مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

أساليب تأديب الأطفال من السنة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد؛

فإن الطفل يرتكب أخطاء، ومنها يتعلم؛ لكن في بعض الأحيان، يكرر تلك الأخطاء، حسب طبيعة كل طفل، ولهذا فلابد له من وسيلة تربوية في تقويم سلوكاته، وهي: التأديب، لئلا يقع في المحظور، ويتلافى الصفات المذمومة في قابل الأيام، ويتربى على القيم المثلى، والطرف المعني بهذا الأمر هم: المربون، وفي المرتبة الأولى: الآباء، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يؤدب الرجل ولده، خير له من أن يتصدق بصاع»[1]؛ لكن على المربي، أو المؤدب أن يكون قدوة حسنة قبل كل شيء، ثم لابد أن يراعي مجموعة من أساليب التأديب، أذكر منها أربعة:

أولا: اختيار الوقت المناسب:

إن اختيار الوقت المناسب في التأديب، له وقع على الطفل، ومن شأنه أن يطوي مسافة الفرق بين المؤدب والطفل، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤدب الصبيان وقت النزهة، والمشي، والطعام؛ ويختار لغة الخطاب المناسبة لكل مقام، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، قال: “أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه. فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس”[2]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر، ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليا، ثم التفت، فقال: «يا غلام»، قلت: لبيك يا رسول الله قال: «احفظ الله يحفظك»”[3] الحديث، وعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: “كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد”[4].

ثانيا: تجنب كثرة اللوم والعتاب:

إن الطفل يؤثر فيه كثرة اللوم، والعتاب، والتوبيخ، والتأنيب، فيغدو لا يكترث إلى تلك الأمور، بل في بعض الأحيان يصر على تكرار الأخطاء، ولهذا وجب غض البصر في بداية الأمر، ثم بعد ذلك تصحح الأخطاء بالإشارة، وإلا فالكلام المباشر مرة واحدة بلطف ورحمة؛ فهذا أنس بن مالك رضي  الله عنه شهد في كبره بما كان يعامله النبي صلى  الله عليه وسلم في صغره، فكان يقول: “والله ما قال لي: أفا قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟”[5]، وقال أيضا: “فما أمرني بأمر فتوانيت عنه، أو ضيعته، فلامني؛ فإن لامني أحد من أهل بيته إلا قال: «دعوه، فلو قدر – أو قال: لو قضي – أن يكون كان»[6]، وهذه أم خالد بنت خالد بن سعيد رضي الله عنها، قالت: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سنه سنه» – قال عبد الله: وهي بالحبشية: حسنة -، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزبرني أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعها»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي» قال عبد  الله: فبقيت حتى ذكر”[7].

ثالث: تصحيح الخطأ:

إن الطفل أكثر عرضة للأخطاء، ويكررها مثنى وثلاث وهلم جرا، فلزم من يصحح له تلك الأخطاء، وهذا النبي صلى  الله عليه وسلم كان يصوب أخطاء الصبيان برحمة ورفق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: “أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما، تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كخ كخ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة»”[8]، وعن رافع بن عمرو الغفاري رضي الله عنه، قال: “كنت وأنا غلام أرمي نخلنا – أو قال: نخل الأنصار – فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا غلام – وقال ابن كاسب: يا بني – لم ترمي النخل؟» قال: قلت: آكل. قال: «فلا ترم النخل، وكل مما يسقط في أسافلها»، قال: ثم مسح رأسي، وقال: «اللهم أشبع بطنه»”[9].

وأختم هذا المقال بمقولة الطبيب ابن الطبيب أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد الجزار القيرواني (المتوفى رحمه الله تعالى عام: 369هـ)[10]: “أُمرنا أن نؤدب الصبيان، وهم صغار؛ لأنهم ليس لهم عزيمة تصرفهم لما يؤمر به المذاهب الجميلة، والأفعال الحميدة، والطرق المثلى؛ إذ لم تغلب عليهم بعد عادة رديئة، تمنعهم من اتباع ما يُراد بهم من ذلك، فمن عَوَّد ابنه الأدب، والأفعال الحميدة، والمذاهب الجميلة في الصغر حاز بذلك الفضيلة، ونال المحبة والكرامة، وبلغ غاية السعادة”[11].

********************

هوامش المقال: 

[1]– رواه الترمذي في سننه (4 /338) من حديث: جابر بن سمرة، كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في أدب الولد، رقم الحديث: 1951.

[2]– رواه مسلم في صحيحه (4 /1886) من حديث: جابر بن سمرة، كتاب: فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، رقم الحديث: 2429.

[3]– رواه الحاكم في مستدركه (3 /623)، رقم الحديث: 6303.

[4]– رواه البخاري في صحيحه (7 /68)، كتاب: الأطعمة، باب: التسمية على الطعام والأكل باليمين، رقم الحديث: 5376، ومسلم في صحيحه (3 /1599)، كتاب: الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما، رقم الحديث: 2022.

[5]– رواه مسلم في صحيحه (4 /1804)، كتاب: الفضائل، باب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، رقم الحديث: 2309.

[6]– رواه أحمد في مسنده (21 /103)، رقم الحديث: 13418.

[7]– رواه البخاري في صحيحه (8 /7)، كتاب: الأدب، باب: من ترك صبية غيره حتى تلعب به، أو قبلها أو مازحها، رقم الحديث: 5993.

[8]– رواه البخاري في صحيحه (2 /127)، كتاب: الزكاة، باب: ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله، رقم الحديث: 1491، مسلم في صحيحه (2 /751)، كتاب: الزكاة، باب: تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وهم: بنو هاشم، وبنو المطلب، دون غيرهم، رقم الحديث: 1069.

[9]– رواه ابن ماجه في سننه (3 /397-398)، كتاب: التجارات، باب: من مر على ماشية قوم أو حائط هل يصيب منه؟ رقم الحديث: 2299، وأبو داود في سننه (4 /262-263)، كتاب: الجهاد، باب: من قال: يأكل مما سقط، رقم الحديث: 2622.

[10]– ترجم له محمد محفوظ في كتابه: تراجم المؤلفين التونسيين (2 /18_25)، مع جملة من مصادر ومراجع الترجمة.

[11]– سياسة الصبيان وتأديبهم (ص: 134)، لم يتيسر لي الوقوف على كتاب ابن الجزار هذا، لكني نقلت بواسطة: محمد نور بن عبد الحفيظ سويد في كتابه: منهج التربية النبوية للطفل (ص: 184- 185).

**********************

جريدة المراجع

تراجم المؤلفين التونسيين لمحمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1982.

الجامع الكبير (السنن) لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الأولى: 1382/1962، الطبعة الثانية: 1388-1395-1397-1398 /1968-1975-1977-1987، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه (الصحيح) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، اعتناء: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1422، مصورة عن المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1313.

السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، محمد كامِل قره بللي، دار الرسالة العالمية، دمشق- سوريا، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1430 /2009.

السنن لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، تحقيق: جماعة من الباحثين، دار الرسالة العالمية، دمشق- سوريا، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1430 /2009.

المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله  محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: 1411/ 1990.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصحيح) لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1412 /1991، مصورة عن دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.

المسند لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى: 1421/ 2001.

منهج التربية النبوية للطفل لمحمد نور بن عبد الحفيظ سويد، دار طيبة، مكة المكرمة-السعودية، دار ابن كثير، دمشق-سوريا، بيروت-لبنان، الطبعة الثالثة: 1421 /2000.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق