مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«مفاهيم في التماسك ووحدة بناء النص» من خلال كتاب «نمط صعب ونمط مخيف» محمود محمد شاكر دراسة إحصائية معجمية (حلقة 8والأخيرة)

*  *  *

(و)

وحد

[الوحدة]

سياق المصطلح:

– وفي شَأنِ القَصيدةِ التي شاءَ لها حُسنُ حَظّها أن يقعَ عليها بَصرُ جُوتْه -كَما قالَ- فَيُترْجِمَها، ثُمّ يَراها مُختَلَّةَ التَّرتيبِ، فَيَقْترِحُ لها جُوتْه تَرتِيبًا جديدًا= ثُمّ في شأنِ افْتقارِ القَصيدةِ العَربيةِ إلى الوَحدةِ، وفي شَأنِ الشِّعرِ العَربيِّ عَامّةً والشِّعرِ الجَاهليِّ خَاصَّةً= إلى شؤُونٍ أُخرَى جاءَتْ في فَاتحَةِ المَجَلَّةِ؟ هَل يَأْذنُ؟.[1]

– فَأثارَ في خاتمةِ مَقالِهِ مَسائلَ، منها: اخْتلالُ تَرتيبِ هذهِ القَصيدةِ، وما اقْتَرحَهُ جُوتْه منْ تَرتيبٍ جَديدٍ، ثُمَّ ما بَناهُ بعضُهمْ على ذلك منْ افْتقارِ القَصِيدةِ العَرَبيةِ إلى الوَحْدَةِ.[2]

فإذا تَمَّ هذا ، أو بَعضهُ، كانَ من المُمكنِ القَريبِ أن نُزيلَ الإِبْهامَ عنْ كَثيرٍ من مَواطنِ الإبْهامِ، وأنْ نَلُمَّ ما تَشَعّثَ من روايةِ الشِّعرِ ومَا تَفَرَّقَ من دَواوينهِ، وأن نَضَع المَوازينَ القِسطَ التِي تَعْصمُنا من الزَّللِ في الحُكمِ على بِناءِ الشِّعرِ الجَاهلِّي، لأنَّهُ مُفْتقِرٌ إلى ما يُسمَّونهُ «وَحْدَةَ القَصِيدَةَ» وأكثر من يَلْهَجُ بمثلِ هذه المَقالةِ في شعرِ الجَاهليةِ، مِمّن لَيْسَ لهم بَصرٌ بالشِّعرِ، ولا مَعرفةٌ لهم بدَواوينِ شعرِ الجَاهليةِ، ولمْ يُمارسُوا قطُّ عَناءَ البحثِ عمَّا تفَرَّق في كُتبِ العَربيةِ من هذا الشِّعرٍ. [3]

-… ولكن نشأَ لهذه القضيّةِ الحَديثةِ ذيلٌ سابِغٌ تَسحَبُهُ حيثُ سارتْ، فيُثير عَجاجةً يُسمُّونها «وَحْدَةَ القَصِيدَةِ» وتكون دليلًا على افتقارِ شعرِ الجاهليةِ، وغير شعرِ الجاهليةِ أيضًا إلى هذه «الوَحْدَةِ».[4]

التعريف اللغوي:

جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: وحَدَ يحِد، حِدْ، وَحْدًا ووَحْدَةً وحِدَةً ووُحودًا، فهو أوحدُ، وحَد الشَّخصُ: انفرَد بنفسه “وحَد الرَّجلُ في بيته”. اتَّحدَ/ اتَّحدَ بـ يتَّحد، اتِّحَادًا، فهو مُتَّحِد، والمفعول مُتَّحَد به واتَّحد الشَّخصُ: انفرد. واتَّحدت الأشياءُ: اندمجت، صارت شيئًا واحدًا “اتّحدت الخيوطُ: صارت خيطًا واحدًا”. واتَّحد القومُ: اتّفقوا أو انضمّوا إلى وحدة يجمعهم فيها نوع العمل أو الخطّ السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ. واتَّحد بفلان: اجتمع به.[5]

التعريف الاصطلاحي:

وحدة القصيدة: ائتلافُ أطرافها واجتِماعُ ما تشعَّثَ منها وتَفَرَّقَ حتى أصبحت كالشيءِ الواحدِ الذي لا يَقبلُ التجزيءَ.

*      *      *

وصل

[وصله وصلا]

سياق المصطلح:

– وبقطعهِ أواصرَ هذا القسمِ الرَّابعِ من القِسمِ الثَّاني وَصَلَهُ وَصْلًا مُتَلَاحِمًا جِدًّا بِنَغَمِ القِسْمِ الخَامسِ وهما بيْتانِ، فيهما أربعة زحافاتٍ، ثلاثةٌ منها في البيتِ الأخيرِ، وترك البيتِ يستدعِي ما قبلهُ بذكرِ «هذيل»، الذي تكرّرَ مرتينِ في البيتِ الثامن عشر، مع ما في البيتِ الثّاني والعشرينَ من المعنَى المُتَّصِلِ أَشَدّ اتِّصَالٍ، بمعنَى القِسمِ الرَّابعِ كلّهِ. وهكذا بلغَ زمنُ النَّفسِ الغَايةَ في الحِذقِ والمهارةِ والمَكرِ، والسّدادِ أيضًا.[6]

– بل لعل اتِّصَالَهُمَا خَفّف من حِدَّةِ التَّفَجُّعِ في بيتِ الرِّثاءِ، وبسط على أبياتِ التّمجيدِ ظلًّا هفَّافًا رقيقَا من كآبةِ الفقدِ، زاد أبياتَ التَّمجيدِ لَأْلاءً وبَريقًا. [7]

التعريف اللغوي:

جاء في الصحاح: [وصل] وصلتُ الشَّيءَ وَصلاً وصِلَةً-. ووَصَلَ إليه وُصُولاً، أي بَلَغَ. وأَوْصَلَه غَيرُه. ووَصَلَ بمعنى اتَّصَلَ، أي دَعا دعوى الجاهليَّة، وهو أن يقولَ يا لفلان. قال تعالى: (إلا الذين يَصِلونَ إلى قومٍ) أي يَتَّصِلونَ. والوَصْلُ: ضدُّ الهِجرانِ. والوَصْلُ: وَصْلُ الثوبِ والخُفِّ. ويقال: هذا وَصْلُ هذا، أي مثله. وبينهما وُصْلَةٌ، أي اتِّصالٌ وذريعة. وكل شيء اتصل بشيء فما بينهما وُصْلَةٌ، والجمع وُصَلٌ. ووَصَّلَه تَوصيلا، إذا أكثر من الوصل. وواصَلَهُ مُواصَلَةً ووِصالاً. و. منه المُواصلة في الصوم وغيره. والمَوْصِلُ: ما يُوصَلُ من الحبل.[8]

التعريف الاصطلاحي:

وصلَ الشيءَ بالشيءِ وَصْلاً متلاحما: ربطَه به ربطاً مَتيناً، والاتصالُ التَّرابطُ والتَّماسُكُ التَّام بين أبياتِ القصيدةِ وأنغامِها، فَينتظمُ نَسقُ الكَلماتِ في القَصيدة كأنها كَلمةٌ واحدةٌ.

*    *    *

وشج

[الوشائج]

سياق المصطلح:

– فإذا جاء الأمرُ إلى الشِّعرِ الجاهليِّ، فإن تَمثُّلَ القصيدةِ لا يَقتصرُ على مُجرَّدِ معرفتِنا بالألفاظِ وبمعانِيها، كما جَاءتْ في كُتبِ اللُّغةِ، بَلْ يَتعدَّاها إلى تَوسُّمِ ما لَحِقَها من الإِسْباغِ و التَّعريةِ، وإلى أُسلوبِ كُلّ شاعرِ منهم في احْتيالهِ على الإبانةِ المُوجزةِ عَن غوامض ما في نفسِهِ، وعلى الوَشَائِجِ التي تَتخلَّلُ الألفاظَ مُركَّبةً في جُملتِها عن قَصدٍ وعَمدٍ وإرادةٍ، ثُمَّ إلى ضروبٍ من المعرفةِ بأحوالِ العربِ في جاهِليَّتها، وما كانتْ تَأْخذُ، وما كانَتْ تَدَعُ من المَعانِي، وما كانت تَألفُ ممَّا يُحيطُ بها في حياتِها، في البادِيةِ وفي الحَواضرِ، وبِجَمهرَةِ الأَساليبِ المُختلفَةِ التي يَسْلكُها الشُّعراءُ في بناءِ القَصيدةِ لبِنةً لَبنةً، حَتَّى يَسْتويَ بِناءً قَائمًا مُنضَّدًا.[9]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: وشج: وَشَجَتِ العُروقُ والأَغصان: اشْتَبَكَتْ، وكلُّ شَيْءٍ يَشْتَبِكُ. وَشَجَ يَشِجُ وَشْجاً ووَشِيجاً، فَهُوَ واشِجٌ: تَداخَلَ وتَشابكَ والْتَفَّ، والوَشِيجُ: شَجَرُ الرِّمَاحِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا نَبَتَ مِنَ القَنا والقَصَب مُعْتَرِضًا؛ وَفِي المُحْكَمِ: مُلْتَفّاً دَخَلَ بعضُه بَعْضًا، وَقِيلَ: سمِّيت بِذَلِكَ لأَنه تَنْبُتُ عروقُها تَحْتَ الأَرض،  ورَحِمٌ واشِجةٌ ووَشِيجَةٌ: مُشْتَبِكَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَقَالَ الكِسَائِيُّ: لَهُمْ وَشِيجةٌ فِي قَوْمِهِمْ ووَلِيجَة أَي حَشْوٌ. وأَمر مُوَشَّجٌ: مُداخَلٌ بعضُه فِي بَعْضٍ مشتبِكٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

حَالًا بحالٍ يَصْرِفُ المُوَشَّجا

وَلَقَدْ وَشَجَتْ فِي قَلْبِهِ أُمورٌ وهُمُومٌ، وَعَلَيْهِ أَوشاجُ غُزُولٍ أَي أَلوان دَاخِلَةٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ.[10]

التعريف الاصطلاحي:

وشجَت عناصرُ القَصيدةِ: تَشابكَت واتَّصَلَ بعضُها ببعض حَتّى أصبحَت بنيةً لغويةً متماسكةَ الأطراف.

*    *    *

وغل

[التوغل]

سياق المصطلح:

– فهذِه صفةُ البابِ الثَّاني من المَنهجِ. فهو، كما تَرى، مُرْتقًى عَويصٌ صَعبُ الجَانبِ، مُتشعِّبُ المَذاهبِ، سَالكهُ سارَ عَلى غَررٍ. فَمن رامَ التَّوَغُّلَ فيه بلا مَوهِبةٍ أُوتِيَها وبلا عُدّةٍ هَيَّأهَا، وبِلا وَرَعٍ يُكَفكِفُ من جُرأتهِ وتَهوُّرهِ بلغَ الغايةَ في الإساءةِ، وشَمخَ عليه الشّعر، ولنْ يَأمنَ أَن تَزلَّ به قَدمٌ إلى مَهوَى بعيدِ القَرارِ. [11]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: وغل: الوَغْلُ مِنَ الرِّجَالِ: النَّذْل والضعيف السَّاقِطُ المقصِّر فِي الأَشياء، وَالْجَمْعُ أَوْغَال؛ وَقِيلَ: الوَاغِلُ الداخِل عَلَى الْقَوْمِ فِي شَرابهم، وَقِيلَ: هُوَ الداخِل عَلَيْهِمْ فِي طَعَامِهِمْ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: الوَاغِلُ فِي الشَّرَابِ كالوارِش فِي الطَّعَامِ؛ وَقَدْ وَغَلَ يَغِلُ وَغَلاناً ووَغْلًا إِذا دَخَلَ عَلَى الْقَوْمِ فِي شَرابهم فشَرِب مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَن يُدْعى إِليه، وَاسْمُ ذَلِكَ الشَّرَابِ الوَغْلُ؛ ووَغَلَ فِي الشَّيْءِ وُغولًا: دَخَلَ فِيهِ وَتَوَارَى بِهِ، وَقَدْ خُصَّ ذَلِكَ بالشجَر فَقِيلَ: وَغَل الرَّجُلُ يَغِل وُغولًا ووَغْلًا أَي دَخَلَ فِي الشَّجَرِ وتَوارى فِيهِ. ووَغَلَ: ذهَب وأَبعَد، وَكَذَلِكَ أَوْغَلَ فِي العِلْم. وفي الحَديث: إِن هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفقٍ وكلُّ داخِل فَهُوَ واغِل؛ وكلُّ داخِل فِي شَيْءٍ دُخولَ مستعجِلٍ فَقَدْ أَوْغَلَ فِيهِ. والوُغُول: الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ. [12]

التعريف الاصطلاحي:

التَّوغُّل في الشعر والكَلامِ ونَحْوه: الدُّخولُ فيه والإحاطةُ التَّامةُ بمَعانيه وبمَذاهبِ الشُعراءِ على اختِلافِ وجُوهِ البيانِ، والتّوغُّلُ في مَعاني الكلام ومَبانيه شرطٌ في بنائه وتأليفه على الوجه الذي يَمنحُه صفةَ التماسُك والانسجام

*    *    *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] نمط صعب ونمط مخيف، ص:33

[2] نفسه، ص: 37

[3] نفسه، ص: 43-44

[4] نفسه، ص: 292-293

[5] معجم اللغة العربية المعاصرة 2/2409

[6] نمط صعب ونمط مخيف، ص:250-252

[7] نفسه، ص: 167

[8] الصحاح، 5/1842-1843

[9] نمط صعب ونمط مخيف، ص: 134

[10] لسان العرب، 2/398-399

[11] نمط صعب ونمط مخيف، ص: 139

[12] لسان العرب، 11/732-733

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق