مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض ثمرات وحِكَم استحباب صيام ستة أيام من شهر شوال

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

       إن من نعم الله على عباده أن شرع لهم الكثير من الطاعات والعبادات التي تقربهم إلى نيل مرضاته سبحانه، ومن أجل هذه العبادات وأعظمها “صيام التطوع” الذي يعد وسيلة عظمى للتقرب إلى الله تعالى، وقد ورد بشأنه أحاديث كثيرة من السنة النبوية؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد”([1])، ومن صيام التطوع: “صيام ستة أيام  من شهر شوال” الذي له فضل كبير، وشأن عظيم عند الله تعالى، فهو كصيام الدهر في الأجر والثواب إذا أضيف له صيام شهر رمضان ؛ مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر “([2]).

لأجل هذا الفضل أحببت أن أتناوله في مقال أورد فيه بعض حكم وثمرات صيامه، وقبل ذلك أورد  في نبذة وجيزة حكم صيام ستة أيام من شهر شوال عند الفقهاء ، وهذا أوان الشروع في هذا الموضوع فأقول وبالله التوفيق:

نبذة وجيزة عن حكم صيام ستة أيام من شهر شوال عند الفقهاء:

    يعد صيام ستة أيام من شهر شوال سنة مستحبة، وليس بواجب ولا فرض، وقد سن صيامها الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب فيها، لما لها من الأجر والثواب الجزيل قال صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر “([3]).

قال الموفق بن قدامة: “صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم”([4]).

وأثر عن الإمام  مالك رحمه الله أنه كان يشدد ويكره صيامها، وقد وجَّه بعض العلماء سبب كراهيته؛ لذلك وهو:  مخافة أن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء، وأما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها([5]).

بعض ثمرات وحكم استحباب صيام ستة أيام من شهر شوال

إن لصيام ستة من شهر شوال بعد صيام رمضان حكم عظيمة، وثمرات عديدة، ومن هذه الحكم والثمرات أذكر :

1-إن صيام ستة من شهر شوال يعد كصلاة سنن الرواتب التي تكون قبل الصلاة المفروضة أو بعدها؛ لجبر النقص الذي قد يحصل في صيام رمضان؛ حيث لا يخلو الصائم من حصول تقصير، أو ذنب يؤثر على صيامه في شهر رمضان؛ فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ” إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا جل وعز لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدى أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم “([6]).

2-يعد من التقرب إلى الله تعالى التي توجب محبة الله له ومعيته له في كل شيء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطنيه، ولئن استعاذني لأعيـذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته”([7]).

3- أن أجر صيامه مضاعف، فهو يعدل صيام شهرين إذا أضيف له صيام شهر رمضان ؛ للحديث المتقدم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر”([8])..

4-كما يترتب عليه الأجر الجزيل يوم القيامة لأنه داخل في عموم صيام التطوع؛ ومقدار الأجر لا يعلمه إلى الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ، ولا يسخب، فإن سابه أحد، أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه”  ([9]).

5- أن فيها امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي رغب في صيامها، وهذا خير عظيم.

6-أن في صيامها دليل على شكر العبد لربه تعالى الذي وفقه على نعمة إتمام صيام رمضان.

7-يعد دليلا على محبة الله وتوفيقه له؛ لأنَّ الله تعالى إذا أحب عبدا  وفقه للعمل الصالح. 

8-أن صيام التطوع ومنه “صيام ستة من شوال” يعد سياحة لمن اعتاد صيامها وقد جاء هذا الوصف في القرآن الكريم في قوله تعالى: (التائبون العابدون الحامدو السائحون ..) ([10])، وقد جاء في التفسير أن المراد بالسائحين: هم الصائمون([11]) .

9-أنه من أسباب وقاية وجهه من حر جهنم؛ لدخوله في عموم صيام التطوع؛ فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله عز وجل، إلا باعد الله عز وجل بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا”([12]) .

10-أنه  وسيلة لتزكية النفس بعد رمضان وكبح جماحها عن الحرام.

 11-أنه وسيلة لتعويذ النفس على التقليل من الطعام والشراب والإسراف فيه؛ لما له من فوائد جمة على صحة البدن، وعلى جهاز المناعة لديه.

وغيرها من الثمرات والحكم.

الخاتمة:

وصفوة القول:  يعد صيام ستة أيام من شهر  شوال من أجل وأعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ويكفيها شرفا ومنزلة أن صيامها يعدل أجر صيام شهرين ؛ لما رواه النسائي من حديث ثوبان رضي الله عنه، عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال:  “جعل الله الحسنة بعشر أمثالها، فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة”([13])، فعلى المسلم أن يغتنم هذه الفرصة  ويصومها امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي حث المسلمين على صيامها ؛ لما لها من ثمرات وفوائد جمة، وحكم عظيمة، وقد أشرنا إلى بعضها.

**********************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /29)، كتاب: الصوم، باب:  الريان للصائمين، برقم: (1896)،  ومسلم في صحيحه (1 /511)، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام،  برقم: (1152).

([2]) أخرجه مسلم في صحيحه (1 /521)، كتاب: الصيام،  باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان برقم: (1164).

([3])  تقدم تخريجه.

([4])  الشرح الكبير على متن المقنع (4 /122).

([5]) مواهب الجليل (3/ 329).

([6])  أخرجه أبو داود في سننه (1 /271)، كتاب: الصلاة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه”، برقم: (864).

([7])  أخرجه البخاري في صحيحه (4 /192)، كتاب: الرقائق ، باب: التواضع، برقم (6502).

([8])  تقدم تخريجه

([9])  أخرجه الإمام البخاري (2 /29)، كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم، برقم: (1894)، والإمام مسلم، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، برقم:( 163/ 1151). واللفظ للبخاري.

([10])  سورة التوبة من الآية : (112).

([11])  تفسير ابن كثير (4/ 192).

([12])  سنن النسائي (ص: 374) كتاب: الصيام، باب: ثواب من صام يوما في سبيل الله عز وجل وذكر الاختلاف على سهيل بن أبي صالح في الخبر في ذلك، برقم: (2245).

([13])  أخرجه النسائي في سننه الكبرى (2 /163)، كتاب: الصيام، باب: ثواب من صام يوما في سبيل الله ، برقم: (2861).

**********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

تفسير القرآن العظيم. لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير . وضع حواشيه وعلق عليه: محمد حسين شمس الدين.  دار الكتب العلمية بيروت  2018مـ.

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ..

سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2016مـ.

سنن النسائي. لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. ضبط نصها: أحمد شمس الدين. دار الكتب العلمية بيروت. 2018مـ.

سنن النسائي الكبرى. لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. تحقيق:  عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي حسن.. دار الكتب العلمية بيروت. 1996مـ.

الشرح الكبير على متن المقنع ومعه المغني على مختصر الخرقي. لموفق الدين عبد الله أحمد بن محمد ابن قدامة المقدسي . اعتنى بهما: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت. 2009مـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج. لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل. لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني. ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: زكريا عميرات. دار الكتب العلمية بيروت لبنان . 2017مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق