مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةقراءة في كتاب

التعريف بكتاب تبيين العجب بما ورد في شهر رجب لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد ابن حجر العسقلاني(ت439هـ)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فقد ألف العلامة الحافظ ابن حجر  كتابا في شهر رجب وفضائله، ووسمه بـ: “تبيين العجب بما ورد في شهر رجب“، وهو في غاية من التحقيق والتدقيق بين فيه الأحاديث الصحيحة من السقيمة الواردة في  شهر رجب، ولأهمية  موضوع هذا الكتاب ارتأيت  أن أكتب حوله مقالا  للتعريف به وبصاحبه.

أولا: التعريف بابن حجر[1] :

هو أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الكناني ـ نسبة إلى قبيلة كنانة ـ العسقلاني المصري القاهري  الشافعي  المعروف بابن حجر وهو لقب لبعض آبائه.

 ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة(773هـ) بمصر العتيقة، ونشأ بها يتيما في كنف أحد أوصيائه وهو الزكي الخروبي، فحفظ القرآن وهو ابن تسع عند الصدر السفطي شارح مختصر التبريزي.

 أخذ عن كبار علماء عصره منهم: زين الدين عبد الرحيم العراقي فلازمه عشر سنوات،  ومجد الدين الشيرازي، ولازم سراج الدين البلقيني وغيرهم كثير.

 قال السخاوي:  “واجتمع له من الشيوخ المشار إليهم، والمعول في المشكلات عليهم، ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره، لأن كل واحد منهم كان متبحرا في علمه، ورأسا في فنه الذي اشتهر به لا يلحق فيه. فالتنوخي في معرفة القراءت وعلو سنده فيها، والعراقي في معرفة علوم الحديث ومتعلقاته، والهيثمي في حفظ المتون واستحضارها، والبلقيني في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقن في كثرة التصانيف، والمجد الفيروزابادي في حفظ اللغة واطلاعه عليها والغماري في معرفة العربية ومتعلقاتها وكذا المحب بن هشام كان حسن التصرف فيها لوفور ذكائه”[2]. وأخذ عنه الحافظ السخاوي، وجلال الدين السيوطي، وغيرهما.

مؤلفاته:

ألف العلامة الحافظ ابن حجر تآليف كثيرة جدا، وقد ذكرها تلميذه الحافظ السخاوي في الباب الخامس  من كتابه:  الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر[3]، مرتبا إياها على الفنون، حيث أوصلها إلى: 273 تصنيفا.

وسأذكر منها  هنا ما اشتهر: “الإصابة في تمييز أسماء الصحابة”، ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري، وتهذيب التهذيب في رجال الحديث، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.

توفي رحمه الله  سنة (852هـ) [4].

ثانيا: التعريف بكتاب تبيين العجب بما ورد في شهر رجب

هو كتاب عرض فيه الحافظ ابن حجر رحمه الله بعض ما ورد في فضائل شهر رجب، وبيان ما هو صحيح من ذلك وما هو سقيم، فقد ذكر في مستهل كتابه موضوعه والسبب الذي دعاه إلى تأليفه  بقوله: “أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من الإخوان في جمع ما ورد في فضائل شهر رجب الفرد، وصيامه والصلاة فيه، وبيان صحيح ذلك من سقيمه، فسطرت في هذه الأوراق ما وصلت إليه بحسب العجلة”[5].

ثم عرض ما ورد على لسان العرب في اشتقاق ومعاني اسم رجب نقلا عن ابن دحية بقوله: “قال ابن دحية: رجب. جمعه أرجاب، ورجبانات، وأرجبة وأراجب ورجابي. قال. وله ثمانية عشر اسما:

الأول: رجب؛ لأنه كان يرجب في الجاهلية، أي يعظم. الثاني: الأصم؛ لأنه ما كان تسمع فيه قعقعة السلاح.الثالث: الأصب؛ لأنهم كانوا يقولون: إن الرحمة تصب فيه.الرابع: رجم – بالميم – لأن الشياطين ترجم فيه.الخامس: الشهر الحرام.السادس: الحرم، لأن حرمته قديمة.السابع: المقيم؛ لأن حرمته ثابتة.الثامن:المعلى؛ لأنه رفيع عندهم.التاسع: الفرد، وهذا اسم شرعي. العاشر: منصل الأسنة، ذكره البخاري، عن أبي رجاء العطاردي. الحادي عشر: منصل الآل، أي الجواب. وقع في شعر الأعشى.الثاني عشر: منزع الأسنة.الثالث عشر: شهر العتيرة؛ لأنهم كانوا يذبحون.الرابع عشر: المبرى. الخامس عشر: المعشعش.السادس عشر: شهر الله. هذه ستة عشر: ثم ذكر ابن دحية.

السابع عشر: سمي رجبا؛ لترك القتال: يقال. أقطع لله الرواجب. الثامن عشر: سمي رجبا؛ لأنه من الرواجب. وهذان ليسا اسمين زائدين، بل هذا اختلاف في اشتقاق اسم رجب”[6].

ثم انتقل رحمه الله من هذا التمهيد إلى عقد فصل تكلم فيه عن الموضوع الذي من أجله قام بتأليف الكتاب، وهو نفي ورود حديث صحيح يصلح للاحتجاج به في فضل شهر رجب وصيامه وقيام ليال مخصوصة فيه بقوله: “لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، – معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه – حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة. وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر ذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة.

وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره. وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: “من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين”. فكيف بمن عمل به.

ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع[7].

ثم انتقل رحمه الله إلى النظر فيما ورد من الأحاديث غير الصريحة في فضل رجب، فبين أن أمثل ما ورد فيها ثلاثة أحاديث، وكلها في شأن الصوم[8].

ثم انتقل إلى تتبع الأحاديث الصريحة الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه، فحصرها في قسمين: الأول ضعيف، والثاني: موضوع.

قال رحمه الله :”وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة”[9]. فساق الأحاديث الضعيفة مشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة فاجتمع له من الضعيف أحد عشر حديثًا، ومن الموضوع واحد وعشرون حديثا بما في ذلك الأحاديث الشواهد، أو المروية بألفاظ مختلفة[10].

ثم عقد فصلا خصه بذكر ما ورد من الأحاديث في النهي عن اتخاذ رجب عيدا، أو الاعتقاد بأنه معظم كما كان في الجاهلية، أو أنه أفضل من غيره من الشهور، وذكر أنه لا يجوز شيء من الأعمال العبادية فيه، حيث كانت تابعة لهذا المقصد [11].

طبعاته:

طبع كتاب الحافظ ابن حجر: تبيين العجب بما ورد في شهر رجب، عدة طبعات، منها:

بتحقيق: إرشاد الحق، إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد- باكستان، سنة: 1410.

ثم بتحقيق : طارق بن عوض الله الدارعمي،  مؤسسة قرطبة  ـ القاهرة . (الطبعة المتعمدة فيما نُقل من نصوص)

ونشر بمجلة البحوث الإسلامية، العدد السابع، الصادر:  من  رجب إلى شوال، سنة 1403هـ، من ص 163 ـ ص 171.

والخلاصة أن من خلال ما تم عرضه في هذا المقال حول كتاب تبين العجب بما ورد في شهر رجب لابن حجر، أنه كتاب صغير في حجمه، قليل في مادته، غزير الفائدة في تحقيق وغربلة  ما يتعلق  بضعف وصحة الأحاديث  والآثار الواردة  في شهر رجب.

****************

هوامش المقال:

[1]   من مصادر ترجمته: أفرد له تلميذه السخاوي ترجمة وافية شافية في كتاب سماه: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، والضوء اللامع(2 /36)، والأعلام للزكلي(1 /178ـ179).

[2]  الضوء اللامع(2/ 38)

[3]   الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر (2/ 659ـ695).

[4]    ينظر ما يتعلق بمرضه ووفاته وجنازته بكتاب الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر (3/ 1185ـ1197).

[5]  تبيين العجب بما ورد في شهر رجب (ص:21).

[6]  تبيين العجب بما ورد في شهر رجب (ص:21ـ22ـ23).

[7]  تبيين العجب بما ورد في شهر رجب (ص:23ـ24ـ25ـ26).

[8]    ينظر تبيين العجب بما ورد في شهر رجب (من ص: 26 إلى ص: 33).

[9]  تبيين العجب بما ورد في شهر رجب (ص:33 وما بعدها).

[10]  تبيين العجب بما ورد في شهر رجب ( من ص:33 إلى ص: 67).

[11]  تبيين العجب بما ورد في شهر رجب ( من ص:68 إلى  آخر الكتاب).

********************

جريدة المصادر والمراجع:

تبيين العجب بما ورد في شهر رجب لابن حجر تحقيق: إرشاد الحق، إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد- باكستان، ط1، 1410/ 1994.

الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين. ط15، 2002 م.

تبيين العجب بما ورد في شهر رجب لابن حجر ، تحقيق: طارق بن عوض الله الدارعمي مؤسسة قرطبة ـ مصر.

تبيين العجب بما ورد في شهر رجب لابن حجر ، نشر بمجلة البحوث الإسلامية، العدد السابع، سنة 1403هـ.

الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، لشمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: إبراهيم باجس عبد المجيد، دار ابن حزم ، بيروت ـ لبنان،ط1،  1419 هـ ـ 1999 م.

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي،  دار مكتبة الحياة ـ بيروت.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق