدَّثون عن نزح عدد كبير من دِلاَءِ الماء من البئر الذي وقعت فيه النجاسة وإن لم تُغَيِّره. ومن ثمَّ أمكننا الاستفادة أن الخلاف بين الفقهاء، وتنوع الأدلة المعتمدة عندهم، تثري ميدان اجتهاد العلماء في كل عصر بحسب ما يحصل فيه من وفرة المياه أو شُحِّها، وبحسب الأماكن والبيئات أيضا. واللائق بالجميع؛ مراعاة مقصد الشريعة في حفظ المياه وعدم الإسراف فيها على أي وجه كان هذا الإسراف.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.
------------------------------------------------------------------------------
([1]) – انظر: التلقين لعبد الوهاب البغدادي؛ 1/25. الإشراف له؛ 1/181. الكافي لابن عبد البر؛ 1/156. شرح التلقين للمازري؛ 1/219. الذخيرة للقرافي؛ 1/173.
([2]) – للمالكية أقوال داخل المذهب، أشهرها: أنه ماء مكروه إلا للضرورة. ومنها: التفرقة بين الماء الكثير والقليل في مخالطة النجاسة له؛ فينجس القليل بخلاف الكثير. ومنها: لا يجوز استعماله في الطهارة مطلقا بخلاف العادات. ومنها: استحباب نزح دلاء من الماء إن كان ذلك في بئر. ومنها: القول بنجاسته مطلقا فلا يستعمل في عادة ولا عبادة. ومنها: اعتبار تغيُّر اللون والطعم دون الرائحة. انظر: الكافي لابن عبد البر؛ 1/156. المنتقى للباجي؛ 1/56. شرح التلقين للمازري؛ 1/219. الذخيرة للقرافي؛ 1/173.
([5]) – التمهيد لابن عبد البر؛ 1/582.
([6]) – التمهيد لابن عبد البر؛ 1/583.
([7]) – أخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (في طهارة الماء والقدر الذي ينجس ولا ينجس). والنسائي في «المجتبى» (كتاب المياه، باب ذكر بئر بضاعة). وأبو داود في «سننه» (كتاب الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة). والترمذي في «جامعه» (أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء). والبيهقي في «سننه الكبير» (كتاب الطهارة، باب التطهير بماء البئر).
([8]) – التمهيد لابن عبد البر؛ 1/585.
([9]) – أخرجه النسائي في «المجتبى» (كتاب المياه، باب قال الله عز وجل وأنزلنا من السماء ماء طهورا). وأبو داود في «سننه» (كتاب الطهارة، باب الماء لا يجنب). والترمذي في «جامعه» (أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب الرخصة في ذلك). وابن ماجه في «سننه» (أبواب الطهارة وسننها، باب الرخصة بفضل وضوء المرأة).
=> «قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: وهذا حديث صحيح في الطهارة، ولم يخرِّجاه، ولا يُحْفَظ له علة» البدر المنير لابن الملقن؛ 1/395.
([10]) – أخرجه البخاري في «صحيحه» (كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد).
([11]) – التمهيد لابن عبد البر؛ 1/583. شرح التلقين للمازري؛ 1/219.
([12]) – شرح التلقين للمازري؛ 1/219.
([13]) – بداية المجتهد لابن رشد؛ 1/32.
([14]) – المنتقى للباجي؛ 1/129.
([15]) – «الذَّنُوبُ: ملء دلو من ماء». العين للفراهيدي (8/ 190).
([16]) – بداية المجتهد لابن رشد؛ 1/31.
([17]) – الإشراف لعبد الوهاب البغدادي؛ 1/181.
([18]) – أخرجه البيهقي في «سننه الكبير» (كتاب الطهارة، باب طهارة الماء المستعمل) وعبد الرزاق في «مصنفه» (كتاب الطهارة، باب الماء لا ينجسه شيء وما جاء في ذلك).
([19]) – أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (كتاب الطهارة، باب الماء لا ينجسه شيء وما جاء في ذلك).
([20]) – أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (كتاب الطهارة، من قَالَ الماء طهور لا ينجسه شيء).
([21]) – أخرجه البيهقي في «سننه الكبير» (كتاب الطهارة، باب الماء الكثير لا ينجس بنجاسة تحدث فيه ما لم يتغير). والدارقطني في «سننه» (كتاب الطهارة، باب الماء المتغير). وابن أبي شيبة في «مصنفه» (كتاب الطهارة، من قَالَ الماء طهور لا ينجسه شيء).
([22]) – أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (كتاب الطهارة، من قَالَ الماء طهور لا ينجسه شيء).
([23]) – التمهيد لابن عبد البر؛ 1/577.
([24]) – انظر: المبسوط للسرخسي؛ 1/70. بدائع الصنائع للكاساني؛ 1/74 وما بعدها. مجمع الأنهر لداماد أفندي؛ 1/28. رد المحتار لابن عابدين؛ 1/185.
([25]) – أخرجه البخاري في «صحيحه» (كتاب الوضوء، باب البول في الماء الدائم). ومسلم في «صحيحه» (كتاب الطهارة، باب النهي عَنْ البول فِي الماء الراكد).
([26]) – أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (كتاب الطهارة، باب المياه - ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن اغتسال الجنب في الماء الدائم ينجسه). وأبو داود في «سننه» (كتاب الطهارة - باب البول في الماء الراكد). والبيهقي في «سننه الكبرى» (كتاب الطهارة جماع أبواب ما يفسد الماء، باب الدليل على أنه يأخذ لكل عضو ماء جديدا ولا يتطهر بالماء المستعمل).
([27]) – انظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص؛ 1/232. المبسوط للسرخسي؛ 1/46. بدائع الصنائع للكاساني؛ 1/67.
([28]) – عيون الأدلة لابن القصار؛ 2/859.
([29]) – أخرجه البخاري في «صحيحه» (كتاب الوضوء، باب البول في الماء الدائم). ومسلم في «صحيحه» (كتاب الطهارة، باب النهي عَنْ البول فِي الماء الراكد).
([30]) – العناية شرح الهداية للبابرتي؛ 1/74.
([31]) – عيون الأدلة لابن القصار؛ 2/880.
([32]) – انظر: بدائع الصنائع للكاساني؛ 1/20. العناية شرح الهداية للبابرتي؛ 1/20-21. رد المحتار لابن عابدين؛ 1/111-112.
([33]) – أخرجه البخاري في «صحيحه» (كتاب الوضوء، باب إذا شرب الكلب من إناء أحدكم). ومسلم في «صحيحه» (كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب).
([35]) – عيون الأدلة لابن القصار؛ 2/859.
([36]) – التمهيد لابن عبد البر؛ 1/582.
([37]) – الإشراف لعبد الوهاب البغدادي؛ 1/181.
([38]) – انظر: الحاوي الكبير للماوردي؛ 1/325. حلية العلماء للشاشي؛ 1/80. المجموع للنووي؛ 1/112. نهاية المحتاج للرملي؛ 1/74.
([39]) – انظر: المغني لابن قدامة؛ 1/36. المحرر في الفقه لأبي البركات؛ 1/2. شرح الزركشي على مختصر الخرقي؛ 1/129. المبدع في شرح المقنع لابن مفلح؛ 1/38.
([40]) – أخرجه النسائي في «الكبرى» (كتاب الطهارة، التوقيت في الماء). وأبو داود في «سننه» (كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء). والترمذي في «جامعه» (أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه آخر). وابن ماجه في «سننه» (أبواب الطهارة وسننها، باب مقدار الماء الذي لا ينجس).
=> والحديث مختلف في صحته اختلافا شديدا، فمنهم من أعلَّه بالاضطراب من جهتي إسناده ومتنه، ومنهم من أجاب عن الاضطراب وصحَّحه من طريق آخر. وقد دقَّقَ القولَ فيه ابن دقيق العيد، فقال: «هذا الحديث قد صحح بعضهم إسنادَ بعضِ طُرقِه، وهو أيضا صحيح على طريقة الفقهاء؛ لأنه وإن كان حديثا مضطرب الإسناد، مختلفا في بعض ألفاظه، وهي علة عند المحدثين إلا أن يجاب عنها بجواب صحيح، فإنه يمكن أن يجمع بين الروايات، ويجاب عن بعضها بطريق أصولي، وينسب إلى التصحيح، ولكن تركته (يعني في الإلمام)؛ لأنه لم يثبت عندنا -الآن- بطريق استقلال يجب الرجوع إليه شرعا تعيينٌ لمقدار القلتين» البدر المنير لابن الملقن؛ 1/413.
([41]) – عيون الأدلة لابن القصار؛ 2/873.
([42]) – عيون الأدلة لابن القصار؛ 2/874.