مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

الشعرُ العَرَبيُّ ومَكارمُ الأخلاق (حلقة3)

ممّأ يُمكنُ استخلاصُه من مكارم الأخلاق، التي وَرَدَت بأبياتِ كتاب “المَعاني الكَبير في أبيات المَعاني” لابن قُتيبةَ الدينوري:

  • كُلُّ خُطوةٍ تَتعاطى غيرَ موضِعها فهيَ إلى ريبة، ومصيرُها إلى مَزلَّةِ قَدَمٍ
  • من الناسِ مَن إذا أساءَ إلى غيره ولهجَ بالخَنى جدَّ، فإذا أُضْرِمَت نارُ الغَضب قالَ إنّما كنتُ أخوضُ وألعبُ
  • لا يأتَمِرْ المرءُ أمْراً غير رَشيد حَتّى لا يَعودَ عليه وَبالُه، كقولهم: مَن حَفَر حُفرةً وَقعَ فيها، لأنّ الرجُلَ إذا ائْتَمَرَ أمراً ليس برُشدٍ فكأنّه يَعدو عَليه فيُهلِكُه،
  • ومَن تُنكرُ أخلاقَه أو تَعرفُ منه وتُنكرُ فارفُقْ به رفقاً حَتّى تُقَوِّمَه.
  • لعل إبطاءَ المَرءِ في بعض شؤونه وعَدَمَ التّسرُّع يَتأخَّرُ به عن سَيِّءٍ، وإنّ من شأن السيءِ أن يَتقَدَّمَ فَيَسبقَ، ولعلّ إسراعَه في بعض الأمرِ يَسبقُ به إلى خَير  ينبغي أن يُدركَه.
  • إذا جَفاك المرءُ فاصْرِفْ قَولكَ عَنه إلى غَيرِه واعلمْ بأنّه مَتى ما يُبَيِّنْ لكَ شَيئاً مِن جَفائه فإنّه مُتْبِعُكَ بالصَّريمَة في غَد.
  • إذا فاكَهْتَ الرِّجالَ فَلا تَلَعْ وقُلْ مِثلَ ما قالوا ولا تَتزَيَّد فيُصيبَكَ  منهم عاقبةُ التّزيُّد، ولا تَغضبْ فيُصيبَك وَبالُ الغضب

——-

قالَ الكُميتُ يَذكرُ نَفْسَه:

لا خُطوتي تَتعاطى غيرَ موضِعها  ///  ولا يَدي في حَميتِ السَّكْنِ تَنْدَخلُ

يقول: لا أخطو إلى ريبة، والحَميتُ نِحْيُ السّمنِ، والسَّكْنُ الحَيُّ؛ وهذا مَثَلٌ، يَقولُ: لا أُخَرِّقُ جُلودَ الحَيّ بالشتم، وقال:

وفي الناسِ أقْذاعٌ مَلاهيجُ بالخَنى /// متى يَبلُغوا الجِدَّ الحَفيظة يَلعَبوا

أقذاعٌ أصحابُ قَذْعٍ، وهو الشَّتمُ، يقولُ: يَلهجونَ بالشّرِّ وهُم جادّونَ فإذا جاءَ الغضبُ قالوا: إنما لعبنا.

ومن لا يكنْ في صَدرِ أمرٍ ينوبُه /// كَذي العَجُز البالي لَه حين يَذهَبُ

يَصِلْ مِن حِبالِ الغَدر فيما يَنوبُه ///  بمَرْمَقَةٍ يَرْدَى بها المتذبذبُ

مَرمَقة ضِعاف، يَرْدَى يَهْلِكُ. وقال:

وأقربُ يَوْمَيْ ذي المُوارَبَة الذي /// ينالُ به من فرصَةِ الحَزمِ مَوردا

أي أقربُ يَوْمَيه من حاجَته اليومُ الذي يَنالُ به مَوْردَ الحَزم. وقالَ رَبيعةُ بنُ جشم:

أَحَارِ بنَ عمرو كأني خَمِرُ /// ويَعدو على المرء ما يَأتمرُ

الخمِرُ: الذي خامَرَه داءٌ أو وَجعٌ أي خالَطَه. يعدو عليه: يصيبه وينزل به، ما يأتمر: يعود على الرجل ما تأمره به نفسه فيأتمر، أي يمتثله ظناً منه أنه رشد فإذا ائتمر أمراً غير رَشيد عاد عليه، كقولك: مَن حَفَر حُفرةً وَقعَ فيها، لأنّ الرجُلَ إذا ائْتَمَرَ أمراً ليس برُشدٍ فكأنّه يَعدو عَليه فيُهلِكُه. وقد جَرى الشطر  الثاني من هذا البيتِ مجرى الأمثال. وقال مضرس الأسَدي:

وراحلةٍ قدّمْتُ أقتادَ رَحلِها ///  لمُسْتَردفٍ لا يُحقر الجهدَ آطرُه

أرادَ قَدمتُ أقتادَ رَحلها بالحِبال أي أشُدُّه بها وأعْطِفُه وأُنَحّي رَحْلي لأوسِّعَ لرِدْفي، ثمّ قال: لا يُحْقَرُ جُهدُ مُجتهدٍ – فعَذَرَ نفسَه، وقد اسْتَقلَّ ذلكَ، ومثلُه قول المرَّار:

وكَيفَ على جُهدِ الجليل تَلوم

كأنّي أُصادي ذا دَلالٍ يَصورُني /// بقُرْبي وقرض والحفاظ أواصرُه

الآصرةُ كلُّ ما عَطَفَك على الرَّجُلِ مِن صِهْرٍ وقَرابةٍ.

وقول عَبدِ يَغوثَ الحارثيّ:

ألم تَعْلَما أنّ الملامَةَ نَفْعُها /// قليلٌ وما لَومي أخي مِن شِمالِيا

قال: الشمائلُ الأخلاقُ واحدها شِمالٌ. وقال سُوَيدُ بنُ أبي كاهلٍ وذَكَر الله عَزَّ وجَل:

ومَتى ما يَكُفُّ شَيئاً لا يُسَع

أي لا يُضاعُ، يُقالُ ضائعٌ سائعٌ وضاعَ وسَاع.

وقال عبدُ الله ابنُ سُلَيْمَةَ:

وَلَقَد أُداوي داءَ كُلِّ مُعَبَّدٍ   ///    بِعَنِيَّةٍ غَلَبَت عَلى النِطّيسِ

مُعبَّد جَرِب، والعَنيّة أبوال تطبخ مع أدوية ويُطالُ إنقاعُها وحبسُها ثم يُعالَجُ بها الجَربُ، وأصل التَّعنيَّة الحَبسُ، والنِّطّيس المتنَوِّق في الأشياء المبالِغ ومنه قيلَ للطبيب نِطَاسي، وهذا مَثَلٌ، أرادَ إنّ عندي رفقاً بمَن أنكرُ أخلاقَه حَتّى أُقَوِّمَه. وقال المرقشُ الأكبر:

يا صاحِبَيَّ تَلَبَّثا لا تَعْجَلا /// إنّ الثِّواءَ رَهينٌ أن لا تُعْذَلا

يقول إن مَقامَكُما عَلَيَّ رَهينٌ بأن لا أَعْذِلَكُما.

فلعلَّ رَيثَكُما يُفَرِّطُ سَيئاً /// أو يَسبقُ الإسراعُ شَيئاً مُرْسَلاً

الريثُ الإبطاءُ، يُفَرّطُ يقدمُ، يقول: لعل إبطاءَكُما مَعي يَتأخَّرُ بكُما عن سَيِّءٍ فَيتقَدَّمُكُما ذلكَ الشّرُّ  فَيَفوتُكُما، ولعلّ إسراعَكُما يَسبقُ بكُما خيراً لأنه يَتَأخَّركُما. قال عدي بن زيد:

إذا ما امرؤٌ لم يَرجُ منكَ هَوادَةً /// فَلا تَرجُها منه ولا دَفْعَ مَشْهَدِ

الهوادَةُ الرُّخصةُ واللِّينُ، ومنه التَّهويدُ في السَّير، والمَشهدُ المَحْضَر، والمعنى: إذا لَمْ يَضَعْكَ الرّجلُ مَوضعَ رَجاءِ هَوادةٍ منكَ وموضعَ دَفعٍ عَنه فَلا تَرْجُ أيضاً ذلكَ منه فإنه يَضَعُكَ مِن نَفْعِه لكَ بحَيثُ يَرجوه مِنْ نَفعِك له.

وعَدِّ سِواه القَولَ واعلَمْ بأنه /// مَتى ما يُبِنْ في اليَومِ يَصْرِمْكَ في غَدِ

يقول: اصْرِفْ قَولكَ عَنه إلى غَيرِه واعلمْ بأنّه مَتى ما يُبَيِّنْ لكَ شَيئاً مِن جَفائه فإنّه مُتْبِعُكَ بالصَّريمَة في غَد. ويُروى: يَبَنْ بالفَتح من البَيْنونَة.

إذا أنتَ فاكَهْتَ الرِّجالَ فَلا تَلَعْ  ///  وقُلْ مِثلَ ما قالوا ولا تَتزَنَّدِ

لا تَلَعْ لا تَجْزَعْ وهو مِن لاعَ يَلاعُ، ومنه هاعَ لاعَ وهائعٌ لائعٌ، ولا تَتزَنّدْ لا تَغضَبْ، يُقال للرَّجُل إذا كان سريعَ الغَضب إنه لمُزَنِّدٌ ومُتَزنِّد أيضاً: ورَوى المفضل: ولا تَتزَيَّدْ أي لا تَزِدْ على ما قالوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق