الواجهة الأطلنتية للصحراء المغربية إسهام بعض المراسي الأطلنتية في تنمية قصبة السمارة الصحراوية
الدكتور مصطفى مختار
باحث بمركز علم وعمران
- الحلقة الثالثة -
أسهمت مراسي أطلنتية في تنمية قصبة السمارة الصحراوية عبر نقل مواد البناء والمؤونة، وانتقال المهندسين والعمال من مناطق مختلفة إلى مرسى طرفاية. ويبدو أنه تم ذلك من مرسى طنجة [30]. وقيل من مرسى السويرة ومرسى أكَادير[31].
وأكد القبطان ليوناردو كاروف أن المواد نقلت، على متن سفينة "السيد التركي"، أو "التريكي"[32]، من مرسى السويرة إلى مرسى طرفاية، محروسة بحوالي مائة من رجال ماء العينين، على رأسهم سي التهامي بن الكَركَار[33].
وكان من بين المواد المذكورة "حجر الغرانيت وأعمدة المرمر والخزف" [34]، والجبس، وألواح الزجاج والخشب، والجير، والآجر[35]. حيث لاحظ أكثر من باحث استعمال الرخام، والجبس، والجير، والخشب في عمارة قصبة السمارة [36].
وتم استقدام مواد غيرها من مراسي أطلنتية أخرى إلى مرسى طرفاية. حيث "قامت بعض السفن الصغرى التي كانت تتردد على طرفاية من جزر الكناريا بنقل الخشب والمسامير والأقفال والحبال وما أشبه ذلك من وسائل التشييد"[37].
وإذ انتقلت مواد البناء إلى مرسى طرفاية عبر بعض المراسي الأطلنتية، "توجه المهندسون المعماريون والبناؤون والمزخرفون من طنجة بصفة خاصة". وقيل: "جمع بعضهم من جهات متفرقة". ولعلهم انتقلوا عبر بعض المراسي المغربية إلى أن انتهوا "إلى طرفاية بحرا" على متن سفينة "التركي" المذكورة [38].
ومن بين المهندسين الذين انتقلوا من بعض مراسي شمال الصحراء المغربية، ونزلوا بمرسى الطرفاية: الحاج عبد القادر بن محمد الفكَيكَي، والحاج علي بن عبد الله الوجدي، وحماد بن علي الفاسي [39].
وعمل الشيخ ماء العينين الصحراوي على تعبيد طريق بري، محروس بالعسس والحراس، مكمل للطريق البحري، من مرسى طرفاية إلى موضع قصبة السمارة. حيث كانت سلسلة من القوافل قاطعةً الاتجاهين في مدة قدرها اثنا عشر يوما، وتتألف "في مجموعها من عدة آلاف من البغال والجمال والحمير" ناقلة أحمالها ليل نهار[40].
وبعد إنهاء الأشغال والاستقرار بالقصبة المذكورة، يظهر أن المولى عبر العزيز بن الحسن العلوي كان يموّن الشيخ ماء العينين ومن معه عبر مرسى لُبّيْظَ. حيث كان "يملأ له البابور في كل أربعة أشهر أو ستة فينزله بها" [41].
وقيل كانت المؤن تصل من مرسى السويرة إلى مرسى طرفاية [42]. حيث كانت "السفن المغربية تتوالى إلى الطرفاء إعانة للشيخ بالحبوب وبالكسا الفاخرة وبكل ما يكتسى به كل من مع الشيخ" [43]. وكان السلطان يملأ للشيخ نفسه "البواخر من المؤونة ويرسلها إليه كل ثلاثة أشهر أو أربعة أو ستة أو اثنان حسب الوقت والحاجة فينزلها بالطرفاية" [44].
وذلك، أنه "لما تهيأت الطرفاية للسفن. بعد ما أخرج منها الانكليزي الذي كان بني فيها دارا أنزل مولاي عبد العزيز فيها القائد حميدة الدليمي الشرادي ومعه جند. وأمين يسمى الطاهر بن عبد الملك [...] فإذ ذاك صارت السفن تحمل من الصويرة رأس كل ستة أشهر هذه المئونة إلى الشيخ وإلى من هناك من الجند ومن هناك تنقل على جمال الشيخ إلى الساقية الحمراء" [45].
وإذ أسهمت بعض المراسي المغربية الأطلنتية، وخاصة مرسى السويرة منها، في تنمية إحدى المعالم العمرانية، بالمجال الصحراوي المغربي، سبق لهذا المجال أن أسهم، بدوره، في تنمية حاضرة السويرة ومرساها، بحسب ما سنتطرق إليه في الحلقة المقبلة، بحول الله.
الإحالات:
[30] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، محمد الغربي، مطابع دار الكتاب، د. ت، ص354.
[31] العمران عند الشيخ ماء العينين، ماء العينين الجيه، في: الشيخ ماء العينين فكر وجهاد، مطبعة النجاح الجديدة، 2001 م، ص124؛ والزاوية والمدينة، المهدي السعيدي، في: المرجع نفسه، ص143؛ والصلاح والتصوف وعمارة الجنوب المغربي، عبداتي الشمسدي، في: طرفاية تاريخ ومجال، المطبعة والوراقة الوطنية، 2019 م، ص111؛ ومادة السمارة، مدينة، في: معلمة المغرب، ج27، ص367؛ و Les populations du Sahara occidental, A. Gaudio, Paris, Editions Karthala, 1993, p. 238.
[32] السمارة- الزاوية: التأسيس والأهداف، محمد العبوتي، في: السمارة الحاضرة الروحية والجهادية، مطبعة المعارف الجديدة، 2002 م، ص195.
[33] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، مطبعة المعارف الجديدة، 2011 م، ص100، وص101، بتصرف. راجع: الصلاح والتصوف وعمارة الجنوب المغربي، ص111.
[34] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص354.
[35] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، ص100، وص101؛ والحياة الفكرية والروحية بالمجال البيظاني، الحسين حديدي، دار أبي رقراق، 2014 م، ص195؛ والعمران عند الشيخ ماء العينين، ص124؛ و Les populations du Sahara occidental, p. 238.
[36] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، ص100؛ والعمران عند الشيخ ماء العينين، ص124، وص131، وص133، وص134.
[37] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص353.
[38] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص354؛ والحياة الفكرية والروحية بالمجال البيظاني، ص195؛ والعمران عند الشيخ ماء العينين، ص124؛ والساقية الحمراء إبان تأسيس زاوية السمارة، محمد دحمان، في: السمارة الحاضرة الروحية والجهادية، ص91؛ والسمارة- الزاوية: التأسيس والأهداف، ص195؛ والسمارة: تراث روحي وعلمي للأقاليم الصحراوية المغربية، عبد الوافي الخرشي، في: التراث الحساني والإقلاع التنموي بالأقاليم الصحراوية، ص150؛ ومادة السمارة، مدينة، في: معلمة المغرب، ج27، ص367؛ و Les populations du Sahara occidental, p. 238.
[39] الحياة الفكرية والروحية بالمجال البيظاني، ص195؛ والشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، ص101، وص401- 402؛ والعمران عند الشيخ ماء العينين، ص124؛ والساقية الحمراء إبان تأسيس زاوية السمارة، ص91؛ والصلاح والتصوف وعمارة الجنوب المغربي، ص112؛ ومادة اسمارة، في: معلمة المغرب، ج2، ص442؛ ومادة الفكَيكَي، عبد القادر، في: معلمة المغرب، ج19، ص6497- 6498.
[40] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص354. راجع: الشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، ص100، وص101؛ والصلاح والتصوف وعمارة الجنوب المغربي، ص111- 112؛ وأعلام من الصحراء المغربية، محمد الجيلاني لعبدَّ، مطبعة BENSS، د. ت، ص54، وص55؛ والحياة الفكرية والروحية بالمجال البيظاني، ص195؛ والعمران عند الشيخ ماء العينين، ص124؛ والزاوية والمدينة، ص143؛ والسمارة- الزاوية: التأسيس والأهداف، ص195- 196.
[41] الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج7، العباس السملالي، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، 1997 م، ص172. قابل بـ: الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، أحمد بن الأمين الشنقيطي، عناية: فؤاد سيد، الشركة الدولية للطباعة، 2002 م، ص366. وانظر: المعسول، ج4، ص84. وراجع: حركة المقاومة المعينية، أحمد منكي الزاياني، في: الشيخ ماء العينين فكر وجهاد، ص98.
[42] المعسول، ج4، ص93، وص98؛ وحركة المقاومة المعينية، ص113.
[43] المعسول، ج4، ص84. انظر: المصدر نفسه، ص98.
[44] أعلام من الصحراء المغربية، ص55، بتحفظ. انظر: المعسول، ج4، ص84، وص93، وص98. وراجع: حركة المقاومة المعينية، ص98، وص113.
[45] المعسول، ج4، ص93.