بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمر بالرفق “تخريجها وشرحها”
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
لا شك أن الرفق خلق رفيع، حث عليه الإسلام ودعا الإنسان إلى الاتصاف به، وهو مطلوب في جميع الأمور، وفي مجالات الحياة كلها. من أعطاه الله إياه فقد فاز فوزا عظيما في الدنيا والآخرة، ومن حرمه فقد ضل ضلالا مبينا، ويكفي أهل الرفق شرفا أن الله تعالى في عليائه متصف به، لأجل ذلك سأحاول في هذا المقال التذكير ببعض الأحاديث التي تؤكد هذه الصفة وتدعوا إلى الاتصاف بها منتقية منها ثلاثة أحاديث و تخريجها تخرجا مختصرا، مع بيان معناها بإيجاز ، وقبل ذلك ارتأيت أن أعرف بالرفق لغة واصطلاحا، وهذا أوان الشروع في المطلوب فأقول وبالله التوفيق والسداد:
أولا: التعريف بالرفق لغة واصطلاحا:
1-الرفق لغة:
عرف أهل اللغة الرفق باللطف واللين وهو ضد العنف قال الجوهري: " الرفق: ضد العنف، وقد رفق به يرفق. وحكى أبو زيد: رفقت به وأرفقته بمعنى، وكذلك ترفقت به. ويقال أيضا: أرفقته، أي: نفعته" ([1]).
وقال ابن منظور: " الرفق ضد العنف، رفق بالأمر وله وعليه يرفق رفقا، ورفق يرفق ورفق لطف ورفق بالرجل وأرفقه بمعنى وكذلك ترفق به ويقال أرفقته أي نفعته وأولاه رافقة أي رفقا وهو به رفيق لطيف"([2]).
2-الرفق اصطلاحا:
عرف العلماء الرفق اصطلاحا باللين وحسن الجانب وبالمداراة، وهو ضد العنف. قال ابن حجر : " هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف"([3])
وقال ملا علي القاري: " هو المداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها"([4])
وقال محمد شمس الحق العظيم آبادي "المداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها " ([5])
ثانيا: بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالرفق:
اشتملت كتب السنة على جملة من الأحاديث النبوية التي ذكرت الرفق،ورغبت فيه ودعت إلى الاتصاف به، و سأكتفي في هذا المقال بإيراد ثلاثة أحاديث منها مع تخريجها تخريجا مختصرا وبيان معناها بإيجاز وهي كالآتي:
الحديث الأول:
عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يحرم الرفق يحرم الخير"
تخريجه:
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب: البر والصلة باب: فضل الرفق برقم: (74)(2592) ([6])، وبرقم: (75)(2592) ([7])، وبرقم: (76)(2592) ([8])، وأخرجه أبو داود في سننه في كتاب: الأدب، باب: في الرفق، برقم: (4809) ([9])كلاهما من حديث جرير رضي الله عنه.
شرحه ومعناه:
قال السندي في تفسير هذا الحديث: "أي: من جعله الله تعالى محروما من الرفق ممنوعا منه، فقد جعله محروما من الخير كله؛ إذ الخير لا يكتسب إلا بالرفق والتأني وترك الاستعجال في الأمور " ([10]).
قال ابن عثيمين: "يعني: أن الإنسان إذا حرم الرفق في الأمور فيما يتصرف فيه لنفسه وفيما يتصرف فيه مع غيره، فإنه يحرم الخير كله؛ أي: فيما يتصرف فيه، فإذا تصرف الإنسان بالعنف والشدة، فإنه يحرم الخير فيما فعل . وهذا شيء مجرب ومشاهد، أن الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشدة، فإنه يحرم الخير ولا ينال الخير ،وإذا كان يتعامل بالرفق والحلم والأناة وسعة الصدر ،حصل على خير كثير ،وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائما رفيقا حتى ينال الخير "([11]).
الحديث الثاني:
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شأنه".
تخريجه
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: البر والصلة باب: فضل الرفق برقم: (78)(2594)، ([12])،وأخرجه أبو داود في سننه في كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الهجرة وسكنى البدو، برقم: (2477)، وفي كتاب: الأدب، باب: في الرفق، برقم: (4808) ([13])
كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها. وهذا لفظ مسلم.
شرحه ومعناه:
في الحديث بيان فضل الرفق وأنه سبب كل خير([14])
قال المناوي في فيض القدير: "لأن به تسهل الأمور، وبه يتصل بعضها ببعض، وبه يجتمع ما تشتت، ويأتلف ما تنافر ،وتبدد ويرجع إلى المأوى ما شذ، وهو مؤلف للجماعات، جامع للطاعات ، ومنه أخذ أنه ينبغي للعالم إذا رأى من يخل بواجب، أو يفعل محرما، أن يترفق في إرشاده ويتلطف به." ([15])
الحديث الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله رفيقٌ يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه".
تخريجه:
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الأدب، باب: الرفق في الأمر كله برقم: (6024)([16])، ومسلم في صحيحه كتاب: البر والصلة، باب: فضل الرفق، برقم: (77)(2593)([17]) واللفظ لمسلم.
شرحه ومعناه:
قال ابن حجر: "والمعنى أنه يتأتى معه من الأمور ما لا يتأتى مع ضده، وقيل: المراد يثيب عليه ما لا يثيب على غيره والأول أوجه"([18]).
وقال المناوي في فيض القدير: "نبه به –أي: بهذا الحديث- على وطأة الأخلاق، وحسن المعاملة، وكمال المجاملة، ووصف الله سبحانه وتعالى بالرفق إرشادا وحثا لنا على تحري الرفق في كل أمر"([19]).
من خلال ما تقدم من الأحاديث الثلاثة التي ذكرنا نخلص للآتي:
أن الخير لا يكتسب إلا بالرفق، ومن حرم من هذه الصفة حرم من الخير كله.
أن الرفق أمر مطلوب في كل الأحوال، وأنه يتأتى معه من الأمور ما لا يتأتى مع ضده وهو العنف والشدة.
**********************
هوامش المقال:
([1]) الصحاح (4/ 1483 )مادة: "رفق".
([2]) لسان العرب (10/ 118 )مادة: "رفق".
([4]) مرقاة المفاتيح (8 /797).
([5]) عون المعبود على سنن أبي داود (ص: 2085).
([10]) حاشية السندي على سنن ابن ماجه (4/ 197).
([11]) شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (1 /412).
([14]) شرح النووي على صحيح مسلم (8 /391)، وانظر كذلك : عون المعبود على سنن أبي داود (ص: 2086).
([16]) صحيح البخاري (4/ 95-96).
**********************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400.
سنن ابن ماجه بشرح الإمام أبي الحسن الحنفي السندي. وبحاشية تعليقات مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للإمام البوصيري. حقق أصوله وخرج أحاديثه ورقم أبوابه: الشيخ خليل مأمون شيحا. دار المعرفة بيروت لبنان. ط1/ 1416- 1996.
سنن أبي داود. أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي. حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قرةبللي- عبد للطيف حرز الله. دار الرسالة العالمية. ط1/ 1430-2009.
شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام الحافظ الفقيه أبي زكريا يحي بن شرف النووي. محمد بن صالح بن محمد العثيمين. دار الكتب العلمية بيروت. ط 2001.
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. إسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين بيروت. ط4/ 1990.
صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.
عون المعبود على سنن أبي داود.أبو عبد الرحمن شرف الحق الشهير بـ: محمد أشرف بن أمير العظيم آبادي. قدم له واعتنى به: رائد بن صبري ابن أبي علقمة. بيت الأفكار الدولية عمان (د.ت).
فتح الباري شرح صحيح البخاري. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي. دار السلام الرياض . ط1/ 1421- 2000.
فيض القدير شرح الجامع الصغير. محمد المدعو بعبد الرحمن المناوي. دار المعرفة بيروت ط2/ 1391-1972.
لسان العرب ابن منظور. دار صادر بيروت.
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح. علي بن سلطان محمد القاري. حققه وخرج حديثه وعلق عليه وصنف فهارسه: صدقي محمد جميل العطار . دار الفكر بيروت. ط 1414- 1994.