المستور وحكم روايته للحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آل بيته المنعمين، وصحابته المكرمين، ومن تبعهم إلى يوم الفضل والدين.
وبعد؛
فلا شك أن الحديث النبوي الشريف لبنة راسخة من لبنات هذا الدين القويم؛ إذ هو المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم؛ ولهذا فقد حظي بعناية ورعاية تامة من العلماء، قديما وحديثا؛ حيث أفنوا زهرة أعمارهم في الذب عنه، وتنقيحه من الشوائب والزغل، وإن مدار هذا العلم الشريف- الحديث- قائم على معرفة تامة بحال رجال الأسانيد، ونقلة الأخبار الذين نقلوه كابرا عن كابر، ولهذا فقد تتبع العلماء ونقاد الحديث هؤلاء النقلة واحدا واحدا، وبينوا أحوالهم من حيث التعديل، أو التجريح؛ إلا أنه وقع لهم في بعض الرواة أنهم غير مشهورين بعدالة أو تجريح، وهو ما اصطلح عليه في علم الحديث: "بمستور الحال".
فما هو معنى مصطلح مستور الحال لغة واصطلاحا؟ وما حكم روايته للحديث؟
المطلب الأول: معنى مصطلح مستور الحال لغة واصطلاحا:
1-المستور لغة:
المستور لغة : اسم مفعول من (سَتَر) قال ابن فارس (395هـ): "ستر: السين، والتاء، والراء، كلمة تدل على الغطاء، تقول: سترت الشيء سترا، والسُّترة: ما استترت به كائنا ما كان"[1].
وقال ابن منظور (711هـ): "ستر الشيء يستره، ويستره، سترا، وسترا : أخفاه... والستَر بالفتح : مصدر سترت الشيء أستره؛ إذا غطيته فاستتر هو، وتستر؛ أي: تغطى، وجارية مسترة، أي: مخدرة .. ورجل مستور، وستير، أي: عفيف"[2].
إذن المستور في المعنى اللغوي: يطلق على الشيء المخفي، والمغطى، بمعنى: أنه في الحقيقة موجود غير أنه مخفي.
2-المستور اصطلاحا:
عرفه ابن القطان الفاسي (628هـ ) بقوله: "مستورون مما روى عن أحدهم اثنان فأكثر ، ولم تُعلم مع ذلك أحوالهم"[3].
وعرفه ابن الصلاح (643 هـ) بقوله: "المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور فقد قال بعض أئمتنا : المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنه " [4].
وقال ابن سيد الناس اليعمري (734هـ): "المستور الذي عرف شخصه، وجهلت حاله، ممن لم ينقل فيه جرح ولا تعديل، أو من نقلا فيه معا، ولم يترجح أحدهما على الآخر ببيان؛ حيث يحتاج ، وما أشبهه"[5].
وعرفه ابن حجر (852هـ) بقوله: "من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الّإشارة بلفظ : مستور، أو مجهول الحال"[6].
وقال أيضا: "إن روى عنه اثنان فصاعدا، ولم يوثق فهو مجهول الحال، وهو المستور." [7].
وقال د. محمد أبو الليث الخير آبادي في معجم مصطلحات الحديث وعلومه: "المستور مرادف لمجهول الحال، وقيل: هو من يكون عدلا في الظاهر، ولا تعرف عدالة باطنه، سواء انفرد بالرواية عنه واحد ، أم روى عنه اثنان فصاعدا"[8].
المطلب الثاني: حكم رواية المستور:
تباينت أقوال العلماء في حكم رواية المستور من حيث قبولها أو ردها، وانقسموا في شأنه إلى أربعة آراء:
الرأي الأول: قبول روايته مطلقا:
وممن قال بهذا الرأي جماعة من العلماء والمحدثين منهم: ابن حبان (354هـ) [9]، والبغوي (516هـ)[10]، والنووي (676هـ) [11] ... الخ.
الرأي الثاني: رد رواية المستور مطلقا وعدم قبولها:
وهذا هو رأي ومذهب جمهور العلماء من المحدثين، قال ابن حجر (852هـ): "إن جمهور المحدثين لا يقبلون رواية المستور، وهو قسم من المجهول، فروايته بمفردها ليست بحجة عندهم"[12].
وقال التهانوي (1394هـ): "... ويقال له المستور عندهم، فمذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأكثر أهل العلم أن مجهول الحال غير مقبول الرواية؛ بل لابد من خبرة باطنة بحاله"[13].
الرأي الثالث: التوقف في قبول رواية المستور وردها حتى يتبين حاله من حيث التوثيق أو التجريح؛ إذ ذاك تقبل روايته أو ترد.
وممن ذهب إلى هذا المذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال بعد أن ذكر الآراء السابقة: " وقد قبل روايته جماعة بغير قيد وردها الجمهور، والتحقيق: أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها ؛ بل يقال: هي موقوفة إلى استبانة حاله، كما جزم به إمام الحرمين؛ ونحوه قول ابن الصلاح فيمن جُرح بجرح غير مفسر" [14].
الرأي الرابع: وهو قول ابن القيم الجوزية وهو أن المستورين من تابعي أهل المدينة يحتج بهم؛ لاسيما في السنن التي تشتد حاجة الناس إليها حيث قال في حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما طلق عبد يزيد أبو ركانة زوجته أم ركانة..." : لا علة لهذا الحديث إلا رواية ابن جريج له عن بعض بني أبي رافع وهو مجهول؛ ولكنه تابعي، وابن جريج من الأئمة الثقات العدول، ورواية العدل عن غيره تعديل له ما لم يعلم فيه جرح، ولم يكن الكذب ظاهرا في التابعين وخاصة التابعين من أهل المدينة ... الخ[15].
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى:
-أن مصطلح المستور يطلق على الراوي الذي عرف شخصه أي: العدالة الظاهرة، وجهلت حاله الباطنة، أو من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، أي: لم يذكر فيه جرح أو تعديل.
-اختلف العلماء في قبول حديث المستور، وانقسموا فيه إلى أربعة أقسام:
الأول: قبول روايته.
الثاني: رد روايته.
الثالث: التوقف في قبول روايته أو ردها حتى يتبين حاله من حيث التوثيق أو التجرح، فتقبل حينئذ روايته أو ترد.
الرابع: قبول رواية المستورين من تابعي أهل المدينة ؛ لاسيما في السنن التي تشتد حاجة الناس إليها.
والحمد لله رب العالمين
*********************
هوامش المقال:
[1] - معجم مقاييس اللغة (3 /132) مادة: "ستر".
[2] - لسان العرب (4 /343-344) مادة: "ستر".
[3] - بيان الوهم والإيهام (3 /90).
[4] - علوم الحديث (4 /62).
[5] - النفح الشذي (1 /31).
[6] - تقريب التهذيب (ص: 74).
[7] - نزهة النظر (ص: 117).
[8] - معجم مصطلحات الحديث وعلومه (ص: 141).
[9] - أنظر: شرح نخبة الفكر للقارئ (ص: 518).
[10] - التهذيب في فقه الإمام الشافعي (5 /263).
[11] - انظر: المجموع شرح المهذب (6 /287-288).
[12] -النكت على كتاب ابن الصلاح (1 /129).
[13] - قواعد في علوم الحديث (ص: 203).
[14] - نزهة النظر (ص: 313)
[15] - زاد المعاد (5 /164).
********************
لائحة المصادر والمراجع :
بيان الوهم والايهام لابن القطان، ت: الحسين آيت سعيد، دار طيبة، ط1، 1417/ 1997.
تقريب التهذيب لابن حجر، ت: محمد عوامة، دار الرشيد، حلب، ط3، 1411/ 1991.
التهذيب في فقه الإمام الشافعي لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء ، ت: عادل عبد الموجود، وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418/ 1997.
زاد المعاد من هدي خير العباد. لابن القيم الجوزية. تحقيق: شعيب الأرنؤوط- عبد القادر الأرنؤوط مؤسسة الرسالة بيروت. ط3/ 1418هـ- 1998مـ.
شرح نخبة الفكر في مصطلحات أهل الأثر، للملا علي القاري ، ت: محمد نزار تميم، وهيثم نزار تميم، دار الأرقم، بيروت (د.ت).
علوم الحديث لابن الصلاح، ت: أبي معاذ عوض الله، دار ابن القيم ، الرياض، ودار ابن عفان الجيزة، ط1، 1429 /2008.
قواعد في علوم التحديث: لظفر أحمد العثماني التهانوي، ت: عبد الفتاح أبي غدة، دار الأرقم، بيروت، ط3، 1392 /1972.
لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت، ط1، 1410ه/1990.
المجموع شرح المهذب للشيرازي : لأبي زكريا شرف الدين النووي، ت: محمد المطيعي، مكتبة الإرشاد، جدة. (د.ت).
معجم مصطلحات الحديث وعلومه، وأشهر المصنفين فيه، محمد أبو الليث الخيرآبادي، دار النفائس، الأردن، ط1، 1429 /2009.
معجم مقاييس اللغة لابي الحسين أحمد بن فارس ت: عبد السلام هارون، دار الفكر، لبنان (د.ت).
نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ؛ لابن حجر العسقلاني، دار الملك، الهند، ط1، 1443ه/ 2022م.
نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، لابن حجر، ت: أبي معاذ عوض الله، دار المأثور ، الرياض، ط1، 1432 /2011.
النفح الشذي شرح جامع الترمذي لابن سيد الناس، ت: أبو جابر الأنصاري، وآخرون، دار الصميعي، الرياض، 1428 /2007.
النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر العسقلاني، ت: مسعود السعدني ومحمد فارس، دار الكتب العلمية، 2009.
*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري