مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةقراءة في كتاب

التعريف بكتاب إرشاد العوام لما به العمل في الصيام لمحمد بن جعفر الكتاني(ت 1345هـ)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

وبعد؛

فمن المعلوم أن علماء الإسلام ـ رحمهم الله ـ أولوا الفقه عناية  فائقة، فألفوا فيه مؤلفات، وصنفوا فيه مصنفات تختلف كما وكيفا، منهجا وموضوعا، انطلاقا من حاجيات مجتمعهم، وما يتطلبه واقعهم؛ فخلفوا لنا تراثا زاخرا، وعلما غزيرا، يشمل جميع جوانب مباحث الفقه،  ومن العلماء الذين ألفوا فيه:  العلامة محمد بن جعفر الكتاني الذي ألف كتابا قيما ووسمه ب: “إرشاد العوام لما به العمل في الصيام” وهو كتاب حسن غاية، تناول فيه مجموعة من المسائل المتعلقة بأحكام الصيام، ولأهميته ارتأيت التعريف به.

أولا: التعريف بالمؤلف[1]:

هو: محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع أبو عبد الله الكتاني الحسني الفاسي. كان مولده سنة (1274ﻫ) بفاس.

أخذ عن والده، وبه انتفع، وعن أبي جيدة الفاسي، والطيب بن كيران، وأحمد بن أحمد بناني كلا، ومَحمد بن عبد الرحمن العلوي، ومحمد بن عبد الواحد وأحمد بن الطالب ابني سودة، ومحمد بن المدني جنون، وأحمد بن محمد ابن الخياط، ومَحمد بن قاسم القادري، وعلي بن الطاهر المدني، وغيرهم[2].

وأخذ عنه جماعة من العلماء منهم: عبد السلام ابن سودة، ويوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي، وعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني وغيرهم[3].

كان إماما، عالما، حجة، محدثا، مشاركا، متفننا في كثير من العلوم،  حلاه  عبد السلام ابن سودة بقوله: ” الشيخ الإمام، علم الأعلام، المحدث المسند الرحالة المطلع المؤلف الشهير المتبرك به، له تآليف عديدة “[4].

له مؤلفات كثيرة، تجاوزت 65 تأليفا[5]، منها: حاشية على شرح ميارة للمرشد المعين، وشرح أول حديث في صحيح البخاري، وسؤال وجوابه في مسألة تتعلق بالحيض، وسؤال وجوابه في كيفية رفع اليدين للإحرام، ورفع الملامة ودفع الاعتساف عن المالكي إذا بسمل في الفريضة خروجا من الخلاف، وسلوك السبيل الواضح لبيان أن القبض في الصلوات كلها مشهور راجح، وإرشاد العوام لما به العمل في الصيام، ورسالة في الإمساك في رمضان قبل طلوع الفجر بثلث ساعة، ورفع الإلباس وكشف الضر والباس ببيان ما للعلماء النحارير الأكياس في مسألة الحرير التي وقع الخوض فيها بين الناس، والدعامة لمعرفة أحكام سنة العمامة، وسلوة الأنفاس في التراجم.

توفي بفاس 16 رمضان عام 1345 هـ ودفن بروضة الشيخ أبي محمد مولاي الطيب الكتاني بالقباب من باب الفتوح[6]. وكانت جنازته عظيمة.

ثانيا:  التعريف كتاب إرشاد العوام لما به العمل في الصيام.

يعد كتاب محمد بن جعفر الكتاني الموسوم بـ:  إرشاد العوام لما به العمل في الصيام، من أهم كتب السادة المالكية في باب الصيام،  تناول فيه رحمه الله مجموعة من المسائل والإشكالات حول الصوم والفطر، وخاصة ما يتعلق بالمسألة  التي ذهب إليها بعض المتأخرين من الفقهاء، من أنه جرى العمل  في شهر رمضان بمنع الأكل والشرب والجماع وغيرهما  مما يفطر الصائم قبل طلوع الفجر بثلث  ساعة.

قال رحمه الله  في مقدمة كتابه مبينا الداعي إلى تأليفه: “فقد وقع البحث والسؤال في هذه الأزمنة وقبلها بأحوال، كما ذكره بعض المتأخرين والأئمة المعتبرين، من أنه جرى العمل  في شهر رمضان الفاخم بمنع الأكل والشرب والجماع وغيرهما  مما يفطر الصائم قبل طلوع الفجر بثلث  ساعة، وهي خمسة أدراج عند أرباب هذه الصناعة”[7].

ثم أعقب هذا الكلام بقوله: “وكيف مع قوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) [8]، ومع ما في الصحيح وغيره عن ابن عمر مرفوعا: (أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم،  قال: وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت) [9][10]، وأتى بمجموعة من الأحاديث الأخرى في الموضوع.  

 ثم أتى بقول أئمة المذهب المالكي، قال رحمه الله:” وكيف هو أيضا مع قول أئمة المذهب الذين إليهم المفزع في مثل هذا المهرب، إذا طلع الفجر على الصائم وهو يطأ  أو يأكل  أو يشرب  فليكف، ولا شيء  عليه على الأصوب،  وهو قول خليل عطفا على ما لا قضاء فيه:  ” ونزع مأكول أو مشروب أو فرج طلوع الفجر” أي: في الزمن  المقارن لطلوعه لا في الجزء الملاقي للطلوع خلافا لمن وهم فيه من شراحه”[11].

ثم أتى بأقوال مجموعة من فقهاء المالكية في المسألة كالمواق، واللخمي، وابن بشير، وابن الحاجب، وابن ناجي، وغيرهم ، وأقوال بعض فقهاء غير المالكية .

ثم قال رحمه الله بعد هذه المقدمة مرجحا قولا على قول:  “والجواب عن هذا  بحول الله وقوته وعونه  وتأييده  ونصرته إن ما ذكره  هؤلاء الأئمة المتأخرون  من المنع لما ذكر قبل الفجر بخمسة أدراج صحيح معتبر ووجهه باد  لدى كل من تأمل  وأمعن النظر”[12]  ثم ذكر بيان وجه هذا الاعتبار ومنشأ العمل به وانتشاره.

وهذا الكتاب على صغر حجمه كثيرة الفائدة، عظيم العائدة، قدم فيه  العلامة محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله جوابا شافيا كافيا  على المسألة التي ذهب إليها بعض المتأخرين من الفقهاء، من أنه جرى العمل  في شهر رمضان : منع الأكل والشرب والجماع وغيرهما مما يفطر الصائم قبل طلوع الفجر بثلث  ساعة، وغيرها من المسائل الأخرى المتعلقة بالصوم.

*اعتمدت في التعريف بهذه الرسالة على نسخة مخطوطة  بالمكتبة الوطنية بالرباط تحت رقم: 154جك(A) بخط مؤلفها في 38 ورقة.

والكتاب طبعته دار ابن حزم  بتحقيق: فاطمة البقالي، وليلى الونسعيدي سنة: 1439هـ. (لم يتيسر لي الحصول على الكتاب المطبوع).

*******************

هوامش المقال:

[1] من مصادر ترجمته: فهرس الفهارس (1/515)، شجرة النور (1/619)، سل النصال (ص: 43)، إتحاف المطالع (2/444)، الأعلام للزركلي (6/72)، مقدمة محمد المنتصر في الرسالة المستطرفة ص: 29_42 مع لائحة لأهم من ترجموه، إفادة السالك(ص: 299 )، وصدر لمحمد بن عزوز كتابا بعنوان: “المحدث الكبير العلامة السيد محمد بن جعفر الكتاني الحسيني الفاسي” في جزأين.

[2]  إفادة السالك بالنقل(ص: 299).

[3] إفادة السالك بالنقل(ص: 299 ).

[4]   إتحاف المطالع (2 /444).

[5]   انظر مؤلفاته مرتبة على الفنون في مقدمة محمد المنتصر في الرسالة المستطرفة ص: 32_36، وقد أوصلها إلى: 65 تأليفا إضافة إلى طرر وحواش كثير على عدة كتب في فنون متنوعة، وفوائد ونكت ومسائل كتبها طلابه عنه.

[6]   فهرس الفهارس (1 /517).

[7]   إرشاد العوام لما به العمل في الصيام(ص: 1)

[8]   سورة البقرة  الآية: 186

[9]   أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب: أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، رقم: (617)(1/ 127).

[10]   إرشاد العوام لما به العمل في الصيام(ص: 1).

[11]   إرشاد العوام لما به العمل في الصيام(ص: 2).

[12]   إرشاد العوام لما به العمل في الصيام(ص: 4).

*****************

جريدة المصادر والمراجع:

إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع لعبد السلام ابن سودة، تحقيق ذ محمد حجي، دار الغرب، ط1، 1417ﻫ.

إرشاد العوام لما به العمل في الصيام لمحمد بن جعفر الكتاني، مخطوط المكتبة الوطنية رقم: 154جك.

الأعلام لخير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي، ط دار العلم للملايين، ط5 /2002م.

إفادة السالك بتمييز الأعلام المشتبهة في مذهب مالك، للدكتور محمد العلمي، منشورات مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي التابع للرابطة المحمدية، ط1، 1436هـ ـ 2015م.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه،لمحمد بن إسماعيل أبي عبد الله البخاري الجعفي،تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت-لبنان، دار المنهاج، جدة-السعودية، ط1، 1422، مصورة عن الطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1311.

الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، لمحمد بن جعفر الكتاني، اعتناء: محمد المنتصر بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط8، سنة 1430هـ/2009م.

سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال (فهرس الشيوخ) لعبد السلام ابن سودة، تحقيق ذ محمد حجي، دار الغرب، ط1، سنة 1417ﻫ..

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم مخلوف، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1 1424 هـ – 2003 م.

 فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي بن عبد الكبير بن محمد الكتاني الحسني الإدريسي، تحقيق: إحسان عباس،  دار الغرب الإسلامي، ط2، سنة 1402ﻫ.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق