مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

البر والعطاء في شهر رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه

الحمد  لله الذي ميز بين الأيام والشهور، وجعل شهر الصيام شهر العطاء والبر عبر الأيام والدهور، شهرا عظيما للتنافس في أعمال الخير والبر، يتسابق في مضماره العباد بخالص الأعمال تقربا وزلفى إلى الله تبارك وتعالى؛ ولهذا فقد ذُكر فضل العطاء والبر في آيات من كتاب الله عز وجل، قال تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) ([1])، وقال سبحانه: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ([2]).

وقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في رمضان، أكمل الهدي وأزكاه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”([3]).

فكان صلى الله عليه وسلم عنوانا للجود، والسخاء، والبرور بأهله، وذوي رحمه، وأمته، فكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وكان يعطي كل من سأله شيئا قل أو كثر، ولا يرد يد سائل أبدا، ولا ينهره، وإذا سأله محتاج آثر مسألته على نفسه إما بطعام، أو لباس، أو مال، أو متاع، وكان يحث أهله وأصحابه على البذل والعطاء والبر، ويحض عليه، ويدعو إليه بحاله وأقواله.

وإذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا في رمضان وفي غير رمضان؛ فإنه من الواجب علينا أن نتأسى به في باب العطاء والبر في هذا الشهر الفضيل؛ لأن شأن الصدقة في هذا الشهر مضاعف وعظيم، وآثارها في نماء الأجور جسيم؛ لأن فيها إغاثة للمعوزين، وإعانة للمساكين، وطهرة للصائمين، فاستحق بذلك المعين لهم مثل أجورهم فعن زيد زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا”([4]).

ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أنجز فيه مقالا أعرف فيه أولا بمعنى البر والعطاء لغة واصطلاحا، ثم أتحدث بعد ذلك عن أوجه البر والعطاء في شهر رمضان.

وهذا أوان الشروع في المقصود، فأقول وبالله التوفيق:

معنى البر والعطاء لغة واصطلاحا:

البر لغة واصطلاحا:

من معاني البر لغة: (البر) ضد العقوق، وكذا (المبرة) تقول: (بررت) والدي بالكسر، أبره (برا) فأنا (بر) به، و(بار)، وجمع (البر): (أبرار)، …وفلان (يبر) خالقه و(يتبرره) أي: يطيعه([5]).

واصطلاحا: قال النووي (ت676هـ): “قال العلماء: البر يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق “([6]).

العطاء لغة واصطلاحا:

من معاني العطاء لغة: “العطاء: نول للرجل السمح، والعطاء والعطية: اسم لما يعطى، والجمع: عطايا، وأعطية، وأعطيات…”([7]).

العطاء اصطلاحا:

قال ابن العربي (ت: 543هـ): “حقيقة العطاء؛ هي المناولة”([8]).

قال المناوي (ت: 1031هـ): “العطاء: التناول، والمعاطاة: المناولة؛ لكن استعملها الفقهاء في مناولة خاصة”([9]).

يتبن من خلال التعريفين اللغوي والاصطلاحي لمعنى (العطاء) أن معناهما واحد.

أوجه البر والعطاء في رمضان

لا شك أن شهر رمضان مناسبة لفعل الخير والبر ، فعلى المسلم أن يجعل باكورة استقباله لهذا الشهر الكريم، نقطة انطلاقه إلى ساحة البذل، والعطاء، والبر، فيكبح جماح شحه، ويطلق العنان لكرمه وبذله، ويضع نصب عينيه قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) ([10])، ومن أوجه البر والعطاء في رمضان:

1-صلة الأرحام، والجيران والبرور  بهم :

فصلة الرحم والبر بهم في هذا الشهر العظيم منة عظيمة، وفضل كبير، قال تعالى: ( وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم) ([11])، فلا مجال للتشاحن في رمضان؛ لأنه شهر الوصلة والتراحم، والبر بالأقارب وإعطائهم من المال والخير؛ لأنهم أولى بذلك كما جاء في الحديث: “الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم تنتان: صدقة وصلة”([12])، ويدخل في هذا المعنى الجار القريب فيكرم بالعطاء ويبر بالخير، فتجتمع القلوب؛ لأن الصدقة تخمد نار البغض وتزيل غشاوة الكره.

2-إكرام المساكين بالعطاء في رمضان:

ومن أوجه البر والعطاء أيضا في رمضان إكرام المساكين والمحتاجين في هذا الشهر الكريم؛ حيث حث المولى عز وجل عليهم في كثير من آياته، منها قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) ([13]) .

فيكون المسلم جمع بين الفضلين؛ فضل الصيام، وفضل الصدقة والعطاء قال ابن رجب: “إن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:” إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها”، قالو: لمن هي يارسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: “لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام([14])([15]).

3- القيام بإفطار الصائمين في رمضان:

ومن أوجه البر كذلك في رمضان القيام بإطعام الطعام وبذله للصائمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا”([16])، وهذا الأجر يحصل سواء كان هذا الصائم المراد إعطائه وجبة الفطور غنيا أم فقيرا، فليتذكر المسلم إخوانه الصائمين وليسهم في توفير وجبة الإفطار لهم حسب الجهد والوسع، ولتكن لنا أسوة في صالحي هذه الأمة فقد كانوا يؤثرون على أنفسهم ويتصدقون بفطورهم على غيرهم حيث جاء سائل إلى الإمام أحمد، فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائما، وكان الحسن البصري- يطعم إخوانه وهو صائم تطوعا، ويجلس يروحهم وهم يأكلون، وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم([17]) .

4-السعي على إكرام أرامل المسلمين وأيتامهم في رمضان:

ومن أوجه البر والعطاء أيضا في هذا الشهر الفضيل، الحرص على الاعتناء بالأرامل والأيتام المعوزين، الذين لا معيل لهم في توفير الأكل والشرب والكسوة وغيرها، فليبادر المسلم لهذا الأجر العظيم الذي جعله الله تعالى كمن يجاهد في سبيله، أو يقيم الليل ويصوم النهار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل والصائم النهار”([18]) .

بيد أنه يستحسن في مجال البذل والعطاء نهج طريق الستر، وتجنب المن، والإنفاق من كرائم الأموال وطيبها، وفتح الباب للسائلين، والتواضع معهم، واختيار الأساليب والكلمات عند إعطائهم؛ حفظا لكرامتهم من الإحساس بالدونية والنقص، وعلى المسلم أن يضع نصب عينيه أن الله تبارك وتعالى إنما دفع إليه هؤلاء السائلين ليرفعه ويكرمه بهم؛ لأنه بدونهم لم يكن من قبل شيئا مذكورا، وأن عطاؤه إياهم تنمية لأجوره، قال تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) ([19]) ، وأن ما أنفقه الإنسان لن يضيع؛ بل سيخلفه الله تعالى أضعافا كثيرة، قال تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) ([20]) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما نقصت صدقة من مال”([21])

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى أن:

1-شهر رمضان من أشهر العطاء والبر والبذل والإحسان إلى المسلمين.

2-أن من هديه صلى الله عليه وسلم كثرة العطاء في شهر رمضان.

3-أن من أوجه البر والعطاء في رمضان:

أ-صلة الأرحام والجيران والبرور بهم.

ب-إكرام المساكين بالعطاء في رمضان.

ج-القيام بإفطار الصائمين، وأن السلف لهم سابقة في ذلك.

د-السعي على إكرام أرامل المسلمين وأيتامهم.

والحمد لله رب العالمين.

**********************

هوامش المقال:

([1]) البقرة (260).

([2]) البقرة (273)

([3]) أخرجه البخاري في صحيحه (ص: 9)، كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم: (6).

([4]) أخرجه الترمذي في سننه (ص: 197)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في فضل من فطر صائما برقم: (207)، وقال: “هذا حديث حسن صحيح”.

([5]) مختار الصحاح (ص: 47) مادة (برر).

([6]) صحيح مسلم بشرح النووي (8/ 353).

([7]) لسان العرب (15 /69) مادة: (عطا).

([8]) أحكام القرآن (4 /405).

([9]) التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 243).

([10]) آل عمران : (92).

([11]) النساء (36).

([12]) أخرجه الترمذي في سننه (ص: 166)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء في الصدقة على ذي القرابة برقم: ( 658) من حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه وقال: “حديث حسن”.

([13]) سورة الإنسان (8).

([14]) أخرجه الترمذي في سننه (ص: 450) كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في قول المعروف ، برقم: (1984)، وهذا لفظه: “إن في الجنة غرفا ترى … فقام أعرابي فقال:لمن يا رسول الله صلى الله عليه وسلم…” وقال: هذا حديث غريب.

([15]) لطائف المعارف (ص: 314).

([16]) تقدم تخريجه.

([17]) لطائف المعارف (ص: 314).

([18]) أخرجه البخاري في صحيحه (ص: 1363)، كتاب: النفقات، باب: فضل النفقة على الأهل. برقم: (5353).

([19]) سورة البقرة (261).

([20]) سورة سبأ (39).

([21]) أخرجه مسلم في صحيحه (ص: 1201)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: استحباب العفو والتواضع (2588) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

*******************

لائحة المصادر والمراجع:

أحكام القرآن. لأبي بكر ابن العربي الإشبيلي، تحقيق:  محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية بيروت، ط2/ 1424هـ- 2003مـ.

التوقيف على مهمات التعاريف. لعبد الرؤوف المناوي، تحقيق: عبد الحميد صالح حمدان ، عالم الكتب، ط1/ 1410هـ- 1990مـ.

السنن. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، (د.ت).

صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. دار ابن كثير، دمشق، ط1 /1423هـ- 2002مـ.

صحيح مسلم بشرح النووي . لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة ط1/ 1415هـ -1994مـ.

صحيح مسلم. لمسلم بن الحجاج النيسابوري. تحقيق: نظر محمد الفاريابي، دار طيبة، الرياض، ط1/ 1427هـ- 2006مـ.

لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف. لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي، تحقيق: ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط5 / 14220هـ- 1999مـ.

مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر الرازي. عني بترتيبه: محمد خاطر . دار المعارف. ط8/ 2019مـ.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق