وحدة الإحياءتراث

المدرسة المالكية بالأندلس.. بين تيار التقليد وتيار التأصيل

تمهيد

منذ دخل الإسلام إلى الأندلس، وأهلها على مذهب الإمام الأوزاعي، إلى أن رحل طلبتها إلى الحجاز قاصدين الحج، وكانت رحلتهم في البداية مقصورة عليها، وإمامها يومئذ هو الإمام مالك، فتتلمذوا عليه، وأخذوا عنه مباشرة، فلما عادوا إلى الأندلس أخذوا ينشرون علمه وفقهه بين الناس، وتولوا وظائف التدريس والفتيا والصلاة والقضاء والشورى، وفي مقدمة هؤلاء: زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون المتوفى سنة 204هـ، الذي جزم الحميدي أنه أول من أدخل مذهب مالك إلى الأندلس[1]، وقرعوس بن العباس، والغازي بن قيس المتوفى سنة 199هـ، وأبو عبد الله محمد بن سعيد بن بشير بن شراحيل المتوفى سنة 198هـ، ويحيى بن يحيى الليثي المتوفى سنة 234ه، وأبو محمد عيسى بن دينار القرطبي المتوفى سنة 212ه.

ولم يكن هؤلاء الراحلون يهتمون بنشر علم مالك وفقهه فحسب، وإنما كانوا حريصين على أن يصفوا من صدقه، وجلالة قدره، وسعة علمه، واقتداء الأمة به في سلوكه وأخلاقه، ما عظم به صيته بالأندلس[2]، وهذا ما دفع بعض الخلفاء إلى أن يأخذوا بمذهبه، ويأمرون الناس باتباعه، ويصيروا القضاء والفتيا عليه، كما هو الشأن بالنسبة للخليفة الأموي هشام بن عبد الرحمن بن معاوية في الأندلس، وإدريس بن إدريس في المغرب الأقصى، والمعز بن باديس في تونس[3].

وفي هذا الظرف بالذات؛ أي في أواخر القرن الثاني الهجري، كانت المدرسة الأوزاعية في الأندلس قد أخذت تتخلى عن مواقعها، فاسحة المجال للمدرسة المالكية، إذ لم يبق لمذهب الأوزاعي من يناصره، إلا أفراد قليلون يأتي في مقدمتهم: الفقيه المحدث الراوية صعصعة بن سلام الدمشقي الأندلسي، رائد المدرسة الحديثة في الأندلس، وشيخ المفتين بقرطبة[4] مع جماعة كانت تحذو حذوه، وتنهج نهجه.

وفي هذا السياق يذكر القاضي عياض في “المدارك” ما نصه: “وأما أهل الأندلس فكان رأيهم منذ فتحت على رأي الأوزاعي إلى أن رحل إلى مالك زياد بن عبد الرحمن، وقرعوس بن العباس، والغازي بن قيس، ومن بعدهم، فجاءوا بعلمه، وأبانوا للناس فضله واقتداء الأمة به، فعرف حقه، ودرس مذهبه، إلى أن أخذ أمير الأندلس إذ ذاك هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الناس جميعا بالتزام مذهب مالك، وصير القضاء والفتيا عليه، وذلك في عشرة السبعين ومائة من الهجرة (أي عام 170هـ) في حياة مالك رحمه الله تعالى، وشيخ المفتين حينئذ صعصعة بن سلام إمام الأوزاعية، وروايتهم، وقد لحق به من أصحاب مالك عدة، فالتزم الناس بها من يومئذ هذا المذهب، وحموه بالسيف عن غيره جملة”[5].

وقد اختلف المؤرخون في أول من أدخل المذهب المالكي إلى الأندلس: فذهب ابن القوطية وتبعه السيوطي والعياشي في الرحلة[6]، إلى أنه الغازي بن قيس، وذلك في خلافة عبد الرحمن الداخل[7]، بينما يرى الجمهور أن أول من ادخله هو زياد بن عبد الرحمن اللخمي المعروف بشبطون؛ فقيه الأندلس[8].

والجمع بين الرأيين ممكن، باعتبار أن الغازي بن قيس، أول من أدخله، إلا أن المذهب لم يشتهر ويذاع بين الناس على نطاق واسع، إلا بعدما جاء زياد الذي تصدى لإقرائه وإسماعه الناس[9]، ولعل هذا يفهم من قول عياض: “وكان زياد أول من أدخل الأندلس موطأ مالك، متفقها بالسماع منه”[10] ومن قول المقري: “وهو أول من أدخل موطأ مالك إلى الأندلس مكملا متقنا”[11].

ظهور المذهب المالكي على غيره من المذاهب بقوة السلطان

أما عن الأسباب التي أدت بالمذهب المالكي إلى أن ينتشر ويشيع في هذه الربوع، ويتقلص نفوذه في المشرق-موطن نشأته-على خلاف المعهود، فالباحثون في ذلك مختلفون، فمنهم من يرجع ذلك إلى شخصية صاحب المذهب القوية، ومنهم من يرده إلى ملاءمة مذهبه لطبيعة المغاربة والأندلسيين، ومنهم من يرده إلى تشابه البيئة في كل من الحجاز، وبلاد المغرب كابن خلدون، ومنهم من يرجع ذلك إلى اقتصار رحلة الأندلسيين والمغاربة إلى الحجاز غالبا من أجل الحج…[12].

هذه بعض الأسباب التي قيل عنها كانت من العوامل التي ساعدت على انتشار المذهب المالكي بالأندلس، وهي وإن كانت من العوامل التي ساعدت-في الجملة-على ذيوع هذا المذهب في هذه الربوع، إلا أنها لا تعد في نظر الباحث المتفحص أسبابا حقيقية لانتشار هذا المذهب، ولا تنهض حجة على ذلك.

والذي أميل إلى أنه السبب الحقيقي، هو ما ذكره الإمام ابن حزم الظاهري إذ يقول: “مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، مذهب أبي حنيفة، فإنه لما ولي قضاء القضاة أبو يوسف كانت القضاة من قبله، فكان لا يولي قضاء البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى أعمال أفريقية إلا أصحابه والمنتمين إلى مذهبه، ومذهب مالك بن أنس عندنا، فإن يحيى كان مكينا عند السلطان، مقبول القول في القضاء، فكان لا يلي قاض في أقطارنا إلا بمشورته واختياره، ولا يشير إلا بأصحابه ومن كان على مذهبه، والناس سراع إلى الدنيا والرياسة، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به، على أن يحيى لم يل قضاء قط، ولا أجاب إليه، وكان ذلك زائد في جلالته عندهم وداعيا، وداعيا إلى قبول رأيه لديهم”[13].

ورأي ابن حزم هذا فيه كثير من الصواب، إذ القوة دائما تفعل فعلها، ولنا في موقف العثمانيين الذين نشروا المذهب الحنفي بالقوة في الأقطار التي خضعت لحكمهم، وموقف الدولة السعودية من المذهب الحنبلي، شاهد على ذلك، أما من انتقد رأي ابن حزم هذا فلم يأت بأدلة مقنعة، والناس-كما قيل-على دين ملوكهم[14].

ومما يؤيد رأي ابن حزم، ما ذكره بعض المؤرخين أن مالكا سأل بعض الأندلسيين عن سيرة ملك الأندلس، فوصف له سيرته، فأعجبت مالكا-لكون سيرة بني العباس في ذلك الوقت لم تكن مرضية-فقال مالك رضي الله عنه لذلك المخبر: نسأل الله تعالى أن يزين حرمنا بمثله، فنميت المسألة إلى ملك الأندلس، مع ما علم من جلالة مالك ودينه، فحمل الناس على مذهبه، وترك مذهب الأوزاعي[15]، ويذهب المقري إلى أن الموصوف هو الخليفة هشام بن عبد الرحمن، والواصف هو زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون تلميذ مالك[16].

ومما يؤيد أن المذهب المالكي انتشر بقوة السلطان، ما ذكره القاضي عياض في المدارك، أن أمير الأندلس إذ ذاك، هشام بن عبد الرحمن حمل الناس جميعا على التزام مذهب مالك، وصير القضاء والفتيا عليه، فالتزم الناس بالأندلس من يومئذ هذا المذهب، وحموه بالسيف عن غيره جملة[17].

ومما يؤيد ما ذكره مؤرخو المذهب المالكي أن الحكم المستنصر أصدر منشورا ألزم به الأندلسيين تقليد المذهب المالكي وحده[18]، ومما جاء في المنشور: “وكل من زاغ عن مذهب مالك فإنه ممن رين على قلبه، وزين له سوء عمله…”[19].

ومن المؤيدات أن الفقهاء بالمغرب والأندلس، كانوا يبايعون الأمراء على كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومذهب مالك، كما اشترط ذلك صراحة الفقيه إسحاق السبائي[20].

ومن المؤيدين لرأي ابن حزم، كذلك، ما ذكره المؤرخ ابن حيان في سبب كثرة قضاة الأمير عبد الرحمن بن الحكم حيث يقول: “إنما كان سبب استكثار عبد الرحمان بن الحكم من القضاة وكثرة توليته وعزله لهم، اتباعه فيهم رضا كبير الفقهاء المشاورين، الآثير عنده، يحيى بن يحيى، إذ كان لا يزال يشير عليه بقاض، فيوليه عبد الرحمن مقتصرا فيه على رأيه، فإذا أنكر عليه يحيى شيئا رفعه إلى الأمير فلا يؤخر عزله، ولا يحيد عن مشورته، وكان يحيى الذي يولي مكانه”[21].

وفي موطن آخر يزيد ابن حيان هذا الأمر بيانا وتفسيرا، فيقول: “وغلب يحيى بن يحيى جميعهم؛ أي دون جميع الفقهاء، على رأي الأمير عبد الرحمان، وألوى بإيثاره، فصار يلتزم من إعظامه وتكريمه وتنفيذ أموره ما يلتزم الولد لأبيه، فلا يستقضي قاضيا؛ ولا يعقد عقدا؛ ولا يمضي في الديانة أمرا، إلا عن رأيه وبعد مشورته[22].

ويبدو أن عددا من المؤرخين وفقهاء المالكية يسيرون مع رأي الإمام ابن حزم، منهم ابن حيان، كما هو واضح في هذه النصوص التي نقلناها من كلامه، والقاضي عياض الذي أشار إلى أن المذهب انتشر بقوة السلطان؛ وبالسيف جملة، وإلى هذا الرأي مال القاضي ابن العربي كذلك، عندما يقول: “نفذ إلى هذه البلاد؛ يقصد الأندلس، بعض الأموية، فألفى هنا عصبية فثاروا به، وأظهر الحق، وقال: أحمي السنة، فلا فقه إلا فقه أهل المدينة، ولا قراءة إلا قراءتهم، فألزموا الناس العمل بمذهب مالك، والقراءة على رواية نافع، ولم يمكنهم من النظر والتخيير في مقتضى الأدلة متى خرج ذلك عن رأي أهل المدينة”[23].

وهكذا يتبين بما سقناه من مؤيدات وأدلة أن انتشار المذهب المالكي بقوة السلطان أمر لا ينتطح فيه عنزان، ولا يختلف فيه اثنان.

طبيعة وخصائص المدرسة المالكية بالأندلس

وثمرة لما تقدم، نستطيع القول بأن المذهب المالكي بالأندلس، عرف اتجاهين داخل نفس المدرسة الفقهية ومنذ بدء نشأتها:

  1. اتجاه فروعي مقلد.
  2. واتجاه تأصيلي مجتهد.

ويبدو ذلك جليا لكل من أمعن النظر في تاريخ المدرسة وأعلامها بالأندلس وتواليفهم الفقهية.

1.الاتجاه الفروعي المقلد

وهو الاتجاه الغالب على المدرسة المالكية بالأندلس، الذي اتخذ طابع التمسك بفروع المذهب المالكي ومسائله مع قلة البضاعة أو عدم الدراية في علم الحديث والأثر والانصراف عن علوم السنة إلى الفقه المحض المجرد عن الأدلة.

ومما يؤسف له؛ أن المدرسة المالكية في الأندلس، سلكت هذا الاتجاه في بداية نشأتها وظهور أمرها.

وأول من خط هذا الاتجاه بالأندلس، في ظني، هو قرعوس بن العباس بن قرعوس –تلميذ مالك وروايته ومن أوائل الذين أدخلوا المذهب إلى الأندلس-يقول فيه ابن الفرضي: “وكان علمه بالمسائل على مذهب مالك وأصحابه، ولا علم له بالحديث[24]، ومعنى المسائل في اصطلاحهم علم الفروع لا غير، وتقليد مالك وأصحابه في ذلك وهذا يحيى بن يحيى الليثي المتوفى سنة 234هـ، تلميذ مالك وراوي الموطأ عنه، فيه الأندلس وعاقلها، والذي انتهت إليه رئاسة العلم بها، وبسببه استغلظ المذهب المالكي في الأندلس واستوى على سوقه، يقول فيه حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر: ولم يكن له بصر بالحديث”[25].

وهذا عبد الملك بن حبيب السلمي المتوفى سنة 238هـ، عالم الأندلس، الذي انفرد برئاسة المذهب بعد يحيى، يقول فيه ابن الفرضي: “كان عبد الملك حافظا للفقه على مذهب مالك نبيلا فيه، غير أنه لم يكن له علم بالحديث، ولا معرفة بصحيحه من سقيمه[26]، ولذلك لم يخرج ابن وضاح[27] لابن حبيب شيئا، وكان لا يرضي عنه[28] وحكى الباجي وابن حزم أن أبا عمر بن عبد البر كان يكذبه[29]، وكان أحمد بن خالد-المحدث-سيء الرأي فيه[30]، واتهمه ابن حزم بالكذب[31].

كتاب الواضحة مظهر من مظاهر هذا الاتجاه

وعبد الملك بن حبيب هو مؤلف كتاب “الواضحة”، أحد الكتب الجامعة في المذهب المالكي التي يقول عنها الإمام ابن حزم: “والمالكيون، لا تمانع بينهم في فضلها، واستحسانهم إياها[32]، وكانت عناية ابن حبيب فيها، استخراج المعاني والقواعد، التي قامت عليها الفروع[33]، فكان اهتمامه بالفروع والمسائل أكثر من الأصول، ولذلك أحرق الموحدون الظاهرية كتاب الواضحة، كما في المعجب للمراكشي.

وهذا محمد بن خالد بن مرتنيل القرطبي المتوفي سنة 220هـ، المعروف بالأشج، احد أعلام المالكية بالأندلس، الذي سمع أصحاب مالك كابن القاسم، وابن وهب، وأشهب ونظرائهم من المدنيين والمصريين.

وأشهب ونظرائهم من المدنيين والمصريين، والذي ولي الشرطة والصلاة والسوق بقرطبة يقول فيه القاضي عياض: “وكان الغالب عليه الفقه، ولم يكن له علم بالحديث”[34].

وهذا قاسم بن هلال القيسي، أبو محمد القرطبي المتوفى سنة 231ه أو 237ه سمع أصحاب مالك كابن القاسم وابن وهب وغيره، يقول فيه عياض: “وكان عالما بالمسائل ولم يكن له علم بالحديث”[35] والمقصود بالمسائل فقه الفروع.

ومن أعلام هذا الاتجاه محمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي الأندلسي القرطبي الفقيه المالكي المشهور المتوفى سنة 254ه، صاحب العتبية، تلمذ يحيى بن يحيى الليثي، غلب عليه فقه المسائل والفروع حتى قال فيه عياض: “كان حافظا للمسائل، جامعا لها جدا، عالما بالنوازل”[36].

كتاب “العتبية، أو المستخرجة” أسوأ ما يمثل هذا الاتجاه بالأندلس

وقد جمع العتبي هذه “المستخرجة”، من الأسمعة المسموعة غالبا من مالك بن أنس رضي الله عنه، ومن أسمعة ابن القاسم، وأشهب بن عبد العزيز، ويحيى بن يحيى الليثي، ومن كتب “الواضحة” لابن حبيب، فقد كان وكده وهمه جمع المسائل والنوازل التي لا أصول لها وإدخالها في مستخرجته.

قال ابن لبابة: “وهو الذي جمع المستخرجة، وأكثر فيها من الروايات المطروحة والمسائل الشاذة، وكان يؤتى بالمسالة الغريبة، فإذا أعجبته قال: أدخلوها في المستخرجة”[37] ولذا قال محمد بن وضاح: “وفي المستخرجة خطأ كثير”[38].

وقال أسلم بن عبد العزيز، قال لي محمد بن الحكم: “أتيت بكتب حسنة الخط تدعى المستخرجة، من وضع صاحبكم العتبي، فرأيت جلها كذوبا، ومسائل لا أصول لها[39]، ومما قد أسقط وطرح، وشوذا من مسائل المجالس لم يوافق عليها أصحابها، فخشيت أن أموت فتوجد في تركتي، فوهبتها لرجل يقرأ فيها”[40].

رغم هذا كله، فإن الكتاب وقع عليه الاعتماد من أعلام المالكية كابن رشد[41] وغيره، وعولوا عليه كثيرا، حتى قال الإمام ابن حزم الظاهري: “لها-أي خرجة – بأفريقية القدر العالي، والطيران الحثيث”[42].

من أعلام هذا الاتجاه الذين ذكروا في كتب التراجم، رأس المالكية بالأندلس عبد بن محمد بن خالد بن مرتنيل القرطبي المتوفى سنة 256ه، وقد تقدم ذكر أبيه روى عن يحيى بن يحيى، وعيسى بن دينار وأبيه، وسمع بمصر من أصبغ بن الفرج، وعبد الملك بن هشام، وسمع من سحنون بالقيروان الأسدية قبل أن يدونها قال الحافظ عمر بن عبد البر: “وكان رأس المالكية بالأندلس، والقائم بها، والذاب عنها”[43] ومع ذلك قال فيه القاضي عياض: “وتفقه، ولم يكن له علم بالحديث”[44]، ولذلك ذكر ابن الفرضي أنه كان أشد الناس على بقي بن مخلد[45] مؤسس مدرسة الحديث الأندلس.

ومنهم يحيى بن إبراهيم بن مزين القرطبي المتوفى سنة 259ه، تلميذ يحيى بن يحيى الليثي، والغازي بن قيس، وعيسى بن دينار ونظرائهم، وكان مشاورا مع العتبي وابن خلاد وطبقتهم، قال فيه ابن لبابة: “أفقه من رأيت في علم مالك وأصحابه ابن مزين”[46] قال أبو عبد الملك: “ولم يكن له على ذلك علم بالحديث”[47]، ولذلك لما ألف “كتاب المستقصية” الذي استقصى فيه علل الموطأ رد عليه قاسم بن محمد المحدث الشافعي، وخطأه لما أثبته فيها[48].

ومنهم أيضا، عبد الأعلى بن وهب بن عبد الأعلى القرطبي المتوفى سنة 261هـ المشاور بقرطبة مع الشيوخ: يحيى بن يحيى، وعبد الملك بن حبيب، وأصبغ بن خلدون وكان رجلا عاقلا، حافظا للرأي، ومع ذلك قال فيه عياض: “ولم يكن له معرفة بالحديث”[49].

ومن أسوأ من مثل هذا الاتجاه الفروعي المقلد في تاريخ المدرسة المالكية بالأندلس: أصبغ بن خليل المتوفى سنة 273هـ[50].

تلميذ قرعوس بن العباس، أول من خط هذا الاتجاه بالأندلس كما تقدم والغازي بن قيس، ويحيى بن يحيى الليثي، وسحنون بن سعيد، وأصبغ بن الفرج وغيرهم. كان حافظا للرأي على مذهب مالك وأصحابه، فقيها في الشروط، بصيرا بالعقود.

قال ابن الفرضي: “دارت الفتيا عليه بالأندلس خمسين عاما… ولم يكن له علم بالحديث، ولا معرفة، بل كان يباعده ويطعن على أصحابه، وكان متعصبا لرأي أصحاب مالك، ولابن القاسم من بينهم، وبلغ به التعصب لأصحابه أن افتعل حديثا في ترك رفع اليدين في الصلاة بعد الإحرام، ووقف الناس على كذبه فيه”[51].

فهذا رأس من رؤوس المالكية بالأندلس، كان متعصبا لذلكم الاتجاه الفروعي المقلد يعادي أصحاب الحديث، حتى قال فيه ابن الفرضي في موضع آخر: “وكان معادي للآثار، شديد التعصب للرأي”[52]، وقال فيه الحافظ ابن عبد البر: “وكان معاديا للآثار، ليس له معرفة بالحديث، شديد التعصب لرأي مالك وأصحابه لابن القاسم من بينهم”[53].

ولذا كان يعادي أشد العداء مدرسة الحديث والأثر بالأندلس، وواجهها مواجهة عنيفة، وعلى رأسها زعيمها بقي بن مخلد، وكان يمنع من السماع منه، حتى كان قاسم بن أصبغ؛ محدث الأندلس؛ يدعو عليه ويقول: “هو الذي حرمني أن أسمع من بقي بن مخلد، كان يحض أبي على نهيي عن الاختلاف إليه وكان لنا جارا”[54].

ولم يقتصر عداؤه لأهل الحديث فحسب، بل جاوزه إلى كتب السنة المعتمدة نفسها، قال قاسم بن أصبغ: سمعت أصبغ بن خليل يقول: “لأن يكون في تابوتي رأس خنزير أحب إلي من أن يكون فيه مسند ابن أبي شيبة”[55]، وبلغ به التعصب أن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلك مسلك الوضاعين الهالكين، ووضع حديثا لتأييد مذهبه، وزعم أنه رواه عن غاز بن قيس عن سلمة بن وردان، عن ابن شهاب، عن الربيع بن خيثم، عن ابن مسعود قال: “صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر سنتين وخمسة أشهر وخلف عمر عشر سنين، وخلف عثمان اثنتي عشرة سنة، وخلف على الكوفة خمس سنين، فما رفع واحد منهم يديه إلا في تكبيرة الإحرام وحدها”[56].

قال أحمد بن خالد: فوقع الشيخ في حفرة عظيمة، منها: أن الإسناد غير متفق، لأن سلمة بن وردان لم يرو عن ابن شهاب، وابن شهاب لم يرو عن الربيع بن خيثم حرفا قط ولا رآه.

وقال: إن ابن مسعود صلى خلف علي بالكوفة خمس سنين، وابن مسعود مات في خلافة عثمان بن عفان، رضي الله عنه[57].

قلت: انظر إلى ما يفعله التعصب بأهله!! نعوذ بالله من الخذلان!!.

وقد حاول تلميذه أحمد بن خالد المحدث أن يلتمس لشيخه العذر فقال: إن أصبغ لم يقصد الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنما ظهر له أنه يريد تأييد مذهبه[58]، قال عياض ردا عليه: “وهذا كلام لا معنى له، وكل من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فإنما كذب لتأييد غرض، ولو قال: إنه إنما كذب في السند وعلى غير النبي، إذ قد روي عن النبي أنه رفع أولا ثم لم يرفع بعد… كان أشبه” ثم يستدرك عياض فيقول: “لكن الكذب في العلم، أي نوع كان، مبطل لصاحبه مسقط له بشهادة الزور”[59].

أما الرجال فكان يصحف فيهم ويخلط بينهم خلطا فاحشا، فحديثه في إسناد القرآن مشهور عن الغازي بن قيس، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عن الله عز وجل، فظن أن نافع بن أبي نعيم القارئ، هو نافع مولى ابن عمر[60] وكان يصحف ويقول في أسيد بن الحضير، هو ابن الخضير، تصغير “خضر” أن يرفع عنه[61].

وهكذا يتبين أن هذا الاتجاه الفروعي المقلد بالأندلس، خالف في الواقع مدرسة مالك؛ مذهب مالك بن أنس، رضي الله عنه، يقوم في أساسه على الحديث، حتى سميت مدرسة مالك بالحجاز مدرسة الحديث، ولكن هذا الاتجاه في الأندلس لم يلتزم منهج مالك بل فعل ضده، فانصرف فقهاؤه من وقت مبكر عن دراسة الحديث واقتصر على الرجوع إلى كتب الفروع التي أقرها شيوخ المذهب ولا سيما ابن القاسم، وأصبح ذلك تقليدا ثابتا لهم لا يحيدون عنه.

وكان هذا الاتجاه، للأسف الشديد، الغالب على المدرسة المالكية بالأندلس، فحــجروا على من سواهم، ولم يكتب لاتجاه التأصيل والأثر والاجتهاد أن يسود، ولنا على ما نقول شواهد كثيرة إليك بعضها:

– عندما أفتى الفقيه ابن لبابة في مسألة بخلاف المذهب تابعا لمذهب الكوفيين، عليه الفقهاء المقلدون صائحين: “سبحان الله! نترك قول مالك الذي أفتى به أسلافنا ومضوا عليه، واعتقدناه بعدهم وأفتينا به، لا نحيد عنه بوجه، وهو رأى أمير المؤمنين ورأي الأئمة آبائه[62].

ما ذكره المقدسي في تعريف الأقاليم عن أهل الأندلس، قال: “أما في الأندلس فمذهب مالك، وهم يقولون: لا نعرف إلا كتاب الله وموطأ مالك، فإن ظهروا على حنفي أو شافعي نفوه، وإن عثروا على معتزلي أو شيعي ربما قتلوه، وسائر المغرب إلى مصر، لا يعرفون مذهب الشافعي، إنما مذهب أبي حنيفة ومالك رحمهما الله، وكنت يوما أذاكر بعضهم في مسألة، فذكرت قول الشافعي، فقال: اسكت من هو الشافعي؟ إنما كان بحران: أبو حنيفة لأهل المشرق، ومالك لأهل المغرب، أفتتركهما وتشتغل بالساقية”[63].

تقليد الأندلسيين كان لابن القاسم لا لغيره

فقد ذكر القاضي عياض في ترجمته لفضل بن سلمة بن حريز الألبيري المتوفى سنة 319ه، أنه حن إلى ألبيره بلده، فلما حلها؛ وجد فقهاءها قد تمكن سؤددهم، وتفننهم في المدونة خاصة، فلما جالسهم وذكر لهم أقوال أصحاب مالك، قالوا: دع هذا عنك، فلسنا نحتاج إليه، طريقنا كلام ابن القاسم لا غيره، فرأى زهدهم في علمه، فانصرف إلى بجانة[64].

إنكار علماء الأندلس المجتهدين على هذا الاتجاه منذ وقت مبكر

وقد تنبه إلى هاته الظاهرة، أعني الابتعاد عن الأصول والارتباط بالفروع – علماء أجلاء في مختلف العصور بالأندلس، وكان من أوائلهم، الفقيه الظاهري، القاضي منذر بن سعيد البلوطي المتوفى سنة 355هـ الذي عاب على المالكية تقليدهم الأعمى، وجمودهم على المذهب، وتركهم طريق الدليل في أبيات مشهورة أوردها الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله[65] أرى أن أسوقها بتمامها لأهميتها البالغة في الدلالة على ما نحن بصدده.

عذيري من قوم يقولون كــــــــــــلما *** طـــــلبت دليلا هكذا قال مالك

فإن عــــدت قالوا هكذا قال أشهب *** وقد لا تخفى عليه المسالك

فإن زدت قالوا قال سحنون مثله *** ومن لم يقل ما قاله فهو آفك

فإن قلت قال الله ضجوا وأكثروا *** وقالوا جميعا أنت قرن مما حك

وإن قلت قال الرسول فقلوهم *** أتت مالكا في ترك ذاك المسالك

وقبله في زمن مبكر جدا المحدث الأندلسي الشافعي، قاسم بن سيار، المتوفى سنة 276هـ، الذي ألف كتابا يرد فيه على رؤوس اتجاه الفروع والتقليد بالأندلس كالعتبي وابن مزين، وغيرهما، وسماه: “الإيضاح في الرد على المقلدين”[66] أو “الرد على المقلدة”[67].

وبعدهما إمام مدرسة الظاهر بالأندلس العلامة ابن حزم، الذي شنع على المالكية المقلدين حينما قال: “وأما أهل بلادنا فليسوا ممن يتعنى بطلب دليل على مسائلهم وطالبه منهم – في الندرة – إنما يطلبه كما ذكرنا آنفا، فيعرضون كلام الله تعالى وكلام الرسول عليه السلام على قول صاحبهم، وهو مخلوق مذنب يخطئ ويثيب، فإن وافق قول الله وقول رسوله عليه السلام قول صاحبهم أخذوا به، وإن خالفاه تركوا قول الله جانبا، وقوله عليه السلام ظهريا، وثبتوا على قول صاحبهم”[68].

ثم إن الحافظ ابن عبد البر المتوفى سنة 463ه نفسه، من اتجاه التأصيل والاجتهاد في الفقه المالكي، كان ينعي على أرباب الاتجاه الأول من أهل بلده، صاروا عليه، من ابتعاد عن الكتاب والسنة، والعمل بالفروع التي لا حد لها ولا نهاية يقول: “واعلم رحمك الله، أن طلب العلم في زمننا هذا، وفي بلدنا، قد حاد أهله عن طريق سلفهم، وسلكوا في ذلك ما لم يعرفه أئمتهم، وابتدعوا في ذلك ما بان به جهلهم وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم… فلم يعنوا بحفظ سنة، ولا الوقوف على معانيها، ولا بأصل من القرآن، ولا اعتنوا بكتاب الله جل وعز؛ فحفظوا تنزيله، ولا عرفوا ما للعلماء في تأويله، ولا وقفوا على أحكامه، ولا تفقهوا في حلاله وحرامه، قد اطرحوا علم السنن والآثار، وزهدوا فيهما، وأضربوا عنهما…

بل عولوا على حفظ ما دون لهم من الرأي والاستحسان، الذي كان عند العلماء آخر العلم والبيان… فلذلك اعتمدوا على ما قد كفاهم الجواب فيه غيرهم، وهم مع ذلك لا ينفكون من ورود النوازل عليهم فيما لم يتقدمهم فيه إلى الجواب غيرهم، فهم يقيسون على ما حفظوا من تلك المسائل، ويفرضون الأحكام فيها، ويستدلون منها، ويتركون طريق الاستدلال من حيث استدل الأئمة وعلماء الأمة، فجعلوا ما يحتاج أن يستدل عليه دليلا على غيره.

ولو علموا أصول الدين وطريق الأحكام وحفظوا السنن كان ذلك قوة لهم على ما ينزل بهم، ولكنهم جهلوا ذلك فعادوه وعادوا صاحبه…

واعلم يا أخي أن الفروع لا حد لها تنتهي إليه أبدا، ولذلك تشعبت، فمن رام أن يحيط بآراء الرجال؛ فقد رام مالا سبيل له، ولا لغيره إليه، لأنه لا يزال يرد عليه ما لم يسمع…”[69].

وأكثر علماء المالكية، تنديدا وتشنيعا على أصحاب الفروع، القاضي ابن العربي المعافري المتوفى سنة 543ه في كتابه “العواصم من القواصم” الذي يصور لنا فيه، حالة هذا الاتجاه الفروعي المقلد بالأندلس، ولمكانة كلامه في الدلالة على المراد، أسوقه بنصه، قال: “فصار التقليد دينهم، والاقتداء يقينهم، فكلما جاء أحد من المشرق بعلم دفعوا في صدره، وحقروا من أمره، إلا أن يتستر عندهم بالمالكية، ويجعل ما عنده من علوم على رسم التبعية… وبقيت الحال هكذا، فماتت العلوم إلا عند أحاد ممن حبي بشيء من الحديث، واستمرت القرون على موت العلم وظهور الجهل[70].

ثم حدثت حوادث لم يلقوها في منصوص المالكية[71]، فنظروا فيها بغير علم فتاهوا، وجعل الخلف منهم يتبع السلف، حتى آلت الحال ألا ينظر إلى قول مالك، وكبراء أصحابه، ويقال: قد قال في هذه المسألة أهل قرطبة، وأهل طلمنكة، وطلبيرة، وأهل طليطلة، فانتقلوا من المدينة وفقهائها، إلى طلبيرة وطريقها[72].

وحدثت قاصمة أخرى في تعلم العلم، فصار الصبي عندهم إذا عقل، فإن سلكوا أمثل طريقة لهم، علموه كتاب الله، فإذا حذقه، نقلوه إلى الأدب، فإذا نهض حفظوه “الموطأ”، فإذا لقنه، نقلوه إلى “المدونة” ثم ينقلونه إلى “وثائق ابن العطار” ثم يختمون له “بأحكام ابن سهل”[73].

ثم يقال: قال فلان الطليطلي، وفلان المجريطي، وابن مغيث[74]، لا أغاث نداءه، ولا ناله رجاءه، فيرجع القهقري أبدا إلى وراء على أمه الهاوية”[75].

فهذا النص الهام جدا، يبين حالة الفقه المالكي بالأندلس، من الإعراض عن الأصول، والرجوع بطلاب العلم؛ إلى كتب الرأي والفروع، وأقوال الرجال المجردة أدلتها، حتى صار لبعض المدن الأندلسية كقرطبة وطلمنكة، وطلبيرة، عمل فقهيي خاص بها، يحكم القضاة على ضوئه…

2.الاتجاه التأصيلي المجتهد

اتجاه المدرسة المالكية بالأندلس إلى الفروع كان أقوى من اتجاهها نحو التأصيل ولكن مع ذلك كله، شق تيار الدليل والتأصيل طريقه جنبا إلى جنب مع التيار الأول، ومنذ زمن مبكر أيضا كما سيأتي.

وذالكم الاتجاه التأصيلي المجتهد هو الذي بينه القاضي ابن العربي في “العواصم” أحسن بيان، يقول: “واستمرت القرون على موت العلم وظهور الجهل”، وهو يقصد الاتجاه الأول في المدرسة المالكية الفقهية بدليل بقية الكلام[76]، ثم يقول: “ولو لا أن طائفة نفرت إلى دار العلم، وجاءت بلباب منه، كالأصيلي، والباجي، فرشت من ماء العلم على القلوب الميتة، وعطرت أنفاس الأمة الزفرة، لكان الدين قد ذهب”[77].

فهذه الطائفة، التي ذكرها ابن العربي، اشتغلت بالعلم الحقيقي الذي هو علم الكتاب والسنة، وبنت فقهها على أحكامهما تصريحا أو تلويحا، وإن بقيت وفية لأصول مذهب مالك في الاستنباط.

وقد وجدت، بعد أن استقريت بعض كتب تراجم فقهاء المالكية، أن أول من خط هذا الاتجاه في الأندلس هو نفسه أول من أدخل المذهب المالكي، وموطأ الإمام مالك إليها، وهو فقيه الأندلس، زياد بن عبد الرحمن القرطبي الملقب بشبطون المتوفى سنة 204هـ، تلميذ مالك بن أنس يقول عياض: “وكان زياد أول من أدخل الأندلس موطأ مالك، متفقها بالسماع منه”[78] وعبارة عياض “متفقها بالسماع” تشير إلى أن زيادا كان وكده تدريس كتاب “الموطأ” الذي هو كتاب فقه وحديث، فهو رد للناس إذن، إلى الأصول بدل الفروع.

ومما يزيد هذا الأمر بيانا، قول يحيى بن يحيى الليثي صاحب زياد: “زياد أول من أدخل الأندلس علم السنن، ومسائل الحلال والحرام، ووجوه الفقه والأحكام، وهو أول من عرف بالسنة في تحويل الأردية في الاستسقاء، وصاحب الصلاة إذ ذاك المصعب بن عمران، فأنكر ذاك، وقال: هذه نشوة”[79].

فهو رد للناس؛ إذن، إلى السنن وتعريفهم بالسنة والحجة والدليل؛ والتأصيل؛ الأمر الذي لم يألفه علماء الأندلس، فلذلك أنكر عليه صاحب الصلاة المصعب بن عمران، ظانا أن تحويل الأردية في الاستسقاء نشوة وليست سنة، لجهله بالسنة.

وهكذا بدأ الاحتكاك والاختلاف بين الاتجاهين في المدرسة المالكية، اتجاه التأصيل، واتجاه الفروع منذ البداية، وفي زمن مبكر جدا في أواخر القرن الثاني كما يشير إليه هذا النص الهام الذي أورده القاضي عياض في ترتيب المدارك.

وهذا عَلَم آخر من أعلا اتجاه التأصيل والاجتهاد في المدرسة المالكية، في وقت مبكر، عيسى ابن دينار الغافقي الطليطلي المتوفى سنة 212هـ. صحب تلميذ مالك عبد الرحمن بن القاسم، وكان ابن القاسم يجله ويكرمه، وكان إماما في الفقه على مذهب مالك بن أنس، قال فيه الحافظ الحميدي: “وكان يعجبه ترك الرأي؛ والأخذ بالحديث”[80].

وروى ابنه أبان بن عيسى بن دينار: “أن أباه عيسى بن دينار كان أجمع في آخر أيامه؛ على أن يدع الفتيا بالرأي، ويحمل الناس على ما رواه من الحديث في كتب ابن وهب وغيرها، حتى أعجلته المنية على ذلك”[81].

فهو اتجاه التأصيل في المذهب المالكي، إذن، حمل الناس على ما رواه من الحديث في كتب ابن وهب، وهجر الرأي والفروع جملة، وقد ألف ابن دينار كتاب “الهداية” أثنى عليه ابن حزم الظاهري وقال فيه: “وهي أرفع كتب جمعت في معناها على مذهب مالك وابن القاسم، وأجمعها للمعاني الفقهية على المذهب، فمنها كتاب الصلاة، وكتاب البيوع، وكتاب الجدار في الأقضية، وكتاب النكاح والطلاق”[82].

ومن أعلام هذا الاتجاه في الأندلس أيضا، محمد بن عمر بن لبابة المتوفى سنة 314ه، الذي نعته القاضي أبو الوليد الباجي بفقيه الأندلس[83]، كان إماما في الفقه المالكي، مقدما على أهل زمانه في حفظ الرأي والبصر بالفتيا، درس كتب الرأي ستين سنة، وكان مشاورا في أيام الأمير عبد الله، مع عبيد الله بن يحيى وطبقته، وكان أعرف الناس باختلاف أصحاب مالك وغيره[84].

ومع هذا كله، قال فيه حافظ المغرب ابن عبد البر: “وكان يحب الحجة والكلام في الفقه وعلى النظر واتباع الحديث في آخر أيامه، والميل إلى طريق الشافعي”[85]، وروى ابن حزم بسنده إلى خالد بن سعد قال: سمعت محمد بن عمر بن لبابة، يقول: الحق الذي لا شك فيه كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أما الرأي فمرة يصيب ومرة كالذي يتكاهن”[86].

وبسبب هذا أثنى عليه الإمام ابن حزم الظاهري في رسالته “في فضل الأندلس فقال: “وإذا أشرنا إلى محمد بن يحيى بن لبابة وعمه محمد بن عمر وفضل بن سلمة لم نناطح بهم إلا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ومحمد بن سحنون ومحمد بن عبدوس”[87].

ومنهم أبو عمر أحمد بن بشر التجيي القرطبي المعروف: بابن الأغبش المتوفى سنة 327هـ أو 328هـ الذي ترجم له عياض في المدارك فقال: “وكان يميل إلى النظر والحجة، وربما أفتى بمذهب الشافعي”[88]. وقال أحمد بن خالد: “كان يحفظ أصول مذهب مالك حفظا حسنا، واعتنى بكتب محمد بن إدريس الشافعي، وكان يميل إليه، وكان إذا استفتي ربما يقل: “أما مذهب مالك فكذا، وأما الذي أراه فكذا”[89].

وأفضل من يمثل اتجاه التأصيل هذا، في مدرسة الفقه المالكي بالأندلس، الإمام الأصيلي، عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر، أبو محمد المتوفى سنة392 هـ، محدث الأندلس الكبير، وأول من أدخل الأندلس الجامع الصحيح للبخاري بعدما رواه عن أبي زيد المروزي عن محمد بن يوسف الفربري صاحب الإمام البخاري، قال ابن الحذاء: “لم ألق مثله في عمله بالحديث ومعانيه وعلله ورجاله”[90].

أما الفقه المالكي، فقد انتهت إليه رياسة المذهب بالأندلس، كما قال أبو إسحاق الشيرازي[91]، وقال ابن حيان: “كان أبو محمد في حفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والإتقان للنقل، والبصر بالنقد والحفظ للأصول، والحذق برأي أهل المدينة، والقيام بمذهب المالكية، والجدل فيه على أصول البغداديين، فردا لا نظير له في زمانه”[92].

ورغم أنه كان من حفاظ رأي مالك، ورأس المدرسة المالكية بالأندلس، كان يجتهد رأيه ولا يبالي أوافق مالكا أم خالفه إذ كان على مذهب العراقيين من أصحاب مالك[93]، فكان يتكلم على الأصول ويترك التقليد[94] وكان يرى أن من خلا من علم الحديث ليس فقيها على حال[95] ولذا كان إذا استفتى في مسألة قال للسائل: أعن مذهب مالك تسأل؟ أم عما يقتضيه العلم بإطلاق؟[96].

وقد اصطدم الأصيلي بالاتجاه الأول في المدرسة المالكية، الاتجاه الفروعي المقلد، منذ أول وهلة عاد فيها من المشرق مقبلا إلى الأندلس، وواجهوا علومه مواجهة عنيفة، وضجر به فقهاء البلد، وبقي مدة مضاعا، حتى هم بالعودة إلى المشرق، نقل القاضي عياض عن كتاب ابن مفرج قال: “وسمع به الحكم وهو بالمشرق مدة طويلة، فأقبل إلى الأندلس، فلما وصل إلى المرية، مات الحكم، فانعكس أمل الأصيلي، وبقي حائرا هائما، ثم نهض إلى قرطبة، ونشر بها علمه، فساد ذكره، وشرق به فقهاء البلد، فبقي مدة مضاعا، حتى هم بالانصراف إلى المشرق، إلى أن عرف ابن أبي عامر مقداره فنوه به، وأمر بإجراء الرزق عليه باسم المقابلة، ثم ارتقت حاله إلى أكثر بتقليد الشورى، فنبه حاله”[97] ونص آخر أورده القاضي عياض في المدارك، يدل على ما ذهبنا إليه من وجود اتجاهين في المدرسة المالكية بالأندلس: اتجاه التأصيل والتجديد، واتجاه التفريع والتقليد، قال عياض “قال أبو الوليد[98]: لما دخلت القيروان، أتيت أبا محمد بن أبي زيد[99]، فقال لي: حاجتك؟ قلت: الأخذ عنك؛ فقال لي: ألم يقدم عليكم الأصيلي؟ فقلت: بلى؛ قال لي: تركت والله العلم وراءك، فكيف حاله مع أهل بلده؟ فأخبرته بظلمهم له، فقال: جهلوا ما أتى به، وأتيت القابسي فجرى معه مثل ذلك، وقال مثل قوله”[100].

ألف الإمام الأصيلي كتبا نافعة في فقه التأصيل؛ والأثر والدليل؛ فقد جمع كتابا اختلاف مالك والشافعي وأبي حنيفة سماه “الدلائل” وكتاب “نوادر حديثية” خمسة أجزاء، وكتاب “الانتصار” ورسالة المواعد المنتجزة، ورسالة الرد على من استحل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالة الرد على ما شذ فيه الأندلسيون[101].

ومنهم أبو عبد الله ابن الفخار، محمد بن عمر المتوفى سنة 419هـ ويعرف بالحافظ؛ والمالكية بقرطبة كما يقول القاضي عياض[102]، رحمه الله، ومع ذلك كان: “مرجحا بين المذاهب؛ حافظا للحديث والأثر، مائلا إلى الحجة والنظر… وكان أولا يميل إلى مذهب الشافعي ثم تركه”[103] أكثر من هذا؛ يذكر عياض رحمه الله أن ابن الفخار كان يفضل داود القياسي[104]، ويقول في بعض الأشياء بقوله”[105].

ومن أعلام هذا الاتجاه أيضا، ابن أبي جمرة عبد الملك بن وليد المرسي المتوفى سنة 460هـ، قال ابن الزبير “كان مائلا إلى الاجتهاد مع إيثار مذهب مالك”[106].

وعبد الله بن إسماعيل الإشبيلي المتوفى سنة 497ه، من فقهاء المذهب المالكي ولي قضاء أغمات، وقرطبة، وتلقد الخطبة بها، له في شرح المدونة ومختصر بن أبي زيد تصنيفان مشكوران[107].

ومع ذلك قال فيه ابن الزبير: “كان ن أهل العلم التام؛ والحفظ للحديث والفقه، يميل في فقهه إلى النظر وظاهر الحديث”[108]، أي يميل مع الدليل حيث مال.

أما إذا ذكرنا، في هذا الاتجاه، حافظ المغرب ابن عبد البر المتوفى سنة 463ه فحدث عن البحر ولا حرج، فهو وإن كانت أقواله معدودة من وجوه المذهب المالكي معمول بها، معتمدة عند المالكية، فإنه الفقيه المحدث المجتهد، وصفه عصريه أبو الوليد الباجي المتوفى 474ه بأنه أحفظ أهل المغرب، لم يكن بالأندلس مثله في الحديث[109] وكان مستقل الفكر، داعيا إلى الاجتهاد، مبغضا للتقليد وفي ذلك يقول الحافظ ابن حزم الظاهري: “وممن أدركنا ممن جرى على سنن من تقدم ممن ذكرنا: مسعود بن سليمان بن تغلب أبو الخيار[110]، ويوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري.

فهؤلاء أهل الاجتهاد من أهل العناية والتوفر على طلب علم أحكام القرآن، وفقه كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإجماع العلماء واختلافهم، والاحتياط لأنفسهم فيما يدينون به ربهم تعالى… وأما من قلد دينه رجلا، لا يعدو مذهبه، فليس من أهل العلم بالاجتهاد، ولا يذكر في جملتهم، وإنما يذكر في أهل التقليد، لا أهل الاجتهاد ممن ذكرنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل”[111].

وقد صرح ببلوغه درجة الاجتهاد سائر من ترجم له، ومن قرأ كتبه يدرك ذلك.

ألف كتبا جليلة لا مثيل لها؛ منها كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لم يتقدمه أحد إلى وضعه، قال الإمام ابن حزم: “ومنها كتاب التمهيد لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر… وهو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلا، فكيف أحسن منه… ولصاحبنا أبي عمر ابن عبد البر المذكور كتب لا مثيل لها…”[112].

وقد سلك مسلك الاجتهاد، وخالف المذهب في مواضع كثيرة، حتى نعته تلميذه الحافظ الحميدي الظاهري – بالميل في الفقه إلى أقوال الشافعي رحمه الله[113].

ومن أعلام هذا الاتجاه المشهورين أبو الوليد سليمان بن خلف التميمي الباجي المتوفى سنة 474ه الفقيه الحافظ النظار المتفنن، حامل لواء المذهب المالكي على نهج الدليل والتأصيل برع في الحديث وعلله ورجاله وفي الفقه وغوامضه وخلافه[114]، رحل إلى المشرق وأخذ عن أشهر علمائه من مختلف المذاهب، وأدخل مسائل علم الخلاف الأندلس، وهو الذي استطاع أن يناظر الحافظ ابن حزم الظاهري بعد أن عجز فقهاء الأندلس عن ذلك لقوة عارضته، وسعة اطلاعه، حتى صرح ابن العربي في العواصم إلى أنه بالباجي والأصيلي حيي العلم بالأندلس والاجتهاد بعد أن كان دينهم التقليد وموت العلم[115]، فكان الباجي بهذا من الذين ارتقوا إلى درجة الاجتهاد المذهبي، ولهذا قال فيه الإمام أبو محمد ابن حزم الظاهري، على بعد ما بينهما: “لم يكن للمالكية بعد عبد الوهاب مثل أبي الوليد”[116]، وهذه شهادة منصف تقدر قدرها، ولله در أبي محمد لم تحجزه الخصومة عن الإنصاف.

وشهادة شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو من هو، في الباجي وابن العربي كافية في دلالة على المراد وخير دليل على ما أسلفنا، قال: “وكذلك المتأخرون من أصحاب مالك الذين وافقوه، كأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي ونحوهما لا يعظمون إلا بموافقة السنة والحديث”[117].

ألف أبو الوليد كتاب “المنتقى” شرح فيه الموطأ، وهو أوسط شروحه عليه، قال المقري: “ذهب فيه مذهب الاجتهاد، وإبراز الحجج، وهو مما يدل على تبحره في العلوم والفنون”[118].

ومن هذا الاتجاه، اتجاه التأصيل في المدرسة المالكية، محمد بن أبي الخيار العبدري القرطبي، المتوفى سنة 529ه، كان من أهل الحفظ والاستبحار في علم الرأي، له “تنابيه على المدونة” وله رد على أبي عبد الله بن الفخار، وألف “كتاب الشجاج” و”كتاب أدب النكاح” وقرأت عليه المدونة تفقها وعرضا أعواما”[119]، ومع ذلك قال فيه ابن الآبار: “ورأس قبل موته في النظر؛ فترك التقليد، وأخذ بالحديث”[120]، وترك التقليد والأخذ بالأثر، هو عين اتجاه التأصيل في المذهب المالكي بالأندلس الذي رمت بيانه في هذه الدراسة.

فهؤلاء طائفة من الفقهاء المالكيين الذين اتجهوا اتجاه التأصيل والاجتهاد واستقلوا بالرأي، وهكذا اتجهت المدرسة المالكية في الأندلس اتجاهين، على ما قررناه، اتجاه التأصيل والدليل وهو قليل، واتجاه الفروع والتقليد، وهو الغالب، الذي اتجه إليه كثير من فقهاء المذهب المالكي بها ممن لم يرزقوا فهم الحديث، ولا اهتموا بكتبه ورجاله، وإنما جمدوا على الفروع والمسائل، ناقلين عن غيرهم، مقلدين لهم، وهؤلاء يمكن اعتبارهم فقهاء بالمعنى الصحيح، فمن ليس له دراية بالحديث، وتضلع بالأصول، لا يعتبر فقيها في اصطلاح العلماء، وإنما الفقيه هو الذي يستطيع رد المسائل الفرعية إلى أصولها من الكتاب والسنة أو القياس عليهما.

المصادر والمراجع

– أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، للمقدسي (محمد بن أحمد، 380ه)، ط. لندن، 1909م.

– الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم الظاهري، بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط.1، 1400ه-1.

– بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، للضبي، تحقيق إبراهيم الأبياري، ط. 1، دار الكتاب المصري بالقاهرة، ودار الكتاب اللبناني ببيروت 1410هـ/1989م. وطبعة دار الكتاب العربي، 1967م.

– تاريخ الفكر الأندلسي، لانخيل جنثالت بالنثيا، ترجمه حسين مؤنس، مكتبة الثقافة الدينية، مصر.

– تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي، للدكتور عمر الجيدي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1407ه/1987م.

– تاريخ علماء الأندلس، لابن الفرضي، ابن الوليد عبد الله محمد بن يوسف الأزدي، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري بالقاهرة، ودار الكتاب اللبناني ببيروت، ط 1، 1403ه/1983م.

– ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، بن موسى بن عياض، السبتي، ط، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، المملكة المغربية، 1983ه.

– التكملة لكتاب الصلة، لابن الأبار، أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي، مكتبة الخانجي بمصر، والمثنى ببغداد، 1375ه/1955م، وطبعة بتحقيق الدكتور عبد السلام الهراس، ط. دار الفكر، بيروت.

– جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله لابن عبد البر، أبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت لبنان – وطبعة مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط 2، 1418ه/1997م، بتحقيق محمد عبد القادر عطا.

– جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، للحميدي الظاهري، أبي عبد الله محمد بن أبي نصر تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط. 2، 1403ه/1983م، وط بتحقيق محمد بن تاويت الطنجي، مطابع سجل العرب، القاهرة.

– جوامع السيرة، لابن حزم، الطبعة العربية لاهور، باكستان.

– الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لابن فرحون، برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد اليعمري (وبهامشه كتاب نيل الابتهاج)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– الرحلة العياشية، ماء الفوائد، لأبي سالم العياشي، طبعة حجرية، مطبوعات دار المغرب.

– رسالة فضل الأندلس وذكر رجالها، لابن حزم الظاهري، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط.2، 1987، تحقيق الدكتور إحسان عباس (ضمن رسائل ابن حزم) ج 2.

– صلة الصلة، لابن الزبير، أبي جعفر أحمد بن إبراهيم، تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس والشيخ سعيد أعراب، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية 1413ه/1993م.

– العواصم من القواصم، القاضي أبي بكر ابن العربي، تحقيق عمار طالبي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر.

– الفتاوي لابن تيمية، ط. مكتبة ابن تيمية.

– مالك، حياته وعصره، لأبي زهرة، ط. دار الفكر العربي.

– مباحث في المبحث المالكي بالمغرب للدكتور عمر الجيدي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط1، 1993م.

– المعيار المعرب، لأحمد الونشريسي، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1401ه/1918م، وطبعة دار الغرب الإسلامي، بيروت.

– نيل الابتهاج بتطريز الديباج (بهامش الديباج المذهب)، لبابا التنبكتي، أبي العباس أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– الإعراب عن الحيرة والالتباس الواقعين في مذاهب أهل الرأس والقياس، للإمام أبي محمد ابن حزم الظاهري، المجلد الأول، مخطوط بخط البدر البشتكي تلميذ الحافظ ابن حجر علقه لنفسه في شهر رجب سنة 781ه، مصور من مكتبة الطاهر بن عاشور بتونس، ولرداءة خطه أعاد كتابته شيخنا الفقيه المحقق محمد بوخبزة التطواني الحسني بخط مغربي جميل.

دراسة موجودة في العدد 16 من مجلة الإحياء

الهوامش

[1] جذوة المقتبس، رقم الترجمة: 439، بتحقيق بن تاويت الطنجي، ص218.

[2] نفح الطيب، 2/46.

[3] الدكتور الجيدي رحمه الله، مباحث في المذهب المالكي بالمغرب، ص16.

[4] تاريخ علماء الأندلس، 1/345. وجذوة المقتبس، 1/379-380. وبغية الملتمس، 2/418.

[5] ترتيب المدارك، ج: 1، ص26-27.

[6] أبي سالم العياشي، الرحلة العياشية. ماء الموائد، ت 1090هـ، ج 2، ص203.

[7] ابن القوطية ت 36، تاريخ افتتاح الأندلس، تحقيق إبراهيم الأبياري، ص56.

[8] انظر المدارك،ج 3، ص117.

[9] مباحث في المذهب المالكي، ص17.

[10] المدارك، ج 3، ص117.

[11] نفح الطيب،ج 2، ص46.

[12] الدكتور عمر الجيدي، تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي، ص29.

[13] جذوة المقتبس، ج 2، ص610-611. ونفح الطيب، ج 2، ص218.

[14] تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي، ص35.

[15] انظر نفح الطيب،ج 3، ص230.

[16] المصدر السابق: ج 1، ص337.

[17] ترتيب المدارك، ج 1/27. والمعيار: 12/26. ونيل الابتهاج: ص191.

[18] ترتيب المدارك، ص22. ونيل الابتهاج، ص191.

[19] نيل الابتهاج، ص129.

[20] المدارك، ج 6، ص73.

[21] ابن حيان، المقتبس من أبناء الأندلس، تحقيق الدكتور محمد علي مكي، ص40-41.

[22] المصدر السابق، ص42-43.

[23] العواصم من القواصم، بتحقيق عمار طالبي، ج 2، ص490.

[24] بن الفرضي 2/621. وترتيب المدارك 3/325.

[25] ترتيب المدارك، 3/383.

[26] المصدر السابق، 4/123.

[27] مؤسسة مدرسة الحديث بالأندلس مع بقي بن مخلد.

[28] المصدر السابق، ص:129.

[29] نفس المصدر السابق.

[30] نفس المصدر السابق.

[31] ابن حزم، الإعراب عن الحيرة والالتباس الواقعين في مذاهب أهل الرأي والقياس، (مخطوط خاص)، ورقة: 238.

[32] انظر: النفح 3/171، ورسالة ابن حزم في فضل الأندلس وذكر رجالها، تحقيق الدكتور إحسان عباس، ص181.

[33] انظر مالك لأبي زهرة، ط 2، ص245.

[34] ترتيب المدارك، 4/117.

[35] المصدر السابق، 119.

[36] المصدر السابق، ص253.

[37] نفس المرجع السابق.

[38] المصدر السابق، ص254.

[39] وهذه العبارة مسائل لا أصول لها، تؤيد ما ذهبنا إليه من أن كتاب المستخرجة كتاب يمثل الاتجاه الفروعي المقلد الذي يورد المسائل مجردة عن أدلتها وأصولها.

[40] المدارك، 4/254.

[41] في كتابه البيان والتحصيل، وهو مطبوع متداول.

[42] رسالة ابن حزم في فضل الأندلس وذكر رجالها، بتحقيق د. إحسان عباس. وانظر نفح الطيب، ص181.

[43] المصدر السابق، ص240.

[44] المصدر السابق، ص239.

[45] تاريخ علماء الأندلس، 1/369، رقم: 633. والمدارك، 4/240.

[46] المدارك، 4/238.

[47] المصدر السابق، ص239.

[48] نفس المصدر السابق. وانظر تاريخ الفكر الأندلسي لبالنثيا، ص420.

[49] ترتيب المدارك، 4/245.

[50] ابن الفرضي، ترجمته في: تاريخ علماء الأندلس، ج 1، رقم: 245، ص150. وترتيب المدارك، 4/250.

[51] تاريخ علماء الأندلس، 1/150.

[52] المصدر السابق، ص151.

[53] ترتيب المدارك، 4/251.

[54] ابن الفرضي، 1/151.

[55] نفس المصدر السابق، والمدارك، 4/252.

[56] ابن الفرضي، ج 1، ص150-151.

[57] المصدر السابق، ص151.

[58] ترتيب المدارك، 4/252.

[59] نفس المصدر السابق.

[60] ابن الفرضي، 1/151. والمدراك، 4/251.

[61] نفس المصدر السابق. والمدارك، 4/252.

[62] ترتيب المدارك، 6/90.

[63] محمد بن أحمد المقدسي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ص42.

[64] ترتيب المدارك، ج 5، ص222-223.

[65] طبعة دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ج 2، ص172.

[66] هكذا سماه الحميدي في جذوة المقتبس، 2/524 رقم 764. والضبي في بغية الملتمس، رقم: 1297، ج 2، ص587.

[67] وهكذا سماه القاضي عياض في ترتيب المدارك، 4/448.

[68] ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق الشيخ أحمد شاكر وتقديم الدكتور إحسان عباس، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ج 6، ص17.

[69] جامع بيان العلم وفضله، ط دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ج 2، ص162-170-171.

[70] وهذا يفيد ما ذهبنا إليه من أن اتجاه التقليد والفروع كان الغالب على الأندلس.

[71] وهذا أمر طبيعي، فلو أنهم رجعوا إلى الكتاب والسنة لوجدوها، لكنهم أعرضوا عن النظر فيهما واكتفوا بالفروع، وهي لا تقدم ولا تؤخر، بل انتهى بهم الأمر إلى ألا ينظروا في قول مالك وكبراء أصحابه أنفسهم واقتصروا على أقوال المتأخرين.

[72] ابن العطار: هو محمد بن أحمد بن عبد الله توفي سنة 399، كان متفننا وعارفا بعلم الشروط.

[73] ابن سهل: هو عيسى أبو الأصبغ بن سهل بن عبد الله الأسدي، توفي بغرناطة سنة 486ه، ويسمى كتابه: “الأعلام بنوازل الأحكام”، وله كتاب في الرد على ابن حزم سماه: “التنبيه على شذوذ ابن حزم”، مخطوط في أوراق متفرقة بخزانة القرويين بفاس.

[74] هو أحمد بن مغيث أبو جعفر فقيه طليطلة، توفي سنة 459هـ.

[75] العواصم من القواصم، 2/492-493.

[76] أنظر في العواصم، 2، ص491 فما بعدها.

[77] العواصم من القواصم، 2/493.

[78] ترتيب المدارك، 3/117.

[79] نفس المصدر السابق.

[80] جذوة المقتبس 2/472 رقم الترجمة 678. وانظر بغية الملتمس، رقم 1147، 2/525.

[81] نفس المصدر السابق.

[82] ابن حزم، رسالة فضل الأندلس، بتحقيق الدكتور إحسان عباس، ص178.

[83] 5/154.

[84] المصدر السابق، ص155.

[85] الضبي، بغية الملتمس، رقم الترجمة: 223، ج 1، ص147.

[86] فضل بن سلمة الجهني مولاهم، توفي سنة 317. انظر البغية، رقم: 1283.

[87] ابن حزم، فضل الأندلس، بتحقيق الدكتور إحسان عباس، ص187.

[88] ترتيب المدارك، ص210.

[89] نفس المصدر السابق.

[90] ترتيب المدارك، ج 7، ص138.

[91] نفس المصدر السابق.

[92] المصدر السابق، ص139.

[93] بغية الملتمس، رقم 909، ج 2، ص:441.

[94] المدارك 7/139، هذه العبارة تؤيد ما ذهب إليه من وجود اتجاهين في المدرسة المالكية مدرسة التأصيل ومدرسة التقليد.

[95] نفس المصدر السابق.

[96] المعيار للونشريسي، 1/51.

[97] ترتيب المدارك، 7/137

[98] هو الباجي.

[99] الفقيه المالكي صاحب “الرسالة”.

[100] ترتيب المدارك، ج 7، ص140.

[101].المصدر السابق، ص141.

[102] ترتيب المدارك، 7/286.

[103] نفس المصدر السابق.

[104] يقصد داود بن علي الظاهري إمام المذهب الظاهري ولقب بالقياس في الشرع.

[105] نفس المصدر السابق، ولا أدري بعد هذا كله كيف استساغ القاضي عياض رحمه الله ذكره في تراجم المالكية، وأنه آخر المالكية بقرطبة، فكان الأولى أن يرتب في تراجم الظاهرية الأندلسيين.

[106] ابن الزبير، صلة الصلة، 3/233.

[107] المصدر السابق، رقم الترجمة 134، ص91-92.

[108] نفس المصدر السابق.

[109] ابن فرحون، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، ص357.

[110] هو ابن مفلت الظاهري شيخ ابن حزم.

[111] ابن حزم، جوامع السيرة، ط العربية لاهور باكستان، ص335.

[112] ابن حزم، رسالة فضل الأندلس وذكر رجالها، تحقيق الدكتور إحسان عباس، ص179-180.

[113] الحميدي، جذوة المقتبس، رقم الترجمة 874، ج 2، ص586.

[114] نفح الطيب، 2/71.

[115] انظر عبارته فيما سبق.

[116] ترتيب المدارك، 8/119.

[117] الفتاوي، 4/18.

[118] نفح الطيب، 2/77.

[119] ابن عبد البر، التكملة، رقم الترجمة: 1126، ج 1، ص426-430. وانظر الوافي بالوفيات، 2/51.

[120] المصدر السابق، ص430.

Science
الوسوم

د. توفيق الغلبزوري

أستاذ التعليم العالي بكلية أصول الدين

جامعة القرويين-تطوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق