وحدة الإحياءدراسات عامة

النهوض بالرعاية الاجتماعية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية

الرعاية الاجتماعية في الدول العربية خاصة والدول الإسلامية عامة، تتفاوت من دولة إلى أخرى، مع العلم أن معظم شعوب هذه الدول تقريبا، لا تدرك مفهوم الرعاية الاجتماعية بالمعنى الواسع ولا تستفيد منه، لأسباب ثقافية وسياسية واقتصادية…

فالرعاية الاجتماعية ليست صدقة تعطى أو إعانات تمنح فحسب، بل تشمل الدعم والتوجيه والتربية والتكوين والتأهيل في مجالات الحياة المختلفة، وبمعنى آخر، فإن الأدوار التي تقوم بها الدولة الحديثة في العالم المتقدم، وجمعيات المجتمع المدني، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والرياضية وغيرها تجاه مواطنيها، يمكن اعتبار أغلب هذه الأدوار داخل مفهوم الرعاية الاجتماعية. كما أن متطلبات التنمية والتطور، تنبني في جزء كبير منها على تحقيق الرعاية الاجتماعية للأفراد والجماعات.

والهدف الرئيسي من هذا البحث، هو إيجاد رؤية شاملة واضحة للرعاية الاجتماعية في ضوء المقاصد الشرعية، تتواءم فيها الرعاية الاجتماعية المعاصرة مع أحكام الشريعة الإسلامية، دون أن تخل بالمبادئ الكلية، مما يؤدي إلى تمتيع أفراد المجتمع المسلم بها، وحماية حقوقهم فيها، والمحافظة على المكتسبات المتراكمة التي وصلت إليها في العصر الحديث، ومن هذا الهدف العام نتوخى تحقيق الأهداف الثانوية التالية:

  1. تحديد مفهوم الرعاية بمعناها الواسع كما نصت عليه الشريعة الإسلامية.
  2. تحديد المجالات التي يمكن أن تشملها الرعاية الاجتماعية دون أن تتعارض مع مقاصد الشريعة بعيدا عن إكراهات ومتطلبات الظروف الزمانية والمكانية.
  3. تحديد الوسائل والأساليب التي تؤدي إلى تحقيق الرعاية الاجتماعية، وتفعيل آليات النهوض بها.
  4. تحديد الضمانات اللازمة لتحقيق الرعاية الاجتماعية، والتي تساعد على تطويرها والمحافظة على المكتسبات المحققة.

ولبلوغ هذه الأهداف وتجليتها، سأتناول بالدراسة مبحثين:

المبحث الأول: أهمية المقاصد الشرعية في المحافظة على المصالح الاجتماعية.

المبحث الثاني: النهوض بالرعاية الاجتماعية وسبل تطويرها.

المبحث الأول: أهمية المقاصد الشرعية في المحافظة على المصالح الاجتماعية

في بداية هذا المبحث لابد من تحديد المصطلحات المرتبطة بالموضوع، وأول ما ينبغي تجليته:

أولا: مفهوم المقاصد

المقاصد لغة: جمع مقصد بفتح الميم وفتح الصاد، من قصد الشيء، وقصد له، وقصد إليه قصدا، من باب ضرب؛ بمعنى طلبه، وأتى إليه، واكتنزه، وأثبته.. والقصد: هو طلب الشيء، أو إثبات الشيء، أو الاكتناز في الشيء، أو العدل فيه[1]” إذن فمادة (ق، ص، د)، تطلق في العربية ويراد بها معان متعددة، منها:

  1. الاستقامة والاعتدال؛ ومنه قوله تعالى: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ (لقمان: 18)، قال صاحب لسان العرب قصد؛ القصد: استقامة الطريق: قصد، يقصد، قصدا فهو قاصد؛ قال سبحانه: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ (النحل: 9)؛ أي على الله تبيين الطريق المستقيم، والدعاء إليه بالبراهين والحجج الواضحة[2]“.
  2. التوجه نحو الشيء؛ يقال: قصدت قصده؛ أي نحوت نحوه، وأقصد السهم، أصاب وقتل مكانه. والقصد الاعتماد والأم.
  3. الكسر: قصدت العدو قصدا أي كسرته، وانقصد السيف؛ أي انكسر، وتقصد إذا تكسر، وقصد الرمح؛ أي كسره، والقصد: الكسر في أي وجه كان.
  4. الاكتناز والامتلاء: تقول العرب: القصدة من النساء؛ أي العظيمة الهامة التي لا يراها أحد إلا أعجبته، وناقة قصيد؛ أي مكتنزة ممتلئة من اللحم، والقصيد من الشعر ما تم أبياته، وليس إلا ثلاثة أبيات فصاعدا[3]“.

وقد نقل صاحب لسان العرب أن أصل “قصد” الاعتدال والتوجه والنهوض نحو الشيء على اعتدال كان أو جور، هذا أصله في الحقيقة وإن كان يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل[4]“.

الشريعة لغة: “المواضع التي ينحدر الماء منها[5]“.

أما في الاصطلاح: فقد عرفها التهانوي بأنها: “ما شرع الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها الأنبياء، صلى الله عليهم وعلى نبينا وسلم، سواء كانت متعلقة بكيفية عمل، وتسمى فرعية عملية، ودون لها الفقه، أو بكيفية الاعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية ودون لها علم الكلام[6]“.

ومقاصد الشريعة في اصطلاح علماء الشريعة هي: الغايات والأهداف والنتائج والمعاني التي أتت بها الشريعة، وأثبتتها في الأحكام، وسعت إلى تحقيقها وإيجادها والوصول إليها في كل زمان ومكان[7]“.

فالأصوليون يربطون المقاصد الشرعية بالمحافظة على مصالح العباد، بما يضمن سعادتهم في الدنيا والآخرة، وهو ما عبر عنه الإمام الشاطبي بقوله: “إن المعلوم من الشريعة أنها شرعت لمصالح العباد، فالتكليف كله إما لدرء مفسدة، وإما لجلب مصلحة، أو هما معا[8]“، والشاطبي، رحمه الله، لم يقرر هذه الحقيقة إلا بعد أن قام باستقراء الشريعة الإسلامية استقراء شموليا أوضح مقاصدها ومراميها بالبرهان والحجة، قال رحمه الله: “والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره… وإذا دل الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيد للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة..[9]“.

وأكد الإمام العز بن عبد السلام على ارتباط المصالح بالمقاصد الشرعية العامة بقوله: “ومعظم مقاصد القرآن الأمر باكتساب المصالح وأسبابها، والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها[10]“.

 ويعرف الشيخ الطاهر بن عاشور المقاصد العامة للشريعة بقوله: “هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها. ويدخل في هذا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها[11]“.

ومن المقاصد العامة التي جاءت الشريعة من أجلها ما أشار إليه الإمام الشاطبي، رحمه الله، تعالى: “المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف من داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارا[12]“.

 فالرسالات المنزلة والشرائع السماوية كلها جاءت تدعو الإنسان لعبادة الله تعالى، وما من نبي بعثه الله إلا قال لقومه: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ (الأعراف: 58)[13].

ثانيا: تحديد مقاصد الشريعة

 خلق الله، سبحانه، الإنسان لعبادته، وسخر له ما في الأرض جميعا، قال الله سبحانه: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الجاثية: 12)، وفضله على كثير من خلقه، ليقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض، كما قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (الإسراء: 70)، وقوله سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 29).

 وهذا الاستخلاف هو تشريف وتكليف من الله للإنسان، كما أن الله سبحانه لم يخلق الإنسان عبثا، ولم يتركه سدى، بل أرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب والشرائع، وختم الرسالات بشريعة الإسلام، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: 4).

والمستقرئ لنصوص القرآن والسنة يتبين له أن هذه الشريعة جاءت لتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، فامتثال أحكامها هو جلب للمصالح، ودفع للمضار عن الإنسان، لذلك اعتبر العلماء أن مقاصد الشريعة هي تحقيق مصالح الناس في الدنيا والآخرة، يستفاد ذلك من تعبيراتهم المختلفة، وتعليقاتهم الكثيرة على الأحكام الشرعية، والتي عبر عنها بعضهم بالحكمة المقصودة بالشريعة، فقد جاء عن ابن رشد الحفيد قوله: “وينبغي أن تعلم أن مقصود الشارع إنما هو تعليم العلم الحق والعمل الحق..[14]“، وقوله: “فلنفوض أمثال هذه المصالح إلى العلماء بحكمة الشرائع[15]“.

 وما جاء عن القاضي عياض في قوله: “الاعتبار الثالث… وهو الالتفات إلى قواعد الشريعة ومجامعها، وفهم الحكمة المقصودة بها من شارعها[16]“.

وعبر علماء آخرون بأنها مطلق المصلحة، سواء كانت مصلحة جامعة لمنافع شتى، أم كانت تخص منفعة معينة أو بعض المنافع القليلة والمحصورة، جاء عن ابن القيم[17] قوله: “فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة. وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها… فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة[18]“.

 وجاء عن ابن العربي[19] قوله: “واعتبار المقاصد والمصالح، وقد نبهنا على ذلك في مسائل الفروع[20]” ومن تلك الفروع: “منع وتحريم كل ما يشغل عن الجمعة من أجل المصلحة[21]“، قال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: “اعلم أن الله سبحانه لم يشرع حكما من أحكامه إلا لمصلحة عاجلة أو آجلة، أو عاجلة وآجلة، تفضلا منه على عباده”، ثم قال: “وليس من آثار اللطف والرحمة واليسر والحكمة أن يكلف عباده المشاق بغير فائدة عاجلة ولا آجلة، لكنه دعاهم إلى كل ما يقربهم إليه[22]“.

 فالأحكام الشرعية الغاية منها إسعاد الناس وتحقيق مصالحهم في الدنيا والآخرة، وإبعاد الضرر عنهم في الدنيا والآخرة، قال القرافي[23] رحمه الله تعالى: “الشرائع مبنية على المصالح[24]“.

وقال ابن تيمية[25] رحمه الله تعالى: “جاءت هذه الشريعة لتحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد وتعطيلها[26]“، ونجد القاضي عياض ينص على أن الشريعة جاءت بنفي الضرر ورفعه ودرئه حيث يقول: “الحكم بقطع الضرر واجب[27]“.

 ونفس هذا المعنى يقرره علماء الشريعة المعاصرون حيث عرف العلامة علال الفاسي المقاصد بقوله: “المراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها[28]“. وعرفها الدكتور الريسوني بقوله: “إن مقاصد الشريعة: هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد[29]“. ويتحدث الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي عن ارتباط المقاصد بمصالح الناس في دنياهم وآخرتهم فيقول: “.. ما من مصلحة في الدنيا والآخرة إلا وقد رعاها المشرع وأوجد لها الأحكام التي تكفل إيجادها والحفاظ عليها، وإن الشرع الحكيم لم يترك مفسدة في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل، إلا بينها للناس، وحذرهم منها، وأرشدهم إلى اجتنابها والبعد عنها، مع إيجاد البديل لها[30]“.

 فمن المقاصد الشرعية العامة على سبيل المثال، إقامة المساواة بين الناس، وتحقيق العدل، وحفظ النظام العام، وعمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وتدبير المنافع لجميع الخلق[31].

 ومن العلماء من تتبع المقاصد الخاصة في باب من أبواب الأحكام الشرعية، يعرف الشيخ الطاهر بن عاشور المقاصد الخاصة بقوله: “هي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس العامة، أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة[32]“.

فمن أمثلة المقاصد الخاصة، عقد الرهن الذي يراد منه التوثق بين الناس، حفظا لأموالهم، والنكاح الذي يراد منه حفظ النسل والعرض، والطلاق الذي يقصد منه رفع الضرر المستدام في الحياة الزوجية، ورفع الحرج. فهذه المقاصد الخاصة هي التي تهدف الشريعة إلى تحقيقها في مجال معين من أبواب التشريع الكثيرة، اعتنى الشيخ الطاهر بن عاشور بطائفة منها، فتناول منها بالدرس:

ـ مقاصد الشارع في أحكام العائلة، مقاصد الشارع في التصرفات المالية، مقاصد الشارع في المعاملات المنعقدة على الأبدان، مقاصد القضاء والشهادة، ومقاصد العقوبات…

ويمكن أن يلحق بهذا القسم ما يسمى بالمقاصد الجزئية، وهي ما يقصده الشارع في كل حكم شرعي، من إيجاب أو تحريم أو ندب أو كراهة أو إباحة… ويظهر هذا عند تناول أي دليل جزئي من كتاب أو سنة، أو دليل خاص في مسألة معينة، وقد اعتنى الفقهاء كثيرا بهذه المقاصد الجزئية في استنباطهم واجتهادهم، ويعبرون عنها في الغالب بالحكمة أو العلة أو المعنى من الحكم الشرعي.

والخلاصة أن مقاصد الشريعة الإسلامية تتميز بالشمولية والتنوع، والإحاطة بما فيه خير الإنسان في الدنيا والآخرة، وهو ما عبر عنه الشيخ القرضاوي بقوله: “وينبغي أن نعلم أنها مقاصد روحية أو دينية، فإن أول المقاصد أو المصالح التي تسعى إليها الشريعة هو: المحافظة على الدين، وهو يشمل العقائد والعبادات. والدين جوهر الوجود، وروح الحياة، وهي مقاصد أخلاقية، فالأخلاق لا تنفصل عن الدين. وهي مقاصد إنسانية؛ لأنها تعمل على المحافظة على كل حرمات الإنسان: دمه وماله وعرضه وعقله، كما تحافظ على كرامته وحريته. وهي مقاصد اقتصادية؛ لأنها جعلت المال من المصالح الضرورية التي تجب المحافظة عليها بكل الوسائل الممكنة. وهي مقاصد مستقبلية؛ لأنها لم تكتف برعاية الإنسان الحاضر، بل وجهت اهتمامها أيضا إلى إنسان المستقبل، حين جعلت من المصالح الضرورية التي ترعاها المحافظة على النسل[33]“.

ثالثا: أهمية معرفة المقاصد الشرعية

لمعرفة مقاصد الشريعة الإسلامية أهمية كبيرة، وفوائد كثيرة في استنباط الأحكام، وتطوير الفقه، وتجديد الدين، ومعرفة الإطار العام للشريعة، وضبط التصور الكامل للإسلام، فلقد كان للجهود التي قام بها طائفة من علماء الشريعة ممن وضعوا قواعد الاستنباط انطلاقا من النصوص الشرعية، واهتموا بالمقاصد واستخراجها، مساهمة كبيرة في ترشيد الاجتهاد الفقهي، والتقريب بين وجهات نظر المجتهدين، وترشيد أكثر العاملين للإسلام والدعاة إلى الله، وتوجيههم الوجهة الصحيحة لانتهاج أسلوب الوسطية، بعيدا عن الغلو أو التفريط.

 قال الإمام الشاطبي: “الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على طريق الوسط الأعدل، الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، الداخل تحت كسب العبد من غير مشقة عليه ولا انحلال، بل هو تكليف جاء على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال. فإن كان التشريع لأجل انحراف المكلف، أو وجود مظنة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطرفين، كان التشريع رادا إلى الوسط الأعدل[34]“.

وأضاف: “فإذا نظرت في كلية شرعية، فتأملها تجدها حاملة على التوسيط[35]“.

 بل لقد كان من أبرز وسائل العلماء وأهمها في الحفاظ على الشريعة والدفاع عنها، وإرشاد الناس إلى هديها ومعانيها اهتمامهم بمقاصد الشريعة، يقول عمر عبيد حسنة: “إن الفقه المقاصدي أو الاجتهاد المقاصدي، مبطن بأبعاد على غاية من الأهمية في تشكيل العقل المسلم بشكل عام، وإعادة بنائه، وتفعيل حراكه الاجتماعي، وتأصيل التفكير الإستراتيجي الذي يهتم بالتخطيط والفكر قبل الفعل، ويفحص المقدمات بدقة، ويدرس النتائج والتداعيات المترتبة عليها، ويمتلك القدرة والمرونة على المتابعة في الرحلة الفكرية والمراجعة للنواتج والاكتشاف لمواطن الخلل، ويحدد أسباب القصور عن إدراك النتائج ومواطن التقصير[36]“.

 لذا نجد طائفة من العلماء قد تبنوا نظرية المقاصد ودافعوا عنها، حين أدركوا أهمية المقاصد في الاجتهاد الفقهي، ولما علموا أن الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا يقول الدكتور أحمد الريسوني: “فالنظرة الشمولية المنهجية للشريعة وأحكامها لا تتأتى إلا لمن خبروا المقاصد وأحكموا الكليات، ثم نظروا في الأحكام من خلال ذلك، ومن فاته هذا المستوى، أهمل هذا النوع من النظر، وقع في التخبط والاضطراب، وأتى بالأقوال الشاذة المجافية لمقاصد الشارع، أو انتهى إلى العجز والانكماش، تاركا ما ليس لقيصر لقيصر..[37]“.

 لذلك فمعرفة المقاصد الشرعية والتشبع بها يشكل معينا وزادا ونبراسا للعقل المسلم، وعصمته من النظرة الجزئية الضيقة، والعمل بدون أهداف؛ فالاجتهاد المقاصدي: “هو القدرة على تحديد الأهداف والمقاصد المرحلية والإستراتيجية..وهو القدرة على الربط بين الاستطاعة والحكم الشرعي المناسب للحركة في هذه المرحلة، والهدف الممكن تحقيقه في ضوء هذه الاستطاعة حتى ولو كان الهدف جزئيا، شريطة أن يكون هذا الهدف الجزئي بعضا من كل؛ أي جزء من الهدف الكلي، والرؤية الشاملة لمجال الحركة، بعيدا عن رسم الفراغ، والأماني والحماسات التي لم تورث إلا الإحباط، وبذلك يتحقق الفقه المطلوب لتنزيل الأحكام الشرعية على الواقع، ويحمي العمل الإسلامي من كثير من المجازفات والعشوائية[38]“.

وقد اعتبر الدكتور يوسف القرضاوي فقه مقاصد الشريعة من ركائز الفقه الحضاري للأمة، وأكد على أنه: “إذا كان الفقه التقليدي يعنى بجزئيات الأحكام الفرعية وشكلياتها، فإن الفقه الحضاري يعني بمقاصدها وكلياتها وأسرارها، ونعني به الحكم والأهداف الكلية، التي من أجلها شرع الله الأحكام، وفرض الفرائض، وأحل الحلال، وحرم الحرام، وحد الحدود[39]“.

وهذا مما دفع الباحثين والمجتهدين إلى العمل بمقاصد الشريعة، والالتفات إليها، والاعتداد بها في عملية الاجتهاد الفقهي، يقول الدكتور نور الدين بن مختار الخادمي: “مقاصد الشريعة الإسلامية تعد فنا شرعيا معتبرا، له أهميته على صعيد الدراسات المعرفية والأكاديمية، وله فوائده وآثاره على مستوى الواقع الإنساني ومشكلاته وأحواله ومستجداته[40]“.

 إن العمل بالمقاصد الشرعية يحقق التحول من عقلية التلقين والتلقي إلى عقلية الاستقراء والتفكير والتحليل والنقد والاستدلال والاستنتاج والموازنة واعتبار المآلات واستشراف المستقبل، مع الاهتمام والعناية بالأدلة والبراهين في قبول الاجتهاد أو رده، لذلك يمكن القول إن بناء العقل المقاصدي كما ذهب إلى ذلك عمر عبيد حسنة يمكن أن “يحدث تغييرا استراتيجيا في الثقافة، ونقلة فكرية نوعية في الحياة العقلية والذهنية، ويعيد للوحي عطاءه المتجدد على يد البشر، وإعادة النظر فيما وضعوا من آليات مجردة للتعامل معه وتنزيله على الواقع، بعيدا عن مصالح الناس[41]“.

رابعا: تقسيم المقاصد بحسب المصالح

قبل أن نتحدث عن تقسيم المقاصد بحسب المصالح، فلنعرف حقيقة المصلحة في اللغة والاصطلاح.

المعنى اللغوي: المصلحة هي: ما يترتب على الفعل، ويبعث على الصلاح، يقال رأى الإمام المصلحة في ذلك؛ أي هو مما يحمل على الصلاح، ومنه سمي ما يتعاطاه الإنسان من الأعمال الباعثة على نفعه مصلحة، والجمع مصالح، والصلاح ضد الفساد، ويقال كذلك أصلحه، ضد أفسده، والاستصلاح نقيض الاستفساد[42]“.

ويقال كذلك في الأمر مصلحة أي خير، وهو الصلاح والنفع، وصلح صلوحا زال عنه الفساد، وكان نافعا أو مناسبا، وأصلح في عمله أو أمره أتى بما هو صالح نافع، وأصلح الشيء أزال فساده، واستصلح الشيء تهيأ للصلاح[43]“.

المعنى الاصطلاحي: عرف الغزالي رحمه الله (توفي 505ﻫ) المصلحة بأنها: “عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة ولسنا نعني به ذلك، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة، مقاصد الحق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم”، ليس هذا وحسب، بل “نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعه مصلحة[44]“.

فالمصلحة، إذن، هي جلب نفع أو دفع ضرر مقصود للشارع، لذلك فقد يعد الناس الأمر منفعة، وهو في نظر الشارع مفسدة، وبالعكس، فالمصلحة في نظر الشارع هي: المحافظة على مقاصد الشارع ولو خالفت مقاصد الناس، التي تكون في بعض الأحيان مجرد أهواء وشهوات، زينتها النفوس، وألبستها التقاليد والعادات ثوب المصالح، وهي في الواقع ليست كذلك.

وإذا كانت مقاصد الشريعة هي تحقيق مصالح الناس في المعاش والمعاد، فإن هذه المصالح ليست على درجة واحدة من الأهمية والخطورة، فبعضها ضروري لحياة الإنسان، وبعضها مكمل للضروري، ومنها ما تتطلبه مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، لذلك قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام وهي:

  1. المصالح الضرورية: وهي التي تتعلق بوجود الإنسان ومقومات حياته في الدنيا أو في الآخرة أو هما معا، وهي الكليات الخمس: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهذه المصالح الضرورية ثبتت باستقراء النصوص الشرعية.
  2. المقاصد الحاجية: وهي التي يحتاج الناس إليها للتوسعة ورفع الحرج والمشقة ومن أمثلتها: الترخيص في تناول الطيبات، وجواز السلم والمساقاة وغيرها من المعاملات التي يحتاج الناس إليها.
  3. المقاصد التحسينية: وهي التي تليق بمحاسن العادات، ومكارم الأخلاق، والتي لا يؤدي تركها في الغالب إلى المشقة والحرج، ومثالها التزين بأحسن اللباس، والتطيب، والتزام آداب الأكل وسننه وغير ذلك.

وتتنوع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوصها، إلى ثلاثة أقسام:

أ. المقاصد العامة: وهي التي تلاحظ في جميع أو أغلب أبواب الشريعة ومجالاتها، بحيث لا يختص ملاحظتها في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها الكبرى.

ب. المقاصد الخاصة: تتعلق بباب معين أو أبواب معينة من أبواب المعاملات، مثل المقاصد الخاصة بالعائلة، والمقاصد الخاصة بالتصرفات المالية، أو التبرعات، أو العقوبات…

ج. المقاصد الجزئية: وهي العلة أو الحكمة الموجودة في كل حكم شرعي كما تتنوع المقاصد إلى نوعين باعتبار حظ المكلف وعدمه:

  1. المقاصد الأصلية: وهي التي ليس فيها حظ ظاهر للمكلف مثالها: أمور التعبد والامتثال في الغالب.
  2. المقاصد التبعية: وهي التي فيها حظ ظاهر للمكلف، مثالها: الزواج والبيع..

ويتم الكشف عن المقاصد العامة والخاصة وإثباتها واستخراجها من طريقين:

الأول: من الاستنباط المباشر من القرآن والسنة، سواء من خلال الأوامر والنواهي التصريحية، أو من خلال اعتبار علل الأوامر والنواهي، أو من خلال النصوص التقريرية، أو من خلال تتبع الأدلة حول علة واحدة، ومن أمثلة ذلك: النهي عن الاحتكار، وبيع الطعام بالطعام نسيئة، والنهي عن بيع الطعام قبل قبضه، ومقصد ذلك تيسير حصول الطعام.

الثاني: الاستخراج من المقاصد الأصلية والجزئية، فمن مقصد التناسل الذي هو مقصد أصلي، نستخرج مقاصد تبعية التي هي السكن والأنس بالذرية والاستمتاع بالزوجة.

 والاستخراج من المقاصد الجزئية يتم بتتبع العلل الكثيرة الواردة في تحديد حكمة مشتركة، تكون بمثابة مقصد كلي أصلي، ومن أمثلة ذلك: يمكن أن نستخرج من علل النهي عن خطبة المسلم على خطبة أخيه، والنهي عن الغيبة والنميمة، والوقوع في العرض أو المال، والنهي عن البيع على بيع المسلم أن المقصد الكلي لذلك كله هو الحفاظ على الأخوة بين المؤمنين، ودوام العشرة والمحبة.

المبحث الثاني: النهوض بالرعاية الاجتماعية وسبل تطويرها

في بداية هذا المبحث لابد من تحديد المصطلحات المرتبطة بالموضوع، وأول ما ينبغي تجليته:

 أولا: الرعاية لغة

 الرعاية لغة؛ تعني الاهتمام بشيء ما، أو تحمل مسؤوليته ودعمه ومساعدته، وقد وردت كلمة رعاية في لسان العرب بمعنى يحوط ويحفظ ويسوس.

 رعى الشيء رعيا، ورعاية: حفظه، قال تعالى: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ (الحديد: 26). ورعاه: راقبه وتولى أمره. واسترعاه الشيء: استحفظه إياه، أو طلب منه أن يرعاه وفي المثل من استرعى الذئب فقد ظلم[45]“؛ وتجيء لفظة “راعيته” بمعنى لاحظته، محسنا إليه، واسترعاه، استحفظه، وأرعيته عليه: “أبقيته وترحمته[46]“. إذن، كلمة رعاية في اللغة بمعنى المحافظة على الشيء ومراقبته وملاحظته.

كما وردت مادة رعى في القرآن الكريم بعدة معان متقاربة، منها كلمة “راعنا” التي جاءت بمعنى النظر في مصالح الناس قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (البقرة: 103).

 فكلمة راعنا من المراعاة، وهي الإنظار والتمهل، وأصلها من الرعاية وهي النظر في مصالح الناس، وقد حرفها اليهود فجعلوها كلمة مسبة مشتقة من الرعونة وهي الحمق، ولذلك نهي عنها المؤمنون[47].

 ومثل هذا المعنى جاء في سورة النساء من قوله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (النساء: 45).

 فكلمة “وراعنا” أي يقولون في أثناء خطابهم راعنا، وهي كلمة سب من الرعونة، وهي الحمق، فكانوا سخرية وهزؤوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة، ويظهرون به التوقير والإكرام[48]“.

فحرفوا معنى كلمة راعنا من أصلها الذي هو الرعاية والمساعدة إلى معنى الشتم والسب، ولذلك قال تعالى: ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾؛ أي فتلا وتحريفا عن الحق إلى الباطل وقدحا في الإسلام، قال ابن عطية، وهذا موجود حتى الآن في اليهود: “وقد شاهدناهم يربون أولادهم الصغار على ذلك ويحفظونهم ما يخاطبون به المسلمين مما ظاهره التوقير، ويريدون به التحقير[49]“.

وجاءت لفظة “راعون” في القرآن الكريم بمعنى الحفظ والإصلاح، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ (المؤمنون: 8)، وجاءت نفس الآية في سورة (المعارج: 32) في سياق ذكر أوصاف المومنين المصلين الناجين من عذاب الله؛ أي قائمون عليها بحفظها وإصلاحها، لا يخونون إذا ائتمنوا، ولا ينقضون عهدهم إذا عاهدوا، قال أبو حيان: “والظاهر عموم الأمانات، فيدخل فيها ما ائتمن الله تعالى عليه العبد من قول وفعل واعتقاد، وما ائتمنه الإنسان من الودائع والأمانات[50]“.

وجاءت كلمة “رعاية” في قوله تعالى من سورة الحديد: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحديد: 26)؛ فقوله تعالى: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾؛ أي وما قاموا بها حق القيام، ولا حافظوا عليها كما ينبغي، قال ابن كثير في تفسير الآية: “وهذا ذم لهم من وجهين: أحدهما الابتداع في الدين ما لم يأمر به الله تعالى، والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة تقربهم إلى الله عز وجل[51]“.

أما كلمة ” اجتماعية ” فهى نسبة إلى المجتمع، وهو موضوع الاجتماع، وهو أيضا الجماعة من الناس”[52].

 ثانيا: تحديد مفهوم الرعاية الاجتماعية

لم يحصل اتفاق بين علماء الاجتماع على تحديد مفهوم “الرعاية الاجتماعية” تحديدا دقيقا، بل اختلفت التعريفات شكلا ومضمونا، وذلك باختلاف الإيديولوجيات والمنطلقات التي ينطلق منها كل عالم اجتماعي أو باحث تربوي، وكذا بحسب البناء الاجتماعي الذي يحيط به، لذاك يواجه الباحث صعوبة في تحديد مفاهيم سياسات الرعاية الاجتماعية ومصطلحاتها، نظرا لاختلاف الدارسين لهذا الموضوع، واختلاف تجارب الدول والبلدان في تحديد هذه المفاهيم والمجالات[53]، لذلك لا نجد في العالم المعاصر نموذجا موحدا للرعاية الاجتماعية وبنفس المضمون، وإن كانت جميع المجتمعات قد أقرت بضرورة رعاية الفقراء والمحرومين، لكنها اختلفت في مدى التوسع الذي تشمله برامج الرعاية الاجتماعية ومضامينها ومجالاتها.

فقد عرفها الدكتور الفاروق زكي يونس بقوله: “هي إحدى النظم الاجتماعية التي نشأت مع المجتمع الإنساني، وتطورت بتطوره، وهي تؤدي وظائف لا غنى عنها لحياة الناس في المجتمع، شأنها في ذلك شأن النظم الاجتماعية الأخرى، وهي في نفس الوقت ترتبط مع سائر النظم بشبكة من العلاقات التي تشكل معالم البناء الاجتماعي[54]“.

 وانطلاقا من هذا التعريف يمكن اعتبار الرعاية الاجتماعية بمثابة تلك النشاطات التي تقوم بها الدولة أو المنظمات الحكومية، لتأدية الخدمات التي يحتاج إليها المواطنون، فهي تشمل التنظيم السائد للأنشطة الإنسانية اللازمة للحياة اليومية، مثل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، والتنشئة الاجتماعية، والتكامل الاجتماعي، والمساعدة والضبط الاجتماعي.

 وتتميز الرعاية الاجتماعية الحكومية بالذات بأنها تؤدى في ظل سياسة قومية وخطة عامة بغرض توفير خدمات أساسية للمواطنين كافة، كالتزام من جانب الدول إزاء مواطنيها[55]“.

وعرفها محمد خيري علي بأنها وظيفة للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع أو الأمة، ثم قال: “ونعني بالوظيفة تحقيق خدمات مباشرة من طرف الحكومة أو غيرها من الهيئات والمؤسسات والأفراد في صورة فعلية للجماهير، مباشرة مثل الخدمات التعليمية أو الطبية أو العمرانية أو الاجتماعية أو غيرها[56]“.

 وهذا التعريف قريب من سابقه، إلا أنه يوسع من دائرة المستفيدين من الرعاية الاجتماعية، حيث جعلها وظيفة دائمة وإنمائية، ذلك أن جميع المواطنين يحتاجون إلى خدمات اجتماعية مختلفة لتنمية قدراتهم على أداء أدوارهم الإنتاجية، وكذا الوصول إلى مستوى من العيش أفضل مما هم عليه.

 والرعاية الاجتماعية تعني أيضا تلك العمليات والجهود التي تهدف إلى إسعاد الإنسان وتحسين أحواله المعيشية، وفي هذا يقول الأستاذ عبد الفتاح عثمان في كتاب الرعاية الاجتماعية للمعوقين: “إن كلمة رعاية ترتبط بهذه الخدمات والمساعدات التي تقدم لكل محتاج يتطلع لمد يد العون إليه، جائعا كان أو محروما، يتيما كان أو عاجزا، بهدف رعايته أو معاونته أو الأخذ بيده حتى يتم له النمو والنضج[57]“.

 لذا فإنه يدخل في معنى الرعاية الاجتماعية، الرعاية التي توفرها الجماعة للفرد؛ أي التي يكفلها المجتمع لأفراده.

وتعرف إدارة الشؤون الاجتماعية التابعة لهيئة الأمم المتحدة الرعاية الاجتماعية بأنها: “حالة من الرفاهية الجسمية والعقلية الاجتماعية، وليس مجرد التخلص من شرور اجتماعية معينة”، كما اعتبرت أن التمتع بأعلى مستوى ممكن في الحياة، أحد الحقوق الجوهرية لكل إنسان دون تمييز للجنس، أو العقيدة، أو المعتقدات السياسية، أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية؛ لأن رفاهية جميع الأشخاص مسألة أساسية لتوفير السلام والأمن.

وهذا التعريف الأخير يدخل في مفهوم الرعاية الاجتماعية جميع الأنشطة التي يمارسها كل العلماء، والمهنيين، والفنيين، والحرفيين والعمال وغيرهم من الفئات بقصد توفير فرص النمو والرفاهية والتقدم، وبالتالي إسعاد الإنسان.

ويقدم مختار عبد العزيز تعريفا متكاملا للرعاية الاجتماعية من خلال العناصر الآتية:

  1. أنها نسق منظم يتضمن كل أشكال التدخل الاجتماعي في صورة خدمات اجتماعية متعددة ومؤسسات مختلفة.
  2. أنها تقوم بوظيفة أساسية ومستمرة في المجتمع، وتعتبر أساسا مسؤولية الدولة ومعاونة الجهود الأهلية لها.
  3. تنشأ لمساعدة الأفراد والمجتمعات لتحقيق مستوى أفضل للحياة.
  4. تؤدي دورها عن طريق:

أ. إشباع حاجات الناس (هدف وقائي).

ب. مواجهة وحل مشكلات المجتمع (هدف علاجي).

ج. تحسين الظروف المعيشية للناس الاجتماعية والاقتصادية، بقصد نقل المجتمع من واقع اجتماعي واقتصادي معين إلى واقع آخر أفضل منه (هدف تنموي وإنساني).

لا شك أن هذا التعريف الأخير يعتبر الرعاية الاجتماعية مفهوما شاملا، يغطي مجالات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية والإسكان والترويح..

فالخدمات الاجتماعية المتصلة بالتعليم منها على سبيل المثال، إنشاء المعاهد الخاصة لذوي العاهات، والمعوقين، وتقديم الوجبات الغذائية، وفصول تعليم الكبار، ودور الحضانة..

والخدمات الاجتماعية المتصلة بالصحة العامة، منها برامج رعاية الطفولة والأمومة، وبرامج تنظيم الأسرة، وبرامج الصحة النفسية، ورعاية المرضى والتخفيف عنهم، وتأهيلهم..

والخدمات الاجتماعية المتصلة بالعمل منها برامج التوجيه المهني والتدريب، واستثمار الإجازات السنوية لمصلحة العمال والترفيه عنهم، إجازات الوضع والرضاعة، وكل الخدمات التي تتصل برفاهية العمال..

والخدمات الاجتماعية المتصلة بالضمان الاجتماعي، منها كفالة الدخل في حالة انقطاعه عن طريق التأمينات الاجتماعية، والتأمين الصحي، والمساعدات العامة..

والخدمات الاجتماعية المتصلة بالإسكان منها ما يهدف إلى توفير السكن الملائم للفئات الفقيرة، وأصحاب الدخل المحدود والمتوسط، وتقديم القروض الميسرة للبناء…

  والخدمات الاجتماعية المتصلة بالقانون، تشمل المشورة القانونية، وتأهيل الجانحين من الصغار والكبار..

ويمكن من خلال ما سبق أن أصوغ تعريفا شاملا للرعاية الاجتماعية على أنها: “مجموع عمليات منظمة من طرف الدولة والجمعيات، تؤدي وظيفة أساسية في المجتمع، تشتمل على برامج وخدمات اجتماعية لفئات متنوعة من المجتمع، تهدف إلى حل المشكلات التي تعترض الأفراد والجماعات”.

وخلاصة هذه المفاهيم أن الرعاية الاجتماعية تهدف إلى حسن استثمار الموارد المالية والبشرية التي يتوفر عليها المجتمع، والأخذ بأفضل ما توصلت إليه الإنسانية من تجارب في هذا المجال، بما يحقق الاستقرار الاجتماعي، والرفاهية والسعادة لكل أفراد المجتمع.

وحين نتحدث عن الرعاية الاجتماعية نميز بين نوعين من الرعاية:

ـ الرعاية الاجتماعية غير المؤسسية: تقدم للمستفيدين وهم في مجتمعهم المحلي من غير الحاجة إلى إيوائهم في مؤسسات، وتهدف إلى مساعدة الأفراد لحل مشكلاتهم أو الرفع من مستواهم.

ـ الرعاية الاجتماعية المؤسسية: هي نمط من الرعاية تقدم من خلال دور ومؤسسات تديرها الدولة أو تشرف عليها أو تديرها جمعيات، يستفيد من هذه الرعاية أفراد ليس لهم أسر أو أسرهم غير قادرة على رعايتهم، وتتصف الرعاية المؤسسية بأنها إيوائية، وعادة ما تشمل أنواع عديدة من الخدمات، مثل الخدمات الاجتماعية والصحية والترفيهية في محاولة لتعويض الأفراد ما قد يفتقدونه نتيجة بعدهم عن أسرهم الطبيعية.

ثالثا: تطور الرعاية الاجتماعية عبر التاريخ

وباستقرائنا للتاريخ البشري في خطوطه العريضة، فإننا نلحظ أن الإنسان في كثير من الأحيان فيه رغبة لمساعدة أخيه الإنسان، ومع بداية الحضارة على وجه الأرض، ظهرت أشكال من الرعاية الاجتماعية ارتبطت بنوع من الحضارة السائدة، وأسلوب الحياة فيها، وازداد تطور الرعاية الاجتماعية بظهور الأديان، التي جاءت لتنمية جانب الخير في الإنسان، وحثه على التكامل والتآلف والتكافل والتضامن، يقول الشيخ الطاهر بن عاشور: “الدين اعتقادات وأعمال يوصى من يرغب في اتباعها بملازمتها، وجاء حصول الخير منها في حياته الأولى الدنيوية، وفي حياته الأبدية… والدين كذلك مجموع تعاليم يريد شارعها أن تصير عادة وخلقا لطائفة من الناس، لتبعث فيهم الفضائل والإحسان لأنفسهم وللناس[58]“.

فالقرآن الكريم يلفت نظرنا إلى أن الأنبياء بعثهم الله دعاة إلى توحيده، لم يهملوا دعوة الناس إلى الخير والتعاون والتضامن والعدل والتكافل وعمارة الأرض وغيرها من المعاني الفاضلة التي تنمي الجانب الإنساني، وتعمل على إصلاحه ومقاومة الفساد والقسوة والأثرة في حياة الناس.

فهذا هود، عليه السلام، فإنه كما كان ينكر على قومه الشرك، نجده ينكر عليهم العبث والبطش والجبروت والانحراف، قال سبحانه: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ. وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ (الشعراء: 128-130).

وهذا شعيب يقول لقومه: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (هود: 83-84).

 فإن كل رسول من رسل الله الكرام، دعا قومه إلى إصلاح أحوالهم الاجتماعية، ولم تنفصل دعوته عن مشكلاتهم اليومية، ولم تغفل أحوالهم المجتمعية، وما تتطلبه من إصلاح وعلاج، ولاغرو في ذلك: “فأثر الدين الصحيح، هو إصلاح القوم الذين خوطبوا به، وانتشالهم من حضيض الانحطاط، إلى أوج السمو إن خاصا فخاص، وإن عاما فعام، على نحو مراد الله من الدين، ومن الأمة المخاطبة به، على حسب حكمته تعالى، وكم كان لأهل الأديان السماوية الإلهية من أيد في إصلاح البشر، وفي تكوين الجماعات الصالحة ليحصل من صلاح الأفراد والجماعات صلاح المجموع كله عند الأمد المعلوم[59]“.

لذلك يمكن أن نجزم أن الشرائع التي جاءت بها الأديان السماوية كان لها الأثر الكبير في تطور الرعاية الاجتماعية.

ويمكن أن نتتبع هذا التطور فيما يلي:

  1. الأسرة: هي أول مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تقدم مختلف أشكال الرعاية لأفرادها، فقد قامت الأسرة بالدور الرئيسي في رعاية أفراد المجتمع في العصور الأولى.
  2. الصدقة والإحسان: وهذا ما شجعت عليه الشرائع السماوية، حيث دعت الناس إلى الإحسان إلى الفقراء والمساكين ومساعدة المرضى، وإطعام الجائع، والرفق باليتيم والمسن، والسعي على الأرملة.. وهذا ما ساد في العصور الوسطى، ثم تطورت الرعاية فأصبحت تعني المعاملة الحسنة، وتحقيق العدالة الاجتماعية في كافة أنواع المعاملات، خاصة عدم إرهاق الخادم، ومساعدة المسنين، وحماية الأطفال الصغار، وإيواء الأيتام ورعايتهم، وتطبيب المرضى..
  3. الطوائف الحرفية: حيت تطورت الرعاية الاجتماعية لتأخذ شكل الرعاية المتبادلة بين أصحاب الصنائع والحرف، حيث ساد بين أصحاب الحرفة الواحدة نوع من التعاضد والتكافل لحل المشاكل، ومواجهة الصعوبات، ومؤازرة المتضررين والمنكوبين منهم، وانخرطت الجماعات الحرفية في مشروعات صغيرة للتأمين.
  4. الجمعيات الأهلية: بدأت في الظهور منذ منتصف القرن التاسع الميلادي، وقد تكونت أغلب هذه الجمعيات تحت تأثير أغراض دينية وإصلاحية.

فكانت تهتم بتعليم الفقراء، ومحو الأمية، وتدريب الشرائع الاجتماعية الضعيفة على أساليب الحياة السليمة، كما عملت على تقديم المساعدات للمحتاجين، ونشر الوعي بالمشكلات الاجتماعية السائدة، وقد أخذ يتكاثر عدد هذه الجمعيات في المدن الكبرى، كما تنوع اهتمام هذه الجمعيات وأهدافها، فكان منها من تهتم بالأيتام، ومنها من يهتم بالمعوقين، ومنها من يهتم بالأسرة والطفولة، ومنها من يهتم بالمسنين…

  1. الرعاية الاجتماعية مسؤولية الدولة: تأثرت الرعاية الاجتماعية التي ظهرت في المجتمعات المعاصرة، بدرجة كبيرة بالتجربة الغربية، نتيجة التطورات الهائلة التي مرت بها الخدمات الاجتماعية في بعض الدول الأوربية، خاصة انجلترا والولايات الأمريكية المتحدة، هذه الأخيرة التي تطورت بها الرعاية الاجتماعية بشكل كبير عقب الأزمة الاقتصادية سنة 1929، وسنوات الكساد التي جاءت بعد هذا التاريخ، وظهور أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل قدروا بالملايين، حيث ابتكرت الحكومات الأمريكية المتعاقبة أساليب جديدة في مجال الرعاية الاجتماعية، وعملت على تطوير الخدمات الاجتماعية المقدمة لمختلف الشرائح والفئات من مواطنيها.

رابعا: القواعد التي تنظم الرعاية الاجتماعية في الإسلام

وفي الشريعة الإسلامية نجد مجموعة من القواعد الهامة التي تنظم مبدأ الرعاية الاجتماعية تتمثل في ما يلي[60]:

  1. تقديم المساعدة؛ وتشمل:

أ. المدين الذي عجز عن سداد الدين لأسباب خارجة عن إرادته، فيقوم بيت المال في هذه الحالة بسدادها.

ب. القاتل من غير عمد، فإن دية القتيل لا يتحملها القاتل وحده، بل يتعاون معه أهله وأصدقاؤه في دفعها.

ج. ابن السبيل وهو الغريب عن أهل البلدة، فيعان على أمور حياته حتى يرجع إلى موطنه.

  1. تشريع المشاركة: وذلك في موسم الحصاد، حيث يقع على عاتق المسلم ضرورة إعطاء جزء من محصوله وإنتاجه، قال الله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (الأنعام: 142)، قيل هي الزكاة المفروضة، قال ابن عباس يعني الزكاة المفروضة يوم يكال ويعلم كيله، وعنه قال: إن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده لم يخرج مما حصد شيئا، فقال الله تعالى: ﴿وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، وذلك أن يعلم ما كيله، وحقه من كل عشرة واحد، وما يلقط الناس من سنبله، وقد روي عن جابر بن عبد الله أن النبي، صلى الله عليه وسلم: “أمر من كل جاذ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين[61]“.

 وقال الحسن البصري: “هي الصدقة من الحب والثمار، وقال آخرون: هو حق آخر سوى الزكاة[62]“.

  1. تشريع المعونة: وهي إعطاء كل ما ينفع لمن يحتاج إليه، كإعطاء الماعون وعدم منعه، قال الله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ. وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ (الماعون: 4-6)، قال الألوسي: “الزكاة أو ما يتعاون الناس بينهم كالإبرة أو القصعة[63]“.
  2. تشريع الضيافة: خاصة ضيافة المسافر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قالوا: ما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة[64]“.
  3. الإعفاف: يهدف إلى صيانة العفة لدى الذكور والإناث، وعدم الانسياق وراء الشهوة، والوقوع في المعصية، قال الله تعالى: ﴿وأنكحوا الاَيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم﴾ (النور: 32)؛ فالآية أمر بتزويج المرأة التي لا زوج لها وللرجل الذي لا زوجة له سواء سبق لكل منهما زواج أم لم يسبق، وقد قرر الفقهاء أن الزواج واجب على من كان في حاجة إليه، ويخاف على نفسه الوقوع في الحرام، أما إذا كان فقيرا لا يجد نفقات الزواج، فإن الإسلام رغب قريبه الموسر في تزويجه.
  4. تشريع الإسعاف: حيث أوجب الإسلام على من يعلم بحال إنسان في حالة مرض شديد أو جوع يخشى معه هلاك ذلك الشخص أن يبادر إلى إنقاذه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “أي رجل مات ضياعا بين أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله[65]“.
  5. تشريع الإغاثة والطوارئ؛ أي تكاثف المجتمع جميعه إزاء الأخطار الجسيمة التي تحدق به، كما في حالة تعرض بلاد المسلمين إلى الغزو من طرف الأعداء قال تعالى: ﴿انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله﴾ (التوبة: 41).
  6. التعويض العائلي: ويتضمن هذا المبدأ ضرورة إعطاء المساعدات لمن هم في حاجة إليها، مع مراعاة إعطاء الأولوية لمن هم في احتياج أكثر، فلا يأخذ الأعزب الذي لا يعول أبناء، كالذي يستحقه المتزوج الذي يعول أولادا.

 خامسا: أقسام الرعاية الاجتماعية

من خلال التطورات الكبرى التي مرت بها الرعاية الاجتماعية يمكن أن نميز بين مفهومين أساسيين:

  1. الرعاية الاجتماعية كمفهوم وظيفي مؤقت تقتصر على بعض الأفراد الذين لا يستطيعون كسب العيش والاعتماد على النفس في توفير ما يلزمهم.
  2. الرعاية الاجتماعية كمهنة أو وظيفة دائمة تهدف تنمية المجتمع والعمل على استقراره وتنميته ورفاهيته، وهذا المفهوم يتجاوز حدود مساعدة الفقراء والمحتاجين في فترات خاصة، وبحسب الرغبة الذاتية في ذلك، إلى تقديم خدمات اجتماعية متنوعة، تهدف تنمية ورفع قدرات المواطنين على أداء أدوارهم الإنتاجية، وتأمين الغد الأفضل لهم، والوصول بهم إلى مستوى من العيش الرغيد.

ويمكن تقسيم الرعاية الاجتماعية بمفهومها الثاني إلى ثلاث مجالات وظيفية هي:

أ. الإمدادات الاجتماعية: الهدف منها تحقيق الأمن الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية للناس في المجتمع، وذلك كالمساعدات العامة، والتأمينات الاجتماعية، والإسكان والعلاج الطبي، بعض هذه الأنواع مؤقت، مثل المساعدات العامة، وبعضها إنمائي مثل التأمينات الاجتماعية.

ب. الخدمات الاجتماعية: هي مجموعة من النشاطات والأعمال التي تكمل أو تساند الأنظمة المعنية بالتنشئة والضبط الاجتماعي، أو تحل محلها، خاصة تلك التي تستهدف الأسرة والمجال التربوي.

ج. العمل الاجتماعي: ويستهدف تغيير النظم والمؤسسات داخل المجتمع، أو تغيير المجتمع ذاته، ويتم ذلك من خلال مشاركة الموظفين في الجهود المنظمة للوصول إلى هذا الهدف.

أما المجالات التي تتضمنها الرعاية الاجتماعية فهي كثيرة، يمكن أن نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

ـ تقويم الانحرافات السلوكية؛

ـ التأمينات الاجتماعية؛

ـ اليد العاملة وإعادة تكوينها؛

ـ حماية البيئة وحماية السكان؛

ـ المساعدات العامة وتشمل المساعدات المادية، خاصة تلك التي تستهدف الفئات الفقيرة؛

ـ الصحة العامة والعلاج الطبي، والصحة النفسية، والتكوين المهني والتأهيل المهني ورعاية الطفل والأسرة، وتقويم السلوكات المنحرفة؛

ـ الخدمات الترويحية، وشغل أوقات الفراغ؛

ـ تنظيم المجتمع والتخطيط؛

  ـ الخدمات التعليمية.

سادسا: الدين سبيل تحقيق الرعاية الاجتماعية

يبين ابن القيم ضرورة الدين في حياة الناس، وأنه السبيل إلى تحقيق العدالة والمساواة بين الناس، يقول رحمه الله: “حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء، ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها؛ لأن أكثر الناس يعيشون بغير الطب[66]“.

والدين الصحيح هو الذي يربط بين عبادة الله وطاعته وبين حب الخير للناس، وبين عصيانه وإضرار الناس، فالمتشبثون به ينبغي أن يعيشوا بالحب، ويسود بينهم الإخاء والعدل والرحمة، ويبتعدون عن الظلم والطغيان والكبر..

فالدين كما بينه الدكتور شوقي أبو خليل: “برنامج إلهي لتحقيق أوسع معاني السعادة في الإنسان في دنياه قبل آخرته، في نفسه وجسده، في صناعته و زراعته، في وطنه وعالمه، ليس الدين تقاليد وحركات وتمتمات، فمثل هذا الدين دين ميت كما هي حال المسلمين اليوم، تدينهم حركات جسد ليس معها حس روحي، وحركات لسان ليس معها حس عقلي وفكري… حركات جسد ولسان تصدر من جمود وموت[67]“.

وبهذا الفهم الصحيح للدين تصلح الدنيا وتنتظم أمورها، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وهو التمسك بهذا الدين صافيا نقيا، فقد نص الماوردي أن: “صلاح الدنيا معتبر من وجهين: أولهما: ما ينتظم به أمور جملتها، والثاني: ما يصلح به حال كل واحد من أهلها، فهما شيئان لا صلاح لأحدهما إلا بصاحبه؛ لأن من صلحت حاله مع فساد الدنيا واختلال أمورها، لن يعدم أن يتعدى إليه فسادها، ويقدح فيه اختلالها؛ لأنه منها يستمد، ولها يستعد، ومن فسدت حاله، مع صلاح الدنيا وانتظام أمورها، لم يجد بصلاحها لذة، ولا لاستقامتها أثرا؛ لأن الإنسان دنيا نفسه[68]“.

ومما يمكن أن يعرف به الدين أنه: “نظرة معينة إلى الحياة، وهو يعني نظاما محددا يقوم على أساس تلك النظرة المعينة إلى الحياة[69]“.

يقول السيد سابق: “.. وتهذيب سلوك الأفراد عن طريق غرس العقيدة هو أسلوب من أعظم الأساليب التربوية، حيث إن للدين سلطانا على القلوب والنفوس، وتأثيرا على المشاعر والأحاسيس، ولا يكاد يدانيه في سلطانه وتأثيره شيء آخر من الوسائل التي ابتكرها العلماء، والحكماء، ورجال التربية. فغرس العقيدة في النفوس، هو أمثل طريقة لإيجاد عناصر صالحة تستطيع أن تقوم بدورها كاملا في الحياة، وتسهم بنصيب كبير في تزويدها بما هو أنفع وأرشد، إن هذا اللون من التربية يضفي على الحياة ثوب الجمال والكمال، ويظلها بظلال المحبة والسلام[70]“.

 فالإسلام يطلب من أتباعه إقامة الدين في مثل قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى: 11)[71].

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب[72]“؛ فإقامة الدين دون التفرق فيه هدف جامع ودائم، التقت عليه رسالات الأنبياء، وتلتقي عليه الدعوات الإصلاحية التي تخلفهم في رسالتهم. وإقامة الدين الذي أمر الله به في الآية السابقة، يعني إقامة أركانه وأخلاقه وعبادته ونظمه وقوانينه، فكل ما جاء به أو دل عليه أو أرشد إليه، داخل فيما تجب إقامته من الدين، وذلك على المستويات الفردية والجماعية وجوانب الحياة كلها.

وفي ختام هذا البحث لابد من التركيز على بعض النتائج والخلاصات، أوجزها فيما يلي:

  1. أن الرعاية الاجتماعية في مفهومها الشامل: “مجموع عمليات منظمة من طرف الدولة والجمعيات، تؤدي وظيفة أساسية في المجتمع، تشتمل على برامج وخدمات اجتماعية لفئات متنوعة من المجتمع، تهدف إلى حل المشكلات التي تعترض الأفراد والجماعات”.
  2. أن هناك نوعين من الرعاية الاجتماعية:

أ. الرعاية الاجتماعية غير المؤسسية: تقدم للمستفيدين وهم في مجتمعهم المحلي من غير الحاجة إلى إيوائهم في مؤسسات، وتهدف إلى مساعدة الأفراد لحل مشكلاتهم أو الرفع من مستواهم.

ب. الرعاية الاجتماعية المؤسسية: هي نمط من الرعاية تقدم من خلال دور ومؤسسات تديرها الدولة، أو تشرف عليها، أو تديرها جمعيات، يستفيد من هذه الرعاية أفراد ليس لهم أسر، أو أسرهم غير قادرة على رعايتهم، وتتصف الرعاية المؤسسية بأنها إيوائية، وعادة ما تشمل أنواعاً عديدة من الخدمات، مثل الخدمات الاجتماعية والصحية والترفيهية، في محاولة لتعويض الأفراد عما افتقدوه نتيجة بعدهم عن أسرهم الطبيعية.

  1. يمكن أن نميز بين مفهومين أساسيين للرعاية الاجتماعية:

 أ. الرعاية الاجتماعية كمفهوم وظيفي مؤقت، تقتصر على بعض الأفراد الذين لا يستطيعون كسب العيش والاعتماد على النفس في توفير ما يلزمهم.

 ب. الرعاية الاجتماعية كمهنة أو وظيفة دائمة، تهدف إلى تنمية المجتمع، والعمل على استقراره ورفاهيته، وهذا المفهوم يتجاوز حدود مساعدة الفقراء والمحتاجين في فترات خاصة، وبحسب الرغبة الذاتية في ذلك، إلى تقديم خدمات اجتماعية متنوعة، تهدف إلى تنمية ورفع قدرات المواطنين على أداء أدوارهم الإنتاجية، وتأمين الغد الأفضل لهم، والوصول بهم إلى مستوى من العيش الكريم.

أن المسلم مطالب بأن يؤدي الرعاية الاجتماعية انطلاقا من مقتضيات الإيمان، وواجب الأخوة الدينية..

  1. أن للرعاية الاجتماعية في الإسلام مقوماتها التي تميزها عن الرعاية في المنظومات الفكرية الأخرى، فهي تقوم على أسس متينة، وركائز قوية، مستمدة من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وتتميز بخصائص معينة، هي جزء من الخصائص العامة للإسلام، ومن خصائص التصور الإسلامي؛ لأن الفكرة الكلية للإسلام عن الله والكون والحياة والإنسان تختلف عما عداه في الأديان والفلسفات الأخرى، كما أن الرعاية الاجتماعية في هذا الدين هي حق لكل فرد في المجتمع بضوابط شرعية محددة.
  2. تقوم الرعاية الاجتماعية في الإسلام على مجموعة من الأسس والركائز التي يمكن أن نستنبطها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، بل إن من هذه الأسس ما هو من مقتضيات الإيمان وكماله، وحسن إسلام المرء وصدقه مع الله تعالى.
  3. أن الرعاية الاجتماعية في الإسلام تتميز بخصائص عديدة، منها ما يتعلق بأساس هذه الرعاية، حيث تستمد مشروعيتها من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، كما تتميز من حيث نطاقها إذ أنها رعاية شاملة، تشمل الإنسان والحيوان بل والنبات أيضا، ومن أهم ما يميزها كذلك، أنها تقوم على ما تقدمه الدولة وعلى الجهود التطوعية للأفراد والجماعات.
  4. من أهم الصفات التي تميز الرعاية الاجتماعية في الإسلام، كونها شاملة لكل الأحياء، خاصة الإنسان في كل حالاته وفي جميع مراحله، وكذا الحيوانات والنبات، ومن خصائصها أنها رعاية اجتماعية إلزامية وتطوعية.
  5. أن من مرتكزات الرعاية الاجتماعية في الإسلام، الأوامر الشرعية التي جاء بها الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة.
  6. أن الهدف العام للرعاية الاجتماعية في الإسلام، هو جلب المصالح ودرء المفاسد فيما يتعلق بشؤون الناس في علاقاتهم الاجتماعية.
  7. أن الرعاية الاجتماعية لكي تحقق هدفها المشار إليه، يجب أن تقوم مع غيرها من النظم بوظائف الحفاظ على الضروريات الخمس، وأن تعمل على الارتقاء من رتبة الضروريات إلى رتبة الحاجيات فالتحسينيات، وبذلك تقوم بعمليات التنمية الاجتماعية في ذات الوقت.
  8. أنه لا يمكن الفصل بين الرعاية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية كمفهومين في المنظور الإسلامي؛ لأنهما يتداخلان، والأصل الذي يجمعهما هو تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الضروريات الخمس التي هي الدين، والنفس، والعقل، والنسل والمال، ذلك أن برامج الرعاية الاجتماعية تعمل على إقامة أركان هذه الضروريات وتثبيت قواعدها، وتقوم بالدور العلاجي بدرء الاختلال الواقع فيها، بينما تقوم برامج التنمية الاجتماعية بالدور التنموي الوقائي في حفظ هذه الضروريات.
  9. أن من المبادئ العامة الموجهة للرعاية الاجتماعية في الإسلام أن ينصب الاهتمام الرئيسي في تخطيط برامج الرعاية الاجتماعية على الاستثمار الجيد للموارد البشرية، وحسن توظيفها، مع التركيز على تشجيع المبادرة والاعتماد على النفس لدى الأفراد.
  10. أن الحاجة الكبيرة إلى تقوية دور المنظمات التطوعية الحكومية وغير الحكومية والهيئات الخاصة، وتشجيع جهود الناس أنفسهم للمساهمة في تدعيم الخدمات الاجتماعية والتنمية.
  11. أنه يمكن تقوية الجهود المحلية والوطنية، لتشجيع التقدم الاجتماعي، وتحسين الرعاية الاجتماعية عن طريق التعاون الإقليمي، وتشجيع التعاون بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية، والجماعات ذات الاهتمامات الاجتماعية.
  12. أن الرعاية الاجتماعية في الإسلام تقوم على تأكيد العلاقة بين الفرد والمجتمع، والالتزامات المتبادلة بينهما، وتأخذ في الاعتبار الطبيعة الاجتماعية للإنسان على أساس أن علاقة الفرد بالمجتمع تتم من خلال شبكة من العلاقات الاجتماعية، تبدأ بالأسرة فالقرابة فالجوار فالمجتمع، لذلك فإن التزامات الرعاية الاجتماعية في الإسلام تتجاوب مع التزامات العلاقات الاجتماعية التي تربط بين الناس.
  13. أن من القضايا المهمة في الرعاية الاجتماعية في وقتنا الحاضر، إيجاد التوازن بين الاعتمادية والاستقلالية؛ أي بين تقديم المساعدة للمواطن، وعدم خلق الاعتمادية لديه على تلك المساعدة، وقد نبه الإسلام إلى ذلك وحث على الاعتماد على النفس، وعدم المسألة، والسعي في طلب الرزق.

الهوامش

[1]. الفيروز أبادي، القاموس المحيط، ج1، بيروت: دار الفكر، 1/327، مادة قصد، معجم مقاييس اللغة، 5/95، المصباح المنير 2/691.

[2]. ابن منظور، لسان العرب مادة قصد، ج3 بيروت: دار صادر، 1956، ص353،

[3]. القاموس المحيط، م، س، ص320.

[4]. لسان العرب، م، س، ص354.

[5]. لسان العرب، م، س، 8/175.

[6]. محمد بن علي التهانوي، كشاف مصطلحات الفنون والعلوم بيروت: دار صادر، 2/759.

[7]. وهبة الزحيلي، كتاب الأمة، ص70.

[8]. الشاطبي، الموافقات، ج2، لبنان: دار المعرفة للطباعة والنشر، ص6.

[9]. الموافقات، م، س، 2ج ص4.

[10]. العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام:ج1 بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ص8.

[11]. الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية نشر مكتبة الاستقامة تونس ط1، المطبعة الفنية-تونس، 1366ﻫ، ص50.

[12]. الموافقات، م، س، 2/168.

[13]. تكرر هذا المعنى كثيرا في القرآن الكريم على لسان الأنبياء خطابا لأقوامهم، من ذلك الآيات من سورة الأعراف 65، 73، 85، والآيات من سورة هود 50، 61، 84.

[14]. فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، ص115.

[15]. ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ج 2 ص35.

[16]. القاضي عياض، ترتيب المدارك 1/93.

[17]. انظر في ترجمته: شذرات الذهب “6/168″، ذيل طبقات الحنابلة “2/447″، بغية الوعاة “1/62″،البلد الطالع “2/143

[18]. إعلام الموقعين تحقيق محيي الدين عبد الحميد، ط 2، 3/14-15.

[19]. انظر ترجمته في: شذرات الذهب “4/141″، والديباجيس المذهب “2/252″، وفيات الأعيان” 3/422″

[20]. إعلام الموقعين، م، س.

[21]. أحكام القرآن: 4/1806.

[22]. العز بن عبد السلام، شجرة المعارف والأحوال، ص401.

[23]. ا نظر ترجمته في: الديباج المذهب 1/236، المنهل الصافي1/415.

[24]. القرافي، شرح تنقيح الأصول، ص427.

[25]. انظر ترجمه في البدر الساطع 1/63، طبقات المفسرين للداودي 1/45، ذيل طبقات الحنابلة، 2/387.

[26]. الفتاوي الكبرى، 20/48، السياسة الشرعية، ص47.

[27]. مذاهب الحكام، ص90، وبداية المجتهد، 2/335.

[28]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، ص3.

[29]. أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص7.

[30]. ضوابط المصلحة، ص45.

[31]. للطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص154

  1. المرجع نفسه.

[33]. السنة مصدر للمعرفة والحضارة، ص232

[34]. الموافقات، م، س، ص463

[35]. المرجع نفسه، ص467.

[36]. انظر: عمر عبيد حسنة من مقدمة كتاب الأمة، عدد 65، الاجتهاد المقاصدي حجيته.. ضوابطه.. مجالاته، ج1، ص39.

[37]. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، م، س، ص324.

[38]. مقدمة كتاب “الاجتهاد المقاصدي، م، س، ص22-23

[39]. انظر، يوسف القرضاوي، السنة مصدرا للمعرفة والحضارة، القاهرة: دار الشروق، ط2، (1418ﻫ/1998م)، ص230.

[40]. الاجتهاد المقاصدي حجيته.. ضوابطه.. مجالاته، م، س، ص39.

[41]. المرجع نفسه.

[42]. انظر: ابن منظور، لسان العرب بيروت: دار صادر، 1968، 2/517 ط6، 1997م، القاموس المحيط، فصل الصاد باب الجيم، ج1 دار الجيل، ص243.

[43]. انظر: المصباح المنير 1/277، القاموس المحيط، 1/243، المعجم الوسيط 1/522.

[44]. انظر: أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، ط1، 1322ﻫ، طبع في بولاق وبهامشه: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، 1/286.

[45]. لسان العرب، م، س، مادة رعى، الصحاح، باب الياء فصل الراء، المعجم الوسيط، مادة رعى.

[46]. القاموس المحيط، م، س، فصل الراء، باب الياء، مادة رعي، ج4، بيروت: دار المعرفة، لبنان، ص335.

[47]. انظر: الصابوني، صفوة التفاسير، ج1، ط دار الفكر، 1976، ص85.

[48]. المرجع نفسه، ج 1، ص280

[49]. البحر المحيط، م، س، ج3 ص 264.

[50]. المرجع نفسه، ج6 ص397.

[51]. انظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، مكتبة النور العلمية، بيروت، ط1، (1412ﻫ/1992م)، ج4، ص316.

[52] المعجم الوسيط، مادة جمع.

[53]. الاختلاف في مفاهيم الرعاية الاجتماعية وسياساتها، كان له تأثير مباشر على كيفية إدارة برامجها في مختلف الدول، فأحيانا يطلق عليها الرعاية الاجتماعية، وأحيانا الشؤون الاجتماعية، أو الضمان الاجتماعي، أو التأمينات الاجتماعية، أو الإنعاش الاجتماعي، أو الرفاهية الاجتماعية، أو الشؤون الأسرية.

[54]. الخدمة الاجتماعية والتغيير الاجتماعي، ط2، عالم الكتب،1978، ص7.

[55]. عبد الحليم رضا عبد العال، الخدمة الاجتماعية المعاصرة، طبعة 1990، ص165.

[56]. توطين الصناعة والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، طبعة 1965.

[57]. الرعاية الاجتماعية للمعوقين، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1969، ص5.

[58].النظام الاجتماعي في الإسلام، م، س، ص8.

[59]. الطاهر بن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، م، س، ص 9.

[60]. انظر: أحمد كمال أحمد، مناهج الخدمة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، ج1 ص35.

[61]. رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد.

[62]. انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ج2، ص173.

[63]. الألوسي، روح المعاني، ج30 ص242.

[64]. صحيح البخاري، للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، (توفي 256ﻫ)، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، سنة 1997م، مراجعة وضبط وفهرسة الشيخ محمد علي قطب، والشيخ هشام البخاري، حديث رقم 6135.

[65]. صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه، ج4 ص 2110.

[66]. انظر: ابن القيم، مفتاح دار السعادة، طبعة محمد علي صبيح، 2/2.

[67]. الإسلام في قفص الاتهام، دار الرشيد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1971، ص324.

[68]. الماوردي، أدب الدنيا والدين ص109-110.

[69]. وحيد الدين خان، الدين في مواجهة العلم،، دار الاعتصام، ص62.

[70]. السيد سابق، العقائد الإسلامية، بيروت: دار الفكر، لبنان، ط2، (1402ﻫ /1982م).

[71]. شرع لكم.. بين وسن لكم طريقا، ما وصى به: ما أمر به وألزم، وأقيموا الدين: دين التوحيد وهو الإسلام (انظر كلمات القرآن لمخلوف)، ولا تتفرقوا فيه: ولا تختلفوا في الدين.

[72]. انظر: تفسير النسفي، طبعة دار الفكر، ج4، د. ت، ص102.

Science
الوسوم

د. عبد الرحيم بنجلون

 باحث في المقاصد الشرعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق