مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمعالم

إسهام العلامة سيدي محمد بن الحاج الصغير الإفراني في علم التراجم.

إسهامات سيدي محمد الإفراني الصغير في علم التراجم

أولا- صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر:

يقول محقق كتاب صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر”وجدته يتدفق إفادة بلا مدافع مما يدل أن جامعه كان دراكة، له معرفة تامة بعلم الرجال وشغف عريض في تتبع أحوالهم وتقصي حقائقهم على اختلاف مشاربهم فقد ترجم فيه للعالم الفقيه وللصوفي السالك، والمجذوب البهلول … ولم يسبقه إلى هذا العمل أحد في عصره كما جاء في مقدمة كتابه قوله:”فلم أجد من جاب ذلك المَهْمَة ولا من وجه نحوه العناية وصرف له الهمة، فشمرت عن أذيالي مبادرا وأيقظت من سِنة الغفلة فكرا ساردا لأن في مناقب الصالحين فوائد كثيرة وفي جمع كرامتهم أمورا أثيرة”[11].

وقد راسل الإفراني رحمه الله سيدي صالح المعطى الشرقي مبينا قيمة كتابه صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، فقال رحمه الله: “وقد أكملنا كتابنا صفوة من انتشر في أخبار صلحاء القرن الحادي عشر في خمسة عشر كراسا، وهو كتاب حفيل انقطع به بعده التشوف وفرح به أهل التصوف، وذكرنا فيه والدك وكل ما فيه من الغرر والفوائد فهو منقول من نحو خمسة وعشرين كتاب وهو عندي قربة إلى الله فإن أردت نسخة فابعث بمن ينسخه لك ولو رأيت تراجمه قبلت براجمه”[12].

وقد كان سبب تأليفه للصفوة:”هو تشوفه إلى التطلع على أخبار صلحاء القرن الحادي عشر لأن في مناقب الصالحين كما قال:”فوائد كثيرة وفي جمع كراماتهم أمورا كثيرة …، ولعمري إن الاعتناء بجمع تراجم أعلام الرجال من فضلاء هذه الأمة المحمدية شيء مؤكد على الخلف فهم سلفنا في الدين والتاريخ والأحداث التي لا علم لنا بها إلا بمراجعة آثارهم التي خلفوها مسطورة في كتبهم ولذا ورد أن من أرخ عالما أو غيره فكأنما أحياه لأن همم عظماء الرجال تتجلى في آثارهم وتتبين من إخلاصهم في عملهم”[13].

ويضيف قائلا: “يعتبر كتابصفوة من انتشر للعالم المؤرخ والأديب: أبو عبد الله محمد الصغير الإفراني المراكشي من أهم كتب التراجم المغربية التي صنفها المغاربة قديما وحديثا الذي انتهى من إنجازه سنة 1137هـ- 1724م، وهو كتابة في غاية الإفادة والسلاسة غني بالإشارات والنوادر والحكايات الغريبة، واعتمد في تصنيفه على إحدى وأربعين مصدرا زيادة على تقاييد وجدها مكتوبة بخط من يوثق به وأضفت من المسموعات ما صح عندي وأعلم أني ربما أقول: قال فلان فأحاذي عبارته ولا ألتزم لفظه لكونها لا توفي ولا تناسب أو نحو ذلك فأبدلها من عندي فلا يعتب علي أحد في ذلك”[14].

وتظهر أهمية الكتاب من خلال المراجع القيمة التي صنفها الإفراني اعتمادا على مراجع مهمة أظهرها في خاتمة كتابه، فالكتاب يزودنا بتراجم أعلام بارزة وأخرى غابرة قد يترجم لها في سطر أو سطرين في مراجع أخرى ثم يمر عليها وقد ذكر المؤلف في ديباجته أنه كان متشوفا إلى التطلع على أخبار صلحاء القرن الحادي عشر بما يكون ذيلا لكتاب دوحة الناشر أخبار القرن العاشر لمصنفه محمد بن علي بن عسكر الحسني العلمي المتوفى سنة 986هـ-1548م، وقد ترجم لحوالي 273 علما أما عدد من ذكرهم بالاسم ولم يشر لهم بترجمة لعدم وقوفه على مراجع أو تقاييد يعتمد عليها في ترجمتهم فعددهم 21 ترجمة ختم بهم أعيان القرن الحادي عشر، وبدا له أن يلم بطرف من أخبار أعيان القرن الثاني عشر تكميلا للفائدة فذيل ب سبعة عشر ترجمة …”[15]

وقد انتهى الإفراني من تأليف صفوة من انتشر يوم الثلاثاء 14 جمادى الأولى عام(1137هـ-1727م) بداره بروض العروس بمدينة مراكش الحمراء وهو آخر ما ألف كما جاء عند بعض مترجميه،حيث رتب كتابه هذا في أغلب التراجم على المنهج موحد حيث يذكر اسم العلم المترجم وكنيته ولقبه،ثم مبلغه من العلم وقيمته في ذلك، ثم شيوخه، ثم تلاميذه ثم مؤلفاته ثم تصوفه ثم كراماته،فوفاته ومكان دفنه إن تمكن له ذلك.وقدترجم فيه لمغاربة وغير مغاربة غير مرتبين على سنة الوفيات أو الحروف الهجائية.فمن المغاربة ترجم لأهل الحاضرة والأرياف جمع فيها بين العالم الفقيه المحدث والمفسر، وبين الصوفي السالك والصوفي المجذوب والبهلول وساقط التكليف، كما أنه أرخ أحداثا سياسية وأخرى اجتماعية بأسلوب استطرادي أدبي لغوي متؤكدا من معلومات ما يكتب، تنعدم عنده الصورة النقدية في مصنفه هذا كليا بحيث إنه يقف على بعض الاشياء فيباركها ويبجلها ويحتسبها من باب الكرامات وهذا يتنافى مع الحقل العلمي عند المحدثين والفقهاء والمفسرين ظاهرة كانت سائدة في ذلك العصر عند العوام والخواص إلا البعض منهم…

للكتاب أهمية كبرى قامت عليه شهرة الإفراني إذ انتشر في الأوساط العلمية فأصبح مرجعا مهما لا يمكن الاستغناء عنه فتعددت نسخه، حيث نسخ منه عدد كبير لتصل بين أيدي العوام والخواص في مختلف أنحاء المغرب.

ثانيا– درر الحجال في مناقب سبعة الرجال:

يعتبر كتاب “درر الحجال من أهم مؤلفات الإفراني في المناقب قصد به التعريف بسبعة رجال مراكش”[16]، وقد اختُلف في ضبط عنوانه بين “درر الحجال في مآثر سبعة رجال”، و”درر الحجال في مناقب سبعة رجال” و “درر الحجال في سبعة رجال”، والذي اختاره المرحوم محمد المنوني أن العنوان الذي يجب أن يعطي للكتاب هو الذي كان مدونا على غلافه وهو كما جاء عند المالك الأول للنسخة العباس بن إبراهيم: درر الحجال في مناقب سبعة رجال”[17]، وقد أراد الإفراني رحمه الله تعالى إخراج الكتاب في حجم كبير فجعله في مقدمة طويلة وسبعة أسماط إلا أنه لم يتيسر له تنفيذ ذلك إذ إن اغلب فصول المقدمة ناقصة أو لم تكتب في الأساس كما أنه لم يضع إلا سمطين من أصل الأسماط السبعة[18]، جاء في الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام “هذا التأليف لم يكمل وقفت عليه بخطه ومن فوائده فيه التصريح بأن الإمام فقيه العصر الحسن المعداني شيخه وحلاه بهذه الحلى، وبأن الفقيه الصالح سيدي العربي بن أبي القاسم الأمراني بلديه وشيخه، وبأن الإمام محمد المسناوي شيخه، وهذا الكتاب له مقدمة فيها ثلاثة وثلاثون فصلا والمقصد فيه أسماط سبعة ثم منها السمط الأول في ترجمة سيدي يوسف بن علي ووصل للسمط الثاني في ترجمة القاضي عياض ولم يتمه رحمه الله”[19].

          إن إلقاء نظرة خاطفة، والقيام بجولة قصيرة بين مصنفات ومؤلفات عالمنا الجليل رحمه الله تطلعنا على الثراء المعرفي والفكري الذي تميز به، و إن وقوفنا أمام كل ذلك – وغيره كثير- يوقظ بداخلنا إحساسا بالتقصير، كما يوقظ فينا شعورا بالعجز عن أن نوفي ذلك الجيل حقه، ولو بالتعريف بهم، خاصة أولئك الذين اندرست سِيَرهم مع مرور الأيام والحقب والأزمان، وأفلت نجومهم واندثرت معها عطاءاتهم وجهودهم.

              نحن اليوم مهما بذلنا من جهد في النظر في ذلك الثرات، دراسة وتحقيقا، فإن كل مجهوداتنا ستجعل منه منطلقا وأرضية لها، وسيكون دورنا متمثلا بالأساس في التعريف بأعلام العلماء وبإيجاد الطرق والسبل لإخراج تلك الجهود الطيبة، إلى حيز الوجود أولا؛ لأن الكثير من المخطوطات لا يزال حبيس المكتبات العامة والخاصة لا يعرف أصحابها قيمتها، فتبقى عرضة للأرضة، وبالتالي التلف والاندثار وهي بحاجة إلى من يخرجها لترى النور، وتكون بين يدي الراغبين والمهتمين، أما ثانيا فالتقريب والتيسير والتسهيل ما أمكن، وتسخير كل ما من شأنه تحقيق ذلك وتقديمه للمبتدئ في طلب العلم كالمنتهي أو المواصل في طلبه على حد سواء.

لقد كانعالمنا الجليل سيدي محمد الصغير الإفراني المراكشي رحمه الله تعالى محباللعلم بشكل منقطع النظير، واستطاع تبعا لذلك القيام بالمسؤولية المنوطة به على أكمل وجه، وأداء الأمانه التي حملها أجمل أداء، لحبه وشغفه الشديد بطلب العلم، ولحسن نيته، وصدق قصده، وسلامة سريرته، وهذا حال من أخلص للعلم وأدرك أنه أنبل شيء في الوجود … رحم الله العلامة أبي عبد الله محمد الصغير الإفراني المراكشي وجزاه خير الجزاء عن المغرب وأهله.

********************************

المصادر والمراجع:

– الاعلام للزركلي الطبعة 12، دار الملايين السنة 1997.

– الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، للعباس بن إبراهيم السملالي، مراجعة الدكتور عبد الوهاب بن منصور الطبعة الثانية 1422هـ- 2001م.

صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، لمحمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله الصغير الافراني تقديم وتحقيق د. عبد المجيد خيالي، مركز التراث الثقافي المغربي الدار البيضاء – المغرب.

– السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية لمحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله الموقت المراكشي (1283هـ-1369م) مراجعة وتعليق أحمد متفكر طبع هذا الكتاب بدعم من الحاج عبد الرزاق الخالدي الطبعة الثالثة (مراكش 1432هـ -2011م) المطبعة والوراقة الوطنية مراكش.

– النبوغ المغربي في الأدب العربي،للعلامة عبد الله كنون،الطبعة الثانية.

– مؤرخو الشرفاء ليفي بروقنصال تعريب عبد القادر الخلادي، مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر،  الرباط 1397/1977.

– دررالحجال في مناقب سبعة رجال لمحمد الصغير الافراني دراسة وتحقيق: د حسن جلاب، الطبعة الاولى 1421هـ/ 2000م.

– دليل مؤرخ المغرب الأقصى، دليل ابن سودة للعلامة عبد السلام بن عبد القادر بن سودة المري ويليه دليل مؤرخ المغرب الأقصى، ضبط واستدراك مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الاولى 1418هـ/ 1997م.

 

الهوامش:


[1] -الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام، 6/53 النبوغ المغربي 1/288.الاعلام للزركلي7/67.

[2]– النبوغ المغربي 1/288.

[3]– صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر ص 16.

[4]-السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية، ص 77.

[5] – الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام، 6/53

[6]-نفسه.

[7]– الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام، 6/52، و صفوة من انتشر ص 18.

[8]-دليل مؤرخ المغرب الأقصى 1/164، مؤرخو الشرفاء لبروفنصال 89.

[9]– فهرس الفهارس 2/15، ودليل مؤرخ المغرب الأقصى، 1/242.

[10]– درر الحجال 17.

[11]– صفوة من انتشر مقدمة التحقيق ص5.

[12]-الإعلام للسملالي6/ 58.

[13]-مقدمة محقق الصفوة ص5.

[14]– صفوة من انتشر 22.

[15]– نفسه 23.

[16]– درر الحجال 18

[17]-نفسه 20

[18]–   نفسه.21

[19]– الإعلام بمن حل بمراكش ص56.

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق