مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينقراءة في كتاب

الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار للعلامة عبدالله بن قدامة المقدسي (ت 620هـ)

إن الأنصار هم الجماعة المؤمنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل المدينة، ومجموع أفرادهم ينحدرون من قبيلتي الأوس أو الخزرج.

ومصطلح الأنصار الذي لحق باسمهم، لم ينالوه إلا بعد التحاقهم بركب دعوة الإسلام، وهو مصطلح قرآني بامتياز، فقد سئل أنس بن مالك  رضي الله عنه عن ذلك: (أرأيت اسم الأنصار كنتم تُسَمَّوْنَ به أم سمَّاكم الله؟ قال: بل سمّانا الله عزّ وَجَلّ)[1].

وقد ورد مدحهم والإشادة بخصالهم في كتاب الله العزيز الذي أثنى عليهم الثناء العاطر، ومعهم المهاجرون والمتبعون لهم بإحسانٍ؛ قال الله  تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[2].

وقد نوّه النبي عليه الصلاة والسلام، أيضا في مواطن مختلفة بفضل الأنصار رضي الله عنهم، وأعلى من شأنهم، وأبان عن جليل التقدير الذي يكنّه لهؤلاء الصحابة الكرام البررة رضوان الله عليهم، كما دعا لهم وأوصى بهم، وجعل حبُّهم علامة على الإيمان لمن أحبّهم، وبغضهم علامة على النفاق، وهذا ما نلمسه في مجموع الأحاديث النبوية الواردة في مناقبهم منها:

  1. (لو أن الأنصار سلكوا واديًا، أو شِعْبًا، لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار)[3].
  2. (اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار)[4].
  3. (أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)[5].
  4. (الأنصار لا يحبّهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبَّهم أحبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)[6].

ولا شك أنَّ الأنصار جميعهم رضوان الله عنهم، لم يظفروا بهذه الأوصاف الفاضلة إلا بمناقبهم الجليلة وتَميُّزهم بسني الخلال، التي اختُصوا بها من بين عامة الناس، فمن أشهر مناقبهم العامة أنَّ الإسلامَ دخل المدينةَ عن طريق نقبائهم الذين بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام في العقبتين، وعاهدوه على إيوائه ونصرته، وهم الذين كانوا دلائلَ الدّين وسفراءَه في قلوب سكانها الأكارم، وهم الذين استقبلوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، واحتفوا بمقدمه أيّما احتفاء، ويَسَّروا له كل أسباب الاستقرار الآمن ولجماعة المؤمنين المهاجرين، كما ساهموا مساهمة كبيرة في بناء كيان دولة الإسلام، واستمروا على الوفاء بالقيم التي آمنوا بها بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام.

وقد مثّل الأنصار من خلال رفعة مواقفهم وجليل أعمالهم وعظم تضحياتهم، صفحة مشرقة من صفحات تاريخ الإسلام، وقدموا صورا ناصعة في حسن الاتباع والاقتداء بقائدهم عليه الصلاة والسلام، في المنشط والمكره، وأبانت مواقفهم عن رسوخ معتقدهم، والإخلاص التام لقيم الإسلام. وقد قدموا أروع الأمثلة في البذل والعطاء، وأعظم صور الإيثار الذي شهد به لهم القرآن الكريم في قوله تعالى:

(ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)[7].

وتذكيرًا للأمة بهذه الفئة المؤمنة التي ناصرت نبي الإسلام وآوته وعزرته، واتبعت النور الذي جاء به، وأبلت البلاء الحسن في المشاهد كلها إبان عهد النبي عليه الصلاة والسلام، كما رفعت راية الشرف والعزة في معارك الإسلام، وكان أفرادها في صفوف جيوش الفتح الإسلامي في عهد الخلفاء الراشدين، بادر العلماء والمؤرخون إلى وضع تآليف كثيرة حول الأنصار والتعريف بأنسابهم، وترجمة أعلامهم مع التنويه بشريف مقاماتهم في تاريخ الإسلام، والإشادة ببطولاتهم وأعمالهم الجليلة، ومن أهم الكتب التي ألفت حول الأنصار واعتنت بفضائلهم وتراجم أعلامهم:

  1. كتاب فضائل الأنصار. لوهب بن وهب الأسدي القرشي أبو البختري (ت200هـ). (الفهرست. ابن النديم. 300).
  2. كتاب فضائل الأنصار. لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي (ت204هـ). (تقريب التهذيب. ابن حجر. 1/76).
  3. نسب الأنصار. لعبد الله بن محمد ابن القداح. (توفي قبل سنة 236هـ). (الطبقات الكبرى. ابن سعد. 3/513).
  4. كتاب فضائل الأنصار. لأبي الوليد يونس بن عبدالله ابن الصفار القرطبي(ت429هـ). (ترتيب المدارك. القاضي عياض. 8/19).
  5. جزء من مسند الأنصار الذين شهدوا بدرًا والعقبة. لأبي محمد هبة الله بن سهل السيدي (ت 533هـ). ( التحبير في المعجم الكبير. السمعاني. 2/359)
  6. كتاب الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار. لعبدالله بن أحمد ابن قدامة المقدسي (ت 620هـ). (موضوع هذه الورقة التعريفية).
  7. نزهة الأبصار في فضائل الأنصار. لأبي بكر عتيق بن أحمد ابن الفراء الغساني الغرناطي (ت 698هـ).
  8. جلاء الأفكار في مناقب الأنصار. لعبدالرحمن بن محمد الدباغ القيرواني (ت699هـ). (هدية العارفين. البغدادي. 526).
  9. أخبار قبائل الخزرج أخي الأوس: لأبي محمد عبدالمؤمن بن خلف الدمياطي (ت705هـ).
  10. تحفة الأخيار في فضائل الأنصار. لنور الدين بن حسين الأنصاري ( كان حيا سنة 998هـ). مخطوط دار الكتب الوطنية. تونس. رقم: 185.
  11. قطف الأزهار في شيء من فضل دحية والأنصار. محمد بن علي الأنصاري الذرعي (من أعلام القرن العاشر). مخطوط المكتبة الظاهرية. رقم:7914.
  12. نيل القربات بأهل العقبات. لعبدالسلام بن الطيب القادري (ت 1110هـ). مخطوط المكتبة الوطنية. الرباط. أرقام: K93 ـ D487 ـ 1039 ق.
  13. مناقب الأنصار. لمحمد بن علي أحمد اليعقوبي. (كان حيا عام 1281هـ). مخطوط خزانة القرويين. أرقام: 280 ـ 1825 ـ 1785ـ
  14. مناقب الأنصار. لعبدالنبي بن عبدالرحمن المجذوب الفاسي (ت1283هـ). مخطوط خزانة القرويين. رقم 30 (ضمن مجموع).
  15. لباب علم السير في نصر الأنصار لخير مضر (منظومة). لمحمد بن أحمد بن أبي الجكني (ت ؟). مخطوط المكتبة الوطنية. الرباط. رقم D 1612 ..

ومن أهم تلك المصنفات التي جلت مناقب الأنصار وفضائلهم، وسطرت جليل الأدوار التي اضطلع بها رجال ونساء هذه الفئة المؤمنة في نصرة الإسلام، ونشر هديه في الآفاق، كتاب (الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار). لعبدالله بن أحمد ابن قدامة المقدسي (ت 620هـ)، وهو كتاب مفيد جدا في معرفة أنساب الأنصار، وتراجم أعلامهم، وهو خير ما ألف في هذا الموضوع، استوعب مؤلفه تاريخ القبيلتين: الأوس والخزرج،  واجتهد في بيان أهم فروعهما.

ولم يغفل المؤلف التذكير بالمضامين العامة للكتاب في طالعة الكتاب، ومسطراً في الآن نفسه الغايات المرجوة من معرفة أنسابهم والاطلاع على شذرات من تراجمهم، وفي هذ الصدد يقول ابن قدامة:

(هذا كتاب ذكرت فيه أنساب الصحابة من الأنصار وطرفا من أخبارهم على سبيل الاختصار، ليُعرف به منزلتهم من الإسلام، وتأسيسهم للدين، وما خصهم الله تعالى من نصره وإظهار دينه، وإيواء رسوله وصحابته، وسبقهم إلى إجابة دعوته، وبذلهم المُهَج في طاعة ربهم وطاعته، ليعظم في القلوب محبّتهم، ويكثر بالترحم عليهم فضْلَهُم، ويزداد الإيمان بمحبّتهم)[8].

ثم سطر المؤلف نخبة من الأحاديث النبوية الواردة في فضائل الأنصار، تأكيدا لجليل مقامهم، ولعلو منزلتهم عند الرسول عليه الصلاة والسلام.

وشرع المؤلف بعد ذلك في الحديث عن نسب الخزرج، مقدما بني النجار باعتبارهم من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، ومعدِّدًا مجموع بطونهم. وقد استند في خيرتهم إلى حديث نبوي جاء فيه: (خير دور الأنصار، بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن خزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير)[9].

وبعد ذكر كل بطن من بطونهم مع الإشارة إلى حلفائهم، أدرج المؤلف مجموعة من تراجم رجالهم ونسائهم، جلى من خلالها جوانب مضيئة من سيرهم، وقبسات من أقوالهم، ومسجلا جليل مواقفهم في غزوات الإسلام، ومبرزا دورهم في رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومساهماتهم في حفظ الهدي النبوي ونشره في الآفاق. ويكفي في هذا السياق التذكير بنموذجين من عمل موفق الدين ابن قدامة في كتابه (الاستبصار)، الأول في الخزرج، والآخر في الأوس:

( بنو مبذول: وهو عامر بن مالك بن النجار، ويقال له سدن بن مالك.

ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول:

شهد بدرا وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي في خلافة عثمان بالمدينة . وقيل بل قتل يوم جسر أبي عبيدة. روى عنه ابنه عبدالرحمن بن ثعلبة. حديثه في قطع يد ابن سمرة في السرقة، رواه ابن ماجه)[10].

(بنو عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف.

ثبيتة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد:

كانت من المهاجرات الأول، ومن فضلاء نساء الأنصار، وهي زوج أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهي مولاة سالم، مولى أبي حذيفة، أعتقته سائبة.

وقد اختلف في اسمها، فقال مصعب: ثبيتة، وقال أبو طوالة: عمرة، وقال ابن إسحاق في رواية عنه: سلمى)[11].

ولم يغفل المؤلف الإشارة إلى جماعة من الرجال والنساء لم يهتد إلى معرفة أنسابهم، وقسمهم إلى ثلاثة أقسام:

  • ذكر رجال من الأنصار لم يعرف من أي قبائل الأنصار هم.
  • ذكر قوم عرفوا بأسمائهم.
  • النساء الأنصاريات اللاتي لم تعرف قبائلهن.

خلاصة القول إن كتاب (الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار) لا يستغنى عنه في معرفة الصحابة الأنصار، وهو سفر حافل بمعارف مختلفة في النسب والتاريخ والأدب والحديث، أبان مؤلفه عن سعة الاطلاع على مصادر متنوعة، ومعرفته الكبيرة بكتب الأنساب والتراجم، فقد أفاد من مظان كثيرة أغنت مواد كتابه، ومن أهمها:

  • جمهرة أنساب العرب. هشام بن محمد ابن السائب الكلبي (ت204هـ).
  • المغازي. محمد بن عمر الواقدي (ت 207هـ).
  • السيرة النبوية. عبد الملك بن هشام الحميري (ت 213هـ).
  • الطبقات الكبرى. محمد بن سعد بن منيع البغدادي (ت 230هـ)
  • نسب الأنصار. لعبد الله بن محمد ابن القداح. (توفي قبل سنة 236هـ).
  • تاريخ الرسل والملوك. محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ).

ومن حسن حظ هذا الكتاب أن بعض خزائن العالم احتفظت لنا بنسخ خطية منه، ومن خلال الاطلاع على بعضها تمكن الباحث علي نويهض من مباشرة تحقيق هذا الكتاب القيم في موضوعه، معتمدا في نشره فقط على النسخ التالية:

  1. مكتبة عارف حكمت. المدينة المنورة. رقم: 5.
  2. المكتبة التيمورية. القاهرة. رقم: 1329.
  3. دار الكتب المصرية. رقم: 349.

وهناك نسخ خطية أخرى فات المحقق الاطلاع عليها منها:

  1. المكتبة الوطنية. الرباط. رقم: 484 ق.
  2. المكتبة الوطنية. الرباط. رقم: 1481 ك.
  3. مكتبة بايزيد عمومي. تركيا. رقم: 5235.

ونظرًا لقيمة هذا الكتاب المفيد، ولغزارة مواد تراجمه المتصلة بصفوة أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام من الأنصار، الذي فازوا باستقبال النبي في المدينة، ونالوا الفضل الكبير في رعاية إخوانهم المهاجرين، فهو كتاب جدير بإعادة تحقيق نصه وإحياء نشره، سعيا إلى التذكير بمناقب وفضائل أولئك الرجال العظماء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ظهر كتاب (الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار) إلى عالم في نشرة وحيدة بتحقيق وتقديم: علي نويهض. نشرته دار الفكر. بيروت. سنة 1392هـ/ 1972م. ويقع في 407 صفحة.

————————————————————————————————–

[1]  صحيح البخاري. كتاب مناقب الأنصار. باب مناقب الأنصار. حديث 3776. 5/30.

[2]  سورة التوبة. الآية 100.

[3]  صحيح البخاري. كتاب مناقب الأنصار. باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار». حديث 3779. 5/31.

[4] . فضائل الصحابة. أحمد بن حنبل. باب فضائل الأنصار. 2/789.

[5] . صحيح البخاري. كتاب مناقب الأنصار. باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم). حديث 3799. 5/34.

[6] .  صحيح البخاري. كتاب مناقب الأنصار. باب حب الأنصار. حديث 3783. 5/32.

[7]  سورة الحشر. الآية9.

[8]  الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار. عبدالله بن أحمد ابن قدامة المقدسي. ص23.

[9]  صحيح البخاري. كتاب مناقب الأنصار. باب فضل دور الأنصار. حديث 3789. 5/33.

[10]  الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار. ص76.

[11]  الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار. ص294.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق