مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

الآثار في صفة الصحابة الكرام رضي الله عنهم (7)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم»([1]).

لقد اختار الله سبحانه لصحبة نبيه صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم نماذجَ فذَّةً من البشـر؛ آمنوا به، وصدَّقوه، ونصروه، واتبعوا النور الذي أُنزِل معه، فكانوا من المفلحين في الدنيا والآخرة، بذلوا أنفسهم وأموالهم لنشـر دعوة الله، والذود عنها، فاستحقوا من الله عظيم الأجر، وحسن الثواب، وحقَّ لهم أن يُخلَّد ذكرُهم في كتاب الله إلى يوم البعث والنشور. فصاروا بقيادة أفضل الأنبياء صلى الله عليه وسلم سادة الدنيا وفرسانها، فقائدهم أفضل الأنبياء، وهم صفوة الخلق بعد الأنبياء، والمرسلين، فهم خير الصديقين، وأفضل الصالحين، وأعظم المجاهدين، وسادة الشهداء. قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([1]). وقال سبحانه: {وَالَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا في سَبيلِ اللَّـهِ وَالَّذينَ آوَوا وَنَصَروا أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم مَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ}([2])، وقال سبحانه: {لـكِنِ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ جاهَدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم وَأُولـئِكَ لَهُمُ الخَيراتُ وَأُولـئِكَ هُمُ المُفلِحونَ}([3])، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}([4]) إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}([5]

ومن السنة ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول  الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم»([6]) وفي حديث آخر: «خيرُ أمتي القرن الذي بُعِثتُ فيه»([7]) .

وقوله صلى الله عليه وسلم في أهل بَدْرٍ: «لعل الله اطلع على أهل بَدْرٍ، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غَفَرْتُ لكم»([8]) وقوله  صلى الله عليه وسلم  في أهل بيعة الرضوان: «لا يدخلُ النارَ أحدٌ ممن بايع تحت الشجرة»([9]). وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث، فقال: «فوالذي نفسـي بيده لوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ، ولا نَصِيفَهُ»([10]).

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ»([11]).

وضعوا أيديهم في يد رسول الله، فآمنوا بدعوته، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل نصرة دينه، فاستطابوا المرارات والمكاره في سبيل الدعوة إلى الله، وصدرت عنهم عجائب الإيمان بالغيب، والحب لله ورسوله، والرحمة على المؤمنين والشدة على الكافرين، قال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}([12]) وآثروا الآخرة على الدنيا، والغيب على الشهود، قال تعالى: {لِلْفُقَرَآء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تبوّءوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّا أُوتُواْ وَيُوثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([13]). فأخرجوا خلق الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتها، فنشروا الدين في أصقاع الدنيا، وبذلوا في ذلك مُهَجَهُمْ وحُرَّ أموالهم، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا. فرضي الله عنهم، قال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}([14]) ـ

فالصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة.

وفيما يلي درر من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف:

*عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «أنتم أكثر صياما وأكبر صلاة وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرا منكم، قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة».

* قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إنما هذه القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره».

* وقال رضي الله عنه: «{اتقوا الله حق تقاته}([15]) وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وإيتاء المال على حبه أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخاف الفقر، وفضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية».

* وعنه أيضا أنه قال: «لا تنفع الصلاة إلا من أطاعها، ثم قرأ عبد الله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}([16])، فقال عبد الله: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لربه».

* وقال رضي الله عنه: «كفى بالمرء من الشقاء أو من الخيبة أن يبيت وقد بال الشيطان في أذنه فيصبح ولم يذكر الله».

* وعنه أيضا أنه قال: «ما أصبح اليوم أَحَدٌ من الناس إلا وهو ضيف، وماله عارية، فالضيف مُرْتَحِلٌ والعارية مؤداة».

* وقال رضي الله عنه، في قوله: {يسعى نورهم بين أيديهم}([17]) قال: «يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة وأدناهم نورا من نوره على إبهامه يطفأ مرة ويتقد أخرى».

* وعنه أيضا، قال: «موسع عليه في الدنيا موسع عليه في الآخرة، مقتور عليه في الدنيا مقتور عليه في الآخرة، موسع عليه في الدنيا مقتور عليه في الآخرة، مستريح ومستراح منه».

* عن عبد الله بن مسعود، في قوله: {توبوا إلى الله توبة نصوحا}([18]) قال: «التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود».

* قال رضي الله عنه: «من أراد الدنيا أضر بالآخرة، ومن أراد الآخرة أضر بالدنيا».

* قال رضي الله عنه: >إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة».

* قال رضي الله عنه: «من أحب أن ينصف الله من نفسه فليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه».

* قال رضي الله عنه: «والذي لا إله غيره، ما أُعْطِي عبد مؤمن من شيء أفضل من أن يُحْسِنَ بالله ظنه، والذي لا إله غيره، لا يُحْسِنُ عبد مؤمن بالله ظنه إلا أعطاه ذلك، فإن كل الخير بيده».

* وعنه رضي الله عنه، قال: «ما أَحَدٌ من الناس يوم القيامة إلا يتمنى أنه كان يأكل في الدنيا قوتا، وما يضر أحدكم على أي حال أمسى وأصبح من الدنيا أن لا تكون في النفس مزازة([19])، ولأن يعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير من أن يقول لأمر قضاه الله: ليت هذا لم يكن».

* قال رضي الله عنه: «إنه لمكتوب في التوراة: لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر وما لا يعلمه ملك ولا مرسل، قال: ونحن نقرأها: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}([20])».

* وقال رضي الله عنه: أُتِي عبد الله بطير صِيدَ بِشَرَافٍ، فقال عبد الله: «لَوَدِدْتُ أَنِّي بِحَيْث صِيدَ هذا الطير، لا يكلمني بَشَرٌ ولا أكلمه حتى ألقى الله».

* قال رضي الله عنه: «انظروا الناس عند مضاجعهم، فإذا رأيتم العبد يموت على خير ما ترونه فارجوا له الخير، وإذا رأيتموه يموت على شر ما ترونه فخافوا عليه، فإن العبد إذا كان شقيا وإن أعجب الناس بعض عمله قيض له شيطان فَأَرْدَاهُ وأَهْلَكَهُ حتى يُدْرِكه الشّقاء الذي كتب عليه، وإذا كان سعيدا وإن كان الناس يكرهون بعض عمله قيض له ملك فأرشده وسدده حتى تُدْركه السعادة التي كُتِبت له».

* قال رضي الله عنه: «ما من نفس برة ولا فاجرة إلا وإن الموت خير لها من الحياة، لئن كان برا لقد قال الله: {وما عند الله خير للأبرار}([21])  ولئن كان فاجرا لقد قال الله: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نُمْلِي لهم لِيَزْدَادُوا إثما ولهم عذاب مهين}([22]) ».

* عن عبد الله بن مرة، عن أبي كنف، أن رجلا رأى رؤيا فجعل يقصها على ابن مسعود وهو سمين، فقال ابن مسعود: «إني لأكره أن يكون القارئ سمينا، قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: سَمِينٌ نَسِيٌّ للقرآن».

* قال رضي الله عنه: «ما شبهت ما غبر من الدنيا إلا بثَغْبٍ شُرب صَفْوُه وبَقِي كَدَرُه، ولا يزال أحدكم بخير ما اتقى الله، وإذا حاك في صدره شيء أتى رجلا فشفاه منه، وَايْمُ الله لأوشك أن لا تجدوه». ([23])

——————————————————————————-

([1])  سورة التوبة آية 101.

([2])  سورة الأنفال آية 75.

([3])  سورة التوبة آية 89.

([4]) سورة الأنفال آية 73.

([5])سورة الأنفال آية 74.

([6]) أخرجه مسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة– باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم:4/1963 رقم: 2533.

([7]) أخرجه مسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة– باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم:4/1963 رقم: 2534.

([8]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب الجهاد والسير- باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا عصين الله، وتجريدهن-4/76 رقم: 3081. ومسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم-باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة-4/1941 رقم: 2494.

([9]) أخرجه  أحمد في المسند: 23/93، وقال المحقق شعيب الأرنؤوط: (إسناده صحيح على شرط مسلم)، وأبو داود في السنن- أول كتاب السنة-باب في الخلفاء-7/49، رقم: 4653،

([10]) أخرجه مسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة– باب النهي عن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفضلهم على من بعدهم:2/465 رقم: 1746.

([11]) أخرجه أحمد في المسند: 6/84، وقال المحقق شعيب الأرنؤوط: (إسناده حسن).

([12]) سورة الفتح آية 29.

([13])  سورة الحشر، آية: 8، 9.

([14])  سورة الفتح، آية: 18، 19.

([15])  سورة آل عمران: آية: 102.

([16])  سورة العنكبوت: آية: 45.

([17])  سورة الحديد: آية: 12.

([18])  سورة التحريم: آية: 8.

([19])  مزازة: مصدر مزّ، وشيءٌ مِزٌّ ومَزِيزٌ وأَمَزُّ أَي فَاضِلٌ. وَقَدْ مَزَّ يَمَزُّ مَزازَةً ومَزَّزَه: رأَى له فضلًا أَو قَدْراً. ينظر لسان العرب: 5/408.

([20])  سورة السجدة: آية: 17.

([21])  سورة آل عمران: آية: 198.

([22])  سورة آل عمران: آية: 178.

([23])- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار. لأبي بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (المتوفى: 235هـ). المحقق: كمال يوسف الحوت. الناشر: مكتبة الرشد – الرياض. الطبعة: الأولى، 1409هـ.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق