وحدة الإحياءشذور

الآفاق المعرفية للخيال.. رؤية استئنافية

لقد أصبح من البديهي أن وراء ظهور مختلف التيارات الفلسفية والتصورات الفكرية الكبرى، سؤالا يتصل بالشرط الوجودي والمعرفي للإنسان، فهي اجتهادات تسعى لإيجاد إجابات تملأ فراغات البحث عن المعنى الذي يسكن الإنسان، ومع تغير ظروف الزمان والمكان تتجدد الأسئلة، وتتنوع الأجوبة، وتبعا لقوتها أو ضعفها تموت أفكار وتحيى أخرى في صيرورة تعكس البحث الدائم لدى الإنسان عن فهم وتغيير يتميزان بالشمول والاستيعاب للعالم.

اكتسح مفهوم الخيال والمتخيل الكتابات المعاصرة المتصلة بالذات والجسد والمجموعات المجتمعية. إذ عملت الأبحاث من مختلف زوايا النظر، والفحص، والاختبار، والتحليل، والتقويم، على وصف وتفسير “الصور” والتمثلات التي بها يدرك الإنسان العالم، والتي ليست فقط عمليات ذهنية أو عقلية أو منطقية، بل هي من التعقيد والتركيب الذي تبدو فيه هذه العمليات السالفة الذكر، شديدة الصلة بالتأثر، والعواطف، والمشاعر، والذاكرة، والرموز، والتي تطبع علاقة الإنسان بالعالم لتمنحه شكلا تصوريا/متخيلا معينا يعي به ذاته وغيره.

إن الإنسان عن طريق هذه الصور “العاطفية” يفكر ويحس بالعالم، ويدين الفكر المعاصر في هذا المنحى لأعمال كل من “جاك لاكان” Jacques Lacan؛ “كاستورياديس”Cornelius Castoriadis؛ “لوسي إيريجاري” Luce Irigaray؛ والتطبيقات الهامة لـ”موارا جاتنز”Moira Gatens؛ التي تعود من قبل إلى سبينوزا.

يكاد يتميز الإنسان بخياله حتى عد كائنا خياليا، ولذلك اعتنت بالخيال حقول معرفية مختلفة يجمعها البحث في الإنسان، من فلسفة وعلم نفس، وبلاغة ونقد أدبي، والخيال حاضر في المنجز الإنساني طيلة تاريخه، وهو يراكم تطوره الحضاري، بل إنه اعتبر عنصر التميز والريادة، فمن لا خيال له يعيش بخيال الآخرين وهو الاستلاب الحقيقي. “(…) فالإنسان الخيالي هو إنسان نوعي وتنوعي معا: فهو النوع الوحيد بين كائنات الأرض الذي يدَّعي اصطناع نفسه بنفسه، لنفسه ولسواه في حال التبادل؛ وهو تنوعي في اصطناع نفسه من خيال، وفي تبادلها مع آخرين بخيال، تبادلا مخيولا، مرمَّزا ومُرقَّما، محسوبا ولا محسوبا، معقولا ولا معقولا… مع آخرين، لاعبين بخيالهم؛ لاعبين أكثر خيالا، أقل خيالا، أندادا في خيال، يفترض أنه مشترك.

 والمسافة الراهنة بين حضارات النوع البشري هي تباينات، فوارق في قوة الخيال العقلي. فالأكثر تقدما الآن هم الأكثر خيالا، الأكثر اختراقا بالخيال للمجهول واللامعقول، الذين يقلبونه بالصناعة إلى معلوم ومعقول، متناسبين مع حاجات الخائل أو المتخيل. والآخر الذي يقل خيالا، أو ينقصه الخيال، هو المتخلف، المُتَركِّح عن منصة إطلاق الخيال العقلي المعاصر”[1].

يتميز الإنسان، إذن، عن باقي الكائنات بهذا النوع من الوعي التاريخي الذي يجعله قادرا على تصور/تخيل إمكانات لا حصر لها للفعل والتجاوز وابتكار “وقائع” (جمع واقع وليس واقعة) متنوعة ومتعددة، والذي يعتبر واقع اليوم إحدى إمكاناته المتحققة، “إن الإنسان كائن تاريخي تجلى وعيه في أنساق نامية من العقائد والتصورات والمواقف والقيم. هذا الوعي تاريخي لأنه لغوي وخيالي، فباللغة سمى الإنسان الأشياء، وأسس تضايفا بين الكشف والانكشاف، وبالخيال أولج الواقع في اللاواقع، وأوجد منطق التوحيد والإدماج، وجسد الفكر في الصورة، وتغلب على عزله النفس عندما تترك لذرائعها في عالم مفروض”[2].

تناولت الأنظار الفلسفية الخيال في علاقته بالإرادة والذاكرة والوهم والإحساس، وصلة كل ذلك بسؤال الخلق والإبداع، قبل أن تهتم الأبحاث البلاغية والأدبية والنقدية بطبيعة الإبداع الشعري والسردي، ومن ثم كانت الخلفيات الفلسفية حاضرة بشكل خفي أو جلي في دراسة الخيال، الذي يبقى “تحققا لحرية الإنسان وإرادته، وضرورة لابد منها للوعي وهو يتجه صوب المعرفة، وحوارا خلاقا بين الفكر والصورة، بين العالم والإنسان عندما ينفخ من روحه في الأشياء”[3].

أولا: القيمة المعرفية للخيال

تميز الفكر المعاصر، إذن، بتزايد الاهتمام في الدراسات الإنسانية بالخيال، وقيمته الإدراكية والمعرفية، ودوره في صياغة أنساق تصورية ومفهومية، يقتدر بها الإنسان على استيعاب تعقيدات الوجود وتشعب تفصيلاته، ولذلك كان الخيال محط اهتمام الدارسين على اختلاف مشاربهم الفلسفية والمنطقية والنفسية والعصبية الدماغية، والبلاغية والنقدية والإبداعية..

 ومنذ العصور القديمة، وخاصة مع بدايات التفكير الفلسفي اليوناني الذي اشتغل بالبحث في المعرفة وطرائق تحصيلها ومتعلقاتها الوجودية والقيمية، وما تلا ذلك من محاولات تفسيرية في السياق الإسلامي العربي القروسطي، أو المجال الغربي الحديث، مازالت الأبحاث والدراسات في الخيال تغتني بالكسب المعرفي والتطورات التي تعرفها مختلف العلوم.

لم ينفصل الاهتمام بالخيال عن هواجس العقل الحديث الشغوف بفهم أسرار السلوك الإنساني وطبيعة إدراكه للعالم من حوله، خصوصا مع الطفرات العلمية التي منحت للإنسان “ثقة” جعلته يؤمن بتغلبه على مخاوفه من الطبيعة، ويمسك بخيوط تحكمه فيها، غير أن اكتشافاته العلمية المطردة إلى اليوم جعلت كبار ابستيمولوجيي العلوم يسائلون منشأ المعرفة العلمية ذاتها، وكيف تتجاوز ذاتها باستمرار، وتراجع وتنسخ ما كان يقينيا بالأمس لا ارتياب فيه، وذلك بالبحث عن أسرار انكشاف المعارف وطبيعتها الإبداعية والابتكارية، وكيف أن الحدود الوضعية والعقلانية الصارمة تضيق واسعا؛ إذ الإنسان من التركيب الخلاق ما يتأبى عن اختزاله في جانب من جوانب الإدراك الذي له وظيفته المخصوصة، والتي تتكامل مع باقي المكونات التي تجعل منه بحق كائنا مميزا.

وهو ما عبرت عنه يمنى طريف الخولي منطلقة من تحليلات فلاسفة العلم والإبستيمولوجيين المعاصرين، بقولها: “إن العلم شيءٌ حي، بمعنى أنه بِناء صميم طبيعته الصيرورة. وهو نَسَق متتالي التوالد والتنامي والتغير، ما يعني أن مَنْطِقه منطق نظام ديناميكي، وهو منطق للتقدم المستمر؛ لذلك فحين نقف على خاصية البنية المنطقية للعلوم الطبيعية، سنرى كيف أن نَسَقَها يحْمل في صلب طبيعته إمكانية التقدم المستمر دائمًا استمرارية البحث العلمي.

إن هذه الإمكانية متوشجة في صميم البنية المنطقية، حتى أمكن القول إن منطق العلم التجريبي، منطق “تصحيح ذاتي”؛ فنجد “جاستون باشلار” Gaston Bachelard (1884-1962) “شيخ” فلاسفة العلم في فرنسا، يؤكد ضرورة الربط بين العلم والفلسفة، ويحرص على تأكيد أهمية الخيال والأحلام الشاعرية للعقل العلمي[4].

إن العلم يظل شيئا حيا، شيئا من أشياء المتعة والجمال، أعظم من أن يختزل في الجوانب التقنية (التكنولوجيا)، يتوشج بطبيعته توشجًا داخليٍّا في شؤون الحياة، وهو مع هذا شيءٌ مميَّزٌ عنها، إنه ميدان للخبرة يلعب فيه الخيال دورًا كاملا[5]، ولئن ارتبط التطور الفكري الفلسفي مع مطلع القرن العشرين بظهور الفكر العلمي الذي يؤمن بالواقع الفيزيائي، والإدراك الحسي، حيث أصبحت المعرفة مختزلة في التجارب المحسوسة والملموسة.

 غير أنه، في مقابل ذلك، ومع تطور الفكر العلمي ذاته، تطورت الرياضيات، والتي هي بخلاف الفيزياء لا تقوم على التجربة الحسية، بل على الرمز باعتباره تمثيلا تجريديا، ولا يمكن للأبحاث العلمية أن تتطور دون الرجوع إلى المبادئ الرياضية، مما فرض على المنهج العلمي توسيع اهتماماته لتشمل القراءات والتأويلات الرمزية، وعدم جموده عند مجرد التجارب الحسية، ولعل هذا الواقع العلمي الجديد الذي جعل جيلا جديدا من الفلاسفة يسائل الظواهر الرمزية وإحالاتها الدلالية والمعنوية، والذي خلق تيار “المنطق الرمزي” الذي يعتبر إرنست كاسيرر[6] Ernst Cassirerرائده الأول، حيث استأنف البحث في نظريات المعرفة وقنواتها، وتعدد مجالاتها وإعادة الاعتبار للخيال، واللغة، والأسطورة، وغير ذلك مما كان قد أقصي من مجالات البحث الفلسفي والعلمي بدعوى “ميتافيزيقيتها” ولا علميتها، ولا موضوعيتها، تحت طغيان الفلسفة الوضعية.

ثانيا: النظرة السلبية للخيال

شاع إذن وهم الفصل بين العقل والخيال حتى بات حقيقة راسخة وبديهة من البدائه، بل صار الخيال رديف التزييف والكذب ومقابلا للواقع، وكأن الحقائق مجرد معطيات حسية مسطحة، لا عمق فيها تشرئب إليها الأنفس التواقة، ولا غيب من ورائها تتطلع الهمم لكشف الحجب عنها، وما تاريخ التقدم البشري إلا خلاصة الأنفس التواقة وتلك الهمم المتطلعة من أجل درك الحقائق في مختلف مراتبها وتجلياتها المتنوعة، فغير خاف ما للمخيلة والخيال من وظائف إدراك وتصور وتشييد للعوالم، مما يكتنزه من قدرات على جمع المتفرقات وضم المتناقضات وتجاوز الوقوف عند الأشباه والنظائر، وهو ما يفتح باب الإمكانات اللانهائية للإبداع الإنساني، فعلم المخيلة والخيال مدخل لفهم، ليس فقط الإبداع الشعري والسردي، بل كذلك الاكتشاف العلمي والانكشاف المعرفي. مما يدعو إلى الاجتهاد في بناء أسس نظرية معاصرة تعنى بدور المخيلة والخيال في التشييد الحضاري الإنساني بمعناه الجمالي في بعديه العمراني والمعماري.

ويمكن اعتبار دعاوى الشعراء الكلاسيكيين المستهجنة للخيال، أكبر شاهد على النظر السلبي له ما دام صادرا عن أهل صناعة التخييل، ولمَّا أشربوا بمنازع “العقل” اليوناني فليس الخيال عندهم إلا ” الجانب الخادع في النفس الذي يقود إلى الخطأ والزلل”[7]، وإذا ما تم تدبر الموقف الكلاسيكي من الخيال فإننا نجد أنه كان نداء مكبِّلا للفاعلية الإبداعية وجعلها في خدمة قالب تقليدي معين موروث يكون بمثابة المعيار الذي به يجعل من إبداع شعري ما يحمل صفة الشعر، ليصير الأدب “أدب تقليد واحتذاء، لا أدب وحي وإلهام، أدب صورة وقالب، لا أدب جوهر ولب، أدب لياقة وكياسة ويراعة، لا أدب عبقرية وروح”[8]، فعند فقدان الحرية الاكتشافية التي معها تنكشف وجوه جديدة مخترعة والتي يعتبر الخيال بمعناه الإدراكي المعرفي الشامل أساسها ومصدرها، تُبرَّر القيود والأطر الجامدة بدعوى الصرامة العقلية المنتظمة، وهو ما ثار عليه الإنسان في مختلف وجوه نشاطه الإبداعي، علما طبيعيا كان أو إنسانيا، فالخيال حاضر فيهما على الدوام، ومن ثم فمع تنامي التوجه الرومانسي في الغرب والذي ثار على القولبة الكلاسيكية الجامدة للإبداع الإنساني، انبجس عهد جديد يتخلص من منطق الثنائيات المتقابلة، (خيال/واقع، عقل/حس،) فالإنسان آية، وليس مجرد آلة؛ إذ هو في رحلة تعرفية دائمة على مختلف الآي في الأنفس وفي الآفاق، والوعي بهذه الخصيصة الفطرية فيه جعل من الخيال فاعلية بحث عن الحقيقة يشترك فيها العالم والمفكر والأديب.

 إنها رحلة بحث عن عوالم منشودة في اتصال مع ما هو موجود ومنظور ومعيش، فالحقيقة أكبر من أن يدعي أحد الإحاطة بها أو حصر وجوه التعرف عليها، ومن ثم فإن الإعلاء من شأن الذات في مقابل الجاهز والقالب الموروث، أرجع للخيال مكانته المعرفية. فالخيال “أكبر نشاط حيوي للعقل”[9]، وليس”طاقة عاجزة تماما عن تحمل المسؤولية وغير معنية بالصدق أو الحقيقة”[10].

ثالثا: التأصيل المعرفي للخيال

حضر الخيال باعتباره مفهوما يحيل إلى عالم الرموز والمعاني في مقابل عالم الظواهر والماديات في حقول علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا وتاريخ الذهنيات وما اتصل بها من بحوث في المقدس والأساطير والشعائر والطقوس الاحتفالية، وأضحى مفهوم الخيال متسعا يطال حقولا متنوعة، ويحمل معاني اصطلاحية وإجرائية بحسب تنزيلاته وتطبيقاته التي وظفتها مناهج العلوم وبصور اشتقاقية ذات أبعاد إبستيمولوجية متعددة..

 وهو ما عبر عنه ناقد جماليات التلقي الألماني “فولفغانغ أيزر” من خلال استشكاله للعلاقة الثلاثية بين الواقعي، والتخييلي، والخيالي، متسائلا عن التعارض القديم بين التخييل والواقع الذي يفترض معرفة ضمنية لما يكون كل واحد من هذين العنصرين؛ “حيث يتميز التخييل أساسا بغياب تلك المواصفات التي تحدد الواقع.

 وقد كانت هذه “الحقيقة” الشائكة تخفي المشكل الرئيسي الذي ظل يزعج الإبستومولوجيا الحديثة، وهذا هو المشكل الذي ورثه العالم الحديث عن الفكر الديكارتي؛ أي كيف يمكن لشيء ما أن يكون له وجود دون أن ينبثق من الواقع، رغم أنه حقيقي وحاضر”[11]، وهو وعي إبستيمولوجي بالمأزق الذي أدى إلى انسداد معرفي في التناقض بين الواقعي والتخييلي، مما جعل “إيزر” يستبدل العلاقة الثنائية بثلاثية الواقعي، والتخييلي، والخيالي، حيث “يحول الفعل التخييلي الواقع المعاد إنتاجه إلى دليل، وفي نفس الوقت يرسم الخيالي كشكل يساعدنا على تصور ذلك الشيء الذي يشير إليه الدليل”[12]. فتجاوز المأزق الإبستيمولوجي الذي أقام التناقض بين التخييلي والواقعي حتى أضحى معتادا في الدراسات الإنسانية بفعل ما تراكم من طبقات معرفية ديكارتية، جعل كثيرا من المشتغلين بالإنسانيات عموما، وبالدراسات النقدية، والأدبية، والتأويلية، خصوصا، يراجعون ما استقر من أحكام بخصوص علاقة الواقع بالتخييل الإبداعي، وهو مستوى من التناول سنرى أنه سوف يأخذ أبعادا معرفية كبرى تعطي للخيال هويته “الواقعية” المستقلة.

 ولذلك يجعل “أيزر” “الواقعي” مصطلحا يشير إلى عالم “معطى”، وهو العالم الإمبريقي، والذي يوجد رهن إشارة المبدع ويشكل بحقوله المختلفة مرجعا له، بل يصير الواقع “مادة” تشكلا لأنساق الذهنية والأنساق الاجتماعية وصور العالم، فالواقع يصير بهذا المعنى هو مختلف الخطابات التي يخلق المبدع من خلالها عالمه[13].

ومن ثم يصير التخييلي لدى أيزر فعلا قصديّاً، تكون له جميع خصائص حدث ما، وبالتالي يُخَلِّصُ تعريف التخييل من عِبءْ الإعلان عن التصريحات الأنطولوجية المعتادة المتعلقة بما هو التخييل. فالتعريف القديم للتخييل باعتباره غير واقع، ومجرد أكاذيب، وخداع، يشتغل في غالب الأحيان كشيء مخالف لشيء آخر،الذي هو الواقع، وهذا تعريف يميل إلى جعل الطبيعة الخاصة للتخييل غامضة بدل توضيحها[14].

ويخلص أيزر من خلال بحثه عن مخرج من المأزق الثنائي (الخيال/الواقع) من خلال اقتراحه ثلاثية الواقعي والتخييلي والخيالي، إلى أن الخيالي مفهوم محايد نسبيا، ولم تتخلله الترابطات التقليدية بعدُ، “فالمصطلحات مثل الخيال والفانطاستيك سوف تكون غير ملائمة؛ لأنها تحمل ترابطات عديدة جدا ومعروفة، وهي مُعَرَّفة في غالب الأحيان بأنها كفاءات إنسانية تشبه كفاءات أخرى وتختلف عنها.

وعلى سبيل المثال، فإن مصطلح الفانطاستيك كان يعني شيئا مختلفا جدا في النزعة المثالية الألمانية عما كان يعنيه في علم التحليل نفسي، وفي المجال الأخير كانت لـ”فرويد” Freud و”لاكان” lacan مفاهيم جد مختلفة عن الفانطاستيك. وفيما يخص النص الأدبي، فإن الخيالي لا ينبغي النظر إليه ككفاءة إنسانية، بل إننا نهتم بأساليب تمظهره واشتغاله، وبالتالي فهذا المصطلح يشير إلى برنامج وليس إلى تعريف. يجب علينا أن نبحث كيف يشتغل الخيالي ونحن نقاربه على سبيل تأثيراته القابلة للوصف…”[15].

وإذا ما أردنا العودة إلى تأصيل مفهوم الخيال في المجال التداولي الغربي، باعتباره فاعلية إدراكية مولدة للمعرفة، فإن “إيمانويل كانط” (1724-1804) يعتبر لحظة فارقة ومميزة أعطت للخيال مكانته ضمن ملكات العقل، إذ أراد “كانط” أن يستعيد ما استبعدته الميتافيزيقا ودفعت به إلى الهامش من حيث القدرة على الإنتاجية الفكرية والمعرفية، ومن ثم صار الخيال مع “كانط” نشاطا فكريا تجاوز به الأحادية المنطقية التي جمد عندها التفكير الفلسفي باعتباره الطريق النظري الوحيد للحق والحقيقة.

لقد أصبح الخيال فاعلية خالصة يقوم عليها التمثل والتركيب وتقتدر الذات من خلاله على الربط الذي هو تمثل لوحدة المتنوع التركيبية[16]؛ أي أصبح روح التفكير ذاته، ما دام الفكر في حقيقته نشاطا تركيبيا، يقوم على “التخطيطات الأولية المتعالية” التي يمده بها الخيال، ومن أهمها “الزمان” في التفكير، والتي تعتبر فتحا فلسفيا كانطيا يلغي الوصم التنقيصي للخيال باعتباره وهما، ويجعل منه فعلا معرفيا يفتح آفاقا جديدة لأوجه العلاقات والترابطات الوجودية، أي أنه أساس الرؤية الجمعية التي تربط بين المتفرقات، وتوحد الكثير الذي يبدو مشتتا أو متشظيا، ذلك أن”الربط هو المتمثل الوحيد، من بين جميع التمثلات، الذي لا يمكن أن تحققه لنا الأشياء، بل يمكن للذات وحدها أن تقوم به باعتباره من أفعالها التلقائية”[17].

 فالمخيلة ملكة باعتبار تخطيطها الزماني الأولي تمد الذات بالإبصار والرؤية للوجود، وبالمقدرة الكشفية عن وجوه علاقاته المتعددة، وروابطه وارتباطاته الممكنة، التي تزيد الفهم اتساعا وانفتاحا، بل صار الخيال من أعمال الروح، وقد كتب عن ذلك فيلسوف الوجود “مارتن هايدغر”، وهو القارئ الكبير للفلسفة الكانطية النقدية..

 بهذا القول يكون “كانط” قد أدخل الخيال الخالص كوظيفة ضرورية للروح”[18]، واعتبر”الخيال السامي”، الأساس المكون لإمكان المعرفة الأنطولوجية وللميتافيزيقا في معناها العام، الخيال ملكة أو قدرة تمكن من الحدس الخالص”[19]. وعلى هذا الأساس يتم تجاوز التقابل الضدي بين الواقع والخيال ليصير الخيال طاقة خلاقة تصوغ الرؤى وتصورات الوجود[20].

وفي السياق التنظيري والفلسفي نفسه، نجد “اسبينوزا” قد اعترف بالخيال باعتباره مصدرا للمعرفة الأولية، ومتصلا بحركية النشاط الإنساني اليومية وحالاته الجسدية والنفسية، وما تتشوف إليه وتتعلق به من رغبات وأهواء وإرادة للقوة، غير أن الخيال يبقى في حاجة إلى تدخل العقل ليعصمه من الزلل، ومن ثم فالخيال محض دينامية معرفية جوانية في حاجة قصوى لتدخل الفكر/العقل من أجل التوجيه والتقويم، فسبينوزا، هو “أول من دفع بدينامية الخيال إلى أبعد حد. ولا أحد، بصفة خاصة، سبق وتجرأ على غرس الخيال بشكل أعمق داخل الجسد.

 لذلك ينتقد “اسبينوزا”، بعنف، أولئك الذين يجمعون على مراقبة الناس، والحد من نزواتهم بدلا من تعليم الفضائل”[21]، ومن ثم لا ينبغي فهم الخيال بمعنى الدافعية للخطأ فقط، بل يبقى فاعلية عميقة شديدة الصلة بالتجربة التي تتكامل مع الفكر وتتخذ وجهات معينة، فالخيال، بالمعنى السبينوزي، برزخ بين ما هو داخلي وخارجي، وما هو فردي خاص، وجماعي عام. وهو من المعنى الإيجابي الذي ذهب إليه كانط بخصوص الخيال المحض والمنتج، فهو “قوة أساسية تشتغل قبليا باعتبارها مبدأ لكل معرفة”[22].

ومجمل القول إن الخيال أصبح مع التنظير الفلسفي الكانطي والسبينوزي يأخذ مكانه في عملية الإدراك والإنتاج المعرفي، انطلاقا من الوعي، خصوصا عند كانط، بوحدة المعرفة وتنوع ملكاتها ومساحات اشتغالها بين الحسي التجريبي، والشعوري النفسي، والفهمي التركيبي، بأبعاده الزمانية التي دفعت بالخيال في اتجاهات جمالية خلاقة، ومفهومية علمية، أسست لتصورات إنسانية جديدة للعالم.

وانطلاقا من تلك الطفرات الفلسفية في المنظور المعرفي للخيال، وما اكتنفها من تطورات في العلوم الإنسانية باختلاف مسالكها، وإنتاجيتها المفهومية والمنهجية أخذ الخيال أبعادا إجرائية وتحليلية في قراءة أنساق البنى المعرفية المختلفة، غربية كانت أو عربية من مثل ما قام به “هنري كوربان”، في مشاريعه البحثية الكبرى المتصلة بالخيال في الفكر الفلسفي المشرقي ما بعد ابن رشد.

ولعل العناية بالخيال في أبعاده الإبستيمولوجية جعل حضوره التحليلي جليا في تاريخ الأفكار والعقليات والذهنيات في تجلياتها الفلسفية، والنفسية، والاجتماعية، والإناسية، والإبداعية، والنقدية، وبصيغ اشتقاقية مختلفة (مخيال، متخيل،…(؛ غير أن أصل الاصطلاح الغربي يربط بين الخيال والصورة اشتقاقيا وصوتيا، (image/imagination)، بخلاف سياق اللغة العربية(صورة/خيال) مما يستوجب حفرا دلاليا وتحليلا فلسفيا يمتح من صلة اللغة بالفكر، وأسرار الإبداع في التوليد الاصطلاحي واستثمار الطاقة الاشتقاقية للغة العربية[23].

فقد لوحظ التداخل بين التخييل والتوهم في المعجم العربي، وبين إحالتهما على الرؤية البصرية وما قد يشوبها من خدع واشتباه، أو باعتبار التوهم فعلا من أفعال القلب، ولم يرق الخيال باعتباره ملكة إلى مستوى الدينامية الإدراكية التي تتوسط المحسوس والفكر، إلا بعد الاطلاع على الفلسفة اليونانية من خلال الترجمة[24].

 إذ “أن التخيل والتوهم، هما المقابلان اللذان تم اختيارهما لترجمة المصطلح اليوناني Phantasia، واكتسبا، من ثم، دلالة سيكولوجية وإدراكية واضحة ترتبط بالتصور الأرسطي للخيال في كتابه في النفس (…) فقد أسند (أرسطو) للفنطاسيا دورا تركيبيا وتوليفيا، وجعلها وسيطا ديناميا بين الحس والعقل، بين الإدراك الحسي والإدراك العقلي”[25] وهو المعنى الذي ذهب إليه الكندي حين اعتبر؛ “التوهم هو الفنطاسيا، قوة نفسانية ومدركة للصور الحسية مع غيبة طينتها. ويقال الفنطاسيا هو التخيل، وهو حضور صور الأشياء المحسوسة مع غيبة طينتها”[26]..

 فتقصي انتقال مفهوم الخيال من المجال التداولي اليوناني، إلى المجال الإسلامي العربي، وتتبع تنزيلاته الفلسفية والكلامية والصوفية، والنقدية، والبلاغة الشعرية، ليس هم هذه المداخلة، بل أردنا فقط الإلماع إلى قيمته الإدراكية والمعرفية، وقيمته الإبستيمولوجية، التي أضحى يحتلها اليوم في حقل العلوم الإنسانية والحقة أيضا، وبعد ما تم التحرر من جمود العقلانية الوضعية.

لقد أصبح الخيال ومشتقاته مفاهيم بحثية تفتح بها خزائن الرمزيات بما تحيل إليه من عوالم تتأبى على التحكم الأمبيرقي الحسي والوضعي بصفة عامة، وتستفز الناظر فيها إلى تطوير أدواته الاستكشافية، ومناهج رؤيته للوعي الإنساني، وتفاعلات إدراكه، وتشكيل تصوراته وتمثلاته ورؤاه للعالم.

لذلك بدأت تتعالى الأصوات الفلسفية بضرورة مراجعة البراديغمات المتصلة بالحدود بين العقلاني واللاعقلاني، ووضع قضية “الموضوعية” في المعارف الإنسانية منها والحقة موضع استشكال، وإعادة الاعتبار إبستيمولوجيًا للثقافة الذهنية أو الدين واللغة والأسطورة أو كل ما اصطلح عليه بفلسفة الأشكال الرمزية التي يعتبر “آرنست كاسيرر” رائدها الكبير في مفتتح القرن العشرين، كما سبقت الإشارة لذلك، والذي انطلق مشروعه الاستئنافي للنظر في المعرفة وأسسها ووظائفها وبناء إبستمولوجيا للعلوم الدقيقة وعلوم الطبيعة[27]؛ إذ يمكن اعتبار أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، أوج ما بلغته المركزية الغربية في قياس كل مختلف ومغاير انطلاقا من معيارها المنطقي والعقلي الخاص بها، إذ أصبحت المجتمعات تصنف إلى مجموعتين بشريتين، إحداهما يتركز تفكيرها حول المنطق، وهو الثقافة الغربية، وأخرى تمثل عقلية ما قبل منطقية، وهو نمط التفكير لدى الشعوب “البدائية” في أفريقيا وآسيا، والسكان الأصليين في أمريكا وأستراليا. وهو ما أشاعته الأنثروبولوجيا الثقافية مع ليفي بريل وأضرابه [28]، فكاسيرر “كان أول فيلسوف كانطي يتطلع إلى “نظرية المعرفة” باعتبارها دراسة “الفاعلية العقلية” التي تقوم على الأشكال اللغوية بقدر ما تقوم على المقولات المنطقية، فجاء عمله إيذانا بالخروج من المركزية المنطقية”[29]..

 ومن ثم يشكل اجتهاد كاسيرر باستحضاره للغة في البناء المعرفي تجاوزا لما رسخه كانط من وقوف عند مجرد الأدوات المنطقية لصنع المعرفة أو ما كان يعتبره خطاطات أو مفاهيم منطقية خالصة لا علاقة لها باللغة، تقول الفيلسوفة “سوزان لانغر” Susanne Katherina Langer مبينة مركزية اللغة في البناء المعرفي عند كاسيرر “أن اللغة، التي هي أداة الإنسان الأولى للعقل، تعكس الميل إلى صنع الأسطورة أكثر منه إلى العقلنة والتفكير العقلي. فاللغة، التي هي ترميز للفكر، تعرض نمطين مختلفين تماما من الفكر، الذي هو في كلتا الحالتين فكر قوي وإبداعي.

 فهي تعبر عن نفسها في شكلين مختلفين؛ أحدهما المنطق الاستدلالي الاستطرادي، والآخر الخيال الإبداعي. ويبدأ الذكاء الإنساني مع التصور، الذي هو الفاعلية العقلية الأولى؛ وتبلغ عملية التصور دائما أوجها في التعبير الرمزي، إذ إن التصور لا يثبت ولا يحتفظ به إلا حين يتجسد في رمز. وهكذا فإن دراسة الأشكال الرمزية، تقدم مفتاحا لأشكال التصور الإنساني. وتكوين الأشكال الرمزية سواء أكانت لفظية أو دينية أو فنية أو رياضية، أو أي نمط من أنماط التعبير، هو ملحمة العقل.

ويبدو أن أقدم هذه الأنماط يتمثل في اللغة والأسطورة، وما دام مولد كلتيهما يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، فإننا لا نستطيع أن نثبت عمرا لأي منهما؛ لكن هناك أسبابا كثيرة تدعونا لاعتبارهما مخلوقين توأمين، وقد انعكست الحدوس عن الطبيعة والإنسان في أقدم الجذور اللفظية، فكانت العمليات التي ربما نمت اللغة من خلالها هي بعينها العمليات المعبر عنها في تطور الأساطير، وتختلف كل الاختلاف عن المقولات والقوانين لما يسمى ب”المنطق الاستطرادي”، أي أشكال العقل التي تكمن وراء كل من الحس المشترك والعلم. فالعقل ليس عطية الإنسان البدائية، بل هو إنجازه وبذوره الخصبة التي هجعت طويلا تكمن في اللغة، التي ينبع منه المنطق حين تبلغ في نضجها أكبر الأنماط الرمزية”[30].

فكاسيرر ينطلق من مبدأ يرى توجيه الجهد البحثي في حصر الأشكال الأساسية التي يفهم من خلالها الإنسان العالم، وليس تقصيا للشروط العامة التي تمكن الإنسان من التعرف على هذا العالم[31]؛ إذ رأى كاسيرر تصحيح منحى الدرس الفلسفي الذي استبعد الدين واللغة والأسطورة وما اتصل بهما من ملكات وقوى فكرية بدعوى الخروج عن دائرة الموضوعية العقلانية، إذ من هذا المنطلق “لن تصبح الأسطورة وحدها ولا الفن ولا اللغة تهويمات، بل حتى المعرفة النظرية نفسها تصبح كذلك؛ لأن المعرفة لا تستطيع إعادة إنتاج طبيعة الأشياء الحقيقية كما هي، بل لابد من أن تؤطر جوهرها ضمن “مفاهيم”.

 ولكن ما هي المفاهيم، إن لم تكن صياغات واختلاقات للفكر، تعطينا أشكال الأشياء الحقيقية، تكشف لنا بالأحرى عن أشكال الفكر نفسها؟ وبالنتيجة، فإن جميع المخططات التي ينطوي عليها العلم لكي يصنف ظواهر العالم الفعلي وينظمها ويختزلها لا تنجلي عن شيء سوى تخطيطات اعتباطية؛ أي أبنية يبنيها العقل في الهواء، لا تعبر عن طبيعة الأشياء، بقدر ما تعبر عن طبيعة العقل.

وهكذا فإن المعرفة، وكذلك الأسطورة واللغة والفن، يتم اختزالها جميعا إلى نوع من الخيال، خيال يزكي نفسه من طريق جدواه الاستعمالية، ولكن لا ينبغي قياسه بأي معيار صارم للحقيقة، إذ لم يرد له أن يتلاشى في العدم”[32].

وعلى هذا الأساس من تعدد زوايا النظر للحقيقة، وعدم احتكار النطق باسمها باختزالها في معايير منطقية أو عقلانية معينة يمكن الحديث عن اتساع في العقلانية والموضوعية ليصبح لكل نمط معرفي عقلانيته وموضوعيته الخاصة، “فبدلا من قياس المحتوى والمعنى والحقيقة للأشكال العقلية بشيء ما غريب وخارجي يفترض أن يعاد إنتاجه فيها، ينبغي لنا أن نجد في هذه الأشكال نفسها مقياس حقيقتها ومعيار معناها الداخلي. وبدلا من اعتبارها مجرد نسخ من شيء ما سواها، ينبغي لنا أن نرى في أي من هذه الأشكال الروحية قانونا تلقائيا للتوليد؛ أي طريقة أصلية وميلا للتعبير هو أكثر من مجرد تدوين لشيء ما معطى بدءاً في مقولات ثابتة عن الوجود الفعلي.

 من وجهة النظر هذه تبدو الأسطورة، والفن، واللغة، والعلم رموزا؛ ليس بمعنى مجرد أشكال تشير إلى بعض الواقع المعطى من طريق الإيحاء والتحويلات الأمثولية، بل بمعنى القوى التي يولد كل منها عالمه الخاص ويضعه”[33]، فمن هذا المنطلق للحقيقة وإحالتها لمنطقها الخاص بها باعتبار تعدديتها الذاتية والموضوعية، تستشكل الإحالة “للواقع”.

 وهكذا، يخلص “كاسيرر” إلى “أن الأشكال الرمزية ليست محاكاة للواقع، بل هي الأعضاء المكونة له، ما دام بفضلها وحدها، ومن طريقها، يصير أي شيء واقعي موضوعا للفهم العقلي، وهكذا يصبح مرئيا لنا في ذاته. وهنا يكون السؤال عن الواقع الذي يعتبر جزءاً من هذه الأشكال، وما هي خصائصها المستقلة، سؤالا عديم الصلة. فعند العقل وحده، ما يرى يمكن أن يمتلك شكلا معينا؛ لكن لكل شكل وجود مصدره في طريقة الرؤية الخاصة، وفي الصياغة العقلية وحدس المعنى”[34]. ومن ثم فإن تصور الأشكال الرمزية بهذه الأبعاد الرؤيوية ينأى بالواقع عن مطلقيته، ويجعله بناءاً تتبادل وتتكامل الأشكال الرمزية في تشكيله.

لقد اعتمد الفيلسوف “داريوش شايغان” الخيال بمتعلقاته المعرفية الإجرائية وحمولته التحليلية المحيلة إلى رؤية للعالم، في قراءته للمأزق الحضاري المعاصر الذي يتميز بالصراع، ومزيد من عدم الفهم وتعميق الجراحات بين “الغرب” و”الشرق”، أو بين “الشمال” و”الجنوب”، أو بين المنظومة الحضارية التقليدية الشرقية، والحضارة العلمية التقنية الغربية “(…).

 فابتداء من القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، وفي أعقاب ذلك الحدث الجذري المتمثل في ظهور عصر العلوم والتقنيات، انهارت بنى الفكر التقليدي التي كانت تسند قديما النظرة العرفانية للإنسانية؛ أي دورة النزول والصعود والتقسيم الثلاثي لقوى الإنسان (جسم، نفس، روح) والعلاقات الودية بين الإنسان والكون ولغة الرموز. كما انهار عالم المخيال espace imaginal وتم تعويض تلك البنى تدريجيا بالأشكال الثنوية لأنماط الفكر المؤدلج”[35].

 وهو ما جعل فيلسوفا غربيا كبيرا مثل هنري كوربان يكرس جهوده البحثية في جذور التفلسف المشرقي، وبنيته الدينية التقليدية، ومحاولاته بناء جسور جديدة من خلال التعرف على هيدغر والسهروردي، فقد كتب في مقدمة الطبعة الثانية من “جسم روحي وأرض سماوية” (Corps Spirituel et Terre Céleste)، تحت عنوان: “نحو ميثاق للخيال”: “منذ وقت طويل… والفلسفة الغربية، ولنقل”الفلسفة الرسمية” التي اقتفت العلوم الوضعية، لا تقبل سوى مصدرين للمعرفة: الإدراك الذي يوفر المعطيات التي نسميها تجريبية؛ والمفاهيم الذهنية، وهي القوانين التي تنظم هذه المعطيات التجريبية. وبالتأكيد فإن الفينومينولوجيا قد حورت هذه النظرية المعرفية المبسطة وتجاوزتها، على أن المكان بقي شاغرا ما بين الإدراكات الحسية والحدوس أو مقولات العقل.

وأما ما كان يفترض أن يشغل مكانا وسطا بين هذه وتلك، وما كان يشغله بالفعل في الفلسفة غير الغربية، أعني بذلك الخيال النشيط (والأجدر أن نقول خيال فعال كما تحدثت الفلسفة الوسيطة عن العقل الفعال)، وظيفته المعرفية الذاتية لدى الإنسان وأنه يمكِّننا من النفاذ إلى منطقة الوجود وحقيقته اللتين تبقيان من دون هذا الخيال منغلقتين وممتنعتين عنا، فذلك ما لم يكن بمقدور فلسفة علمية عقلانية وعقلية تصوره.

 لقد كان من البديهي بالنسبة إليها أن الخيال لا يفرز إلا الخيالي؛ أي اللاواقعي والأسطوري والعجيب والوهم….إلخ”[36]؛ إن مثل هذه اليقظة الفلسفية التي أعادت الاعتبار للأنساق المعرفية في أصالتها الإدراكية والبنائية للوجود بمختلف درجاته ومراتبه الشاهدة والغائبة، جعلت “هنري كوربان” يخصص دراسة رائدة حول الخيال الخلاق[37] عند أحد كبار الصوفية العرفانيين وهو الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، والتي يمكن اعتبار مدخلها المعرفي إحدى المفاتيح القرائية التي تعيد الاعتبار لجزء من ذاكرتنا الفكرية والفلسفية، وتخلخل ما استقر من أحكام باسم العقلانية والعلمية والموضوعية من جراء سطوة “العقل” الديكارتي.

 وهو ما نبه إليه الفيلسوف العربي محمود قاسم في أواخر الستينيات من القرن العشرين، في دراسته المتميزة حول الخيال عند ابن عربي[38]، ووضعه في سياق الدراسات الغربية التي لم تستطع بحكم جمودها عند حدود العقل الوضعي، أن تكتشف قارات من المعارف وطأتها أقدام مفكرين وفلاسفة ينهلون من رؤى عالم لها مقتضياتها وشروطها المولدة للمعارف لم يهتد العقل الغربي إليها إلا من طريق تقزيمها وإقصائها من جنة “العقلانية” التي اصطنعها لنفسه وألزم غيره بنشدان”كمالها”؟!

وهكذا بين محمود قاسم في مقدمة كتابه حوافز بحثه التي من بينها مناقشة “القضية التي أثارها “إرنست رينان”، بصدد العقلية العربية، عندما وصف تفكيرنا بأنه تفكير مشتت يهتم بالجزئيات وتغلب عليه مسحة الخيال؛ في حين أن تفكير الآريين يمتاز بالعمق والتجديد والتصدي للمشكلات الفلسفية الكبرى. وقد فرع “رينان” على هذه الدعوى أن العرب لم يكونوا أصلاء في تفكيرهم الفلسفي، وأنهم قنعوا بشرح إنتاج فلاسفة اليونان، إن لم يكونوا قد شوهوه وحرفوه”[39].

 وبالرغم من أن هذه القضية قد ناقشها كثير من الباحثين وسفه دعاواها جم غفير منهم، إلا أن تناولها من هذا المدخل المعرفي الذي يولي الخيال مكانته المعرفية والإدراكية، ويرى في المنظومة الصوفية مع ابن عربي وغيره من فلاسفة العرفان نظاما معرفيا وإدراكيا له خصائصه ومنطلقاته التي ينبغي الوعي بها عند كل تقويم إبستيمولوجي وفلسفي، يعتبر تجديدا فكريا يرتبط بما قد سبقت إليه الإشارة من انتباه الفكر الفلسفي المعاصر إلى انسدادات العقل الوضعي وحرمان الكسب الإنساني من غنى العوالم الرمزية المشكلة للهوية الوجودية للإنسان.

وهو ما حدا بـ”هنري كوربان” إلى التصريح في تصديره للطبعة الثانية من كتابه حول “الخيال الخلاق” بعد عشرين سنة من ظهور طبعته الأولى سنة 1958، بأن ابن عربي “ساعد بعضا من زملائنا الغربيين (وذلك مؤشر من المؤشرات الدالة) الجاهدين في أيامنا هذه في إعادة اكتشاف ميتافيزيقا الخيال وحضرة الخيال imaginal…”[40]، وهي دعوة من فيلسوف فرنسي تربى على التقاليد والعادات الفكرية الغربية، إلى كشف الحجاب عن أنظمة أخرى من التفكير والتفلسف تنبع من تقاليد مغايرة لما درِبُوا على اعتباره منتهى أمل الإنسانية في البحث عن المعنى و النظر إلى الوجود، من خلال شعارات الكونية، والعقلانية، والعلموية، والتقنية.

إذ يؤكد “كوربان” بلغة فيها كثير من الحزم والجزم “(…) وعلينا هنا ألا نفهم عبارة الصورة بالمعنى الذي يتم به الحديث اليوم على عواهنه عن حضارة للصورة. فلا يتعلق الأمر ثمة إلا بصور بقيت في مستوى الإدراك الحسي، لا بالإدراك الشهودي. إن عالم التمثلات والحساسية المعقولة imaginalis mundis في التصوف الحكمي الشهودي هو، بالمقابل، عالم غير العالم الواقعي للإدراك الحسي، مع عدم بلوغه مع ذلك مستوى عالم الحدس المعقول للمعقولات الخالصة.

إنه عالم بين عالمين، عالم وسيط ووسط، من دونه تغدو أحداث التاريخ المقدس والنبوي في مجملها ضربا من اللاواقع؛ لأن الأحداث في هذا العالم تقع في واقعها (…) وقد بنى ابن عربي بدوره ما يمكننا تسميته، من الآن، ميتافيزيقا الخيال الفاعل لعالم التمثلات”[41]، إنها، إذن، مفاتيح مفهومية لقراءة نظام معرفي في كليته، وفهم الأسس التي قامت عليها رؤيته للعالم، يجنب كثيرا من سوء الفهم الحضاري، ويستأصل داء الاستصغار لأنواع الذكاءات البشرية المختلفة، ويقي من التمركز حول الذات باعتبارها مصدرا واحدا ووحيدا للحقيقة.

“إن ميتافيزيقا الخيال هذه مرتبطة ارتباطا عضويا بمفهوم التجلي، و”بمذهب التجلي” théophanisme الذي يوجه تصوف ابن عربي بكامله ويهيمن عليه. وهذا المفهوم، حاولنا تعميقه هنا؛ لأنه في نهاية المطاف يهيمن على الحكمة الصوفية عموما، ويعارض في الآن نفسه لاهوت التجسيد l’incarnation وعوائد فلسفاتنا الوضعية والحرفية والعقلانية أو التاريخانية. فهو سيمكننا من تفادي الأخطاء الصعبة، ووقاية تصوف ابن عربي من أن ينعت بأنه “وحدة الوجود”.

 إنها أخطاء ناجمة عن سوء تفاهم كانت أحيانا مؤلمة”[42]، فدراسة الخيال باعتبار وظيفيته المعرفية تجعله ليس مجرد إحدى قوى النفس الإنسانية، بل هو عالم قائم الذات له إنتاجه الذي يمكن قياسه وتقويمه من خلال مدونات أشيع عنها أنها خارج دائرة “العقلانية”، وهو الأمر الذي أراد كثير من مفكري الغرب والشرق كشف اللثام عنه وإبراز قصوره المنهجي والتفسيري.

وهو ما خلص إليه محمود قاسم بقوله:والحق أن الصورة الخيالية تحتل في تصوف ابن عربي مكان الصدارة، ولها فيه أهمية بالغة. ولم يفطن كثير من الدارسين إلى أهمية الخيال في مذهب هذا المتصوف. ومن الواجب أن نشير إلى أن هنري كوربان في كتابه المسمى الخيال الخالق في تصوف ابن عربي[43] قد أدرك هذه الأهمية بنظرة ثابتة، وإن كنا نختلف معه في تحديد قيمة الخيال، ومقدار صلته بالفكرة الأساسية التي تعد محورا لتصوف ابن عربي، والتي يقول هذا الأخير وهو بصدد تجانس مذهبه، إنه يدين بها إلى علم النظرة أو الضربة أو الرمية التي كشفت له بعين الخيال عن الحقيقة في هذا الوجود”[44].

إن الخيال بهذا المعنى ليس ترفا جماليا يلبي رغبات العجائبي والخوارقي الذي يتماهى مع اللاواقعي، بل هو ملكة مدركة منتظمة في عالم مخصوص، تتمتع فيه بوجود كامل “الموضوعية”[45]، ووظائفه العلمية الاستكشافية، ومقتضياته الإبداعية والابتكارية التي تجعل مخرجاته متأبية عن التنميط والتصنيف، مما يستوجب مواكبة تحليلية وتفسيرية متجددة لا تركن إلى الجاهز بدعوى معايير معينة.

الهوامش


[1]. خليل أحمد خليل، علم الاجتماع وفلسفة الخيال، دار الفكر اللبناني، ط1، 1996، ص6.

[2]. عاطف جوده نصر، الخيال مفهوماته ووظائفه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984م، ص5.

[3]. المرجع نفسه.

[4]. يمنى طريف الخولي، مشكلة العلوم الإنسانية تقنينها وإمكانية حلها، مؤسسة هنداوي للثقافة والعلوم، طبعة جديدة، 2014، ص16.

[5] .D. W. Hill, The Impact And Value Of Science, Hutehinson, London, 1945. P. 2.

نقلا عن مشكلة العلوم الإنسانية تقنينها وإمكانية حلها، ص15.

[6]. “فيلسوف ومؤرخ فلسفة (1945-1875)، ينتمي إلى ما يسمى بمدرسة ماربورغ، في الفلسفة الكانطية الجديدة، واشتهر كأبرز شارح للفلسفة النقدية الكانطية في القرن العشرين، وفي عام 1933، غادر ألمانيا، ليدرس في عدة جامعات، أوربية، في بريطانيا والسويد وأمريكا، إلى أن توفي وهو ما زال مدرسا في جامعة كولومبيا في نيويورك”، انظر: أرنست كاسيرر، اللغة والأسطورة، ترجمة: سعيد الغانمي، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، ط1، 2009، ص8.

[7]. محمد غنيمي هلال، الرومانتيكية، القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنشر، 1955م، ص15.

[8]. أحمد أمين، النقد الأدبي، بيروت: دار الكتاب العربي، ط4، 1967، ص321.

[9]. سير موريس يورا، الخيال الرومانسي، ترجمة: إبراهيم الصيرفي، طبعة المصرية العامة للكتاب، 1977، ص8.

[10]. المرجع نفسه، ص7.

[11]. فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي من منظور الأنطربولوجية الأدبية، ترجمة: حميد لحمداني،  الجيلالي الكدية، مطبعة النجاح الجديدة، ط1، 1998م، ص8.

[12]. المرجع نفسه، ص8.

[13]. فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي من منظور الأنطربولوجية الأدبية، م، س، الهامش رقم 2، ص29.

[14]. المرجع نفسه.

[15]. المرجع نفسه.

[16] .Kant (E), Critique de la raison pure, Ed. Flammarion, Gaunier, Paris, 1976, p153.

[17]. المرجع نفسه، ص153.

[18]. Heidegger (M), Kant et le problème de la métaphysique, Ed. Gallimard, 1953, p186.

[19]. المرجع نفسه،ص 186.

[20]. تجدر الإشارة إلى أن كانط قد منح الخيال قيمته المعرفية في الطبعة الأولى لكتابه نقد العقل الخالص الصادرة سنة 1781، وتراجع عنه في الطبعة الثانية سنة 1887، لصالح المنطق.

[21].Hélène Védrine, Les grandes conceptions de l’imaginaire, Biblio, Essais, Paris, 1990, p,66.

[22]. Ibid, p89.

[23]. قام مصطفى النحال بدراسة جادة لمفهوم الخيال من الناحية التاريخية والإبستيمولوجية في السياق الغربي والعربي وبين مرتكزاته وتطوراته الفلسفية، وتتبع استعمال لفظة خيال، مخيلة وتخيل، كمرادف للفظة Imagination التي يقول قاموس  Robert.I(ص961) بأنها تنحدر من اللفظة اللاتينية Imaginatio المترجمة عن اللفظة اليونانيةPhantasia. ؛ أي نستعمل هذه اللفظة العربية بهذه الدلالات المتأخرة، وقد استقصى مصطفى النحال معاني لفظة خيال في الثقافة العربية الكلاسيكية، وبالضبط خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة؛ أي خلال الفترة التي عاش فيها المحاسبي، وقد اعتمدته في هذه المداخلة لاستقصائه وعمقه العلمي، انظر، من الخيال إلى المتخيل: سراب مفهوم، مجلة فكر ونقد، العدد33، متاح على شبكة الإنترنت بالموقع الرسمي للمجلة:

http://www.aljabriabed.net/n33_05nahal.(2).htm

[24]. “إن (مادة خيل) تحيل إلى المعاني الآتية في لسان العرب: “(…) والخيال: خيال الطائر يرتفع في السماء، فينظر إلى ظل نفسه فيرى أنه صيد فينقض عليه ولا يجد شيئا، وهو خاطف ظله (…) وتخيل الشيء له: تشبه (…) والخيال والخيالة: الشخص والطيف (…) الخيال خشبة توضع فيلقى عليها الثوب للغنم إذا رآها الذئب ظن أنه إنسان (…) وخيل إليه أنه كذا، على ما لم يسم فاعله: من التخييل والوهم”. “فالدلالات التي يشير إليها الجذر (خيل)، تشير إلى الظل والطيف والشخص والاشتباه والوهم؛ أي أنها ترتبط بالرؤية البصرية، وما تولده من خدعة؛ أي ما يحتاج إلى تفرس وتوسم وتبين. إلا أن ابن منظور يضع إلى جانب كلمة تخييل كلمة أخرى هي الوهم التي اشتق منها اسم التوهم. وعندما نقرأ دلالاتها المعجمية في (مادة وهم) نجد: “الوهم: من خطرات القلب، والجمع أوهام، وللقلب وهم. وتوهم الشيء تخيله وتمثله، كان في الوجود أم لم يكن. وقال: توهمت الشيء وتفرسته وتوسمته وتبينته بمعنى واحد( …) والله، عز وجل، لا تدركه أوهام العباد…”تضيف هذه المادة دلالة جديدة هامة، وهي التمثل الباطني المرتبط بالقلب، إضافة، بالطبع، إلى الدلالة البصرية المرتبطة بالتعرف على الشيء بعد تردد وتبين. وبهذا المعنى الأخير استعمله، خلال العصر الجاهلي، كل من زهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد:

يقول زهير: وقفت بها من بعد عشرين حجة      فهلا عرفت الدار بعد توهم”

 انظر مصطفى النحال، المصدر نفسه.

[25]. المرجع نفسه.

[26]. الكندي (يعقوب بن إسحاق)، رسائل الكندي الفلسفية، تحقيق: محمد عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة: دار الفكر العربي، ط1، 1955، ص167.

[27]. “بدأت شهرة “كاسيرر” مع الجزأين الأولين من عمله ذي الأجزاء الأربعة حول تاريخ الفكر العلمي، بعنوان مشكلة المعرفة (1906-1907)، وربما كان موضوع الهاجس العلمي متأثرا بالفلسفة الكانطية، قد هيمن على أعماله الأولى، غير أن “كاسيرر” يصف نظريات الفلاسفة الأوائل عن تكوين المفاهيم في العلوم في هذا العمل وفي العمل اللاحق الجوهر والوظيفة (1910)، ويستبق في الوقت نفسه مساهماته المميزة بدراسة الثقافة، (…) ولم يلبث كاسيرر أن أردف هذا العمل بعدد آخر من الكتب؛ مثل الحرية والشكل (1916)، لكن عمله الكبير فلسفة الأشكال الرمزية (1923- 1929) الذي صدر في ثلاثة أجزاء هو الذي بلور فيه كاسيرر أهمية الأشكال الرمزية عموما في تكوين المفاهيم والتصورات، ثم أتبعه بكتاب فلسفة التنوير (1932)، والنهضة الأفلاطونية في إنجلترا، (1932)، و الجزء الرابع من مشكلة المعرفة (1940)، ومنطق الإنسانيات، (1942)، والأسطورة والدولة (1942) الذي ترجم إلى العربية في مطلع الثمانينات، ومقال حول الإنسان (1944) الذي ترجمه إلى العربية المرحوم إحسان عباس. وفي عام 1979، صدرت له إضمامة جديدة من المقالات نشرت بعنوان الرمز والأسطورة والثقافة، المصدر نفسه، ص9-10.

[28]. أرنست كاسيرر، اللغة والأسطورة، ترجمة: سعيد الغانمي،هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، ط1، 2009، ص7.

[29]. المرجع نفسه، ص8.

[30]. نقلا عن سعيد الغانمي في مقدمة ترجمته لكتاب اللغة والأسطورة، م، س، والنص ترجمة لما كتبته الفيلسوفة “سوزان لانغر” في مقدمتها الوجيزة لترجمتها لكتاب كاسيرر اللغة والأسطورة، من الألمانية الذي صدر سنة (1925) إلى الإنجليزية سنة (1946)، ص10.

[31] .E. Cassirer, Philosophie des formes symboliques, le langage, Paris, éd. Minuit,p.7

[32]. كاسيرر، اللغة والأسطورة، م، س، ص29.

[33]. نفسه، ص30.

[34]. المرجع نفسه، ص30-31.

[35]. داريوش شايغان، ما الثورة الدينية، الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة، ترجمة وتقديم: محمد الرحموني، مراجعة: مروان الداية، دار الساقي، ط1، 2004، ص21.

[36]  .Henri corbin, Corps Spirituel et terre céleste, Buchet-Chastel, paris, 1979,p8؛

 نقلا عن داريوششايغان، ما الثورة الدينية، الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة، م، س، ص69.

[37]. هنري كوربان، الخيال الخلاق في تصوف ابن عربي، ترجمة: فريد الزاهي، منشورات مرسم، د. ت.

[38]. محمود قاسم، الخيال في مذهب محيي الدين بن عربي، معهد البحوث والدراسات العربية، 1969م.

[39]. المرجع نفسه، ومن مقدمة الكتاب.

[40]. الخيال الخلاق في تصوف ابن عربي، م، س، ص10.

[41]. المرجع نفسه، ص9.

[42]. المرجع نفسه، ص10.

[43]. ترجم محمود قاسم كلمة créatrice بالخالق والترجمة الشائعة هي الخلاق.

[44]. الخيال في مذهب محيي الدين بن عربي، م، س، ص1-2.

[45]. الخيال الخلاق، م، س، ص13.

Science

د. عبد الصمد غازي

رئيس مركز الرصد والدراسات الاستشرافية بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق