مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

التعريف بكتاب “الفجر الساطع على الصحيح الجامع” لمحمد الفضيل بن الفاطمي بن محمد الشبيهي الزرهوني الإدريسي (ت1318ﻫ)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد؛

إن اهتمام العلماء بصحيح البخاري لم يبلغه أي كتاب آخر عدا كتاب الله عز وجل، فألفوا في شرح غريبه وتراجمه، وأسانيده ورجاله كتبا لا تحصى ولا تعد.

ولم يتخلف السادة علماء الغرب الإسلامي عن هذا الركب، فأسهموا بدورهم في الاشتغال عليه بالشرح والبيان، والتعليق، والتطرير، ومن العلماء المتأخرين  الذين ألفوا حوله شرحا نفيسا العلامة أبو عبد الله الشبيهي (1318هـ) رحمه الله. ولأهمية هذا العلق النفيس خصصت له هذا المقال للتعريف به، وبيان موضوعه وصنيع مؤلفه فيه فأقول وبالله التوفيق:

إن شرح صحيح البخاري الموسوم بـ: “الفجر الساطع على الصحيح الجامع”، أو ” أو النهر الجاري على صحيح الإمام البخاري”[1]. للمحدث المفتي خطيب الحرم الإدريسي بزرهون أبي عبد الله محمد الفضيل بن الفاطمي الإدريسي الشبيهي الزرهوني المتوفي سنة 1318هـ[2]، هو من أنفس ماكتبه الفقهاء المتأخرون من المالكية، وفي هذا يقول العلامة سيدي عبد الحي الكتاني ” الفجر الساطع على الصحيح الجامع،  أنفس وأعلى ما كتبه المتـأخـرون مـن المالكية على الصحيح مطلقا، وهو في أربع مجلدات، أنا متفرد الآن في الدنيا بروايته عن مؤلفه “[3]. سار في شرحه رحمه الله على طريقة السادة الفقهاء.

صدر رحمه الله شرحه هذا  بخطبة ومقدمتين، ثم شرع في شرح أول حديث من صحيح البخاري إلى آخر حديث منه، وأتم شرحه بخاتمة صغيرة.

أما الخطبة: فقد بين فيها موضوع وغاية كتابه فقال رحمه الله ـ بعد البسملة والحمدلة والشكر والثناء على الله ـ : “وبعد؛ فهذا  بحمد الله تقييد على الجامع الصحيح الحائز قصب السبق في ميدان التقديم والتفضيل والترجيح، تصنيف أمير المؤمنين في الحديث، وقدوة الحفاظ والنقاد في القديم والحديث، المشرق فضله على هذه الأمة إشراق الكواكب الدراري،  أبي عبد الله سيدي محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم البخاري.

 قصدت به التعلق بأذيال من تعلق الأوَّلون والآخرون بأذياله، والانخراط في سلك من تصدى لبيان أحوال مولانا رسول الله ” وأقواله  وأفعاله. والتطفل على علماء أمته كي أدخُل زمرتهم وأحتمي بحماهم عند شدائد الموقف وأهواله، وأسكن معهم حظيرة القدس في جوار عروس المملكة  ـ صلى الله عليه وسلم وعلى آله.

 سلكت فيه في بيان معنى الحديث، وغامضه ومشكله، وحل ألفاظه، وإعرابه أحسن المسالك، واقتصرتُ فيه من الأقوال والتوجيهات والتوفيقات والأجوبة، وبيان مقصود الترجمة وشاهدها، على ما ترجح عندي في ذلك، وآثرت فيه عن بيان الأحكام الشرعية ما وافق مذهب إمام الأئمة وإمامنا مالك.

 ولم أتعرض لأحوال الأسانيد وأسامى الرجال ووصل التعاليق والمتابعات لتكفل “فتح الباري” بجميع ما هناك، ثم إني وإن كنت مستمدا من تآليف من تكلم قبلي على هذا الكتاب: كالمشارق، والنكت، والكواكب، والبهجة، والفصيح، والتنقيح، والفتح، والعمدة، والمصابيح، والتوضيح، والتحفة، والإرشادين، والمعونة، والتشنيف، والتوشيح، وغير ذلك من التآليف الموضوعة عليه وعلى غيره، المرجوع إليها عند الترجيح والتصحيح.

 فقد فتح الله على فيه بنكت غريبة، وأتحفني سبحانه بتنقيحات عجيبة وتوشيحات مصيبة، وأرشدني وله الحمد والمنة لعيون فوائد، وغرر زوائد، تقف دونها الأفكار، وتبذل في تحصيلها نفائس الأعمار، فجاء بحمد الله مع صغر حجمه، ولطافة جرمه، مشتملا على علم غزير وتدقيق وتحرير، يسر الناظر، ويريح الخاطر، ويغني في بابه عن مطولات الدفاتر، وسميته «الفجر الساطع على الصحيح الجامع“[4].

أما المقدمتان:

الأولى: تناول فيها  آداب قراءة الحديث الشريف وما يُطْلَب من قارئه، ومستمعه وحاضر مجلسه من التعظيم له والتشريف، حيث اختار نموذج الإمام مالك في تعظيمه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ساقه عنه  القاضي عياض في المدارك.

وخلص إلى أن الأولى لقارئ الحديث أن يصلح النية، وأن يكون على وضوء؛ لأن قراءته على غير وضوء تكون مكروهة، وأن لقارئ الحديث أن يحسن هيئته، وأن عليه أن يعرف النحو واللغة وأسماء الرجال، ثم تكلم عن نقل الحديث بالمعنى، مرجحا ما ذهب إليه مالك من المنع فيها إلخ[5].

وأما الثانية: فخصصها -رحمه الله- للتعريف بصاحب الجامع الصحيح، وبيان موضوعه فيه، وصنيعه، وعد ما اشتمل عليه من الأحاديث والكتب والأبواب، وفي ذلك يقول: “وأما صنيعه في جمع الأحاديث وتفريقها في الأبواب، فإنه كما أخذ بالاستقراء، يعمد إلى الحديث الواحد، ويستنبط منه ما قدر عليه من الأحكام، ويجعل لكل حكم ترجمة يضعها في المحل المناسب لها من الكتاب، ثم ينظر فيما اجتمع عنده من طرق ذلك الحديث، فإن ساوت الطرق الأحكام أثبت الحديث في كل ترجمة بطريقة من تلك الطرق، وربما تممه فيها كلها، وربما اختصر في بعضها لمعنى يظهر له، وإن كانت الطرق أكثر، ذكر الحديث في بعض تلك التراجم بطريقين أو أكثر، حتى يأتي على آخرها. وإن كانت الأحكام أكثر، ذكر الحديث في بعض التراجم تاما وفي بعضها مختصرا  أو معلقا، أو قال فيه: حديث كذا، حتى لا يبقى عليه من الأحكام شيء ولا من الطرق التي عنده. قال الحافظ ابن حجر: فَعُلم أنه لا يكرر إلا لفائدة، وفي التحقيق لا تكرار فيه، ولم أره خالف  هذا يعني: يذكر الحديث بمتنه وإسناده في محلين إلا في مواضع نادرة”[6]

 إلى أن قال ملخصا ذلك من مقدمة ابن حجر وفتحه: “إن جميع ما فيه من أحاديث بالمكرر سوى التعاليق والمتابعات 7397، وجميعُ ما فيه من التعاليق 1341، وجميع ما فيه من المتابعات344… ، وعدد أحاديثه الثلاثيات 23، وهي أقصر أحاديثه إسنادا، وأطول سند فيه سندُ إسماعيل بن إدريس المذكور في”باب ياجوج وماجوج” فإنه تساعي، وأكثر سند ذكرا للصحابة سند أبي اليمان في “باب رزق الحكام” من كتاب الأحكام فإن فيه أربعة من الصحابة السائب ومن ذكر بعده،  وأطول حديث فيه حديث عمرة الحديبية المذكورة في “كتاب الصلح”، وأكثر أبوابه أحاديث: “باب ذكر الملائكة”، وأكثر من روى عنه من الصحابة أبو هريرة رضي الله عنه، وأكثر أحاديثه تكرارا حديث بَريرة فإنه كرره أكثر من عشرين مرة”[7].

 ثم ذكره بعد المقدمتين سنده إلى الإمام البخاري عن شيوخه الثلاثة : “أبى العباس أحمد بن محمد المرنيسي، وأبي عبد الله محمد بن حمدون بن الحاج السلمي، وأبي العباس أحمد بن محمد بناني… الخ”[8]

والكتاب مطبوع في 17 مجلد بتحقيق: عبد الفتاح الزنيفي،  ط/مكتبة الرشد.

*******************

هوامش المقال:

[1]  اتحاف المطالع(1 /349).                           

[2]  ترجمته في فهرس الفهارس(2 /229)،اتحاف المطالع(1 /349)، وفي مقدمة تحقيق الفجر الساطع “المسماة شذى الروائع مقدمة الفجر الساطع على الجامع الصحيح” ترجمة وافية (ص: 110) .

[3]  فهرس الفهارس(2 /929) .

[4]  الفجر الساطع(1 /1 ـ 5) .

[5]  الفجر الساطع(1 /5 ـ 15) .

[6]  الفجر الساطع(1 /21) .

[7]  الفجر الساطع(1 /25 ـ 26) .

[8]  الفجر الساطع(1 /28) .

***************

جريدة المصادر والمراجع:

إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع لعبد السلام ابن سودة

تحقيق محمد حجي دار الغرب الإسلامي، بيروت ط1، 1417 هـ – 1997 م.

الفجر الساطع على الصحيح الجامع” لمحمد الفضيل بن الفاطمي بن محمد الشبيهي الزرهوني الإدريسي. تحقيق عبد الفتاح الزنيفي. مكتبة الرشد  الرياض .

فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي .

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق