مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

أنموذجات من الوقفات المنتقدة على الإمام أبي عبد الله الهبطي وتوجيهها (6)

الحمد لله القائل: ﴿وَقُرْءَاناٗ فَرَقْنَٰهُ لِتَقْرَأَهُۥ عَلَي اَ۬لنَّاسِ عَلَيٰ مُكْثٖ وَنَزَّلْنَٰهُ تَنزِيلاٗ﴾، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تلقى القرءان عن ربه ورتله ترتيلا، وعلى ءاله وصحبه الذين تحملوه وأدوه إلينا أداء جميلا.

وبعد:

فقد ذكرتُ في الحلقة الأولى من حلقات هذا الموضوع أن وقوف الشيخ أبي عبد الله الهبطي (930ه‍) -رحمه الله- كانت غرضا لنقد بعض العلماء، فبعضٌ أنصف، وبعضٌ أصْلَف.

وذكرت أن الاستقراء التام لوقوف الشيخ الهبطي يُظهر أنه كان تابعا لمذهب الإمام نافع المدني -رحمه الله- في أصول مذهبه في الوقف، وهو كان ينظر إلى المعاني في وقوفه، وذكرت بعض الأنموذجات الوقفية المنتقدة عليه.

وهذه أنموذجات أخرى من الوقوف المنتقدة عليه، مع بيان وجهها وتأصيلها من مذهب الإمام نافع رحمه الله أو من غيره:

* قوله تعالى في سورة ءال عمران: ﴿هُوَ اَ۬لذِےٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ اَ۬لْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٞ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ اُ۬لْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞ﴾.

وقف الهبطي على قوله تعالى: ﴿مِنْهُ﴾، ثم استأنف: ﴿ءَايَٰتٞ مُّحْكَمَٰتٌ﴾.

قال أبو جعفر النحاس: «﴿هُوَ اَ۬لذِےٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ اَ۬لْكِتَٰبَ مِنْهُ﴾، قال نافع: تم، وخالفه غيره، قال: لأن النكرة لا يبتدأ بها»(1).

وقال أبو الحسن الغزال: «ويجوز ﴿مِنْهُ﴾ عند نافع»(2).

وقال الأشموني: «ونقل بعضهم أن الوقف عند نافع على ﴿مِنْهُ﴾ ولم يذكر له وجها، ووجهه -والله أعلم- أنه جعل الضمير في ﴿مِنْهُ﴾ كناية عن الله؛ أي: هو الذي أنزل عليك الكتاب من عنده، فيكون ﴿مِنْهُ﴾ بمعنى من عنده، ثم يبتدئ ﴿ءَايَٰتٞ مُّحْكَمَٰتٌ﴾، أي: هو ءايات محكمات»(3).

وقال محمد بن عبد السلام الفاسي: «﴿مِنْهُ﴾ كاف على أن “مِن” ابتدائية تتعلق بـ﴿أَنزَلَ﴾، والضمير للجلالة، أو تتعلق بحال، أي: ءاتيا منه، ويفيد تعليقه بما ذُكر تأكيدا وتثبيتا بالنسبة إلى الأمة؛ لأنه لما كان مشتملا على ما هو مفهوم المعنى وعلى ما ليس مفهومَه، كان مظنةَ التزلزل فيه، فأكد الأمر بأن إنزاله كائن من الله، فإذا علم المخاطب به ذلك، ءامن به كله، وانتفى عنه التزلزل في متشابهه ابتداءً، ووكل أمره إلى مُنزله، فانظر هل يكون هذا متشبت الهبطي في وقفه، والله أعلم»(4).

فالوقف منقول عن نافع المدني، واختاره الهبطي، لكن صاحب المنحة قال في الهبطي كلمة كبيرة تملأ الفم، قال: «الوقف على ﴿مُتَشَٰبِهَٰتٞ﴾ كما في مصحف حفص وقالون، وكلمة ﴿مِنْهُ﴾ خبر مقدم، و﴿ءَايَٰتٞ مُّحْكَمَٰتٌ﴾ مبتدأ مؤخر، ولكن الهبطي وقف على لفظ ﴿مِنْهُ﴾، فدل على أنه لا يعرف النحو»(5).

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)- القطع والائتناف: 124.

(2)- الوقف والابتداء: 1/341-342.

(3)- منار الهدى: 70.

(4)- الأقرط والشنوف: (لوحة:34).

(5)- منحة الرءوف المعطي: 11.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق