مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الأشاعرة 25

محمد كرماط 

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

وأكبر إمام الحرمين الخروج عما درجوا عليه، فما وسعه التصريح بأن العبد خالق أفعاله بما أقدره الله عليها، بل أضاف خلق فعل العبد إلى الله لكونه خالق قدرة العبد التي يقع بها الفعل، وخص  العبد بإيقاع الفعل. مع أن إيقاع الفعل لا يفترق عن إيجاده وخلقه إلا بالاسم. فإضافة إيقاعه إليه إضافة خلقه إليه، فالعبد خالق فعله عنده بما لزم من كلامه.

أما إضافته الفعل خلقا إلى الله وإيقاعا إلى العبد فليست الإضافة الأولى على حقيقتها بعد أن كانت الثانية على حقيقتها، أما أولا: فلأن إضافة الإيقاع إلى العبد لما كانت مستلزمة لإضافة الخلق إليه فلا تمكن إضافة الخلق إلى الله إضافة حقيقية وقد شهد به قوله :” ولا سبيل إلى المصير إلى وقوع فعل العبد بقدرته الحادثة، والقدرة القديمة. فإن الفعل الواحد يستحيل حدوثه بقادرين”. وأما ثانيا: فلأن إضافة خلق فعل العبد إلى الله لكونه خالق فاعل ذلك الفعل وموقعه وهو العبد، وخالق قدرته على إيقاعه، إضافة الخلق بالواسطة. والأول أي خلق خالق الفعل وخلق ما يقع به لا خلق الفعل نفسه.

ويعضد ما قيل قول الإمام:” قدرة العبد مخلوقة لله تعالى والفعل المقدور بالقدرة الحادثة يضاف إلى الله سبحانه خلقا فإنه وقع بفعل الله (أي بقدرة العبد التي هي فعل الله وخلقه وصفة العبد)، فإذا أوقع العبد بقدرته شيئا آل الواقع إلى حكم الله من حيث أنه وقع بفعل الله” وهو قدرة العبد. فأوضح طريق هذه الإضافة بأن الواقع بقدرة العبد واقع بفعل الله وخلقه وصفة العبد، لكون تلك القدرة واقعة بخلق الله تعالى وكون الواقع بالواقع بالشيء واقعا بذلك الشيء، لكنه واقع بالواسطة. وكشف عن هذا الطريق الواسطة بقوله:” آل الواقع إلى حكم الله“، فعبر بالأول. والرجوع يعني أن خلق العبد فعله يرجع إلى خلق الله تعالى الخالق لقدرة العبد[1].

وأنت تعلم أن كون خالق أعمال عباده ما هو عبارة عن كونه خالقا حكما وبالواسطة بخلق خالقها وسبب خلقها-أي العبد وقدرته-، بل الذي أراده سلف الأمة وجعلوه موضع عناية: كون الله خلق أعمال العباد وصنعة الصانعين، كيلا يظن ظان أن خالقيته له عبارة عن خلق العاملين والصانعين وقدراتهم فحسب. ولو فرض أن الله خلق مخلوقا وفوض إليه خلق السماوات و الأرض وما بينهما وأقدره عليه وأراد منه ذلك وقدره، لصحت إضافة خلقها إلى الله مشيئة وعلما وقضاء وخلقا من حيث أنه نتيجة ما انفرد بخلقه وهو قدرة ذلك المخلوق الأول. ولكن هل تقتنع عقيدة الإسلام بهذه الإضافة، أي كون الله مرجع خلق الكائنات لا خالقها بالفعل؟! وكيف خفي على رجل علم عظيم كإمام الحرمين إدراك مثل هذا الأمر الجلي حتى افتتن برأيه الذي ابتدعه، وزعم أنه أهدى سبيل وأقوم قيل؟!.

 

 

 

 


[1] – وقد قال ابن القيم في”شفائه” رقم:146″ الفعل وقع بقدرة الرب خلقا وتكوينا وبقدرة العبد سببا ومباشرة والله خلق الفعل والفعل فعله وباشره” وهو أوضح في التفريق بين الخلق مباشرة والخلق بواسطة، فالذي خلق الفعل مباشرة عنده هو العبد وإن استنكف عن إسناد الخلق إليه واكتفى بإسناد الفعل والمباشرة ، والذي خلق الفعل بالواسطة أي بخلق ما يقع به الفعل وهو قدرة العبد هو الله، بالرغم من أنه أسند الخلق إليه .فالعبد خلق فعله والرب خالق قدرة العبد التي هي سبب الفعل لا خالق الفعل؛وهو عين مذهب المعتزلة.لذلك قال مصطفى صبري في”تحت سلطان القدر”ص:229 :”وابن القيم تراه يتبرأ في كتابه من المعتزلة ويتشدد في تضليلهم ثم لا ينجو من الوقوع في عقلياتهم“اهـ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق