مركز الدراسات القرآنيةشذور

الخوف والرجاء.. درجاته ومراتبه

الخوف من الله تعالى، ومن وعده ووعيده، من أهم الوسائل  التي ينتفع بها المسلم في دنياه وآخرته، فهو أصل كل الخير، وهو المحرك والدافع الأساس الذي يجعل من المسلم  إنسانا صالحا؛  حيث يزرع الخير، ويحرص على جلب المنافع والمصالح ودفع المكاره والمفاسد، ممتثلا لأمر الله عز وجل، طائعا لأوامره، قائما على حدوده. وكلما استحضر الإنسان خوفه وخشيته من الله سبحانه وتعالى، ازداد حبه وقربه وتعلقه به تعالى.

 وللخوف درجات ومراتب، تتفاوت حسب أنواعه وأسبابه. وفي هذا يقول الإمام محمد بن أحمد بن جزي الكلبي، في معرض تفسيره[1] لقول الله تعالى: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الأعراف:55].

جمع الله الخوف والطمع ليكون العبد خائفا راجيا، كما قال الله تعالى: ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء:57]، فإن موجب الخوف معرفة سطوة الله وشدة عقابه، وموجب الرجاء معرفة رحمة الله وعظيم ثوابه، قال تعالى : ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر: 49-50]، ومن عرف فضل الله رجاه، ومن عرف عذابه خافه، ولذلك جاء في الحديث: (لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا).

إلا أنه يستحب أن يكون العبد طول عمره، يغلب عليه الخوف ليقوده إلى فعل الطاعات، وترك السيئات، وأن يغلب عليه الرجاء عند حضور الموت لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى).

واعلم أن الخوف على ثلاث درجات: الأولى أن يكون ضعيفا يخطر على القلب، ولا يؤثر في الباطن ولا في الظاهر، فوجود هذا كالعدم.

والثانية: أن يكون قويا، فيوقظ العبد من الغفلة، ويحمله على الاستقامة.

والثالثة: أن يشتد حتى يبلغ إلى القنوط واليأس، وهذا لا يجوز، وخير الأمور أوسطها.

 والناس في الخوف على ثلاث مقامات: فخوف العامة من الذنوب، وخوف الخاصة من الخاتمة، وخوف خاصة الخاصة من السابقة، فإن الخاتمة مبنية عليها.

 والرجاء على ثلاث درجات:

 الأولى: رجاء رحمة الله مع التسبب فيها بفعل طاعة وترك معصية، فهذا هو الرجاء المحمود.

والثانية: الرجاء مع التفريط والعصيان فهذا غرور.

والثالثة : أن يقوي الرجاء حتى يبلغ الأمن، فهذا حرام.

والناس في الرجاء على ثلاث مقامات: فمقام العامة رجاء ثواب الله، ومقام الخاصة رجاء رضوان الله، ومقام خاصة الخاصة رجاء لقاء الله حبا فيه وشوقا إليه.

 [1] التسهيل لعلوم التنزيل، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الأندلسي الغرناطي، تحقيق: محمد سالم هاشم (دار الكتب العلمية، 1415ه/ 1995م).

Science

ذة. مريم الدويك

باحثة بمركز الدراسات القرآنية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق